ثانيا ـ المنظمات الإقليمية الآسيوية
تتعدد أشكال المنظمات الإقليمية فى آسيا، ولكن سنركز تناولنا هنا على أربع منظمات إقليمية أبرزها رابطة جنوب شرق آسيا آسيان.
1 ـ رابطة جنوب شرقي آسيا (الآسيان):
ارتبطت نشأة رابطة الآسيان بمجموعة متغيرات إقليمية وعالمية شهدتها منطقة جنوب شرق آسيا في الستينات، كان أبرزها ظهور التكتلات الاقتصادية العملاقة وبداية ظهور دول جنوب شرق آسيا كقوة اقتصادية متنامية تسعى لإيجاد دور لها على الساحة العالمية ومنافسة التكتلات الاقتصادية الأخرى مثل الاتحاد الأوروبي.
وبالرغم من أن بداية الرابطة كانت اقتصادية بحتة إلا أن الجانب السياسي والأمني بدأ في الظهور بسبب التطورات السياسية التي عاصرتها هذه الدول مع بداية السبعينات مثل تنامي القوة العسكرية الفيتنامية بعد غزوها لكمبوديا ، إلى جانب ظهور قدر من التململ من الوجود العسكرى الأمريكي في تلك المنطقة الحساسة.
لذا جاءت أهداف ومبادئ الرابطة معبرة عن هذا الاندماج بين الجانب الاقتصادي والسياسي، فعلى مستوى الأهداف ركزت على أهمية التعاون الاقتصادي فيما بين دول الرابطة، أما على مستوى المبادئ فقد أبرزت أهمية انتشار السلام والاستقرار في هذه المنطقة وحل المنازعات بالطرق السلمية وعدم استخدام القوة العسكرية.
أ ـ نشأة الرابطة وتطورها:
جاءت البداية من خلال التوقيع على المعاهدة الخاصة بإنشاء رابطة أمم جنوب شرقي آسيا (الآسيان) في أغسطس 1967 ، كتجمع اقتصادي لمواجهة التهديد الشيوعى فى جنوب شرقى آسيا ( والذى مثلته بصفة رئيسية فيتنام فى ذلك الوقت). وضمت الدول المؤسسة فى ذلك الوقت كل من اندونيسيا وماليزيا والفلبين وسنغافورة وتايلاند وانضمت اليهم سلطنة بروناي (عام 1984) وفيتنام ( عام 1995) ولاوس وميانمار (عام 1997) وكمبوديا(1999). وقد ظلت الآسيان منظمة إقليمية محدودة الفعالية إلى أن أخذت طريقها الجدي نحو تحقيق مزيد من الفاعلية على المستويين الاقليمى والدولى ، وهو ما تحقق فى اجتماع بالى بإندونيسيا عام 1976 بحضور رؤساء دول وحكومات الدول الخمس المؤسسة ، وفي الاجتماع الثاني في كوالامبور عام 1977 حيث شكل هذان الاجتماعان نقطة تحول في تاريخ الرابطة . فقد فرضت القضايا السياسية والأمنية نفسها على هذين الاجتماعين ، خاصة بعد الهزيمة الأمريكية في فيتنام وظهور الشكوك في جدوى الاعتماد الأمني على الولايات المتحدة. كما أن الخطر الفيتنامي بدأ في الظهور بعد الغزو الفيتنامي لكمبوديا في ديسمبر 1978. وكذلك برزت ضرورة الاعتماد على الذات في مواجهة هذا الخطر.
من هنا أخذت دول الرابطة على عاتقها مسألة تجاوز ومواجهة ما بينها من تناقضات والاتفاق على عدة مبادئ أساسية تشكل التوجهات العامة للسياسة الخارجية لدول الرابطة. وفى هذا الإطار تمت إدانة الغزو الفيتنامي لكمبوديا ومواجهته بعيدا عن سيطرة الدول الكبرى، فتم إيقاف كافة الخطط الرامية إلى التعاون مع فيتنام وربط استئنافها بانسحاب القوات الفيتنامية من كمبوديا أولاً.
ومن الملاحظ أنه على مدار الثمانينات تبنت الرابطة دبلوماسية متماسكة إزاء القضية الكمبودية استندت إلى المطالبة بحضور مختلف أطراف الصراع أية مفاوضات للتسوية. وفى هذا السياق قامت الرابطة بتقديم مشروع للسلام في اجتماعها السنوى في بانكوك عام 1988 والذي نص على وقف إطلاق النار وانسحاب القوات الفيتنامية على ثلاث مراحل مع نزع سلاح الفصائل على مرحلتين وتشكيل حكومة انتقالية وإجراء انتخابات عامة. كما تم طرح عدة مبادرات للتعاون العسكرى بين دول الرابطة، وذلك بعد أن أعربت سنغافورة عن رغبتها في إدخال القضايا العسكرية على جدول أعمال الرابطة بعد قيام القوات الفيتنامية باختراق أراضى تايلاند عدة مرات في أوائل الثمانينات.
ومع بداية التسعينيات اتجهت الرابطة إلى إنشاء شبكة هائلة من المؤسسات فضلا عن تدعيم العلاقات الاقتصادية والثقافية على النحو الذي جعلها أكبر أقاليم العالم الثالث ازدهارا. ففي 28 يناير 1992 تم التوقيع على إعلان سنغافورة لإنشاء منطقة التجارة الحرة لدول الآسيان بهدف الوصول بالتعريفة الجمركية إلى صفر فى المائة. وحددت أهدافها بحيث تشمل تحرير التجارة في منطقة الآسيان وصولا إلى إسقاط الحواجز الجمركية وجذب الاستثمارات الأجنبية وتكييف الرابطة مع الأوضاع الاقتصادية والدولية. وقد كان الموعد المحدد للانتهاء من هذه الخطوات هو عام 2003، إلا أنه في اجتماع وزراء اقتصاد الدول الأعضاء في 28 إبريل 1995 تم الاتفاق على الإسراع بتخفيض الرسوم الجمركية بهدف إنشاء منطقة التجارة الحرة قبل عام 2003، وهو ماتحقق في 24 نوفمبر 2000 بتوقيع اتفاقية الجات. وبموجب هذه الاتفاقية ستعمل الرابطة على إزالة جميع الرسوم الجمركية على السلع التقنية وتطوير اتصالات الإنترنت السريعة للغاية، وفي زيادة التجارة الإلكترونية للدول الأعضاء.
وإلى جانب النقلة الاقتصادية شهد التعاون السياسى والأمنى تطورا كبيرا فى (27 يوليو 2000) عندما عقدت الرابطة أكبر منتدى أمنى في قارة آسيا في تايلاند وتم مناقشة عدة قضايا منها: صناعة الصواريخ وانتشار الأسلحة النووية والصراعات في المحيط الهندي. كما تمت مناقشة قضايا الصراع في المنطقة مثل الموقف في فيجي والاشتباكات العرقية في جزيرتي اتشيه وفالوكو بإندونيسيا، واتفقت الرابطة على ضرورة توسيع نطاق نظرتها للمخاوف الأمنية. وقد شاركت في هذا المنتدى، بالإضافة إلى دول الرابطة، دول أخرى لها اهتمامات أمنية مثل استراليا وكندا والصين والهند وكوريا الجنوبية.
ب ـ مبادئ الرابطة وعضويتها:
قامت رابطة الآسيان على أربعة مبادئ هي:
(1) حل المنازعات حلا سلميا وعدم اللجوء إلى استخدام القوة بين دول الرابطة.
(2) احترام استقلال كل دولة عضو وعدم التدخل في الشئون الداخلية لأية دولة.
(3) توفير الأمن الإقليمي للرابطة والذي يقوم على أساس ضرورة التعاون العسكري لحماية أية دولة تتعرض لتهديد خارجي.
(4) عدم الاستعانة بقوات عسكرية خارجية في حالة حدوث صراعات في المنطقة .
وقد تعددت أشكال العضوية في رابطة الآسيان بما يتفق ومصالح وطموحات دول الرابطة. فبجانب العضوية الكاملة والتي وصلت حتى الآن إلى عشر دول أعضاء، ظهرت أشكال جديدة للعضوية في الآسيان تتمثل في أعضاء بصفة مراقب وحضور دولى سواء من جانب الدول او ممثلين عن منظمات إقليمية ودولية للمشورة وللشراكة من جانب، وللحوار الكامل أو الحوار القطاعي من جانب آخر. وفى هذا الاطار، اقامت رابطة الآسيان منتدى الآسيان الإقليمي كمنتدى متعدد الأطراف للحوار والتشاور بهدف تطوير الدبلوماسية الوقائية وبناء الثقة في منطقة آسيا الباسيفيك .
ج ـ أهداف الرابطة:
(1) الإسراع بوتيرة النمو الاقتصادي والتقدم الاجتماعي والتنمية الثقافية في المنطقة من خلال الجهود المشتركة وعلى أساس المساواة من أجل تنمية وتقوية الرابطة لصالح الرفاهية والسلام في جنوب شرقي آسيا.ولقد وضعت المنظمة إستراتيجية اقتصادية لتمكينها من تحقيق التنمية الاقتصادية تستند الى:
- تحقيق مبدأ التخصص في الصناعة حتى تقضى على عملية التنافس بين الدول الأعضاء وفقا لإمكانات وقدرات كل دولة، فنجد أنه خصص للفلبين مشروع لانتاج الورق واستبدل فيما بعد بتصنيع النحاس، ولإندونيسيا مشروع لانتاج اليوريا، ولسنغافورة مشروع لإنتاج ماكينات الديزل واستبدل بمشروع لانتاج مصل الالتهاب الكبدي (B)، وتايلاند مشروع لإنتاج الصودا.
ـ اتفاقية الأفضلية التجارية: وبدأ تطبيق هذه الاتفاقية على 71 منتجا عام 1977 وأضيف إليها 50 منتجا آخر فى العام التالي ثم أعفيت الصادرات التي تبلغ قيمتها 10 ملايين دولار من الرسوم الجمركية.
ـ التكامل الصناعي: بالإضافة إلى المشروعات التخصصية التي حددت لدول الرابطة تم وضع خطة للتكامل الصناعي لتشمل عددا من المشروعات أهمها مشروعات صناعة السيارات ومعدات الاتصال والسماد.
ـ اشتراك القطاع الخاص حيث شكلت غرف تجارية. وقد تركزت بالأساس في صناعة السيارات التي غزت الأسواق العالمية.
(2) تدعيم السلام والاستقرار في إقليم جنوب شرقي آسيا من خلال مبدأ الاحترام الكامل لحكم القانون في العلاقات بين دول الإقليم والالتزام بمبادئ ميثاق الأمم المتحدة.
(3) تشجيع الأنشطة التعاونية والمساعدات المتبادلة في القضايا الخاصة بالمصالح المشتركة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفنية والعملية والإدارية.
(4) تبادل المساعدات في مجالات التدريب والبحوث التعليمية والمهنية والفنية والإدارية.
(5) تحقيق مشاركة أكثر فعالية في الاستخدام الأمثل للمواد الزراعية والمنتجات الصناعية وتوسيع نطاق التجارة البينية ودراسة مشكلات التجارة الدولية للسلع وتحسين سبل النقل ورفع مستوى المعيشة.
(6) تشجيع الدراسات الخاصة بإقليم جنوب شرقي آسيا.
(7) الحفاظ على درجة عالية من التعاون الإيجابي مع المنظمات الدولية والإقليمية القائمة.
د ـ الهيكل التنظيمي للرابطة:
تتعدد أجهزة الرابطة وتتنوع أشكالها بما يتواكب وأهدافها المعلنة ، وهو ما يمكن ملاحظته فى التالي:
(1) مؤتمرات القمة وهي السلطة العليا لرابطة الآسيان، وتضم رؤساء الدول والحكومات في الدول الأعضاء، وتعقد كل ثلاث سنوات .
(2) المؤتمرات الوزارية، حيث تضم وزراء الشئون الخارجية وتجتمع شهريا، كما يجتمع وزراء الاقتصاد والمالية كلما اقتضت الحاجة.
(3) اللجنة الدائمة وتجتمع بشكل دائم كل شهرين وتتكون من وزير الشئون الخارجية للدول المضيفة وسفراء الدول الأعضاء.
(4) الأمانة العامة وأنشئت في قمة جاكرتا عام 1976 ويختار أمينها العام بشكل دوري من الأعضاء حسب الترتيب الأبجدي كل ثلاث سنوات.
(5) اللجان: وهناك خمس لجان وهي لجنة الغذاء والزراعة والغابات ولجنة التمويل والبنوك ولجنة الصناعة ولجنة الطاقة ولجنة النقل.
وكان لتطور الأهداف والحاجة لمواكبة المتغيرات أثر واضح فى تطوير الإطار التنظيمي العام، فتم إنشاء أمانة عامة دائمة من أجل إقامة قنوات للتشاور وتنسيق المواقف بشكل مستمر.
وهكذا يتضح أن رابطة الآسيان اعتمدت على المدخل الاقتصادي كأساس لبناء التعاون الإقليمي وخلق المصالح المشتركة بين الدول الأعضاء على النحو الذي يدفع تجاه المزيد من التعاون في المجالات الأخرى الاجتماعية والثقافية وأخيرا السياسة الأمنية.
ساحة النقاش