بحلول نهاية الألفية أتمت الجامعة العربية خمسة وخمسين عاماً على نشأتها التى تؤرخ لنشأة النظام الإقليمى العربى وتطبعه بالسمة المتفردة التي ميزته ثم لازمته: السمة القومية، واتسعت عضويتها من سبع دول عربية هى جملة الدول العربية المستقلة فى أوساط الأربعينيات لتشمل اثنتين وعشرين دولة عربية هى مجموع الدول الأعضاء فى النظام الإقليمى العربى. واجتازت عدة مراحل تطور وعاصرت محاولات مختلفة لإعادة الهيكلة هى مراحل ومحاولات عاكسة لجهود تحديث النظام الإقليمى العربي نفسه.
أولا: النشأة
أ-السياق العام
على الرغم من أن الدعوة إلى الوحدة العربية كانت مطروحة منذ عدة قرون إلا أن فكرة إقامة تنظيم عربى واحد يجمع شمل الدول العربية لم تتبلور أو تتضح معالمها إلا خلال الحرب العالمية الثانية بفعل جملة متغيرات عربية وإقليمية ودولية.
على المستوى العربى يمكن القول إن الحقيقة العربية كانت هى حجر الأساس لهذا التطور التاريخى. فمن ناحية، كانت الحرب مناسبة لنمو الحركات الوطنية ونشاط المقاومة ضد الوجود الاستعمارى الأمر الذى انعكس على استقلال عدد متزايد من الدول العربية وأنشأ الحاجة إلى إقامة نوع من التوازن بين القوى السياسية لعبت فيه مصر دوراً فاعلاً. ومن ناحية ثانية، تعززت الحاجة إلى الوحدة مع الوعى بمخاطر الحركة الصهيونية وتقاطر الهجرات اليهودية إلى فلسطين بدور لا يغفل للدولة المنتدبة عليها.. "بريطانيا"، تحقيقاً لحلم الدولة اليهودية. ومن ناحية ثالثة، أدى تزايد الاحتكاك بالغرب نتيجة البعثات التعليمية إلى الانفتاح على بعض الأفكار والتيارات السياسية التى كانت تعتمل فيه، وفى مقدمتها الفكرة القومية. ومن ناحية رابعة، بدت أن هناك درجة معقولة من التبادل التجارى وانتقال الأشخاص لا سيما بين دول المشرق العربى على نحو بدا وكأنه يوفر الأساس المادى للوحدة إضافة إلى الأساس الروحى والثقافى المبدئى.
وعلى المستوى الإقليمى ساعدت التطورات التى كانت تجتازها دول الجوار وهى بالأساس تركيا وإيران على شغلها بنفسها وصرفها عن محاولة إجهاض مساعى العرب إلى الوحدة. أما تركيا فقد كانت هزيمتها فى الحرب العالمية الأولى ومخاوفها من قيام نظام شيوعى على حدودها وبوادر تغيير علاقاتها وتحالفاتها من الشرق إلى الغرب أهم محددات أجندتها الداخلية والخارجية، وفى الوقت الذى تكفل فيه استيلاؤها على إقليم الأسكندرونة من سوريا وفشلها فى اقتطاع الموصل من العراق بتعلية الجدران التى تفصلها عن محيطها العربى - الإسلامى وإكسابها سمكاً إضافياً، وأما إيران فكانت مكبلة بنظام متسلط وباستعمار غربى مسيطر على موارد الثروة فيها، وكانت مهددة بأكثر مما كانت تركيا بخطر الجار الشيوعى القوى الذى تحتفظ معه بحدود طويلة والذى لم يخف نواياه الاستعمارية لا فى منافذها البحرية ولا فى نفطها.
ساحة النقاش