حتى اراك

،،

الهندسة الاجتماعية ( وكأننا نتواصل .)

،،

على مدى قرون  كانت   الحكومات   تعمل  على التأثير على السلوك من خلال الحوافز  للسلوكيات المطلوبة ، والمثبطات  للسلوكيات المرفوضة جنبا الى جنب مع عملية وضع التشريعات والقوانين المجرمة لها ، ولكل عصر وسائله   .

قد تكون احد من يكتبون  مستخدما الاعلام الاجتماعي ، او الاعلام التقليدي ، بتلقائية وبساطة ، وقد تكون غير ذلك ، فلماذا تتواصل ، ؟

خطط متعددة نضعها لانتاج المحتوى كتابة ، صورة ، صوت ، فيديو ، مالتي ميديا ، 

فنجد من  يتواصلون ويندمجون اجتماعيا بل انهم يتشاجرون ويحبون ويكرهون عبر هذا التواصل ، بينما غيرهم يتابع هذه العمليات القائمة بلا انقطاع ، لأسباب غير التواصل ،

و نجد ان البعض قرر التوثيق لإضافة ميراث الكتروني يبقى سيرته الذاتية متداولة بين الناس  ، هذا التوثيق رتب الكثير من الأمور  ، وجهز المعلومات للاستدعاء ،   اصبح الميراث الالكتروني ، كالكنوز التي سنتركها او الهموم التي سيتمنى وارثونا لو محوها،،

، و البعض يدفع بالإعلانات للزبائن ، البعض يحلل البيانات ، البعض يصنع الجغرافيا ، والبعض يكتب التاريخ ، 

وفي كل الحالات نستطيع ملاحظة مستحدثات مفردات الكلام ،  وتطور الألفاظ وانتشارها ،  لدرجة اننا نرددها جميعا ، حتى من يرفضها يرددها على سبيل الفكاهة والتندر ، والاتفاق على الإيحاءات والدلالات بسرعة غير مألوفة  ، واساليب التفكير الجمعي ، و  تداول المعلومات ، 

نلاحظ ايضا ، شغفنا بالمشاركة الذي دفعنا للعديد من الأفعال  ما كانت لتحدث لولا التواصل ، ستجد ان حقبة زمنية مرت ولم تلتقط لنفسك صورة او يلتقطها لك احد ، لكنك الان لا تترك مناسبة الا و توثقها بالصور كطفل صغير يصوره أبواه ، و ووصل الامر الى تصوير مقاطع الفيديو ، و ابتكار الكوميكس ، وتطبيقات الصور لتواكب المناسبات والأعياد ،

في البداية كان  علماء الاجتماع والمصلحون يسعون الى تطبيق النظريات الاجتماعية على الظواهر والمشكلات المجتمعية والإنسانية لمزيد من الفهم ، والبحث عن جوانب ايجابية تستطيع التصدي للسلبيات لتتقدم المجمعات وتنمو من اجل مستقبل افضل للانسان ، لكن في أغلب الأحيان خرج الامر عن السيطرة ، 

 في أواخر القرن التاسع عشر تغيرت الدنيا حول  اهل ذاك  الزمان  ، و سيطرت الاَلات فاصبح الاحتياج الى  خبرات إنسانية واجتماعية ، وخبرات تقنية  والجمع بينهما لمواجهة مشكلات جديدة تحتاج لجهد مختلف لإدارة الموارد البشرية وتوجيه السلوك الشعبي والمواقف العامة والسيطرة عليها من قبل حكومات او مجموعات ، فالمجتمعات كما رأى علماء أواخر القرن التاسع عشر لم تعد تصلح لها  الطرق الاجتماعية والإدارية القديمة ،مع تطور مشكلات الافراد فيها ، هذا التطور ألزم  الباحثين عن حلول  استخدام تقنيات انسب لحداثة العصر ، والاعتماد على البيانات الإحصائية  التي اصبحت  ضرورة لإدارة ذكية للمجتمعات والافراد ،

كان اصحاب العمل يحتاجون لمديرين للتعامل مع مشكلات العمال ، ويحتاجون الى تقنيين متخصصين للتعامل مع المعدات والآلات ،

وتظل قاعدة اساسية تحكم كل العصور  ، وهي جمع المعلومات عن المجتمع الذي نريد العمل عليه  لتكون الخطوة الاولى   ، ثم تحديد الهدف الذي نسعى لتحقيقه والخطة التي سنسلكها ، 

و قد تم تنفيذ  حملات فائقة الدقة  للهندسة الاجتماعية ، في العشرينات من القرن الماضي  ،  في الاتحاد السوفيتي حيث بدأت  الحكومة  بحملة لتغيير جذري في السلوك والمثل العليا للمواطنين ، لتحل محل الأطر الاجتماعية القديمة لروسيا القيصرية مع الثقافة السوفيتية الجديدة، باستخدام الاعلام بكل وسائله ، و طرق التصميم المعماري  ، نعم فالتصميم  المعماري  ، يصنع احتياجات جديدة ويدفع لسلوكيات جديدة ، طريقة السكن والعيش والحياة تفرض طبيعتها ،  انها تغير القيم الشخصية والعلاقات الخاصة. 

كتب  كارل پوپر  أحد أهم واغزر المؤلفين في فلسفة العلم  كتابا ذاع صيته عام ١٩٤٥ (  المجتمع المفتوح واعداؤه )  عن الفلسفة الاجتماعية والسياسية،  وناقش  تطبيق أساليب علمية هامة وعقلانية على مشاكل المجتمع المفتوح. وأشار الى الهندسة الاجتماعية البطيئة والتدريجية.

  واستخدم أدواتها كذلك  إدورد بيرنيز النمساوي الامريكي الذي وضع اسس الدعاية والعلاقات العامة  ، و قدم العديد من الأبحاث و التجارب التطبيقية لتوضيح إمكانية  السيطرة على عقول العامة وتوجيههم. وقد جلبت هذه الأفكار والكتابات ، اعجاب الساسة  و اصحاب المصانع والشركات  ، ونجح في تغيير القيم المجتمعية  ، حتى انه نجح في خطة دعائية لنشر التدخين بين النساء في امريكا ،  و نجح في  المشاركة في إسقاط رئيس حكومة  جواتيمالا ١٩٥٤  لصالح الولايات المتحدة وشركات كبرى لانتاج الفاكهة ،   و مصطلح جمهورية الموز الذي يروج الان  يعود أصله إلى سيطرة شركة الفاكهة المتحدة على الحكومة  في جواتيمالا ودول أخرى في أمريكا الوسطى. حيث استغلت الشركة بوحشية العمال العبيد لإنتاج موز رخيص للسوق الأمريكية  !!!  ما دفع  الشاعر التشيلى بابليو  نيرون لكتابة  قصيدة   ينتقد فيها  سيطرة الشركات الأجنبية المنتجة للموز في سياسات دول أمريكا الجنوبية ، !!! 

ظهر المهندسون الاجتماعيون ليحتل المصطلح مكانة كبيرة لعدة سنوات ، ثم يختفي لتحل محله علوم الخدمة الاجتماعية ،  ثم يعود المصطلح للظهور  بعد الحرب العالمية الثانية حيث كان لزاماً على دول أوربا التي دمرتها الحرب ان تبحث عن طريق للخروج من هذه الهوة  العميقة  ، فكان رواج الهندسة الاجتماعية ، الذي يعتمد على الربط بين البيانات والحقائق الاجتماعية والقيم والايدلوجيات ،  لبحث المشكلات  و تحليل اسبابها وإيجاد سبل علمية للتخلص منها ، للحفاظ على المجتمعات  وأمنها وسلامتها ، ثم بدأ نفس المصطلح يجد رواجا و أرضا خصبه ، مع تطور تكنولوجيا الاتصالات وثورة المعلومات ، خاصة بعد ارتباطه بالامن المعلوماتي ، و قضايا جديدة وجرائم ترتبت على تغيرات حادة في المجتمعات  والدنيا كلها ، وظهر  متخصصون جدد ، من المجرمين المحترفين بعد ان كان المتخصصون من العلماء والباحثين ، صحيح ان كثيرا ممن نجحوا في تنفيذ عدد من الجرائم المعاصرة استطاعوا بمهاراتهم اجبار كبرى الشركات والبنوك على توظيفهم لأسباب تتعلق بمعارفهم وقدراتهم ومهاراتهم في حماية المعلومات والتأمين الافتراضي والإلكتروني ، لكن تاريخهم ظل مغريا للكثير من المراهقين المهرة باتباعه ،  ، 

هذا العالم من المتشابكين  عبر حدود جغرافية وزمنية وضع أسسه وقواعده ، وأسس دولة عظمى لا عنوان لها الا الفضاء الشاسع ،  .

يبدو الامر وكأننا نتواصل ، لكن التواصل دائماً  هو مدخل العديد من العمليات الاخرى ، السابقة واللاحقة 

خطة ، هدف ، تواصل، تنفيذ الخطة ، تحقيق الهدف 

وكما بدأت الهندسة الاجتماعية  ستعود ،   فأساليبها  يمكن استثمارها لغرس سلوكيات جديدة و اتجاهات متطورة  لتحديث المجتمعات ، فقط اذا نشط المخلصون ، ووجدوا ادوات جذب مناسبة  لاستثمار الفكرة . 

المصدر: د نادية النشار
DrNadiaElnashar

المحتوى العربي على الانترنت مسئوليتنا جميعاً د/ نادية النشار

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 97 مشاهدة
نشرت فى 6 يناير 2016 بواسطة DrNadiaElnashar

د.نادية النشار

DrNadiaElnashar
مذيعة و كاتبة ،دكتوراة في علوم الاتصال و الاعلام والتنمية .استاذ الاعلام و علوم الاتصال ، مستويات الاتصال و أهدافه، الوعي بالاتصال، انتاج محتوى الراديو والكتابة الاعلامية ، والكتابة، و الكتابة لوسائل الاعلام الالكترونية ، متخصصة في علوم الاتصال و الاعلام و التنمية، وتدريبات التطوير وتنمية المهارات الذاتية والاعلامية، انتاج »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

611,701