دار الرسيس للنشر والتوثيق الإلكتروني

مجلة أدبية ؛شعر قصة رواية مقال

authentication required

حاجتنا إلى الشعر
وقفة مع نص للشّاعر فراس حج محمد
رائد محمد الحواري/ نابلس
أولا: النص
كلّ ليلة تنفتح الغيمةُ
أشرب نخب جمالك الجسديّ
أتذوّق طعم السّكر المعصور في شفتيكِ
طفلا ليس يعرف غير مائكْ
أبتهل كصوفيّ جريء بين أعضائكْ
خبزك ناضج كثمرة إلهيّة
خمرك مائدة للنّشوة تصحو
وتكبر
تكتبني سفر قصيدة عشق سماويّة
أيّتها المخلوقة من ورق الجنّةْ
محلّاة بعطر ملائكة اللهْ
لا تنامي قبل أن يغسلك اللّيل بي
لأصبح جذرا يرتوي من تربة وردكْ
ثانيا: القراءة
نحن دائما بحاجة إلى الشعر، لأنه يمتعنا، ويفرحنا، ويجعلنا نتقدم من الحياة، في هذه القصيدة نجد نصّاً مطلق البياض، فلا نجد إلا "ليلة، المعصور" جاءتا صعبتين رغم أنهما ضمن السياق وتخدمان فكرة البياض، ودونها تكون القصيدة ألفاظا ومعاني ومضمونا مطلقة البياض، وإذا ما توقفنا عند فاتحة القصيدة سنجدها تفتح أبوبها مشرعا لنا:
"كلّ ليلة تنفتح الغيمةُ" إذا ما توقفنا عند كلمة "غيمة" ستجعلنا نتجه إلى الماء وما يتبعه من أفعال ووصف:
"أشرب نخب جمالك الجسديّ" فالشرب متعلق بالماء، لكن الشاعر يقدمنا من حالة شرب أخرى، شرب ما هو لذيذ ومنعش، فكان جسدها.
إذن الشاعر يقدمنا من حالة شرب الماء العام، المتاح للكل الذي يشربه الناس وبقية المخلوقات الأرضية، إلى حالة شرب خاصة، تقتصر على من يهيمون في عالم استثنائي، من هنا جاءت "نخب" لتؤكد هذه الخصوصية، يدخلنا "فراس" أكثر إلى عالمه الاستثنائي من خلال:
"أتذوّق طعم السّكر المعصور في شفتيكِ" استخدم الشاعر للفعل المضارع "أتذوق" أراد به أن يؤكد استمرارية اللذة والمتعة التي هو فيها، لهذا أعطانا تفاصيل تلك اللذة الحاضرة "في شفتيك" ليتذوق حلاة السكر منها وفيهما.
يعطنا الشاعر صورته مع الحبيبة: "طفلا ليس يعرف غير مائكْ"، فالماء هنا يأخذنا إلى النهدين وإلى ما بين الفخذين، وعندما جعل من نفسه "طفلا" أراد أن يؤكد عدم معرفته إلا لهذا الغذاء/الشراب الموجود في جسد الحبيبة، وكلنا يعلم حاجة الطفل للتغذية.
يتقدم الشاعر أكثر من جسد الحبيبة، فيتوحد به كما يتوحد الصوفي مع ربه: "أبتهل كصوفيّ جريء بين أعضائكْ"، فالحبيبة هنا تتماثل والطبيعة الفسيحة، فهي تمنحه الشعور بمتعة الجمال، وأيضا تعطي حالة من التأمل بخالق، بموجد هذا الجمال، فتجعله "يبتهل" ممجدا هذا الجمال فيقول: "خبزك ناضج كثمرة إلهيّة "، فهذا أول تمجيد للحبيبة، ف"خبزها" ناضج، وبالتأكيد المقصود هنا غير الخبز، لأنه قرنه بالثمرة، والثمرة الناضجة إذا لم نقطفها تسقط، أو تشوه بقية الثمر، من هنا أراد بهذا الخبز الحديث عن جسدها، لهذا يكمل تمجيده لها فيقول:
"خمرك مائدة للنّشوة تصحو
وتكبر"
الشاعر يركز في ابتهالاته عليها من خلال استخدمه لحرف "الكاف" عندما وصفها بالخمر اعطاها حالة الهيام الكلي عن الوعي، وفي ذات الوقت النشوة العارمة والمتجددة والمستديمة، لهذا قال عن أثر الخمر "تصحو/ تكبر"
للشاعر أدواته، كتابة القصائد:
"تكتبني سفر قصيدة عشق سماويّة"
ذروة تمجيد الحبيبة جاء في هذا المقطع، فهي من تكتبه القصيدة، بمعنى هي من تمنحه صفة "شاعر" فبدونها سيفقد الإلهام/ لأنها هي من تكتبه، وليس هو من يكتب.
يتقدم الشاعر أكثر في تمجدها فيقول:
"أيّتها المخلوقة من ورق الجنّةْ" فهنا للورق أكثر من معنى، الورقة الذي يستخدمه الشاعر لكتابة قصائده، والورق الذي أراد به إخفاء عورة "آدم وحواء" وكأن الشاعر أرادها أن ليكتب عليها قصيدته، وأرادها ليغطي عورته/جسده بها، وهذا ما يقدمنا من فكرة التوحد الجسدي بينهما.
يعود بنا الشاعر إلى عالم اللذة والمتعة من خلال:
"محلّاة بعطر ملائكة اللهْ" وكأنه بهذا الوصف أراد أن يعطينا حالته بعد التوحد معها، فهي "محلاة" بحيث يبقى بحاجة إلى البقاء طويلا ليستمتع أكثر بهذه الحلاوة.
ينهي الشاعر ابتهالاته/ تمجيده لها، وينقلنا إلى حالة أخرى: "لا تنامي قبل أن يغسلك اللّيل بي"، فالاغتسال يمثل حالة الطهارة والانتقال من حالة الكفر إلى حالة الإيمان، فالشاعر أرادها أن تكون طاهرة بعد أن تغتسل به، وهذه من أجمل الصور التي استخدما "فراس" ففيها حالة التمازج والتوحد بين الجسدين.
يختم الشاعر القصيدة: "لأصبح جذرا يرتوي من تربة وردكْ"، وهنا تكمن العلاقة الحميمة بين الغيمة التي جاءت في فاتحة القصيدة وبين الجذر الذي يرتوي، ولا بدلنا أن نتوقف عند الماء الذي جاء في النص: "الغيمة، أشرب، مائك، يغسلك، يرتوي" فهو للتأمل والأمل عندما يكون في غيمة في السماء، وهو للشرب، يروي الظمأ، وهو للاغتسال، للطهارة والانتقال إلى حالة نفسية وفكرية جديدة، وهنا تجتمع كافة صفات وخصائص الماء، المادية والنفسية معا.
أما حالات التوحد فجاءت "أشرب، أتذوق، غير مائك، كصوفي، تكتبني، الليل بي، يرتوي" كلها تعطي مدلول على التوحد والانصهار، وهذا التوحد يأخذ الحالة الجسدية والرواية والجمالية، فالشرب والتذوق والليل بي، ويرتوي، متعلقة بالحالة الجسدية، أما "كصوفي" فهي متعلقة بالحالة النفسية، وتكتبني، متعلقة بالجمالية، فالمرأة هنا تمنح الشاعر عناصر الوجود الإنساني كاملة، بحث يكون إنسانا سويا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* القصيدة منشورة على صفحة الشاعر على الفيسبوك

المصدر: مجلة عشتار الالكترونية
magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 150 مشاهدة
نشرت فى 16 أغسطس 2018 بواسطة magaltastar

مجلة عشتار الإلكترونية

magaltastar
lموقع الكتروني لنشر الادب العربي من القصة والشعر والرواية والمقال »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

562,842