روعة الإحساس

كنا نسير للأمام أو هكذا كنا نظن فنظرنا نكتشف ما قطعناه وجدنا أنفسنا نسير للخلف وفقدنا ما إحتويناه

authentication required

 

حتى فصول الأعوام تداخلت وتشابكت ولقح بعضها بعضا تهب على بعضها متى شاءت فاقبل الصيف في الشتاء والخريف في الربيع ثم تاه الربيع وتساقطت أوراق وزهور كنا ننتظرها كل ربيع فأدركناها في فصل الخريف لا موعد لرحيل الشتاء ولا لقدوم الصيف والورود نزرعها طوال  العام  ونبذرها  متى شئنا ولكنها بلا رائحة تهيج المشاعرأوعبيريرتويه الصباح وتلك البذور نداولها بين الفصول حتى وجع  القلوب صار جسورا يعبر عليها مرضى  القلوب والانكسارات دروب مضيئة يمر بها الشامتين والابتلاءات محفل عرس وزينة للحاقدين تقف الدنيا  على  أطرافها بلا ملامح ولا حدود والشر حديقتها التي تنموا فيها البساتين وأزهار حملت زينتها من وجع القلوب... خارج محراب القرية اندثر أزيز السواقي وصياح  (وارد الشادوف )واختفى أبو قردان الذي يجوب المساقى وغنم القوم التي  تهوى في المراعى ٍفتشققت حلوق الأرض كما تشققت حلوق الخلق وغصون الأشجار هجرتها العصافير في الليالي الطرية ..... صفعه  أبوه وهو صغير وقال له طيبتك ستجعلك طعما للئام والطامعين عندما رد على أبيه وقال له (ازرعوا الخير تجدوه ) لم يكن يعلم إن حكمة أبيه حصادها تجارب سنين فلما مات أبيه وقف على قبره  يصيح وما هى الطيبة يا أبى ..... كان يحب أبيه  ويحب أن يسمع منه (حداد ) السواقي والشواديف وهى أغنية يجارى بها الشادوف لري الأرض مات وتركه هو وأمه فى دنيا تغرب فيها كل شئ ٍ وتبدل كل شئ المشاعر بالمصالح والغناء بالنفاق والرقص بالغواية  والقرآن تجارة مزجاه  عند أهل العمائم إلا المحترفين في نصب الكمائن عند أصحاب الدراهم قال له  الشيخ (وفى السماء رزقكم وما توعدون ومن يومها يبرق للسماء ينتظر وعدا سيأتي فلما طال انتظاره ذهب إلى الشيخ يسأله لم ينزل يا شيخنا الرزق من السماء ... ضحك الشيخ لصغر سنه وقال له الرازق هو من في السماء ولكن انزل رزقه على الأرض وقد يكون الرزق هو الجنة في الآخرة .. وقال له اقرأ يا غريب   ألم  تحفظ سكت ولم يقرأ ثم سأل  ما الموت يا شيخ قال له الموت يا غريب كالنوم تنام إلى أن يشاء الله ثم توقظك الملائكة لتلقى ربك هناك حيث النعيم وجسدك هذا هو        صندوق لروحك فإذا خرجت الروح تعفن بلا الم ولا وجع فمات شيخه في (كُتابه )ولم يعلم بموته احد حتى تعفنت جيفته  دلتهم عليه رائحة الموت  فلما دخلوا عليه وجدوه مطبقا بكلتا يديه على (مصحفه )وذهب شيخه بجوار أبيه فصاح على قبرهما   صدقت يا أبى فقد مات الطيب حتى دلتهم عليه دابة الموت ..تذكر أبيه وشيخه فبكى وذهب إلى أمه التي جارفها الوجع والألم جلس عند أطراف أقدامها ولمحها تتأوه من وقع الوجع فلما رأته ضحكت متصنعة حتى لا تحزنه فضحك   وهو يعلم مرارة وجعها  ارتمى على فخذها ودفن وجهه في عباءتها وولول بالبكاء ... ضاقت يا أمي وأغلقت أبوابها وتزاحمت  ونزعت البركة منها فلا أرزاق ولا أعمار تدوم والأوجاع هي فقط من تدوم أخاف يا أمي إن تموتي كشيخي  وأنا بين السواقي ابحث عن مدى صوت أبى ،ملست على رأٍسه ورفعته من حجرها الذي أغرقه بالدموع ونهرته لا تبكى كالنساء  ولكن لا تتركني وحدي فمنك استمد رائحة الحياة ويهجرني الموت الذي يلاعبني كلما غبت عنى  ارتمى في حضنها وهو يصيح  .. ضيق الحال وغلق الأبواب جعل الوجع يعض جسدك المريض  النحيل فمثلنا يا أمي حمولة زائدة  على موائدهم ... فر قاصدا الباب لا يدرى إلى أين ستؤويه خطاه والشوارع ملئي بالأطفال الحفاة يتلاعبون بإطراف الجريد ومن الخوص يصنعون خواتم طرية لهم وكلاب الحواري تعوى على كائنات أمرتها الدنيا بالرحيل فلا مكان يؤويهم فارق بوارج القرية المصنوعة من  الطين والخوص وأوى إلى المزارع يستجدى رقائق النسيم  الهاربة من قيظ الضروب  جلس  على  حافة الجدول يفلت ساقيه لبرودة الماء المارق وخيوط العشب تدغدغ ساقيه تمرق العصافير من حوله تنقر الماء وأشياء مدفونة بين مسامات الطين الطري حول الجدول وهدهد سليمان يبقر الأرض بمنقاره ولا يهدأ.... قالت له لا تخرج  وتتركني اعبث بالفراش أنى أخاف أزيز السرير وتماوج الجدران وتراقص المصباح المشنوق بسقف الغرفة .... وأطبقت على طرف جلبابه ... ومن يجرعني الماء إذا جف حلقي الذي لا يبتل ولا يروى غافلها وهى تسبل عينيها إلى ورم النعاس وتسلل إلى الغيطان يزيل بعض الأقبية التي طوقت قلبه وزاحمت أنفاسه هنا فقط على حافة الجدول يفرغ حمولة القلب الموجوع من أزقة الحزن والقهر  .. تذكرها وضحك كل لحظة تسأله .. من آنت يقول لها أنا ابنك غريب وبعد لحظة تسأله من أنت يقول لها ضاحكا ابنك غريب  غريب غريب والله غريب يا أم غريب ... كم جابت الأسواق والمزارع والمحاصد وهو الآن عاجز عن علاجها في زمن الأكاذيب لم يستطع سماع أنينها فغمر رأسه بين خرير الماء كم مرة فكر أن يسألها لماذا سمته غريب وينسى تنسيه ألامها وأوجاعها فيضحك بمرارة لأنه يعلم إنها لم تكن أحسن حالا قبل أن يمتطيها المرض  قالت له إن المرض هو القدر الذي نفرغ فيه مرارتنا ليراها الناس فوخز القلب اقسي من وغز البدن كابرت كي تربيه في زمن الأكاذيب وهو الآن يكابر كي يدفنها بجوار وشيخه الذي حدثه عن وصايا لقمان ولم يجبه الشيخ ماذا قال لقمان لابنه  عن ضيق الحال وعسر اليد والركب قد حمل الماء .. وصوامع يوسف ملئت بالحب الحرام ... ماذا قال لقمان لابنه واللصوص  قد حصدوا المزارع وجففوا المنابع وسرقوا الحلي  من  النساء  .... ماذا قال لقمان عن أمه التي صكها الوجع وناطحها اليأس  وشفائها دراهم    معدودة  كالتي بيع بها يوسف .... رفس الماء  بحوافره حتى غاصت  في الطين  وهب واقفا أطاح بيديه الهواء فتطايرت العصافير وهدهد سليمان وصرخ في المدى صوامع يوسف  يديرها اللصوص ووصايا لقمان بدلها ابن سلول ... انسل من الأرض إمامه الصغير وقال له إن جدتي تناديك أسرع معي لتسقيها الماء  خطى خطواته إلى سقيفة البيت يحمل بين يديه كوب الماء  فوجد سيارة يوسف بدلوهم قد جاءوا وحملوها إلى حيث أنها لن تخبر احد بما ترى ولم يخبرها احد بما رأى

 

mohamedzeinsap

كتبنا وكنا نظن أننا نكتب وقرأت ما كتبنا أكتب تعليقك ربما يكون نافلة القول التى تقيمنا إنتقد أو بارك أفكارنا لربما أنرت لنا ضروبا كانت مظلمة عنا أو ربما أصلحت شأننا أو دفعتنا لإصلاح شأن الآخرين

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 163 مشاهدة
نشرت فى 25 يونيو 2018 بواسطة mohamedzeinsap

محمد زين العابدين

mohamedzeinsap
نحن نتناول إحساسك ومشاعرك وغربتك نكتب لك ..... وتكتب لنا فى السياسة والادب والشعر والقصة والسيرة والدين نحن هنا من أجلك و...... ومن أجلنا لكى نقاوم حتى نعيش بأنفاسنا المحتضرة وآمالنا المنكسرة وآحلامنا البعيدة نحن المتغربين بين أوطانهم والهائمون فى ديارهم »

عدد زيارات الموقع

143,127

تسجيل الدخول

ابحث

ذاكرة تغفل..... ولكن لا تنسى




في قريتنا الشئ الوحيد الذي نتساوى فيه مع البشر هو أن الشمس تشرق علينا من الشرق وتغرب علينا من الغرب نتلقى أخبار من حولنا من ثرثرة المارين بنا في رحلاتهم المجهولة نرتمي بين حضن الجبل يزاحمنا الرعاة والبدو الأطفال عندنا حفاة يلعبون والرجال عند العصارى يلقون جثثهم أمام البيوت على (حُصر ) صُنعت من الحلف وهو نبات قاسى وجاف والنساء ( يبركن بجوارهم ( يغزلن الصوف أو يغسلن أوعيتهم البدائية حتى كبرنا واكتشفنا بأن الدنيا لم تعد كما كانت .... ولم يعد الدفء هو ذاك الوطن.......... كلنا غرباء نرحل داخل أنفسنا ونغوص في الأعماق نبحث عن شئ إفتقدناه ولا نعرفه فنرجع بلا شئ .. قريتنا ياسادة لا عنوان لها و لا خريطة ولا ملامح وكائناتها لا تُسمع أحد نحن يا سادة خارج حدودالحياة في بطن الجبل حيث لا هوية ولا انتماء معاناتنا كنوز يتاجر بها الأغراب وأحلامنا تجارة تستهوى عشاق الرق وآدميتنا مفردات لا حروف ولا كلمات لها ولا أسطرتُكتب عليها ولا أقلام تخطها نحن يا سادة نعشق المطر ولا نعرف معنى الوطن نهرب إلى الفضاء لضيق الحدود وكثرة السدود والإهمال... معاناتنا كنز للهواة وأمراضنا نحن موطنها لا تبارحنا إلا إلى القبور ... وفقرنا حكر احتكرناه ونأبى تصديره نحن أخطاء الماضي وخطيئة الحاضر ووكائنات غير مرغوب فيها...طلاب المجد نحن سلالمهم وطلاب الشهرة نحن لغتهم ... نحن يا سادة سلعة قابلة للإتجار بها ولاقيمة لها .. نحن مواطنون بلا وطن