دار الرسيس للنشر والتوثيق الإلكتروني

مجلة أدبية ؛شعر قصة رواية مقال

((((( شاعر))) و (((( ناقد ))))
شاعرنا الليلة من تونس الشقيق متمكن من الشعر بانواعه وجميل وساحر البيان 
الاستاذ (( محمد الخذري ))وناقدنا عرفناه سابقا استاذ في الادب (( الاستاذ صالح أحمد ))
القصيدة ..........
" رياح الصّبّ "
سألْتُ حَرْفيَ كيْف العشْق يُسْكرني
أنّى هوًى يوْطن الوجْدان يحْـرقني
مـا حيـلة القلْب والأشْواق تسْكنــه
والنّبْض يشْـدو وبالألْحان يٌطْربني
يا مُهْجة الرّوح لا الأشْجان تُرْهقني
ولا وهيـج جروح الرّوح يُدْركني
بي حرّ شوْق إلى ليْلاك أرْقُـبـهـا
مدًى إليْك ريـاح الصّبّ تحْملُـني
يا عاشق اللّيْل والأشْعار مُذْ زَمنٍ
أراك تعْـبُـر بِكْر الدّرْب تسْــألُــني
عنْ ذكْريات صبانا عنْ هوى وطني
عنْ أغنيات سَرَتْ لحْنًـا مدى الزّمـنِ
حـان الوداع فصوْت منْـك أيْـقظني
منْ نشْـوتي وجنـاح اللّيْـل يسْترني
فإنْ يكُنْ طلبي للوصْل مُمْتـنـعًــا
فارْحلْ فإنّ لذيــذَ الحُلْـمِ زهّـــدني
بقلم : محمّد الخذري
القؤاءة النقدية
:::::::::::::::::::::::::::::::::
" رياح الصّبّ "
تعددت والعبارات التي تعبر عن حالات الحب ودلالاتها في اللغة العربية... ولكن بقيت كلمة (الصبابة) أكثرها عمقا واتساعا في الدلالة.. فالصبابة في معاجم اللغة تعني: "حَرَارَةُ الشَّوْقِ وَمُكَابَدَتُهُ" كما تعني: "رِقَّةُ الْحُبِّ وَالْهَوَى" وصدق القائل:- "لاَ يَعْرِفُ الصَّبَابَةَ إِلاَّ مَنْ يُكَابِدُهَا". ليستطيع ان يحدد: أتبعث في قلبه حرارة الشوق فيكابدها صابرا... أم تمنحه رقة الحب والهوى.. فيذوب وجدا.. ويصبر هوى وشوقا؟
نحن هنا أمام شاعر يكابد الصبابة بكل حالاتها.. والدليل: (رياح الصب) فالرياح لا تستقر على حال.. ولا تمكن السائر في أجوائها من تحديد مقدار احتماله لجنونها وتقلباتها... ومدى صبره في ظل تشعباتها وأجرياتها.. ولا إلا أين تحمله... وأين يكون مستقره تحت جناحها؟... إنه في حالة تشتت دائم.. فالريح تهب في كل اتجاه... وفي كل موسم.. وهي تختلف بين شدة ولين.. قوة وضعف.. حر وبرد.. مُنعِش ومُضجِر.. مريح ومُتعِب...
عنوان مفتوح على كل الاحتمالات.. وهنا تأتي لباقة الشاعر وفطنته.. التي تحمله قسرا على البحث عن موقفه وسط الرياح.. والباحث.. لا بدّ له من السؤال ليجد ضالته.. والتساؤل.. حيلة الحيران الباحث عن الهدى...
سألْتُ حَرْفيَ كيْف العشْق يُسْكرني
أنّى هوًى يوْطن الوجْدان يحْـرقني
مـا حيـلة القلْب والأشْواق تسْكنــه
والنّبْض يشْـدو وبالألْحان يٌطْربني
"سألت حرفي".. سألت لغة التعبير مفتاح الوعي (إقرأ)... بوابة المنطق.. "كيف العشق يسكرني" ومع حالة السكر (سكر الهوى وسكر القلب ... من المصطلحات الصوفية .. الدالة على ان شاعرنا أوغل في حال التجلي الوجداني والشعوري المفارق للحس الجسدي إلى الحس الروحي...)
"أنى هوًى يُؤطِنُ والوجدان يحرقني" "يؤطن" هنا جاءت بمعنى يطمئن.. كيف لهوى أن يبعث الطمأنينة في وجداني.. وهو يحرقني.. ويتركني بلا حيلة.. لا حول لي ولا قوة.. مسلوب الإرادة موزع الذهن والحس بين هوى يحرقني.. وشوق يملك عليَّ قلبي ونبضي.. ويطربني بألحان وعوده الموزعة بين سكينة مرجوة.. أو احتراق منشود بلوغا لحالة الانصهار في بوتقة الوجد:
يا مُهْجة الرّوح لا الأشْجان تُرْهقني
ولا وهيـج جروح الرّوح يُدْركني
وهو بين هذا وذاك.. بين رقة الاشجان.. حينا.. ولوعة وحرقة الشوق حينا.. يبقى هائم الروح، مشغوف الصبابة..
بي حرّ شوْق إلى ليْلاك أرْقُـبـهـا
مدًى إليْك ريـاح الصّبّ تحْملُـني
"ليلاك" لمن يعود الضمير "الكاف".. إنه عائد إلى (حرفي) وحرفي هنا يتضح معناها : إنه يعني بها لغة الشوق والحنين.. و"ليلاك" تجسيد حسي لحال الشوق والحنين والصبابة.. يعيشها وجدا.. كما يعيشها ارتقابا... فالصوفي يخرج من حال وجد إلى حال أمل .. إلى حال شوق.. إلى حال طلب وارتقاب..بلوغا ووصولا إلى حال الجذبة فالوصل.. وهكذا تتجدد الأحوال.. وبتجددها يتجدد الوجد وتشتعل الصبابة...
وما أبدع التعبير "مَدًى" بلا حدود.. لا بداية، ولا نهاية.. افق يتسع ولا يضيق.. لا يحده حد .. ولا يحيق به جهد ولا جد.. هو في تجدد دائم.. واتساع بلا توقف... وفي هذا سر جذبته، وسر تعلق الروح به.. فهو: "ريح الصب" تجعله في قلق دائم.. يصاحبه شوق يتعاظم.. ووجد متصل.. وصبابة لا تفتر..
يا عاشق اللّيْل والأشْعار مُذْ زَمنٍ
أراك تعْـبُـر بِكْر الدّرْب تسْــألُــني
عنْ ذكْريات صبانا عنْ هوى وطني
عنْ أغنيات سَرَتْ لحْنًـا مدى الزّمـنِ
وتحت جنح الليل يقر القلب.. ويستقر الوجد ويسكن الرّوع.. فتنتشي الصبابة سكينة وهدوءً ولذة في طهر الطريق (بكر الدرب) الدرب الواصل بين شوق القلب .. وسرمدية الصبابة .. وأبدية العشق.. حين يجذب الوجدان ليصبح له وطنا وطريقا .. وقلبا وروحا.. ويصبح العمر لحظة وجد هي المدى.. وهي الزمن ... " أغنيات سَرَتْ لحْنًـا مدى الزّمـنِ" وإيقاع الزمن المتجسد نبضا به نحيا... وصبابة بها نَتَرَسَّم الطريق .. طريق الحياة في ظل العشق ومراقي الوجد..
حـان الوداع فصوْت منْـك أيْـقظني
منْ نشْـوتي وجنـاح اللّيْـل يسْترني
فإنْ يكُنْ طلبي للوصْل مُمْتـنـعًــا
فارْحلْ فإنّ لذيــذَ الحُلْـمِ زهّـــدني
"منك" مرة أخرى... إشارة إلى "الحرف".. لغة اليقين والحس.. جسر الوصل السرمدي في مراقي الصبابة.. "الوداع" وداع التردد .. وداع التشوق... وداع التشتت... إلى حال الاستقرار الوجدي.. وداع "السكر" والغيبة .. إلى اليقظة والوعي.. وداع النشوة .. إلى حال الصحوة.. وداع البحث .. إلى حال الوصل.. وهل يصلح غير ستر الليل إطارا لهذا التجلي الوجداني؟ تحت جنح الليل حيث الوصل الوجداني.. الوصل الروحي .. حيث غيبة الوجود .. في حضرة الحبيب الموجود .. حيث يغيب الوصل الحسي .. ليحضر الوصل الروحي .. في "لذيذ الحلم" ومن نال لذة وصل الروح في لذة الحلم.. يزهد طبعا بكل وصل مادي دون ذلك..
...................
كنا مع قصيدة صوفية موغلة في العمق الوجدي .. عمق الصبابة وأحوالها.. والعشق ومراقيه.. في معارج الحرف (اقرأ) حيث تجليات روح الوصل بسر الحرف.. وسر الروح الساكنة خبايا النبض المتواصل حلما ولذة في مدى العشق .. وصولا إلى (ليلاه) معارج مراقيه وتجلياتها.. 
شاعرنا.. شاعر صوفي أعاد للقصيدة الصوفية الرمزية معارج العشق الإلهي الروحي وصبابته ولذاذاته ... 
شكرا شاعرنا الراقي محمّد الخذري.. لقد أمتعتنا وبحق.. دمت راقيا شامخ الحرف والروح
...صالح أحمد (كناعنة).....

المصدر: مجلة عشتار الالكترونية
magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 157 مشاهدة
نشرت فى 12 أغسطس 2018 بواسطة magaltastar

مجلة عشتار الإلكترونية

magaltastar
lموقع الكتروني لنشر الادب العربي من القصة والشعر والرواية والمقال »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

577,783