الكعبــة‏..‏ بين الإسلام والعلم
بقلم : د‏.‏ محمد عادل عبدالعزيز


الكعبة في القرآن الكريم‏..‏ هي البيت الحرام‏..‏ لقوله تعالي في سورة المائدة‏:(‏ جعل الله الكعبة البيت الحرام‏)..‏ والكعبة هي أول بيت وضع علي وجه الأرض علي الإطلاق‏..‏

 

وهذا ما يفهم من قول الله تعالي‏:(‏ إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا‏)..‏ كما يفهم من التعبير القرآني بصيغة المبني للمجهول‏(‏ وضع للناس‏)..‏ أمور‏:‏
الأمر الأول‏:‏ أنه وضع من قبل أن يأتي الناس‏,‏ وبذلك يكون النص القرآني قد نفي أن يكون أحد من الناس قد بناه ابتداء‏.‏
الأمر الثاني‏:‏ أن النص القرآني عبر بكلمة‏(‏ وضع‏)..‏ ولم يعبر بكلمة بني أو أنشئ أو أقيم‏..‏ ويفهم من هذا أنه وضع علي الأرض جاهزا‏,‏ وأن بناءه لم يتم علي الأرض‏,‏ وأن ثبوت الطبيعة النيزكية للحجر الأسود دليل علي أن الكعبة وضعت من السماء علي الأرض‏.‏
الأمر الثالث‏:‏ أن نزول الكعبة جاهزة من السماء‏,‏ لا يمنع أن يعاد بناء الكعبة بأحجار من الأرض مرة‏..‏ ومرات بأيدي الناس كلما كانت هناك حاجة‏,‏ والقرآن الكريم يشير إلي هذا المعني‏..‏ فيقول سبحانه في سورة البقرة‏:(‏ وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل‏,‏ ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم‏)..‏ وهكذا يمكن أن نقرر مطمئنين أن الكعبة المشرفة هي أول بيت استقبل أول زوجين هبطا علي الارض آدم ـ حواء وهي بيت عبد الإنسان فيه الله عز وجل‏.‏
والكعبة‏..‏ هي أعظم أثر لا يزال قائما في مدينة مكة‏,‏ وهي بناء مكعب قائم في وسط البطحاء‏..‏ وهو مربع الشكل مكون من غرفة واحدة‏..‏ يرتفع سقفها عن سطح الأرض نحو خمسة عشر مترا‏..‏ وفي ضلعها الشرقي باب يوصل إلي جوف الكعبة‏,‏ وهو يرتفع عن سطح الأرض بمقدار مترين‏..‏ وفي الركن الجنوبي الشرقي يوجد الحجر الأسود من الخارج‏..‏ وهو يرتفع عن سطح الأرض بمقدار متر ونصف المتر‏.‏
أما موضع الكعبة علي الأرض‏..‏ فالقرآن الكريم يحدد موقعها في بكة‏(‏ مكة المكرمة‏)..‏ أي في الموقع الذي بكت فيه الأرض بما في باطنها‏..‏ ويشير القرآن الكريم في سورة النازعات إلي هذا‏..‏ فيقول عز وجل‏:(‏ والأرض بعد ذلك دحاها‏,‏ أخرج منها ماءها ومرعاها‏,‏ والجبال أرساها‏)‏ و‏(‏ الدحو‏)..‏ في الدلالة القرآنية هو خروج الماء والمرعي‏..‏ لقوله سبحانه‏:(‏ والأرض بعد ذلك دحاها أخرج منها ماءها ومرعاها‏).‏
وهذا ما نفهمه أيضا من حديث الرسول‏..‏ صلي الله عليه وسلم‏..‏ أن مكة المكرمة هي التي خرجت منها القشرة الأرضية‏..‏ حيث قال‏:(‏ دحيت الأرض من مكة فمدها الله ـ تعالي ـ من تحتها فسميت أم القري‏).‏
وقد توصل علماء الغرب إلي أن القشرة الأرضية تكونت نتيجة انفجار بركاني خرجت منه القشرة الأرضية‏,‏ وأن الجزيرة البركانية التي تكونت منها اليابسة التي أطلق عليها علماء الغرب اسم‏(‏ بانجيا‏)..‏ أو القارة الأم والتي تصدعت بعد ذلك لتصبح مجموعة القارات السبع‏.‏
كما ثبت علميا أيضا أن مكة المكرمة في وسط اليابسة‏..‏ وأن الكعبة هي مركز اليابسة‏,‏ وهو ما أشار إليه القرآن الكريم في سورة الشوري‏(‏ وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القري ومن حولها‏)..‏ وقد ثبت أن أركان الكعبة المشرفة في الاتجاهات الأربعة الأصلية تماما‏.‏
ومعني هذا أن ماء زمزم الذي أسفل الكعبة بنحو‏30‏ مترا‏..‏ هو أصل ماء الأرض كلها‏,‏ وأن الكعبة علي فوهة البركان الذي خرجت منه القشرة الأرضية‏,‏ بدليل استمرار خروج ماء زمزم من تحته‏.‏
وإذا كانت الكعبة المشرفة في الموضع الذي ولدت فيه القشرة الأرضية‏,‏ وأنه البيت الذي خرجت منه كل الأسرة البشرية‏,‏ فحق لهذا البيت أن يكون قبلة المؤمنين‏:(‏ فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام‏,‏ وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره‏).‏
وحق لهذا البيت أيضا أن يكون مثابة للناس حين استقباله عند كل صلاة أو القدوم إليه حاجا‏.‏
والكعبة هي قبلة المسلمين‏..‏ والقبلة في القرآن الكريم‏..‏ هي ما يولي الوجه شطره‏,‏ وحيثما يكن الإنسان وهو المسجد الحرام لقوله تعالي في سورة البقرة‏:(‏ قد نري تقلب وجهك في السماء‏)..‏ فقد كان رسول الله‏..‏ صلي الله عليه وسلم‏..‏ يصلي بمكة متوجها إلي بيت المقدس والكعبة بين يديه‏,‏ ثم استمر بعد الهجرة في الصلاة إلي بيت المقدس ستة عشر شهرا‏,‏ أو سبعة عشر شهرا حتي أمره الله عز وجل بتحويل القبلة إلي بيت الله الحرام حيث يقول سبحانه في سورة البقرة‏:(‏ قد نري تقلب وجهك في السماء‏,‏ فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام‏,‏ وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره‏).‏
وإذا كان النص القرآني قد كشف أن تحويل القبلة إلي بيت الله الحرام كان إرضاء لمحمد‏..‏ صلي الله عليه وسلم‏..‏ فإن النص القرآني أيضا يكشف لنا أن توجيه المسلمين إلي بيت المقدس قبل ذلك كان لاختبار المسلمين حيث يقول سبحانه في سورة البقرة‏:(‏ وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب علي عقبيه‏).‏
وإذا كان المسجد الحرام له بركته وكرامته‏,‏ فإن تحويل القبلة لم يكن لقدسية المكان‏,‏ لأنه إذا كان البيت الحرام أقدس من بيت المقدس‏..‏ فلماذا وجه الله سبحانه المسلمين إلي بيت المقدس؟‏!..‏ وإذا كان بيت المقدس أقدس من بيت الله الحرام‏..‏ فلماذا عاد فوجه المسلمين إلي بيت الله الحرام؟‏!‏
وعموما‏..‏ فنحن لا نسجد للكعبة‏,‏ وإنما نسجد للتوجه الإلهي‏,‏ لأنه ليس من المعقول أن نسجد لحجر‏,‏ نحن الذين أعدنا بناءه بأيدينا عدة مرات‏.‏
لذلك فإن الهدف الأسمي والغاية الأعظم والرمز في تحويل القبلة‏..‏ هو قدسية الأمر الإلهي‏,‏ وإعلاء أمر الله كلما توجه المسلمون إلي القبلة في صلاتهم طاعة لله عز وجل‏.‏
‏(‏قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلي صراط مستقيم‏).‏

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 30/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
10 تصويتات / 105 مشاهدة
نشرت فى 20 نوفمبر 2010 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,792,047