للأسف، كثير من الأعمال الخيرية والقائمين عليها مبنية على خدمات تطوعية غير مُوجَّهة، ويقوم عليها أناسٌ متوجهون، ويرغبون في تقديم الخير، ولكنَّ كثيرًا منهم لا يَملكون المهاراتِ الكافيةَ لإدارة العمل الخيري المؤسسي.
ما الذي يحدث؟
يَحدث بذلك أخطاء وتَكرار ممارسات سلبية قد تُودي إلى أضرار على العمل الخيري الخاص بتلك المنشأة، وأحيانًا يأتي بالضَّرر بشكل يزلزل كِيانَ تلك المؤسسة، وأمثلة تلك الأخطاء أكثر من أن تحصى، ومن ذلك أن أحد القائمين على مؤسسة خيرية اجتهد في إقامة عدد من المناشط الدَّعوية، في استضافة العديد من المشايخ البارزين في البلد، وطباعة إعلانات بكَمِّيات كبيرة وبأحجام مُتعددة، وكل شخصية لها برنامج من يوم أو أكثر، ويَحتاج أن يضيفها بالإقامة في فندق مناسب، وكذلك وجبات ضيافة وعزومات على شرف قدوم أولئك المشايخ، وفي الوقت الذي كانت مؤسسته لا تحتفل كثيرًا بأهمية جانب الموارد المالية، كانت تنفق بسخاءٍ على إقامة المناشط، وكلها بالدَّين، والنتيجة: كاد صاحبُنا أنْ يدخل السجن؛ من مُطالبات أصحاب الحقوق، ولولا الله، ثم أصحاب الخير الذين فزعوا للرَّجُل، لكان بالفعل في غياهب السجن، بينما المؤسسة بعده أغلقت؛ بسبب مغامرات غير محسوبة بالتأكيد، كان من أسباب ذلك ضعف التأهيل لتولي إدارة الأعمال الخيرية.
نحن الآن نَمر في مرحلة عصرية مُتقدمة من النُّضج في العمل الخيري؛ بحيث أصبح بفضل الله، ثم بجهود المؤسسات الحكومية الإشرافية، والقطاع الخاص المشارك، وبعض المؤسسات الخيرية المانحة - يتَّجه نحو التجويد، والتحسين، ومن أهم وسائل التحسين الاستثمارُ في رأس المال البشري الخاص بتلك المنشآت الخيرية، وهم الموظفون والمتعاونون.
وبالرغم من وجود مواقع إلكترونية، وكتب، ومؤلفات، وبرامج تدريبيَّة خاصَّة بالعمل الخيري، إلاَّ أنَّ الفارق كبير، والهُوَّة واسعة، بين واقعنا، وواقع العمل الخيري، والتدريب، والتأهيل فيه بالخارج.
دأبت بعض المؤسسات على عمل لِقاءات ومُؤتمرات للعمل الخيري وتنظيمه، وأبحاث حول همومه، إلاَّ أنَّ الحاجة أكبر بكثير مما هو قائم، وقد سرَّني جدًّا فكرة الكرسي الخيري، الذي أقيم مؤخرًا بجامعة الملك سعود، بدعم من مؤسسة عبدالرحمن الراجحي، وعائلته الخيرية؛ حيثُ كانت أُولى بوادر خيره ورشة عمل نظِّمت هناك بعنوان: "دور الجامعات في دعم مؤسسات العمل الخيري".
ولعل من الطريف أنْ أتذكر أنَّ إحدى الجامعات البريطانية قد بعثت لإحدى المؤسسات الخيرية العاملة في السُّعودية، بتخصيص مقعدين، بعثة على حسابها؛ لدراسة الماجستير لمن يرغب من العاملين في تلك المؤسسة الخيرية، فأين جامعاتنا من تدريب وتأهيل العاملين؟!
يجب أن تُخصص المؤسسات الخيرية ميزانيةً للتدريب الموجَّه والمتطور والمتنامي، بحيث يشمل الدورات القصيرة، والدورات الطويلة، والدبلومات، ودراسات الماجستير والدكتوراه، والابتعاث للخارج، وأنَّ من أسباب تأخير المؤسسات في اتِّخاذ مثل تلك الخطوات: عدمَ الاحتفال بأهمية التدريب، أو تقديم دورات تدريبيَّة شكلية، لا يقع فيها الاهتمام باختيار المركز التدريبي المناسب والمدرِّب المناسب؛ بل البحث عن المجاني، أو الأقل سعرًا هو كلمة الفصل في هذا الباب، وإن من تلك الأسباب كذلك عدمَ مُرونة نظام المؤسسة في صرف بعض الموارد على التدريب ومُتطلباته.
ويَجب على المؤسسات الحكومية الإشرافية، والجامعات، ومُؤسسات الأبحاث والدِّراسات والتطوير - الالتفات الجاد نحو صناعة برامج مُميزة تفي باحتياجات العاملين والقائمين على العمل الخيري، من تقديم عناوين لدورات تدريبيَّة مناسبة لمتطلبات العمل الخيري، وعدم الاكتفاء بتقديم دورات تنمية الذَّات، والتطوير الذاتي، أو تقديم دورات إدارية تناسب العمل الإداري، سواء في العمل الخاص أم الحكومي؛ نظرًا لأن طبيعة إدارة الأعمال الخيرية تختلف، فهي منزلة بين المنزلتين، لا هي حكومية، ولا هي قطاع خاصّ.
ومن زاوية أخرى كذلك، ينبغي لكل مَن يتولى أمر صناعة التَّدريب الخيري الاتِّجاهُ نحو صناعة التدريب المميز، الذي يقوم على حسن اختيار البرنامج، وَفْق الاحتياج التدريبي القائم على المنهجية العلمية في توفير البرنامج التدريبي المناسب للوظيفة، التي يقوم عليها الموظف أو المتطوِّع، مثل منهجية الديكام بتحليل الوظيفة، ثم بناء منهج لتدريب المستجدين فيها، وكذلك تنمية مهارات الممارسين لها، مع احتساب الأوليات، وحسن اختيار التدريب من المدرِّب والمادة العلمية؛ بحيث نحصُل على نتيجة عالية، كأثر لذلك التدريب.
وختامًا:
ينبغي كذلك على القائمين على العمل الخيري الاجتهاد في تطوير أنفسهم ذاتيًّا، فليس كل شيء يأتي من خلال ما تقدمه تلك المؤسسات لهم؛ بل عليهم أن يبادروا بأنفسهم في ذلك