د. مبروك عطية يكتب:الإسلام وعلاج العمى .. ٢-القوى الأمين

٣١/ ١٢/ ٢٠١٠

جاء وفد النصارى من نجران، واستقبلهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحسن استقبال على المعهود عنه - صلى الله عليه وسلم - من استقبال الوفود، وإكرامهم، وعرض الدين عليهم بما أمره به ربه، عز وجل، «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن».

وفى خاتمة اللقاء آثروا البقاء على دينهم، والعودة به، ولكن جد فى الأمر جديد، وهو أنهم يريدون من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يعين لهم أحد أصحابه ليكون حكماً بينهم فى مسألة لهم، فوعدهم - صلى الله عليه وسلم - بأن يرسل معهم القوى الأمين، غداً بعد صلاة العصر، وجاء الغد، وقُضيت صلاة العصر، والناس فى المسجد ينتظرون أن يقول النبى الكريم لأحدهم: قم معهم، فيكون هذا المأمور بالقيام هو القوى الأمين، وكان عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - يود أن يكون هو، وقال: «والله ما أحببت الإمارة إلا يومها»، لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «القوى الأمين»، وأخذ يتطاول فى مجلسه، ليُرى النبى - صلى الله عليه وسلم - نفسه، حتى يشير إليه، ويقول: قم يا عمر، كأنه أراد بلغتنا أن يقول: أنا هنا، أو بلغة النحاة: ها أنا ذا، لكن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: قم يا أبا عبيدة، ففاز أبوعبيدة بلقب القوى الأمين، وما شعر عمر بشىء فى صدره من إيثار أبى عبيدة عليه.

ولا شك أنه يعلم قول النبى - صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»، فقد أحب لنفسه أن يكون صاحب اللقب، فلما فاز به غيره أحب ذلك له دون غضاضة فى الفكر، ولا غصة فى الحلق، ولا أسى فى القلب.

ونحن لا نشك أن مثل عمر - رضى الله عنه - ومن قبله الصديق، وعثمان، وعلى، وابن عوف، وسعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، وغيرهم، رضى الله عنهم أجمعين، كل منهم قوى أمين، وإنما خص أبوعبيدة بن الجراح بذلك، والمخصوص بالذكر لا يعنى أن غيره أقل منه فى عموم الأحوال.

والشاهد أن عمر - رضى الله عنه - قال: «ما أحببت الإمارة إلا هذا اليوم»، ليس مهماً أن يكون يوم الأحد الموافق كذا، وإنما المهم سياق الموقف، الذى كان فيه الحب، أن يكون قوياً أميناً، بشهادة من لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحى يوحى - صلى الله عليه وسلم.

وفى واقع حياتنا هل ترى هذا المعنى موجوداً، بمعنى أن شخصاً رشح نفسه ليكون عضواً فى مجلس الشعب، لما يراه فى نفسه من قوة على أداء الواجب المنوط بصاحب المقعد، وأمانة فى حضور جلساته، ومناقشة قراراته، ومراجعة القوانين المعروضة عليه لصالح البلاد والعباد، ثم لم يوفق، ووفق غيره أتراه يقول: ما أحببت هذه العضوية لذاتى، وإنما أحببتها لكونها فرصة أخدم بها شعبى وبلادى، فلما فاز بها غيرى من أبناء دائرتى فرحت له، ودعوت الله أن يعينه، لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»، أم أن الأمر مختلف؟!

وهل ترى أحداً من العلماء رشح لنيل جائزة هى شهادة له بإبداعه فى مجال تخصصه، وهذا بلاشك يسره، فلما فاز بها زميله فرح له، ورآه كأنه نفسه، فكلاهما بذل جهداً، وقدم إبداعاً، أم أنه قال فيه إنه سارق بحثه، وذو علاقة باللجنة المختارة، وهذا طبع الدنيا تعطى الحلق مَنْ لا أذن له؟ أينا يفخر بأنه ذات يوم، لا يهم كم كان من الشهر الفلانى، أحب الخير لأخيه كما أحبه لنفسه، وهنأه من سويداء قلبه، لا من عبير فمه الناطق بآيات الربيع وفى القلب سواد كقطع الليل المظلم، إن كان ذلك قد كان فهو من نور البصر والبصيرة، وإن لم يكن قد كان فهو من العمى، والإسلام يعالج العمى.

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 30/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
10 تصويتات / 157 مشاهدة
نشرت فى 31 ديسمبر 2010 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,791,837