تعليم العربية لغير الناطقين بها في ميزان أهل الاختصاص
تاريخ النشر: الخميس 12 يونيو 2014عبير زيتون توخت صحيفة «الاتحاد» في إطار ملفها الشامل حول اللغة العربية، التوقف عند جانب لا يقل أهمية عن واقع اللغة العربية ومستقبلها، وهو التوقف عند قضية تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، خاصة أن دولة الإمارات العربية المتحدة وضمن رؤيتها الرشيدة للحفاظ على اللغة العربية، أطلقت حزمة من المبادرات النوعية الهادفة إلى الحفاظ على اللغة العربية وتعزيز مكانتها في المجتمع، منها افتتاح معهد لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها في جامعة زايد، ليكون الأول من نوعه، وبداية لسلسلة من المعاهد المتخصصة، يتم عبرها التعاون مع جامعات عالمية أخرى لاستقبال الطلاب المهتمين بالعربية والبعثات العلمية الراغبة في تعلمها في دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي فرصة ذهبية يوفرها المعهد للمهتمين بالاطلاع على التراث العربي الغني بمفرداته، كما عقد في أبوظبي العام الماضي أول مؤتمر دولي لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، خرج بتوصيات شارك فيها نخبة من الأكاديميين العرب، استعرضوا خلاله دور وأهمية نشر مثل هذه المراكز اللغوية العربية في أنحاء العالم، مع أفضل الوسائل والأساليب التعليمية. وفي هذا الإطار، طرحنا أسئلة محددة على أكاديميين متخصصين بمسألة اللغة من داخل الإمارات وخارجها، مع التوقف عند تجربة الإمارات، ودور دار زايد للثقافة الإسلامية التي رعت المؤتمر الدولي الأول لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، وصولاً إلى تحقيق الغاية المرجوة من الاستطلاع، وهي: أهمية ودور مراكز تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، وأسباب قلة عددها، وواقع مناهجها، والقائمين عليها، والى أي حد نجحت في دورها ورسالتها، مع لقاءات حية مع الجاليات الأوروبية التي تعلمت العربية أو في طريقها لتعلم العربية بغية الوقوف على واقع التجربة وحيثياتها من خلال نماذج حية وواقعية. وفي ما يلي حصيلة هذا الاستطلاع:
الدكتورة نجوى محمد الحوسني، مساعد العميد لشؤون الطلبة ودعم الخريجين، كلية التربية ـ جامعة الإمارات العربية المتحدة، قالت: «تعد اللغة وسيلة اتصال بين شعب وشعب. وإن اختلفت رموزها من هذا إلى ذاك، فإن تعليمها لغير الناطقين بها، من غير المسلمين، خاصة، يحمل في طياته هذه الرسالة السامية على المستويين الثقافي والحضاري، ومن خلال اللغة يمكن لمعلمها، خاصة إذا كان عربياً أو مسلماً، أن يمد الجسور بفعالية، إلى متعلمها، وينقل إليه، على المستويين الذاتي والخارجي، عناصر التلاقي بين مختلف أبناء البشر. وما كان للمجتمع البشري أن يصل لما وصله الآن من تعايش تربطه قوانين موضوعة، من دون التعاون الفكري الذي ينظم الحياة، ولا يتأتى إلا بالحوار والتفاهم، وتبادل الأفكار والمصالح، بين الأمم تبادلاً وسيلتُه الأنجع هي لغة الكلام التي من دونها ينحط التفاهم إلى مستوى التعبير عن المدركات المحسوسة والانفعالات الأولية غير المدروسة، فالحضارة الإسلامية، بمادتها النبيلة ومبادئها السامية، هي حضارة الحوار والتفاهم والتعايش بامتياز. فالحوار مع الآخر مفهوم يتأطر في إطار العلاقات الإنسانية العامة. يقول تبارك وتعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ» (الحجرات:13). وتحتضن العربية، بهذا المفهوم، وهي لسان الذكر الحكيم، كثيراً من العناصر التي تمكّنها من إنجاح مهمتها في حوار الحضارات، بمعنى تقديم الحضارة الإسلامية للآخر، وهو متعلم العربية، تقديماً موضوعياً مقبولاً، من خلال تعليمه خصائص هذه اللغة وأسلوبها الفريد، حيث القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف أنموذجاً، ومعينها الذي لا ينضب». مبادرة إماراتية وتتابع الدكتورة الحوسني: «دولة الإمارات أدركت أهمية نشر اللغة العربية على المستوى العالمي في الآونة الأخيرة، وقد جاء هذا الاهتمام من رؤيتها وسياساتها التعليمية، فاهتمت بتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها اهتماماً كبيراً، وكان آخرها ما أطلقه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، في مبادراته لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين في عدة مجالات، أهمها: 1 - إنشاء معهد في جامعة زايد وهو أول معهد سيكون ضمن شبكة من المعاهد، وسيتم التعاون فيه مع الجامعات المتخصصة حول العالم؛ لإيفاد الطلاب والبعثات لتعلم اللغة العربية في الإمارات، حيث يشكل المعهد فرصة لجميع المهتمين حول العالم للاطلاع على التراث العربي الغني. 2 - إنشاء كلية للترجمة ضمن مظلة كلية محمد بن راشد للإعلام في الجامعة الأميركية بدبي التي تهدف لتخريج المترجمين الذين ستتزايد الحاجة إليهم، خاصة مع السياسات والقوانين الجديدة التي ستعزز من اللغة العربية في المجتمع. وتهدف الكلية لترجمة العلوم والمعرفة وتنشيط حركة التعريب في المنطقة. 3 - إطلاق مبادرة إلكترونية لتعزيز المحتوى العربي على الإنترنت، حيث سيشرف صندوق الاتصالات ونظم المعلومات التابع للهيئة العامة للاتصالات على هذه المبادرة. 4 - إعداد وثيقة وطنية لمادة اللغة العربية للناطقين بغيرها 2011 ينبثق عنها مناهج وطنية مبنية وفق معايير عالمية، لتدريس اللغة العربية بوصفها لغة ثانية. وعن أسباب ضعف المناهج التعليمية لغير الناطقين بها، وتأثير ذلك على الإقبال عليها، أكدت الدكتورة نجوى أنه مضى أكثر من ربع قرن من الزمن على السلسلة التي تدرس حالياً في مدارس الدولة وهي (سلسلة أحب العربية) التي تصدر عن المكتب العربي لدول مجلس التعاون الخليجي، وقد عقدت لقاءات عدة لتطوير المناهج التعليمية، وتم الإشارة إلى مواطن الضعف فيها من قبل المعلمين والمختصين وأولياء الأمور، لكن دون اتخاذ قرار إلزامي بشأن اعتماد منهج بديل يوائم التطورات العالمية في مجال تعليم اللغة العربية، بوصفها اللغة الثانية. كما أنه لا توجد رؤية موحدة على مستوى العالم العربي لتعليم العربية لغير الناطقين بها، مع قلة الوسائط والبرامج الإلكترونية الإثرائية المبنية وفق مستويات تعليمية ممنهجة، والاكتفاء بما هو موجود على مستوى الجهود الفردية. وعن السبل الكفيلة بتحقيق الغاية المرجوة من تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، رأت الدكتورة نجوى ضرورة نشر ثقافة تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها عبر وسائل الإعلام المرئية والمقروءة، ورفع التقارير إلى المسؤولين لتصوير واقع تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها في مدارس الدولة كافة، مع إعداد الدراسات والبحوث التي ترصد واقع تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها؛ لتشخيص القصور وتحديد أسبابه، وإعداد الخطط التطويرية، سواء المتصلة بتطوير كفايات المعلمين المهنية والعلمية أم بمخرجات التعلم في المنهج والمقرر الدراسي، أم المتعلقة بالبيئة المدرسية، والوسائط التعليمية والمخابر اللغوية، بالإضافة إلى ضرورة الاطلاع على المناهج المعتمدة في المدارس الخاصة، وتبادل الخبرات وعرض التجارب الناجحة في مجال المناهج وطرائق التدريس والتقويم؛ لتعميم ما هو مفيد وممتع. تعدد الأغراض من جانبه يقول د. سيف محمد المحروقي، وكيل كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية ـ جامعة الإمارات العربية: مما لا شك فيه أن تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها يردم تلك الهوة الشاسعة بين ثقافات بعض الشعوب، فمن شأن تعليم اللغة العربية لتلك الشعوب أن يتيح فرصاً أكبر من التواصل والتلاقح الفكري، ونحن حين نتكلم عن تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، فإننا نستهدف فئتين: أولاها تلك التي تتعلم اللغة العربية لأغراض دينية بقصد التعبد، والفئة الأخرى تلك التي تتعلم اللغة العربية لأغراض تواصلية، سواء أكان للسياحة أم التجارة أم بغرض التقارب مع الشعوب العربية، فكما عبر العالم اللغوي ابن جني عن ماهية اللغة بقوله: «هي أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم»، فتنوع الأغراض مرده الغاية والهدف من تعلم اللغة العربية، وقد أدرك الغرب أهمية تعلم اللغة العربية، فنرى أفواجاً تفد على الوطن العربي من أميركا وأوروبا، والصين واليابان ودول العالم قاطبة، لتعلم اللغة العربية، كل بحسب غرضه منها، فاللغة العربية اليوم تتبوأ مكانة مهمة بين لغات العالم، ما دفع بتلك الدول إلى إنشاء معاهد وكليات لتعليم اللغة العربية في بلدانهم. ويضيف: «إن تجربة الإمارات في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها تعد حديثة نسبياً، لا سيما إن كنا نتحدث عن تعليم اللغة العربية وفق مناهج وأصول ثابتة إلى حد ما، فلدينا في الإمارات معهد تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها في جامعة زايد، وهو إحدى مبادرات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم لدعم اللغة العربية، كما لا يخفى الدور الذي تمارسه دار زايد للثقافة الإسلامية، فلديها رصيد لا بأس به من الخبرة، سواء من خلال المحاضرات والدروس أو من خلال عقد ندوات ومؤتمرات تستقطب التجارب العالمية في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها. وقد كان لجامعة الإمارات دور مشهود في هذا المضمار، وذلك من خلال إنشاء مركز العين لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، وقد استقبل المركز خلال سنواته القليلة الماضية أعداداً كبيرة من الطلبة من مختلف بلدان العالم وبمختلف المستويات وحقق نجاحاً يحسب له. كما كان لوزارة التربية والتعليم في الدولة دور في المساهمة في وضع أسس علمية واضحة لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، وتمثل ذلك في إعداد وثيقة تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، حيث شارك في إعدادها نخبة من الأكاديميين والمختصين والمتمرسين في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، وقد تكون هذه الوثيقة فريدة من نوعها ولها فضل السبق في إخراج وثيقة، وفق معايير تربوية ومنهجية رائدة، مستفيدة من تجارب الآخرين ومقيّمة لواقع تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها. وما زالت جهود الإمارات مستمرة في دعم اللغة العربية للعرب ولغير العرب، ولعل آخرها جائزة اللغة العربية التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم خدمة للغة العربية، حيث أطلقت العنان واسعاً في مجال خدمة اللغة العربية التي تتضمن الجهود والمبادرات التي تعنى بتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها». مناهج قديمة ويقول المحروقي: «لعل من أهم أسباب ضعف مناهج تدريس اللغة العربية للناطقين بغيرها هو الاعتماد على مناهج استهلكت ردحاً من الزمن، ولم يطرأ عليها تغيير جوهري في المضمون وطرائق التدريس، وفق أحدث النظريات التربوية، ناهيك عن أن بعض تلك المناهج لا يخرج عن كونه جهوداً فردية أو ضمن مؤسسات صغيرة يعوزها الخبرة والمنهجية الواضحة، وعلى الرغم من ذلك، فإن جهودهم مشكورة، فهم يبذلون قصارى جهدهم في خدمة اللغة العربية». ويتابع: «أعتقد أنه قد حان الوقت لإنشاء مؤسسة أكاديمية كبيرة تعنى بتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، تصب اهتمامها على تصميم مناهج تربوية وعلمية حديثة، بحيث توظف كل الإمكانات المادية والفكرية في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، وأن تسعى للاستفادة من التجارب السابقة والحالية في هذا الميدان، وتستجلب إليها الخبرات المحلية والعالمية من المجالات كافة، فتعليم اللغة العربية ليس مقصوراً على أرباب التربية وأهل المناهج فقط، بل لا بد أن ينظر إلى الأمر من زوايا متعددة: نفسية واجتماعية وثقافية وتربوية واقتصادية أيضاً. إن وجود مثل هذه المؤسسة سيكون من شأنه أن يوظف كل الإمكانات والجهود في سبيل تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، وستكون مرجعاً لجميع المحاولات والأفكار التي تسعى أن ترى النور يوماً، كما أنها ستنظم عملية المناهج والأساليب، وفق آليات مدروسة ورؤى واضحة». جهد مؤسسي عن دور دار زايد للثقافة الإسلامية في أبوظبي، أكدت السيدة موزة الكتبي مديرة إدارة الشؤون الثقافية في الدار، أنه انطلاقاً من المكانة المتميزة التي تحتلها اللغة العربية بين لغات العالم، إذ تمثل اللغة العربية وعاء لفهم الثقافة الإسلامية لأكثر من مليارين من البشر، فقد تنامى الاهتمام بتدريسها وتعليمها على نطاق عالمي واسع، ولأهداف وأغراض شتى، دينية وثقافية واجتماعية واقتصادية، فاللغة جسر للتواصل الحضاري مع الثقافات الأخرى، وحرصاً من دار زايد للثقافة الإسلامية على خدمة رعاياها من المهتدين الجدد والمهتمين بالثقافة الإسلامية، وإيماناً منها بأهمية دورها في دمج المهتدين الجدد في المجتمع المحيط، أطلقت الدار دورات لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، وذلك بهدف إيجاد وسيلة فاعلة تساعد المهتدي الجديد في التواصل والتقارب الفكري سواء لأغراضه الخاصة أو للاستزادة من الدين الإسلامي، حيث إن التعاليم الإسلامية تحمل في طياتها القيم الروحية التي يمنحها الإسلام لكل مسلم التي تكمن فيها روح الألفة والأخوة التي تربط بين قلوب الشعوب على اختلاف أجناسها برباط التسامح والمودة. من ناحية أخرى، فإن الدار من خلال طرحها لبرامج تعليم اللغة العربية للمهتمين تسعى كذلك لتلبية أغراض المتعلمين الأجانب وتغطية حاجاتهم، بحيث يسهل عليهم التواصل والتفاهم مع الآخرين. وأكدت موزة الكتبي أنه انطلاقاً من هذه الدوافع، أقامت الدار مؤتمر أبوظبي الأول لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها (تجارب وطموحات) في ديسمبر 2013م، لمواكبة كل جديد في تعليم اللغة العربية كلغة ثانية، والاستفادة من تجارب الآخرين في بناء المناهج والأطر والأدوات، وفي تأليف الكتب وإعداد المقررات، وذلك بهدف توفير أفضل الوسائل التعليمية في تعليم اللغة العربية، وأحدث الاستراتيجيات المتبعة والطرائق المثلى في ذلك، وبالفعل وبعد النجاح الذي حققه مؤتمر أبوظبي الأول لتعليم اللغة العربية، تكللت جهود الدار في إعداد مناهج مميزة لتعليم اللغة العربية بعد الاستفادة والاستعانة بنخبة من الأساتذة والمتخصصين من ذوي الخبرة في هذا المجال الذين أعَدَّوْا ثلة من البرامج التي تخدم بشكل فاعل أغراض المتعلمين على اختلافاتها، مع توظيف التقنيات الحديثة وتنفيذ الدورات والورش التدريبية للكادر التدريسي في الدار، من أجل توفير المنهج الجيد والمعلم المتدرب المؤهل والبيئة المناسبة، هذه العناصر الثلاثة التي تحقق نجاح العملية التعليمية، وتضمن كذلك للمتعلم تحقيق ما يسعى له في تعلمه اللغة العربية لدورها الكبير في التواصل بينه والمجتمع المحيط به. وأكدت الكتبي أن دولة الإمارات العربية المتحدة تتجه بشكل عام، وإمارة أبوظبي بشكل خاص، إلى تعزيز اللغة العربية ومفهومها، حيث أولى صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وإخوانه أصحاب السمو أعضاء المجلس الأعلى حكام الإمارات، اللغة العربية اهتماماً بالغاً في سائر التعاملات اليومية، وفي مؤسسات الدولة ودوائرها، ولهذا تم إنشاء المجالس الثقافية والجمعيات، والمهرجانات الشعرية الفصيحة وغيرها. إمكانيات ومعوقات من جانبها، تقول الدكتورة سلوى محمد أحمد عزازي، دكتوراه مناهج وطرق تدريس لغة عربية، محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراه، ومدرب معتمد بجامعة الزقازيق ـ مصر: «أصبح تدريس العربية لغير الناطقين بها ضرورة ملحة، حيث يمكن من خلالها عرض الحضارات العربية على غير الناطقين بها، لإتاحة فرصة التقارب بين الشعوب العربية وغيرها وأفراد الأمة الإسلامية على اختلاف لغاتهم، فهناك العديد من الدول الأجنبية الكبرى غير الناطقة بالعربية، أدركت دور اللغة العربية في الحياة الإنسانية المعاصرة، لكونها لغة حية وذات ثقافة عريقة، لغة عدد هائل من السكان، ولغة معظم العلماء الذين تقوم عليهم حضاراتهم مثل الدكتور أحمد زويل.فاللغة العربية كثيرة المرادفات، وتتميز بوجود علامات التشكيل التي تغير المعنى في حال اختلاف النطق، لذا يشعر بعض المتعاملين بصعوبة التعامل معها، وهنا يبرز دور مراكز اللغة التي يقوم عليها نخبة من علماء اللغة الذين يقع على عاتقهم توضيح وتسهيل التعامل مع اللغة، خاصة أننا في العصر الحديث نشهد تكتلات لغوية كبيرة، كمجموعة الكومنولث لدول الاتحاد السوفييتي السابقة، ومجموعة الفرانكفونية الناطقة بالفرنسية، ومجموعة أميركا اللاتينية الناطقة بالإسبانية، إذ تمثل تلك الرابطة اللغوية رباطاً متيناً يوثق العلاقات بين شعوب تلك الدول، ومن فوائد نشر اللغة العربية أنه سيؤدي إلى بناء علاقات مماثلة لتلك الروابط تسهم في ربط أبناء اللغة في جميع الأنحاء، ما ييسر الإفادة والاستفادة ويؤدي إلى التقارب بين الحضارات. وتضيف: «هناك أسباب عدة أدت إلى الاعتقاد بأن تعليم اللغة العربية يفتقر للوسائل الحديثة في التعليم التي تجعلها مرغوبة وقابلة للحياة، منها: اختلاط العرب بالعجم وظهور اللهجات العامية كلغة التعامل، ما أدى إلى الاعتقاد بجمود اللغة العربية، والاعتقاد الخاطئ بقصور اللغة العربية وعدم قدرتها على استيعاب مفردات اللغات الأخرى، والاعتقاد بأن اللغة العربية لغة مشاعر تظهر في الشعر، وهذا لا يتوافر في التكنولوجيا الحديثة، وعدم تدريب المعلم على استخدام الوسائل الحديثة للتخبط في تعيين المعلمين، حيث يوضع بعض المعلمين بعيداً عن تخصصاتهم، ورغبة المعلم في الاحتفاظ بالطريقة التقليدية التي اعتاد عليها تجعله لا يميل للتغيير، وعدم اقتناع المعلم بالتغيير يجعله يقاومه، وعدم توافر الوسيلة لضعف الإمكانات المادية». توحيد الجهود ويقول الدكتور خالد أبو عمشة، دكتوراه في اللسانيات ومناهج اللغة العربية وطرائق تدريسها للناطقين بغيرها، المدير الأكاديمي لمركز قاصد لتعليم اللغة العربية الكلاسيكية والمعاصرة للناطقين بغيرها في الأردن: يعتبر تعليم العربية للناطقين بها أهمية بالغة كونها لغة القرآن الكريم الذي تكفل الله عز وجل بحفظها وصونها حتى قيام الدين، إذ يقول جل في علاه «إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون». إن اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض واجب، فإن فهم الكتاب والسنة فرضٌ، ولا يفهم إلا باللغة العربية، ومالا يتم الواجب إلا به، فهو واجب، يقول الإمام الشافعي «ما جهل الناس، ولا اختلفوا إلا لتركهم لسان العرب»، وقال الحسن البصري في المبتدعة «أهلكتهم العجمة». وتمثل العربية أقوى الروابط والصلات بين المسلمين في كل بقاع العالم. ونجد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: «تعلموا العربية فإنها من دينكم، وتعلموا الفرائض فإنها من دينكم، كما أنها أقدم لغة حية حتى الآن، فهي تعود لأكثر من ألف وستمائة سنة في عمق التاريخ وعرضه، هذا ما نعرفه عنها، وما لا نعرفه قد يكون أعمق وأقدم بكثير، وهي لغة العلم والأدب والسياسة والحضارة لأكثر من عشرة قرون متتاليات. كتبت فيها كنوز من المعارف والعلوم ولا يزال كثير منها لم يتكشف بعد. كما أنها اللغة الرسمية لاثنتين وعشرين دولة عربية، تعد فيها العربية اللغة الرسمية في دساتيرها وحياتها ومعاملاتها اليومية. ويتحدث بها أكثر من (422) مليون شخص، ويحتفلون بها سنوياً في يوم العربية العالمي. ورأى الدكتور خالد أن هناك ضعفاً في مناهج تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، لأن عمليّة التدريس أياً كان نوعها أو نمطها أو مادتها أو محتواها، فإنها تعتمد اعتماداً كبيراً على الكتاب المنهجي، وهو بهذا المفهوم يعدّ ركناً من أركان عمليّة التعليم وعنصراً من عناصرها، وركيزة من ركائزها، ولذلك تعدّ نوعيّة الكتاب وجودته أبرز الأمور التي تشغل بال المهتمين بحقل تعليم العربية للناطقين بغيرها. ولعل الحاجة لمثل هذا الكتاب الممنهج ضروريّة في ظل إقرار معظم المراكز المشتغلة بتعليم العربية للناطقين بغيرها بعدم توافر المدرس الكفء المتخصص في تعليم العربية للناطقين بغيرها، الذي قد يغطي وجوده جوانب النقص التي تعجّ بها مناهج تعليم العربية للناطقين بغيرها. وعن أهم الصعوبات التي تواجه القائمين على تدريس اللغة العربية لغير الناطقين بها من خلال تجربته مع معهد قاصد لتعليم العربية للناطقين بغيرها، قال الدكتور أبو عمشة: إن نوعية وطبيعة المادة المقدمة غير متناسبة وطرائق إخراجها، اختيار المفردات والتراكيب اللغوية وأساليب معالجتها، محتويات الكتب اللغوية والثقافيّة والدينيّة، الوسائل التعليمية المرافقة للكتاب، ملاءمة الكتاب لمستويات الطلبة، الخلط في وضع المناهج للناطقين بالعربية ولغيرها. قيامها على خبرات المدرسين ومجهوداتهم الشّخصيّة. وحول السبيل لتحقيق الغاية المرجوة في نشر اللغة العربية لدى غير الناطقين بها، رأى أن اللغة العربية تحتاج إلى تضافر كل الجهود الفردية والمؤسساتية والوطنية والإقليمية والدولية، ومن أهم الخطوات التي ينبغي أن نسير في اتجاهها، إنشاء مؤسسة عربية توحد الجهود المتفرقة حول العالم العربي، تهدف فيما تهدف إليه بشكل رئيسي إلى تصميم اختبار دولي للكفاءة اللغوية للغة العربية، مثل امتحان التوفل والأيلتس، ووضع إطار عام فلسفي لتعليم اللغة العربية للناطقين بها وللناطقين بغيرها عبر مستوياتها المتعددة، يكون مرجعاً لكل العاملين في هذا الميدان، كالإطار الأوروبي ومعايير المجلس الأميركي للغات، وبناء مناهج تعليمية لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، تقوم على أسس فلسفية وثقافية واجتماعية ونفسية ولغوية، ووضع مخطط علمي بين يدي مؤلفين ذوي كفاءة وأهلية لإعداد كتاب أساسي يغطي جميع المستويات، ذي منهجيات علمية يمكن أن يعتمد في الميدان ويكون مرجعاً لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، مع ضرورة عقد مؤتمر دولي عربي بصفة دورية يقوم على متابعة عملية تعليم العربية وحل المشكلات الرئيسية لتعليم العربية، بوصفها لغة أولى أو لغة أجنبية، بالإضافة إلى نشر سلاسل متعددة من العلوم اللغوية النظرية والتطبيقية التي تساعد في عملتي تعلّم العربية وتعليمها. عدم مرونة الكاتبة ميسون قصاص، وهي مجازة في القراءات العشرة للقرآن الكريم مع درجة الأستاذية في علوم الحديث النبوي الشريف وكاتبة قصص الأطفال ورسامة وناشطة في مجال تنمية الجانب الخاص بأبطال الحياة وتطوير مفهومه، مقيمة في السعودية، رأت أن هناك صعوبات تتعلق باللغة العربية نفسها من حيث نظامها الصوتي والنحوي والصرفي والدلالي... وهناك صعوبات في الاستماع والقراءة والحديث بها، إلى جانب صعوبة فهم ثقافة اللغة العربية. وبالتالي نحن بحاجة إلى اهتمام كبير بمناهج اللغة العربية، خاصّة لغير النّاطقين بها، ولا يمكن بحال من الأحوال اعتماد مناهج الناطقين بالعربية كمناهج لغير الناطقين بها بسبب الفروق الأساسية بينهم وعلى أكثر من مستوى.. وكثير من المهتمِّين بنشر اللغة العربية قد أغْفلوا كثيراً من هذه الفروق الأساسية زمناً طويلاً، وكانوا ـ وما زالوا مع الأسف ـ يبعثون بالكتُب التي نستعمِلها في مدارسنا العربيَّة إلى البلدان غير العربية، التي تطلب المساعدة في تعليم لغتِنا في مدارسها، وهذا طبعاً شيء غير صحيح، سيما وأنّ مناهجنا التي ندرّسها لأبنائنا تفتقر إلى المرونة والسّهولة والتعليم ممّا يعسّر العملية التعليمية للناطقين بها، فمن باب أولى أن يعسّرها لغير الناطقين بها. وأكدت ميسون أنّ مناهج اللغة العربية يعتريها ما يعتري سائر مناهجنا من الصّعوبة وعدم المرونة.. وذلك بسبب افتقار العملية التعليمية للعديد من الأمور، ومن أهمّها مهارات التّشويق والتّحفيز، مهارات التّواصل، الوسائل الحديثة المتطوّرة، تناغم المادّة العلميّة مع واقع الحياة، بالإضافة للبيئة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية المعينة على تيسير العملية التعليمية. |
||||||||||||||||||
|
||||||||||||||||||
|
||||||||||||||||||
|
||||||||||||||||||
|
نشرت فى 12 يونيو 2014
بواسطة azazystudy
الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
4,783,104
ساحة النقاش