2ـ السيطرة على الحكومات :
معظم الصراعات الدولية فى العالم المعاصر لا تدور بسبب الحدود، وانما من اجل السيطرة على الحكومات التى تحكم الدول.ونظريا، لا يحق لدولة التدخل فى المسائل التى تتعلق بالحكم فى دولة أخرى، اذ أن هذا يعتبر شأنا داخليا. ولكن من وجهة عملية، فإن الدول تهتم بما يجرى فى الدول الأخرى، حيث تكون لها غالبا مصالح تجعلها تتدخل فى مسائل الحكم بدرجات متفاوتة تبدأ بمحاولة التأثير على نتائج الانتخابات وتنتهى بمحاولة اسقاط الحكومة باستخدام القوة. وعلى سبيل المثال فقانون تحرير العراق الذى وافق عليه الكونجرس الأمريكى فى فترة ولاية الرئيس بيل كلينتون يدعو صراحة إلى اسقاط نظام صدام حسين، ويشير إلى التعاون مع فصائل من المعارضة العراقية لتحقيق هذا الغرض .
وفى خلال الحرب الباردة سعت القوتان العظميان إلى تغيير الحكومات فى دول العالم الثالث للاتيان بأنظمة موالية لها، وقد كانت تفعل ذلك عن طريق مساندة المتمردين او عن طريق القيام بعمليات سرية . والحروب التى دارت فى اماكن كثيرة من العالم الثالث (مثل انجولا ونيكارجوا) تدخل فى هذا الباب .
وقد تقوم دولة بغزو دولة أخرى لكى تقوم بتغيير حكوماتها، كما فعل الاتحاد السوفيتى فى تشيكوسلوفاكيا فى عام 1968، وكما فعلت الولايات المتحدة فى جيرانادا فى عام 1983 .
والحكومات التى تقوم بتنصيبها قوة اجنبية ينظر اليها فى الغالب ـ فى الداخل والخارج ـ على أنها ناقصة الشرعية، وتوصف دوما بانها حكومات عميلة ، وعلى سبيل المثال فإن حكومة افغانستان التى قام السوفييت بتنصيبها بعد غزوهم لهذا البلد، لم تحظ يوما بالشرعية وسقطت بعد 12 عاما من الحرب المتصلة .
إن الصراعات الدولية التى تدور حول الحدود او السيطرة على الحكومات غالبا ما تقود إلى استخدام العنف، اذ أنها تتعلق بمسائل اساسية مثل سيادة الدولة وتكاملها الاقليمي. فى حين أن هناك انواعا أخرى من الصراعات حول المصالح التى قلما تقود إلى استخدام العنف، ومن هذا النوع الصراع الاقتصادى .
3- الصــراع الاقتصــادي:
إن الصراع الاقتصادى هو اشمل صور الصراع الدولى فى العالم اليوم الذى تحول إلى سوق رأسمالية بالغة الاتساع يتم فيها تبادل ملايين من السلع والخدمات والأموال عبر الحدود . وتعقد فيها الصفقات فى كل ثانية تقريبا .
وفى سوق كهذه من الطبيعى أن تحدث خلافات كثيرة بين الدول التى تسعى إلى تعظيم مصالحها. مثلا : كوستاريكا التى تصدر البن تريد أن ترفع سعر البن العالمي، فى حين تسعى كندا التى تستورده إلى خفضه . وتسعى منظمة الأوبك إلى تضم الدول المصدرة للبترول إلى ضمان سعر مناسب له، فى حين تسعى الدول المستوردة إلى الحفاظ على هذا السعر منخفضا قدر الإمكان .. وهكذا .
والصراع الاقتصادى لا يقود ـ فى اغلب الأحوال ـ إلى استخدام العنف. وذلك لسبب بسيط هو انه يحمل دائما منفعة متبادلة يحد منها استخدام العنف. وعلى سبيل المثال فإن الولايات المتحدة قد تقوم بإغراق السفن اليابانية التى تحمل صادراتها من السيارات إلى الأسواق الأمريكية، وقد تجد الولايات المتحدة فى هذا فائدة اكيدة لصناعة السيارات الأمريكية على المدى القصير. ولكن هذا الإجراء من شأنه عرقلة العلاقات التجارية بين امريكا واليابان، وهى علاقات مفيدة على المدى الطويل .
وعبر التاريخ لم يكن الحال هكذا دائما، ففى القرن السابع عشر كان السبب الرئيسى وراء الحرب الانجليزية الهولندية هو رغبة بريطانيا فى سحب البساط من تحت التجارة الهولندية. أما اليوم، فقلما يقود صراع اقتصادى إلى استخدام العنف. لأن الوسائل العسكرية غير مؤثرة بخصوص أى صراع اقتصادي، خصوصا وأنها مكلفة بالمقارنة بأى مكسب محتمل .
وقد كان رأى الزعيم السوفيتى لينين إن كل الصراعات فى العالم تعود إلى اسباب اقتصادية تتعلق بالصراع بين الطبقات. وهذا هو المدخل الماركسى فى تفسير الصراع الدولي. وقد اشار لينين ذات مرة إلى أن الحرب العالمية الأولى هى صراع على تقسيم العالم بين القوى الإمبريالية، وأن التنافس بين الدول الرأسمالية حول المستعمرات سيقودها حتما إلى الصراع وتدمير بعضها البعض. ويشير البعض إلى خطأ هذه النظرة فى فهم الصراعات الدولية، فاذا كان هذا التفسير سليما فلماذا لم تقم الحرب العالمية الأولى بين فرنسا وانجلترا اللتين كانتا تتنافسان بشدة فيما بينهما على المستعمرات ؟. وعندما اندلعت الحرب العالمية الأولى لم يكن رجال البنوك ـ فى جميع الدول المتحاربة ـ متحمسين لها لأنها تعرقل نشاطهم. وقد كان وزير الخارجية البريطانى سير ادوارد جراى قلقا من عدم استجابة رجال البنوك الانجليز لإعلان الحرب على ألمانيا .
ويشير بعض المحللين الاقتصاديين إلى أن الحرب تصير اكثر احتمالا عندما تتبع الدول سياسات تجارية عدائية تقوم على الانغلاق، وبناء اسوار الحماية حول اقتصادها الوطني، فهذه السياسات تشعل المنافسة التجارية وتخلق جوا من العداء المتبادل قد يتحول إلى عنف مسلح فى أية لحظة. ويشير البعض إلى إن اتباع مثل هذه السياسات فى فترة الثلاثينات كان من الأسباب التى أدت إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية. واليوم، يقوم منطق منظمة التجارة العالمية ، التى انشئت فى عام 1995، على أن التجارة الحرة بين الدول، ورفع الحواجز الجمركية يؤدى إلى جعل العالم أكثر أمنا لأنه يؤدى إلى مزيد من تبادل السلع والخدمات بما يربط مصالح الناس والدول بعضها ببعض، بحيث يصبح استخدام العنف مكلفا جدا. وتتبنى المنظمة آلية لفض المنازعات تحيل الدول الأعضاء خلافاتها التجارية إليها لحلها عن طريق التفاوض والتحكيم .
المصدر: جمال رشدي - موسوعة الشباب السياسية
http://acpss.ahram.org.eg/ahram/2001/1/1/Y1UN13.HTM
نشرت فى 13 أكتوبر 2011
بواسطة mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
284,241
ساحة النقاش