الانتخابات وحقوق المرأة في الاسلام
بقلم : د‏.‏ نبيل السمالوطي ‏ أستاذ علم الاجتماع ـ جامعة الأزهر


للمرأة دورها الاستراتيجي في بناء وتنمية وتقدم المجتمع‏,‏ لأنها المسئولة الأولي عن تربية وإعداد ورعاية النشء‏,‏ وهي المسئولة الأولي عن غرس القيم الدينية والأخلاقية والوطنية ومختلف القيم الايجابية المتصلة بالمشاركة الاجتماعية والسياسية‏,‏

 

والمتصلة بالمواطنة واحترام وتقبل الآخر‏,‏ والمتصلة باحترام حق الآخر في الاختلاف والمتصلة بأدب الاختلاف‏,‏ والمتصلة باتجاهات الناس نحو التعليم والعلم والتعلم ونحو التكنولوجيا‏,‏ ونحو الإبداع والابتكار والتفكير والتحليل والنقد‏,‏ والمتصلة بتنمية أدب الحوار والتفكير النقدي‏,‏ وأدب التعبير الحر عن الرأي‏,‏ واحترام حق الآخر في التعبير عن رأيه حتي ولو كان مناقضا لرأي الأول‏,‏ والمتصلة بتنمية الاتجاه الايجابي نحو العمل التطوعي والعمل العام والعمل الذي يخدم أبناء جماعته ومجتمعه المحلي ومجتمعه العام‏...‏ الخ هذه القيم والاتجاهات والسلوكيات التي تحقق المواطنة الصالحة المشاركة الداعمة للنمو والنهضة والتقدم‏,‏ تعد الأم بما لا يدع مجالا للشك العامل الرئيسي في غرسها في نفوس أطفالها جنبا إلي جنب مع دور الأب‏,‏ وربما كان دور الأم هو الأهم والأكثر استراتيجية لأن الأب عادة ما يكون مشغولا بالعمل وكسب العيش خارج المنزل‏,‏ ولاشك أن الدور القيادي للأب والأم كقدوة أمام الأبناء هو العامل الرئيسي في بناء شخصية الأبناء‏,‏ وتشير التجارب التنموية في الشرق والغرب إلي أن خروج المرأة للتعليم والعمل والمشاركة في تولي المواقع المسئولة عن الإنتاج والخدمات‏,‏ وتولي المواقع القيادية في المجتمع أمر لا غني عنه لتحقيق النهضة الشاملة والحقيقية‏,‏ ولتحسين مستوي ونوعية الحياة في المجتمعات المختلفة‏,‏ وهذا أصبح من البديهيات في عالم اليوم‏.‏
وإذا حاولنا تأصيل الحقوق السياسية والاجتماعية للمرأة‏,‏ نجد أن تاريخ الميلاد الحقيقي لتحرير وحماية ورعاية المرأة وإدماجها في الحياة الاجتماعية‏,‏ والقيام بدور تنموي مهم في المجتمع‏,‏ هو رسالة الإسلام‏,‏ وقد كان الاسلام هو اول من اضفي خصائص الانسانية علي المرأة‏,‏ حيث إنها قبل الإسلام كانت تعد ضمن ممتلكات الرجل‏,‏ أو كائنا خلق لمتعة الرجل وإنجاب الأبناء‏,‏ أو كانت تعد شيطانا وظيفته إغواء الرجل وإيقاعه في الإثم‏.‏ كذلك كان الإسلام هو أول من أعطي المرأة حق الملكية الاقتصادية‏,‏ وحق الميراث‏,‏ ومختلف الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية تماما مثل الرجل‏..‏ وقد أثني القرآن الكريم علي السيدة مريم أم المسيح عليه السلام وخصص لها سورة كاملة في القرآن الكريم‏,‏ وأثني علي ملكة سبأ التي تفوقت علي الرجال بقدراتها العقلية وتطبيق منهج العدل والشوري‏.‏ قال تعالي‏(‏ إني وجدت امرأة تملكهم ولها عرش عظيم‏)(‏ النمل‏23)‏ وقال عنها‏(‏ قالت يا أيها الملأ افتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتي تشهدون‏)(‏ النمل‏32)‏ وقالت‏(‏ قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون‏)(‏ النمل‏34)‏ وأثني القرآن الكريم علي حكمة هذه الملكة وهي سيدة وأيد قولها‏.‏
وقد حصلت المرأة علي حقوقها في عصر النبوة والخلفاء الراشدين لم تحلم بها أية امرأة من قبل وفي مقدمتها حق الحياة وحق التعبير وحق التعليم وحق العمل‏.‏ وقد عرض القرآن الكريم آراء تلك المرأة التي اشتكت للرسول عليه الصلاة والسلام ما تعانيه من آلام ومرارة‏,‏ وساهمت بهذا العرض أن تنقذ نفسها وبنات جنسها من عادة جاهلية فاسدة وهي الظهار‏.‏ قال تعالي تخليدا لهذه الحرية في التعبير من جانب المرأة‏,‏ وإرساء لتشريع يحمي النساء والأسرة من عادة جاهلية قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلي الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا وإن الله لعفو غفور‏)(‏ المجادلة‏2‏ ـ‏3).‏ ويجب ألا ننسي دور النساء في حياة الدعوة منذ بعثة محمد وحتي وفاته عليه الصلاة والسلام‏,‏ فهناك الأدوار المهمة لخديجة‏,‏ وعائشة‏,‏ وأم سلمة وغيرهن من أمهات المؤمنين‏,‏ فقد كانت تجمع بين الأدوار الأسرية والسياسية والاجتماعية والدعوية‏.‏ ويجب ألا ننسي أيضا أن النساء كان لهن دور في بناء أول دولة في الإسلام‏,‏ فقد شاركن في وفود المدينة المنورة إلي النبي في مكة المكرمة والتي عقدت مع الرسول عليه الصلاة والسلام بيعة العقبة الأولي والثانية والتي مهدت للهجرة وبناء الدولة‏..‏ وجاء في الحديث الشريف عن عبادة بن الصامت قال‏(‏ كنا أحد عشر في العقبة الأولي من العام المقبل فبايعنا رسول الله بيعة النساء قبل أن يفرض علينا الحرب‏)(‏ الحاكم في المستدرك‏681/2).‏
وقد وصل بالمشاركة السياسية للمرأة في عهد الرسول صلي الله عليه وسلم أنها أعطيت حق مبايعة الرسول‏,‏ وهذا يعني أن من حقها الذي أقره الإسلام للمرأة المشاركة في اختيار الحاكم وفي إعلاء كلمة الحق واختيار من يصلح للولاية وفي نهضة المجتمع وبناء الأمة‏.‏ وقد خلد القرآن الكريم هذه المبايعة الإيمانية والسياسية والاجتماعية في قوله تعالي‏(‏ يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك علي ألا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم‏)(‏ الممتحنة‏12)‏ وقد ساوي الإسلام بين الرجال والنساء في العمل الصالح وفي المسئولية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتربوية‏..‏ قال تعالي‏(‏ من عمل صالحا من ذكر أو أنثي وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون‏)(‏ الأحزاب‏35)‏ وقال تعالي‏(‏ إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما‏)(‏ الأحزاب‏35)‏ وأكد الله أن الرجال والنساء متساوون في الحقوق والواجبات والأدوار وأنهم بعضهم من بعض‏.‏ قال تعالي‏(..‏ إني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثي بعضكم من بعض‏...‏ الآيات‏)(‏ آل عمران‏195).‏
وقد بلغ بالنساء إلي استخدام حقهن الذي منحه الإسلام لهن‏,‏ في إبداء الرأي والتعبير عن عدم الرضا والمطالبة بالمساواة بالرجال في الحياة الاجتماعية والسياسية وفي الأجر‏,‏ ورفض ما اعتبرنه النساء محاباة للرجال‏.‏ فعن أسماء بنت يزيد الأنصارية من بني عبد الأشهل أنها أتت النبي وهو بين أصحابه فقالت‏:‏ بأبي أنت وأمي إني وافدة النساء إليك وأعلم نفسي لك الفداء أما أنه ما من امرأة كائنة في شرق ولا غرب سمعت بمخرجي هذا ـ أو لم تسمع ـ إلا وهي علي مثل رأيي‏,‏ إن الله بعثك بالحق إلي الرجال والنساء‏,‏ فآمنا بك وبإلهك الذي أرسلك‏..‏ وإنا معشر النساء محصورات مقصورات قواعد بيوتكم‏,‏ ومقضي شهواتكم‏,‏ وحاملات أولادكم وإنكم معشر الرجال فضلتم علينا بالجمع والجماعات وعيادة المرضي وشهود الجنائز والحج بعد الحج‏,‏ وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله عز وجل‏,‏ وإن الرجل منكم إذا خرج حاجا أو معتمرا أو مرابطا حفظنا لكم أولادكم‏,‏ وغزلنا لكم أثوابكم‏,‏ وربينا لكم أولادكم‏..‏ أفما نشارككم في الأجر يا رسول الله؟ قال‏:‏ فالتفت النبي إلي أصحابه بوجهه كله فقال‏:‏ هل سمعتم مقالة امرأة قط أحسن من مسألتها في أمر دينها من هذه؟ فقالوا‏:‏ يا رسول الله ما ظننا أن امرأة تهتدي الي مثل هذا‏.‏ فالتفت النبي عليه الصلاة والسلام إليها ثم قال لها‏:‏ افهمي أيتها المرأة وأعلمي من خلفك من النساء أن حسن تبعل إحداكن لزوجها‏,‏ وطلبها مرضاته واتباعها موافقته تعدل ذلك كله قال فأدبرت المرأة وهي تهلل وتكبر استبشارا‏)(‏ أخرجه البيهقي في شعب الإيمان‏).‏ وهناك المشاركة السياسية والاجتماعية للمرأة في حياة النبي‏,‏ والتي أدت إلي حفظ الأمة وإنهاء أزمة أهمت الرسول عليه الصلاة والسلام فبعد صلح الحديبية خرج الرسول علي الناس وقال عليه الصلاة والسلام‏(‏ يا أيها الناس انحروا وأحلقوا وأحلوا‏,‏ فما قام أحد من الناس‏,‏ ثم أعادها فما قام أحد من الناس‏,‏ فدخل علي أم سلمة فقال‏:‏ ما رأيت ما دخل علي الناس؟ فقالت‏:‏ يا رسول الله اذهب فانحر هديك واحلق وأحل‏,‏ فإن الناس سيحلون‏,‏ فنحر رسول الله وحلق وأحل‏)(‏ أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه‏(383/7)‏ وانتهت الأزمة‏.‏ وهذا بعض من كل يؤكد أن الاسلام هو اول من منح المرأة حرياتها وحقوقها السياسية والاجتماعية ومساواتها بالرجال في كل الحقوق بما فيها حق إبداء الرأي والمشاركة السياسية في إطار العدل الذي يحفظ للمرأة كرامتها وأنوثتها ودورها المتميز الذي لا يمكن للرجل أن يشاركها فيه‏..‏ ونفس الأمر بالنسبة للرجل‏..‏

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 111 مشاهدة
نشرت فى 20 نوفمبر 2010 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,687,084