الهجرة النبويّة وثمراتها المباركة بقلم الدكتور: حامد محمد شعبان |
ظل الرسول صلي الله عليه وسلم في مكة ثلاثة عشر عاما. يدعو قومه إلي الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة. كاشفا النقاب عن مخازي الوثنية والكفر. كارها وجه الباطل الكالح. وعبث الشرك القبيح. ومعلنا جلال وسمو الوحدانية المطلقة. و ما تتطلبه الدار الآخرة. متمسكا بمكارم الأخلاق. وتزكية النفوس بالعبادات والفضائل. فآمن المخلصون بكل ما جاء به. وأصر الكفار علي الضلال والشرك. وانقضوا علي المسلمين بكل صنوف التعذيب والإيذاء والسخرية والاستهزاء. لكي يرتدوا ويعودوا إلي عبادة الأوثان. ويرضخوا للباطل والضلال. ويكونوا معهم محاطين ليلهم ونهارهم بالسواد المتصل. والظلام الحالك. والفساد الكبير. وعلي الرغم من شدة التنكيل. وضراوة التعذيب. وبشاعة الإرهاب. تحمل أصحاب الرسول شتي الآلام. وصبروا علي العنت والوحشية والأذي. مقدمين ألوان التضحيات. متمسكين بالدين الذي وجدوا فيه الهداية والعدالة والرحمة والسكينة ومكارم الأخلاق.. ولم يكتف الكفار بكل ما صنعوه من قسوة التعذيب والبطش والإرهاب والعنف فزاد افتراؤهم. وادعوا أن حجج الرسول أكاذيب. وآياته البينات أضاليل ومن الغريب انه وجد انه حين يأمر بالمعروف يخاصمه أهل المنكر والبغي والفسق وعندما يدعو إلي التوحيد يحاربه دعاة الطاغوت. وإذا نادي بالحق يقاومه أنصار الباطل ولم يكن أمام الرسول إلا أن يأمر أصحابه بالهجرة إلي الحبشة. حتي يجعل الله لهم مخرجا مما هم فيه. وبقي الذين لم يهاجروا صامدين. صابرين محتسبين. ولما زادت حملات التعذيب وموجات العداء والاضطهاد أخذ المسلمون يتركون مكة وغيرها زرافات ووحدانا. ويتجهون إلي يثرب بإذن رسول الله صلي الله عليه وسلم. مضحين بأموالهم وممتلكاتهم ومصالحهم ليعزوا الإسلام ويؤمنوا مستقبله. ولم تكن هجرتهم إلا ابتغاء فضل الله ورضوانه. وثقة في أن نصر الله آت لا ريب فيه. فهو مع المؤمنين الصابرين. وهو القائل: "وكان حقاً علينا نصر المؤمنين". وأدركت قريش ان الإسلام أصبح له بيثرب دار تؤوي المستضعفين. وحصن يحتمي به أصحاب الايمان الصادق العميق. وأخذت تفكر في عواقب هذه المرحلة الخطيرة في دعوة المصطفي صلي الله عليه وسلم وزاد قلق المشركين حين شاهدوا تكاثر المهاجرين. ورأوا صلابة اليقين. وروعة الاعتصام بالتوحيد. وقوة احتمال المجاهدين. ان التعذيب لم يحقق ما يرجونه. بل عمقت جذور الايمان وقوي سلطانه. وأمسي المؤمنون لا يبالون بالأعداء. ونيران غضبهم المتأججة. وفشلت كل طرق الاستهزاء والخداع والسخرية والتهكم. وأخفق الإغراء والإرهاب في تعويق الدعوة. ومن العجيب أن رسول الإسلام رفض كل ما عرضوه عليه من الملك والجاه والمال. وقال لعمه: "والله لو وضعوا الشمس في يميني. والقمر في شمالي. علي أن أترك هذا الأمر حتي يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته". وهذا الذي يرفض أن يأخذ من الدنيا ما يشاء لايزال في مكة. وقد أذن لسائر المسلمين بتقدمه إلي المدينة. واستبقي معه علياً وأبا بكر. وأصبح في اعتقاد المشركين انه لابد أن يدرك أصحابه اليوم أو غدا ولذلك قرروا أن يعجلوا به قبل أن يستدير إليهم. وكان التآمر للقضاء علي قائد الدعوة. والمكر الذي كشفه المولي عز وجل في قوله: "وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين". فأطلع الله نبيه علي ما انتهوا إليه. واختيارهم قتله. وأوحي إليه بالخروج. فاتفق مع أبي بكر علي تفاصيله. وبات عليّ علي فراش النبي تلك الليلة. وخرج الرسول في هجعة من الليل. وغفلة من الحرس. فلما أصبحوا ذهبوا إليه. فلما رأوه عليا رد الله مكرهم. فقالوا أين صاحبك هذا؟ قال: لا أدري. فاقتفوا أثره. فلما بلغوا الجبل. اختلط عليهم الأمر. فصعدوا الجبل. فمروا بالغار. فرأوا علي بابه نسيج العنكبوت. فقالوا لو دخل هنا لم يكن ينسج العنكبوت علي بابه. فمكث الرسول صلي الله عليه وسلم ثلاث ليال. ومعه نصر رب العزة الذي تدخل. وجعل عنايته تعمي عنه عيون الأعداء. وهو منهم علي مد الطرف. ولو نظر احدهم تحت قدميه لرأي النبي وصاحبه. وليس ذلك بغريب. فإن الله يحمي الحق. ويكلؤه بعينه التي لا تنام. ويمده ببصره الذي لا يقهر يقول سبحانه: "إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه. وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلي وكلمة الله هي العليا..". |
نشرت فى 3 ديسمبر 2010
بواسطة azazystudy
الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
4,792,025
ساحة النقاش