فجأة أصبح الجميع شرفاء ونصبوا أنفسهم قضاة ووكلاء نيابة، يتهمون ويدينون غيرهم فى نفس اللحظة. كتبت مرات عديدة عن موقف المثقفين السلبى تجاه القضايا الوطنية والاجتماعية وقناعاتهم الراسخة بأن على الدولة وحدها بمؤسساتها الثقافية وهيئاتها العمل على تحقيق رغباتهم وآمالهم مكتفين بالجلوس فى صوامعهم بعيدا عن الأحداث الجارية وتأزمات الواقع يوما بعد يوم. الآن، وفجأة ظهرت أصوات عديدة كل منها يزعم أنه يتحدث باسم المثقفين من الكتاب والأدباء الشرفاء والحقيقيين. ظهر صوتهم ليكيلوا الاتهامات لبعضهم البعض، ويطالبون بالفضح والتشهير لشخص أو أشخاص بعينهم. وكان من الطبيعى أن نسأل أنفسنا عدة أسئلة منطقية أمام هذا السيل من الشكاوى والاتهامات. لماذا تحدثوا الآن بالذات عن الفساد فى المؤسسات الثقافية ولم يتحدثوا من قبل؟ لماذا لم يطالبوا بحقوقهم التى يقولون إنها مهضومة ومسروقة منذ سنوات؟ من الممكن أن نغض الطرف، ونلتمس العذر للمواطن البسيط الذى يعمل فى فرن عيش كونه صبر وتحمل ظلم صاحب العمل حفاظا على أكل عيشه. ولكن هل نستطيع أن نلتمس العذر لمن يقول إنه مثقف؟ وهل يكون المثقف الحقيقى جبانا؟ وما دور المثقف فى المجتمع من الأساس لو لم يحمل مشعل الحرية والتنوير فى مجتمعه وقت الحاجة لمشعل نور وقت الظلام؟ من المفترض أن يكون المثقفون فى طليعة الأحداث لا فى ذيلها، كما حدث ويحدث هذه الأيام . ظهر المثقفون كتابعين للأحداث؛ تماما مثل توابع الزلزال، ينتظرون أحدا كى يأخذ المبادرة مغامرا، ربما بحياته مثلما حدث مع شباب 25يناير الذين يتم الآن التكسب من ورائهم للحصول على مطالب فئوية قصيرة النظر. الكبار الذين قضوا العمر يهاجمون الشباب، يكيلون لهم اتهامات التفاهة وقلة العقل وضحالة الثقافة، أخيرا اعترفوا أنهم كانوا عجائزا على دكك الاحتياط مكتفين بالمشاهدة حتى إذا قام الشباب «التافه» بالفعل، لم يصدقوا فى البداية ثم صفقوا وأسرعوا يقتسمون الكعكة ولكن بعد أن يمزقوها أولا.. لا أنكر فساد بعض الأشخاص، ولا أنادى بعدم المساءلة، ولكنى لا أحترم من صمت عقودا على حق له ولم يطالب به، ثم ظهر فجأة مدعيا عنتريات فارغة ونزاهة أقرب إلى البلاهة. كان يجب على المتحدثين الداعين إلى محاكم التفتيش العلنية والحنجورية، أن يطالبوا بحقوقهم من قبل وإن لم يحصلوا عليها، يكفيهم أنهم حركوا الماء الراكد، ولربما احتذى بهم غيرهم ولتغير الوضع الذى وصلنا إليه بسبب صمتهم واكتفائهم بالشكوى للحائط عند النوم . أكرر لا أريد أن يتم فهمى بطريق الخطأ كما حدث عندما اعتذرت عن قبول دعوات الانضمام إلى مجموعات الفضح والتشهير . فكل ما أريد هو ألا ينخرط المثقفون كغيرهم فى حملات التشهير. كان اعتراضى على أنه لا ينبغى أن يكون سلوك المثقف مثل سلوك رجل الشارع العادي. رأيت أن الوقت الذى يقضيه الكثير منهم أمام شاشة كمبيوتر ليسب ويشهر بغيره ، من الأفضل أن نقضيه فى شىء أهم يفيد فى عملية بناء مصر الحديثة. ومن لديه وثيقة تثبت أن له حقا فليذهب بها إلى الجهة المنوط بها محاكمتهم. أى أنى أريد أن يكون القانون هو الفيصل والحكم بيننا جميعا، لا الاشاعات والاتهامات ومجموعات تكاثرت من أجل الفضح والتشهير والسباب والتخوين على الفيس بوك. فالبعض يردد إشاعة، والبعض يسرق مقالا وينسبه إلى نفسه وهكذا. وكل هذه الأمور نتغاضى عنها كثيرا إن صدرت من الشباب الذين ينظرون إلى الأمر على أنه تعبيرعن ذواتهم وطاقاتهم. ولكن هذا لا ينطبق على المثقف الذى من المفترض أن يكون هو عقل الأمة الواعى قبل أن يكون مجرد دفعة هواء زفير ملئ بثانى اكسيد الكربون.. وهكذا فى موسم التخوين والفتن كثرت البيانات التى تصدر تباعا، بعضها موضوعى يشدد على أهمية تحقق مطالب الثورة، وإطلاق الحريات. والبعض جاء مخيبا للآمال لتمركزها حول نقطة خلاف وحيدة وهى المادة الثانية للدستور، وتبارز الجميع فى جدال عقيم بين مؤيد ومهاجم، وكان من الطبيعى أن ينضم لهؤلاء وهؤلاء مناصرون ومعارضون . والطرفان فى تناحر لدحض فكرة الآخر ومصادرة الرأى المغاير، يمارسون القمع على كل من يخالفهم فى الرأى، بل من يلتزم الحياد ولا يوقع على بيان ما، يجد نفسه متهما بتهم العمالة والولاء للحكومة السابقة، ولربما أصابه بعض السباب بعد كل اجتماع أو تعليق على الفيس بوك. كيف نطالب بالديمقراطية والكثير منا لا يدركون معنى تقبل رأى الآخر أو وجهة نظره المختلفة؟ لماذا يطبقون سياسة من ليس معنا فهو ضدنا التى طالما استهجنوها فى الغير؟ على غير المتوقع ترك المثقفون ما يجمع، واهتموا بما يفرق، ويوقد نار فتنة كامنة لا نريدها أن تطفو مرة أخرى حفاظا على مصر. وأخيرا، وعلى الرغم مما يحدث، ستعيش مصر بعدنا كما عاشت قبلنا. فلنتركها كما هى بهية وأم الدنيا. سلمت يا مصر يا وطنى..
تؤمة بين اليوم إدكو والمحافظات واليوم السابع و صدي البحيرة علي تبادل الخبرات بين المواقع الثلاث > ميثاق العمل الصحفي نحن الصحفيين المصريين أسرة مهنية واحدة ، تستمد كرامتها من ارتباطها بضمير الشعب ، وتكتسب شرفها من ولائها للحقيقة ، وتمسكها بالقيم الوطنية والأخلاقية للمجتمع المصري .وتأكيدا لدور الصحافة المصرية »
ساحة النقاش