رابعاً : العرف والدستور :
تتعدد التعريفات التى قدمها علماء الاجتماع وفقهاء القانون للعرف، فوفقا لعلماء الاجتماع هو المعايير الاجتماعية التى توفر المستويات الأخلاقية للسلوك فى الجماعة والمجتمع ويشعر أعضاء الجماعة بإرتباط عاطفى معها ويرون ان الحفاظ عليها ضرورة لرفاهية الجماعة.
تعريف آخر يقول بأن العرف هو كل قواعد السلوك التى يوافق عليها أعضاء المجتمع ويعاقب من يخالفها عقابا اجتماعيا.
وقد استفاد فقهاء القانون من علم الاجتماع فى سياق تعريفهم للعرف من المنظور القانونى، فقد اتفقوا على ان العرف يقصد به تواتر العمل على الأخذ المستمر بحلول معينة الى الحد الذى يتكون معه اعتقاد بضرورة احترامها والانصياع اى الخضوع لحكمها ، والعرف على هذا النحو يتكون تلقائيا من ضرورات الحياة فى جماعة معينة بمعزل عن تدخل السلطة العامة فيها. ومن ناحية أخرى، فهو مستخلص مما جرى عليه العمل فى الجماعة كأمر ملزم دون ان يكون مدونا فى وثيقة مكتوبة.
ومن الأهمية بمكان، ان نشير الى ان التثبت من وجود هذه القواعد العرفية هو عمل علمى، يخضع للمشاهدة والتجربة، وهو يتم عن طريق قواعد علم الاجتماع القانونى، الذى يتناول بحث الظواهر الاجتماعية القانونية، ويقدم د. سعد عصفور تعريفا للعرف الدستورى يقول فيه هو قاعدة مطردة أو عادة يقصد بها تنظيم العلاقات فيما بين السلطات الحاكمة بعضها وبعض أو فيما بينها وبين الأفراد ، وتكون لها صفة الالزام فى الرأى القانونى للجماعة.
ومن ثم، فالعرف الدستورى له ركنان: الركن المادى ويتمثل فى قاعدة مطردة التطبيق، أى يتم استخدامها باستمرار عندما تتوافر شروط تطبيقها ، ومن جانب سلطات لها صالح فى التمسك بها، فالركن المادى يفترض أمرين:
1- وجود سلطات تشعر فى مجال القانون الدستورى بالحاجة الى تنظيم العلاقات فيما بينها وبين الأفراد وفقا لقاعدة معينة .
2- إطراد السلطات الحاكمة على تطبيق هذه القاعدة دون اعتراض من جانب الجماعة على مدى فترة زمنية تكفى لتحقيق معنى الاطراد، أى أنه يشترط الثبات فى تطبيق القاعدة بما ينفى الانقطاع ، ويوفر المدة المعقولة .
أما الركن المعنوى فيتمثل فى ان يصبح لهذه القاعدة صفة الإلزام ، ويلزم تحديد مركز العرف من الدستور ، وأن ينظر الى الأثر الذى يمكن ان يرتبه العرف بالنسبة الى الدستور، والذى يتدرج من الضعف الى القوة على النحو التالى: تفسير الدستور ، إكماله ، تعديله ، فالعرف إما ان يكون مفسرا ، أو مكملا، أو معدلا . وفيما يلى كلمة موجزة عن كل مستوى من هذه المستويات :
1 - العرف المفسر :
وهو الذى يقتصر أثره على تفسير نص من نصوص الدستور أى أنه يتخذ النص الدستورى سنداً له ، ومن ثم لا ينشئ قاعدة جديدة ، بل يقف الى حد بيان الكيفية التى يتم بها تطبيق النصوص الدستورية .
2 - العرف المكمل :
وهو الذى ينصرف الى تنظيم موضوعات لم ينظمها المشرع الدستورى أى موضوعات لم تعالج فى الدستور .
3 - العرف المعدل :
وهو الذى ينصرف أثره الى تعديل الأحكام التى اوردها الدستور فى شأن موضوع معين سواء بالإضافة الى هذه الأحكام أو بالحذف منها .
ومن ثم يتضح ان للعرف دورا هاما فى الدستور وإن إختلف الفقهاء حول هذا الدور ومداه .
خامسا : موضع القواعد الدستورية بين قواعد القانون العام :
يفرق فقهاء القانون بين نوعين من انواع قواعد القانون، هما قواعد القانون العام وقواعد القانون الخاص. أما قواعد القانون العام فهى القواعد القانونية التى تنظم العلاقات التى تكون الدولة طرفا فيها باعتبارها صاحبة السيادة والسلطان ، فى حين ان قواعد القانون الخاص هى القواعد القانونية التى تنظم العلاقات التى قد تكون الدولة طرفا فيها ولكن كشخص قانونى عادى وليس باعتبارها صاحبة السيادة والسلطان ومن ثم، فقواعد القانون العام تحتوى على القواعد التى تحدد كيان الدولة وتنظم علاقاتها بصفتها صاحبة السيادة والسلطان بالأفراد والجماعات ، ويرى د. مصطفى الجمال فى كتابه النظرية العامة للقانون ان القواعد الدستورية تمثل الأساس التى تنبت منه كافة قواعد القانون العام، فالدستور هو أساس كل تنظيم فى الدولة وهو أساس القوانين فيها ولذلك يطلق عليه القانون الأساسى بالنظر الى أنه الأسس التى تقوم عليها الدولة، وترتيبا على ذلك، فإنه لا يجوز ان يصدر قانون آخر داخل الدولة يتعارض مع أحكامه أو يخالفها باعتبار كل قانون آخر فى الدولة أدنى منه فى المرتبة.
وقواعد الدستور هى قواعد قانونية آمرة أى لا يجوز الاتفاق على مخالفتها فأى إتفاق على مخالفة هذه القواعد يكون إتفاقا باطلا طالما كان الدستور قائما ومن ثم، فالقواعد الدستورية هى جوهر قواعد القانون العام وهى أساس القواعد القانونية فى الدولة بحيث لا يجوز إصدار قوانين أخرى تتعارض مع أحكامها أو تخالفها وهى قواعد آمرة أى ملزمة للكافة ولا يجوز الاتفاق على مخالفتها ، ويترتب على ذلك تدرج التشريع من الضعف الى القوة على النحو التالى:
1- التشريع الفرعى أو الثانوى: وهو اللوائح الإدارية والتنفيذية وتختص بإصدارها عادة السلطة التنفيذية أى الحكومة.
2- التشريع العادى: ويختص به البرلمان.
3- التشريع الدستورى: أى الدستور وهو الأعلى والأقوى من حيث المرتبة، ويترتب على هذا التدرج أنه يجب أن يتقيد كل تشريع بالتشريع الأعلى منه درجة، فلا يجوز للتشريع الفرعى ان يتعارض مع تشريع عادى ولا يجوز لأى منهما ان يتعارض مع الدستور.
ويقول د. سعد عصفور أنه إذا صدر أى من هذه التشريعات مخالفا لتشريع أعلى منه درجة فإنه يكون غير شرعى ، سواء كان تشريعا فرعيا أم عاديا ومن ثم تنشأ الحاجة الى إيجاد تنظيم يكفل رقابة مشروعية التشريعات ويقرر الجزاء بالنسبة للتشريع المخالف .
ورقابة مشروعية التشريع الفرعى، أى اللوائح، هى من صميم مباحث القانون الإدارى وتختص به المحكمة الإدارية العليا فى مصر إذ تقوم بدراسة القرارات الإدارية من حيث مدى تعارضها مع قواعد القانون العادى أو عدم تعارضها معه .
أما رقابة مشروعية التشريع العادى فتعرف رقابتها بالرقابة على دستورية القوانين .
ساحة النقاش