الثورة المصرية‏..‏ الأهداف في خطر
بقلم: د‏.‏ عبدالحافظ الكردي 121 

إن الشباب الذين فجروا الثورة والتحمت معهم جماهير الأمة وساندهم جيش مصرالعظيم‏,‏ وكذلك الذين استشهدوا وجرحوا‏,‏لم يكن ليتصور ما يجري اليوم في الشارع المصري وتداعياته الخانقة علي الاقتصاد القومي والمجتمع‏.‏

 

فإذا سلمنا بأن النظام الاقتصادي وحالة الاقتصاد في أي دولة تمثل القاعدة الصلبة التي تؤثر في صياغة مفهوم وعناصر العدل الاجتماعي وتوفير مناخ الحرية, أمكن لنا فهم التداعيات الخطيرة لحالة الانفلات والفوضي التي يموج بها الشارع المصري اليوم وأثرها الحتمي علي الأوضاع الاقتصادية, ومن ثم علي تحقيق الأهداف النبيلة التي يتطلع إليها المصريون, والتي بها وحدها يتحقق لثورتهم النجاح. فالثورة, شأن كل حدث عظيم في تاريخ الشعوب, يحكم لها أو عليها بمدي وفاعلية تحقيق الأهداف والنتائج. وتتمثل هذه الحالة فيما يلي بصفة خاصة:
1 ـ التظاهرات الفئوية بصرف النظر عن مدي مشروعيتها كلها أو بعضها.
2 ـ الوقفات والمصادمات التي تثير الفتنة بين أبناء الأمة علي خلفية دينية, أو الاحتجاجات علي خلفية أمور تدخل بطبيعتها في دائرة الحقوق الشخصية.
3 ـ انتشار أعمال البلطجة خصوصا بعد الهروب الجماعي لمحترفي الإجرام من بعض السجون, مصحوبا في بعض الحالات بسرقة أسلحة وذخائر.
4 ـ الانفلات الأمني: ان الأمن علي عموم اللفظ يشكل المدخل الأهم للاستقرار الذي هو إحدي الركائز الأساسية لتحقيق التنمية بمفهومها الشامل العام منه والخاص. ومع التسليم بأهمية الوجود الشرطي كقوة رادعة في الأساس, ولكونها أحد الرموز المهمة لهيبة الدولة, فإن الانفلات الأمني في جوهره الغالب انفلات في مفهوم الحرية يخلق عند صاحبه حالة من الفوضي تمثل نشازا ترفضه قيم التعايش في الجماعة الإنسانية وتجرمه مباديء احترام الحقوق المتبادلة بين الفرد والدولة, وتلك المشتركة والمتبادلة بين الأفراد والجماعات فيها. والحقيقة أنه لولا حالات الهروب الجماعي من بعض السجون. وما تبعها من انتشار ظاهرة البلطجة وكثرة العشوائيات وتزايد الفقر وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب, لما شعر المجتمع بجسامة النقص الحاصل حاليا في جهاز الشرطة وما كان ليكون الانفلات.
لقد تولدت عن مجمل الأسباب السابقة آثار اقتصادية واجتماعية بالغة الخطورة تمثلت بصفة أساسية في توقف عجلة الإنتاج بنسبة تجاوزت50%, تراجع معدلات التصدير بنسبة تصل إلي40% ونقص عوائد السياحة بنسبة تصل إلي80%, وارتباط ذلك بتسريح عدد كبير من العاملين في هذا القطاع, والذين يصل عددهم إلي نحو مليونين وتناقص في عوائد المصريين العاملين بالخارج, وانكماش الاستثمارات العربية والأجنبية, بل والمحلية منها, ونقص أو توقف تدفقات ما كان متوقعا منها, والخسائر الناتجة عن توقف نشاط بورصة الأوراق المالية لعدة أسابيع وتلك التي لحقت بها بعد تشغيلها. وقد وضعت هذه الصورة لحالة الاقتصاد الثورة في مأزق حقيقي من شأنه ـ حال استمراره ـ أن يشكل تهديدا قويا مباشرا لتحقيق أهدافها ومن ثم نجاحها في الأساس. ويتبلور هذا التهديد ويتجسد فيما يلي علي وجه الخصوص:
1) إبطاء, وأحيانا تعطل, الأنشطة الاقتصادية وإشاعة مناخ عدم الاستقرار وزعزعة الثقة في الاقتصاد المصري بصفة عامة.
2) تآكل الاحتياطي الاستراتيجي من النقد الأجنبي من36 مليار دولار إلي حوالي28 مليار دولار.
3) تناقص ضاغط في المخزون من السلع الاستراتيجية.
4) قفز معدل الفقر في مصر من نحو45% قبل الثورة إلي نحو70%, بينهم من هم دون حد الفقر ومعدمون.
5) توقعات تناقص معدل النمو الاقتصادي ليتراوح بين2% و3%.
6) توقعات بحدوث عجز في الموازنة العامة للدولة بنسبة تتراوح بين10% و12%.
7) خفض تصنيف المؤسسات المالية الدولية الموقف الانتمائي لمصر ووصفه بالخطر.
8) ارتفاع معدل البطالة وزيادة أعداد العاطلين عنها قبل الثورة ليقفز إلي حوالي أربعة ملايين بينهم حوالي45% من حملة المؤهلات العليا.
وهنا يطرح السؤال نفسه كيف يمكن, والحال كذلك, تحقيق أهداف الثورة في العدالة الاجتماعية والحرية والديمقراطية, بهذا الترتيب البنائي للأولويات المترابطة ولما بين هذه الأهداف الثلاثة الأساسية من شمولية وتكامل؟ القاعدة الذهبية هنا تتمثل في توفير العدالة الاجتماعية للجميع بدون تمييز, إذ بها فقط تتحرر الإرادة التي تمثل بدورها المدخل الحقيقي لثقافة الديمقراطية وسلامة الاختيار. والخلل في هذه المعادلة من شأنه أن يفرز في النهاية كل مضادات ونقيضات أهداف الثورة, وتصبح الحرية والديمقراطية ترفا تمارسه الأقلية القادرة حرام علي الأغلبية المحرومة. فالحرية والديمقراطية عند الفقراء أن يتوافر لهم أولا الحد الأدني من متطلبات الحياة الكريمة, وهي عند الأميين, الذين تصل نسبتهم إلي أكثر من40% من الشعب المصري, أن تتاح لهم فرص التعليم الجيد الذي يوفر لهم ليس فقط قدرا مناسبا من الثقافة بل أيضا يؤهلهم للعمل المنتج, والحرية والديمقراطية عند غير القادرين من المرضي أن يتوافر لهم العلاج الآدمي المناسب علي نفقة الدولة, وهي عند الموظف والعامل أن يحصل علي الحد الأدني للأجر أو الراتب أو المعاش الذي يرتبط بمستويات الأسعار ومتطلبات العيش الكريم ويتناسب معها... والحرية والديمقراطية عند المتلفحين بالعشوائيات أن يتوافر لهم المسكن الذي يحفظ عليهم آدميتهم, وهي عند المسنين أن تكرمهم الدولة في شيخوختهم, والحرية والديمقراطية عند الفلاحين, الذين يمثلون نحو65% من المصريين, أن يحصلوا علي السعر العادل لمحاصيلهم وأن تتوافر لهم فرص ائتمانية مناسبة وبدون استغلال... والحرية والديمقراطية عند الجميع أن تتحرر النفس من الخوف والإرادة من القلق والأمل من ضبابية المستقبل.
إن حالة الانفلات والفوضي التي أدت إلي تردي الأوضاع الاقتصادية في البلاد تعكس صورة قائمة لمزيج غريب من الانتهازية والتطرف والإجرام وضعف أو انعدام النخوة الوطنية وانقلاب علي أهداف الثورة. والمطلوب اليوم, أمام صرخة الوطن الذي تتعطل وتنزف طاقاته ويموج بالقلق, أن نستيقظ ونشحذ الهمم ونخلص الضمائر ونحزم الأمر للعمل والإنتاج بقوة وبسرعة مضاعفة لنعيد الأمن إلي مجتمع قلق. والتوازن إلي اقتصاد متعثر, مع التحلي بالصبر لتمكين الثورة من تحقيق أهدافها علي أسس موضوعية ثابتة وخلال اطار زمني معقول ومتدرج.. اليوم فرض علينا أن نضع مصر الوطن فوق الجميع بعيدا عن انزلاقات هامشية تحت أي مسمي.

 

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 127 مشاهدة
نشرت فى 15 يونيو 2011 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,796,156