authentication required

 


ثانيا : التجربة التعددية الثانية (1919 - 1953) :
كانت ثورة 1919 علأمة بارزة ليس فقط في تاريخ النضال الوطني وإنما امتدت تأثيراتها الي مجمل الحياة السياسية والحزبية أيضا وفاقت تأثيراتها تلك ما خلفته الثورة العرابية.
فقد اتسمت ثورة 1919 بكونها ثورة شعبية تعبر عن الجماهير العريضة في البلاد ، وهو ما جعلها ترتبط بميلاد الحركات والتنظيمات المعبرة عنها وكانت الأحزاب تجسيدا لهذه التنظيمات .
كذلك فقد انتهت ثورة 1919 بإلغاء الحماية البريطانية علي مصر ، وإصدار تصريح 28 فبراير 1922 الذي اعترفت فيه بريطانيا باستقلال مصر من الناحية القانونية، وصدور دستور 1923. وكلها ظروف ساعدت علي التطور السياسي والاجتماعي بخلاف الظروف التي أعقبت الثورة العرابية وما تلاها من احتلال بريطاني (1882) مما أجهض حياة حزبية كانت مازالت في مرحلتها المبكرة أي في طور التشكيل الأمر الذي لم يتح لها فرصة للنمو والازدهار . ويضاف الي هذه العوامل أن هذه المرحلة اي مرحلة ثورة 1919 استفادت من وجود تجربة حزبية سابقة. وقد تميزت التجربة الحزبية الثانية بطول العمر قياسا بالتجربة الأولي التي لم تتجاوز 8 سنوات (أي من 1907 وحتي قيام الحرب العالمية الأولي 1914)، فاستمرت لأكثر من ثلاثة عقود حتي ثورة 1952.
ويعتبر الوفد أكبر أحزاب هذه المرحلة وأكثرها ارتباطا بثورة 1919 بحكم نشأته في سياقها. وجاءت تسميته بالوفد إشارة للوفد المصري الذي تألف في نوفمبر 1918 عن طريق الوكالة الشعبية للمطالبة بالاستقلال ورأسه سعد زغلول باشا بهدف السعي بالطرق المشروعة في سبيل استقلال مصر استقلالا تاما . والتفت الجماهير حول الوفد حتي أصبح يمثل التجسيد السياسي للحركة الوطنية المصرية .
وعلي هذا النحو نشأ الوفد كتجمع وطني أكثر منه كحزب سياسي. ولذا فإن تحوله الي حزب استغرق أكثر من خمس سنوات . وجري هذا التحول عام 1924 بعقد اجتماع لأعضاء الوفد في مجلس النواب (الذي تم انتخابه في نفس العام في اول انتخابات برلمانية في ظل دستور 1923) .
لقد بدأ الوفد الذي تشكل في اواخر عام 1918 وبداية عام 1919 بسبعة اعضاء هم سعد زغلول وعبد العزيز فهمي وعلي شعراوي وأحمد لطفي السيد وعبد اللطيف المكباتي ومحمدعلي علوبه ومحمد محمود، ولكنه لم يلبث أن اصبح ممثلا للأمة المصرية . وكان الأعضاء السبعة الاوائل هم الذين طلبوا من المصريين أن يوكلوهم للسعي الي الاستقلال .
وظهرت فكرة التوكيل أو الوكالة هذه عندما ذهب سعد زغلول وعبد العزيز فهمي وعلي شعراوي الي المعتمد البريطاني ليطالبوا بالاستقلال يوم 13 نوفمبر 1918 (عيد الجهاد) ، فقال لهم انهم ليست لهم أي صفة تخولهم ان يتحدثوا بإسم شعب مصر. وكان الهدف من تكوين الوفد هو جمع توقيعات من اكبر عدد ممكن من المصريين يقبل اصحابها توكيل اعضاء الوفد كي ينوبوا عنهم في العمل من أجل الاستقلال، ويضموا اليهم من يختارون لهذه المهمة .
وكان من الطبيعي أن تتسع قاعدة الوفد في الفترة التي تحرك فيها كتجمع وطني عريض اي حتي عام 1924، حيث تكونت اللجنة المركزية التي كانت مهمتها الأولي جمع التبرعات باسم الوفد وإرسالها اليه في الخارج عندما سافر اعضاؤه الي أوروبا للتفاوض من أجل استقلال مصر . وسرعان ما تطورت هذه اللجنة وأصبحت نواة التنظيم الوفدي الذي انتشر في كل انحاء مصر ولعب الطلاب دورا بارزا فيه الي جانب الفئات الاخري، حيث شكل الوفد لجانأ للعمال والموظفين . وأصبحت اللجنة المركزية او معها هذه اللجان ، هي العمود الفقري لتنظيم الوفد في فترة تحوله من تجمع وطني عريض الي حزب سياسي يحظي بشعبية هائلة، وهي الفترة التي امتدت من صدور تصريح 28 فبراير 1922 وحتي اجراء اول انتخابات برلمانية عام 1924.
وعقب تلك الانتخابات ، أخذ الوفد طابع الحزب بالمعني التنظيمي ، وأصبح له هيكل محدد تمثل في ثلاثة مستويات تنظيمية اعلاها هيئة الوفد التي كانت تعتبر الهيئة القيادية للحزب ، ثم الهيئة الوفدية العامة التي تكونت من اعضاء الوفد في البرلمان (مجلسي النواب والشيوخ) والأعضاء السابقين فضلا عن مرشحي الوفد الذين خسروا في الانتخابات . اما المستوي التنظيمي القاعدي فقد شمل لجان الوفد في المحافظات والمديريات والمراكز والقري الي جانب لجان الشباب والسيدات.
وبالرغم من الشعبية الواسعة التي تمتع بها حزب الوفد، والتي جعلت المؤرخين يتفقون علي أنه كان حزب الأغلبية بلا منازع ، إلا انه لم يحصل علي اغلبية برلمانية في جميع الانتخابات . فقد فاز في بأغلبية كبيرة في كل انتخابات حرة بينما فقد هذه الاغلبية في الانتخابات التي شهدت تدخلا لصالح بعض أحزاب الاقلية التي كان معظمها انشقاقا عليه.
ونتجت هذه الانشقاقات إما عن تغير الظروف التي أتاحت التقاء تيارات متعددة في اطار الوفد خلال المرحلة التي كان أقرب فيها الي تجمع وطني عريض، أو الي خلافات وصراعات علي النفوذ والتأثير والزعامة .
وقد بدأت هذه الانشقاقات مبكرا عندما خرج معظم قادة ومؤيدي اتجاه حزب الأمة الذي كان قد تكون عام 1907 كما سبقت الاشارة - وأسسوا حزب الاخوان الدستوريين عام 1922. وكان هذا هو الانشقاق الحزبي في عهد زعيم الأمة الأول سعد زغلول الذي ترفي في اغسطس 1927 وخلفه مصطفي النحاس.
وكانت اهم النتائج التي أسفرت عنها هذه الانشقاقات هو ظهور العديد من الأحزاب التي حرصت بدورها رغم انشقاقها عن الوفد علي تأكيد صلتها بثورة 1919 وانتسابها لها . في هذا الاطار ظهر حزب الأحرار الدستوريين عام 1922 برئاسة عدلي يكن باشا، نتيجة تراكم خلافات بين سعد زغلول وعدد من اعضاء الوفد خلال المفاوضات مع الانجليز . وتركزت هذه الخلافات علي كيفية ادارة المفاوضات وبصفة خاصة مدى المرونة فيها ، حيث كان هؤلاء الأعضاء أكثر ميلا الي المرونة والحلول الوسط بينما كان سعد زغلول أكثر ميلا الي التشدد. وقد استمد هذا الحزب اصوله الفكرية من حزب الأمة حيث ركز علي مبادئ الحرية واتسم بالاعتدال السياسي الذي عرف به حزب الأمة وضم في عضويته كبار المفكرين والسياسيين أمثال أحمد لطفي السيد وطه حسين ، ومحمد حسين هيكل وغيرهم . وكلهم رموز معبرة عن الاتجاه الليبرالي الذي يؤمن بالحرية الفردية ويعتبر الفرد ركيزة المجتمع ويرفض أي تقييد لحريته السياسية أو الفكرية. وإن كان الحزب بحكم تركيبته الفكرية كان أقرب الي أحزاب النخبة المحدودة (مثله مثل حزب الأمة) بخلاف الوفد الذي كان حزبا شعبيا واسع النطاق.

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 107 مشاهدة

ساحة النقاش

mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

284,232