بعد حقبة زمنية طويلة، كان فيها هو الرجل الاول صحاب الكلمة العليا، بطل بلا منازع، قائدا رغم انف الجميع، يقبع اليوم الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك منعزلا في مقره الاجباري هو وعائلته، خاضعا لتهم التحقيق ممنوعا من السفر او التنقل.
فيما لم تشفع له عقود خدمته في مصر ان يحظى حسني مبارك بنهاية مشرفه، خصوصا وانه بحسب المراقبين اقترف خطايا لا تغتفر بحق ابناء شعبه على اكثر من صعيد، ابتداء من استئثاره بالسلطة دون وجه حق، ومرورا بتغييب الممارسة الديمقراطية وهيمنة اقطاب نظامه على مفاصل الدولة، مرورا بالممارسات الديكتاتورية التي تمثلت بمصادرة الحريات السياسية الاخرى وتكميم الافواه.
فيما كان لتفشي الفساد في عهده سبب رئيسيا في اسقاط نظامه بهذا الشكل المخجل، تاركا ابناء جلدته من الفقراء والمعدمين يتضورون الما لواقعهم المتردي الذي تسببت به سياسته الانانية.
التحفظ على ممتلكاتهم
فقد أمر النائب العام المصرى عبد المجيد محمود بمنع الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك وأسرته من السفر للخارج، وكذلك التحفظ على جميع الأموال والممتلكات "السائلة" والمنقولة والعقارية وكافة الأوراق النقدية والأسهم والسندات المملوكة له ولأسرته سواء تلك الموجودة داخل مصر أو في حسابات بنكية تحمل أسمائهم.
ويشمل الحظر مبارك وزوجته سوزان صالح ثابث والابن الأكبر علاء وزوجته هايدي راسخ والابن الأصغر جمال وزوجته خديجة محمود الجمال، وكذلك حفيديهما القاصرين.
تأتى هذه الخطوة بسبب التحقيقات الجارية بشأن الاتهامات الموجهة إليهم جميعا بتضخم ثرواتهم واستغلال مواقعهم في التربح من خلال المشروعات الاستتثمارية التي يقيمها رجال الأعمال داخل مصر.
وكان النائب العام قد طالب من وزير الخارجية المصري بالطلب من الدول الأجنبية تجميد أرصدة الرئيس السابق حسني مبارك وأسرته.
وقال مصدر قضائي في مكتب النائب العام عبد المجيد محمود إنه تلقى "بلاغات بشأن تضخم ثروة الرئيس السابق وافراد اسرته وبأنها مودعة خارج البلاد مما يستلزم تحقيقات للتأكد من صحتها".
وأضاف المصدر أنه "بناء على تصديق مصر على اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد قام النائب العام بمخاطبة وزير الخارجية ليطلب بالطرق الدبلوماسية من الدول الاجنبية تجميد أرصدة مبارك وأسرته".
وذكر بيان صادر من مكتب النائب العام أنه "تم إبلاغ جهاز الكسب غير المشروع "التابع لوزارة العدل" للتحقيق في الشكاوى المتعلقة باتهامات بالكسب غير المشروع " لمبارك وأفراد أسرته.
وكانت وزارة الخارجية السويسرية قد أعلنت أن أرصدة مبارك والمقربين منه التي تم تجميدها تبلغ "عشرات الملايين من الفرنكات السويسرية".
وقالت الخارجية السويسرية ان القضاء هو الذي سيحدد ما اذا كانت هذه الاموال تم جمعها من مصادر مشروعة ام لا واذا كانت غير مشروعة فلمن ينبغي ان تؤول قانونا.
مأساة مبارك بدأت بوفاة حفيده
من جهته قال الكاتب الأمريكى المخضرم كريستوفر ديكى إن مأساة الرئيس السابق حسنى مبارك بدأت عندما توفى حفيده محمد ابن نجله علاء فى عام 2009. وفى التحقيق الذى أجراه عن أسباب سقوط مبارك بمجلة "نيوزويك"، قال ديكى، نقلاً عن السفير الأمريكى السابق فى مصر دانيال كورتزر، إن مبارك كان يشعر حقاً بأنه الوحيد الممسك بزمام الأمور. ويرى ديكى أن قصة سقوط مبارك لا تشبه ما حدث لزين العابدين بن على فى تونس، ورغم ما تردد عن ثروة مبارك التى قدرها البعض ما بين 40 إلى 70 مليار دولار، إلا أن عدداً من الدبلوماسيين فى القاهرة يرون أن هذا بعيد عن الحقيقة.
ويشير الكاتب إلى أن مشكلة العائلة الرئاسية فى مصر لم تكن الرشوة بل كانت الغرور. وعلى الرغم من انتفاضة ملايين من الناس فى شوارع مصر، ورغم الإدانات الواسعة للتكتيكات والتعذيب الذى استخدمته الشرطة، إلا أن عائلة مبارك ظلت مقتنعة بأن كل شىء فعله الرئيس هو فى مصلحة البلاد، وينقل ديكى عن إحدى المقربات من سوزان مبارك، أن الأخيرة أخبرتها مع تفاقم الأزمة "إننا سنذهب، سنرحل، لقد بذلنا قصارى جهدنا".
أما الرجل الذى كان فى قلب القصة، يقصد ديكى الرئيس مبارك، والذى وصفه بالبطريرك، فلم يكن يتصور أبداً أنه سيتولى الرئاسة، وعندما أصبح ذلك حقيقياً، لم يستطع أن يتصور أنه سيتركها، وفى الوقت الذى تولى فيه مبارك الرئاسة بعد اغتيال السادات، كانت مصر مختلفة، فكانت الحكومة تروى الأكاذيب للشعب دون أن تُسأل عنها، وكانت الشرطة تعمل بشكل روتينى على تخويف الناس وحملهم على الخضوع، وكان التليفزيون الوحيد الموجود هو التليفزيون الحكومى، ووسائل الاتصال بالخارج قاصرة على الاتصالات الهاتفية.
وبالنسبة للمكالمات الدولية، فكان يتم حجزها قبلها بأيام، ومثلما أوضح رد فعل مبارك على الاحتجاجات، فإنه لم يفهم التغيرات التى حدثت خلال 30 عاماً قضاها هو فى الحكم.
ووصف الكاتب سوزان مبارك بأنها كانت شريكة الرئيس فى مأساة العائلة، فابنة ممرضة ويلز الإنجليزية والطبيب المصرى تزوجت حسنى مبارك عندما كان مقاتلاً شاباً فى القوات الجوية بينما كانت لا تزال فى السابعة عشرة من العمر، وعندما أصبحت فى أواخر الثلاثينيات أصبح ولداها مراهقين، وزوجها نائباً للرئيس، وسعت إلى تصوير نفسها كناشطة اجتماعية فى مصر وعلى الساحة الدولية.
وتقول باربرا إبراهيم، من مركز المشاركة المدنية بالجامعة الأمريكية فى القاهرة، إن سوزان أذكى 10 مرات من زوجها، وتضيف أنها تمكنت من تطوير نفسها، فباعتبارها السيدة الأولى، ساعدت فى إحضار عشرات المنظمات غير الحكومية إلى البلاد فى محاولة لتحسين الحياة المصرية، وكانت لديها إحساس بالعالم خارج القصر أكثر من زوجها وأكثر من حاشيته من الضباط.
أضافت باربرا، "لكن سوزان كان لديها طموحات أيضا داخل القصر، وهى ليست سرية للغاية، فقد أرشدت ثروات أبنائها وأحفادها وسعت إلى تأسيس سلالة سياسية كى تستمر لأجيال، فابنها الأكبر علاء، رجل أعمال يفضل كرة القدم أكثر من لعبة السياسة، وهى الحقيقة التى أكسبته قدراً من الشعبية على مدى السنين، كاسم كبير مشجع للمنتخب الوطنى، والابن الأصغر جمال، الوسيم المعزول كان يبدو لسنوات أنه الوريث غير المعلن للرئاسة "لكن فى ظل ربيع العائلة عام 2009، انكشفت خطط واستراتيجيات الأسرة، وجاءت نقطة التحول مع وفاة طفل".
ففى بداية هذا العام، بدأ مبارك مسيطراً تماماً، أصبح هناك رئيس جديد فى أمريكا، لكن مبارك كان خبيراً فى التعامل مع الرؤساء الأمريكيين، فقد تعامل مع أربعة منهم، جميعهم اقتنعوا أن مبارك الوحيد فى مصر القادر على إبقاء أكبر الشعوب العربية صامتين، مع إبعاد المتطرفين والحفاظ على السلام مع إسرائيل.
وبعد أن تحدث الكاتب عن مدى تعلق مبارك بحفيده علاء، قال إنه تأثر بشدة لوفاته وهو ما بدا بعد أن ظهر مبارك لاستقبال أوباما الذى جاء إلى القاهرة فى هذه الفترة، وبدا الجميع متعاطفاً معه. ويقول أحد الأصدقاء المقربين لعائلة مبارك إنه لو كان الرئيس لتنحى فى هذا الوقتت لتوسل الناس إليه للبقاء، لكنه لم يفعل.
زوجة تطاردها الشائعات
فيما ذكرت مجلة «فورين بوليسى» الأمريكية أن الشائعات تنتشر غالباً فور سقوط الرؤساء، وتأخذ زوجات الرؤساء قسطاً وافراً من الانتقاد، فور سقوط أزواجهن، وهذا ما حدث مع أسرة مبارك فى قصر «العروبة» بالقاهرة.
وأوضحت المجلة، أنه بعد قرار عائلة مبارك الرحيل إلى شرم الشيخ، انطلقت الشائعات حول سوزان مبارك، التى قيل إنها سارعت بحمل العديد من الحقائب الممتلئة بالأشياء الغالية والمقتنيات الثمينة، فضلاً عن الأنباء التى أكدت أن مبارك ألقى باللوم عليها وعلى نجلهما جمال، لأنه تسبب فى إسقاط نظامه.
وعلى الرغم من الأنشطة والأعمال الخيرية التى كانت تقوم بها سوزان مثل الاهتمام بأطفال مصر، ومحو الأمية، تقول «فورين بوليسى» إنها أصبحت حالياً رمزاً لكل شىء خاطئ وفاسد فى نظام مبارك، فعلى سبيل المثال هى التى كانت تدعم وزير الثقافة السابق، المثير للجدل، فاروق حسنى. ورأت المجلة أن الجماهير التى احتشدت لمدة 18 يومًا، وأجبرت الرئيس السابق على التنحى، على يقين بأن سوزان لعبت دورًا سياسياً، وأنها كانت تدعم خطط توريث نجلها الأصغر جمال الحكم. بحسب المصري اليوم.
وربطت المجلة بين وضع سوزان بعد تنحى مبارك، وقرينة الرئيس التونسى المخلوع ليلى الطرابلسى، التى كانت معروفة بإدمانها تجميع السيارات الرياضية، وامتلاك الفيلات الفاخرة.
أين أخفى ملايينه؟
ووسط تقديرات متحفظة بأن ثروته تتراوح ما بين مليار إلى ملياري دولار على أقل تقدير، في وقت تدفقت فيه 57 مليار دولار خارج مصر خلال فترة ثمانية أعوام، وفق مصادر.
وبدأت الحكومة السويسرية بتجميد أرصدة في كافة مصارف البلاد قد تعود إلى مبارك أو أسرته أو المقربين منه، وفقا لبيان صادر عن الوزارة الفيدرالية للشؤون الخارجية في سويسرا.
والحكومة البريطانية لم تبدأ أي تحركات في هذا الصدد لتجميد أي حسابات لعائلة مبارك في المملكة المتحدة، إلا أن "مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الخطيرة" قال لـCNN أنهم بدأوا استعداداتهم حال طلب ذلك منهم.
وحث أحد قادة المعارضة البريطانية، الأحد، الحكومة لبذل المزيد، وأضاف: "أعتقد أنه سيكون من الحكمة للغاية القيام بتجميد الحسابات المشبوهة هنا لأن الحكومة الجديدة (في مصر) ستستغرق بعض الوقت لتجميع دعاوى قانونية ضدهم."
وأضاف مارك مالوك براون، الذي شغل منصب وزير إبان حكومة حزب العمال السابقة: ""سيكون من المؤسف حقيقة إذا قاموا بذلك واختفت الأموال عندها.. أعتقد أنه سيكون أمراً جيداً لمكانة مدينة لندن إذا تم تجميد هذه الحسابات الآن".
ويعتقد على نطاق واسع أن مبارك وعائلته أثرياء للغاية، لكن هناك اختلاف هائل في تقديرات صافي ثروته التي لم يؤكد حجمها حتى اللحظة.
وقدر نيكولاس شاكسون، الخبير في الشؤون الأفريقية والملاذات الضريبية في "شاتام هاوس" البريطاني، في حديث للشبكة، أن ثروة الرئيس المصري السابق تتراوح بين مليار إلى ملياري دولار، إلا أنه لفت إلى أن ما من أحد خارج نطاق أسرة مبارك يعرف حجمها الحقيقي.
ومن جانبها ذكرت مجموعة "النزاهة المالية الدولية""، وهي منظمة معنية بالأبحاث والاستشارات مقرها العاصمة الأمريكية واشنطن، أن 57 مليار دولار تدفقت خارج مصر في الفترة ما بين عامي 2000 و2008، ما رجح تكهنات بأن بعضها يعود إلى قادة فاسدين.
وعقب في هذا السياق شاكسون قائلاً: "ممارسة السلطة عمل مكلف في البلدان الفاسدة وللديكتاتور عدة مؤيدين بحاجة لتقديم المال لهم، ولتفادي تقليص كم الأموال التي يزعم أنها نهبت من مصر عن طريق مبارك، فينبغي أيضاً مطاردة أنصاره". ويشار إلى مزاعم ارتكاب مبارك لأي مخالفات قانونية هي محض تكهنات في هذه المرحلة.
ورجح الخبير المالي أنها ربما في شكل عقارات أو يخوت، مضيفاً: "أرصدة مبارك على الأرجح في مناطق تزورها عائلته وتشعر فيها بالارتياح كلندن على سبيل المثال أو سنغافورة أو دبي، وربما يمتلك عقارات في الولايات المتحدة وسويسرا.
وقال الكاتب علاء الدين العسار مؤلف كتاب "الفرعون الأخير: مبارك والمستقبل المجهول لمصر في الشرق الأوسط المضطرب، لصحيفة صنداي تايمز البريطانية، إن إسرة مبارك ربما تحاول الآن تصفية تلك الأصول." وأردف: "أعرف أن بعض الناس في لندن تقدموا بالالتماس لتجميد أرصدة العائلة."
ويشار إلى أن الصحف العالمية كانت قد أشارت في وقت سابق إلى أن مبارك عكف خلال أيام الانتفاضة المطالبة برحيله، واستغرقت 18 يوماً، بإخفاء أمواله بحيث لا يمكن تعقبها.
وذكر شاكسون: "المملكة المتحدة والولايات المتحدة وسويسرا هي الدول الثلاث الرئيسية المعروفة بـ"غسل' الأموال" وتلك الدول تريد أن ينظر إليها على أنها تفعل شيئا."
وقال: "لكن الصورة الأكبر هو عمليات النهب بالجملة من مصر، إذا نجحت سويسرا والمملكة المتحدة في الإفلات بالإشارة إلى العثور على عدة مئات الملايين فهذا يخفي قضية حقيقية وهي التواطؤ حيث تساعد الدول الغربية القادة الفاسدين في الدول النامية على نهب مواطنيهم، ولاسيما باستخدام الملاذات الضريبية السرية في الخارج ، مثل جيرسي أو جزر كايمان. "
وكان وزير التجارة البريطاني في المملكة المتحدة، فينس كيبل، قد أشار في حديث إلى "هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" ، إلى أن حكومته ستتخذ إجراءات ضد أي مصر بريطاني تورط في مساعدة مبارك على تحريك أمواله بشكل غير صحيح، إلا أنه أكد بأن الحكومة البريطانية لن تعمل بمفردها.
وأضاف قائلاً: "لم أكن على علم بأنه (مبارك) له أرصدة هائلة هنا، في لكن هناك حاجة واضحة إلى تضافر العمل الدولي في هذا الشأن."
وتابع: "ما من مغزى لأن تتحرك حكومة بمفردها ولكن بالتأكيد نحن بحاجة إلى أن ننظر في ذلك. ويتوقف ذلك أيضا ما إذا كانت الأموال تم الحصول عليها بطريقة غير مشروعة أو بشكل غير صحيح."
البلاتين في سويسرا قيمته 15 مليار دولار
في سياق متصل كشف مركز حقوقي مصري عن وثيقة تؤكد حيازة الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك على كمية من معدن البلاتينيوم تقدر قيمتها بنحو 15 مليار دولار.
وتقدم خالد علي رئيس المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ببلاغ للنائب العام يطالب فيه بالتحقيق في صدق الوثيقة.
وارفق علي في بلاغه صورة ضوئية لوثيقة عن وديعة مبارك في بنك الاتحاد السويسري، آملا في ان تساعد في مجرى التحقيقات.
وتفيد بيانات الوديعة قيام مبارك في 11 ديسمبر 1982 بإيداع 19 ألف كيلو من البلاتين في حسابه الشخصي بالبنك وقدرت قيمتها من قبل البنك وقت الإيداع بأربعة عشر مليار وتسعمائة مليون دولار.
وقال علي، في تصريح للصحافيين، أنه لا يعلم مدى صدق صورة هذه الوثيقة من عدمه ولكنه وجد أنه من الواجب عليه أن يتقدم بها للنائب العام لعلها تفيد إجراءات التحقيق، وتساهم في حماية المال العام. وطالب علي النائب العام بالتيقن من صدق الوثيقة واتخاذ الإجراءات القانونية حيالها.
منتجع مبارك أبعد ما يكون عن حقيقة مصر
من جهة اخرى لمن يتساءل كيف ابتعد الرئيس المصري حسني مبارك عن احتياجات المصريين الحقيقية على أرض الواقع ليس عليه ان ينظر لابعد من منتجع شرم الشيخ على البحر الاحمر الذي لجأ اليه مبارك بعد أن أطاح به الشعب الاسبوع الماضي.
فشرم الشيخ بشوارعها الواسعة التي يزين النخيل جانبيها أبعد ما تكون عن المدن الصناعية الملوثة الهواء والقرى الريفية المتهالكة التي يقطنها أغلب المصريين العاديين.
فهناك في شرم الشيخ يستلقي السياح لاخذ حمامات الشمس ويشربون الخمر علنا على نسمات هواء البحر. ويقول سكان ان شرم الشيخ اجتذبت مبارك (82 عاما) لقضاء أوقات أطول فيها في أواخر فترة حكمه التي أمتدت نحو 30 عاما حيث يتنزه مع زعماء أجانب أو يستشفي من مرض.
كان حبه لهذه البلدة الذي تمثل في لجوءه اليها بعد الاطاحة به اشارة على انفصاله عن مشكلات الحياة اليومية في مصر.
وقال نبيل عبد الفتاح المحلل في مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية "مبارك كان لا يريد ان يرى أو يسمع حقيقة ما يحدث."
وأضاف "ساعد ذلك في توسيع فجوة المصداقية بين مبارك والاجيال الجديدة خاصة في القاهرة والاسكندرية ومدن دلتا النيل مثل المنصورة."
كما أن الامان الذي يوفره البحر والجبال في البلدة الواقعة على الطرف الجنوبي لشبه جزيرة سيناء جعل من شرم الشيخ موقعا طبيعيا مميزا يختاره مبارك لعقد اجتماعات قمة مهمة.
وتحولت البلدة الى ساحة للمحادثات الاسرائيلية الفلسطينية غير المثمرة التي استمرت سنوات. وعقدت القمة الاقتصادية العربية في منتج فاخر قريب من فيلا أسرة مبارك قبل أقل من أسبوع من بدء الاحتجاجات في مصر.
وهذه الايام تحولت الشائعات المحلية من رصد وجود شخصيات بارزة مثل كوفي عنان الامين العام السابق للامم المتحدة والرئيس الفلسطيني محمود عباس الى شائعات عن صحة الرئيس المخلوع. وقال صاحب مطعم انه رأى مبارك بنفسه يقود سيارة وحده قبل ثماني سنوات.
ويقول بعض السكان نقلا عن تقارير اعلامية غير مؤكدة وشائعات ترددت محليا ان مبارك دخل في غيبوبة بعد الثورة أو أصيب باكتئاب ويرفض العلاج.
وأبلغ مصدر عسكري بأن مبارك "يتنفس" لكنه لم يدل بمزيد من التفاصيل بشأن حالته. وقال مصدر اخر مقرب من العائلة انه ليس بخير لكنه لم يوضح.
وحولت شركات التطوير العقاري التي جذبتها الطبيعة الجميلة لشبه جزيرة سيناء شرم الشيخ من مكان للصيد يحيط به خليج رملي الى مركز للسياحة بعد أن أعادت اسرائيل الارض لمصر في أوائل ثمانينات القرن الماضي.
وسمح السلام الذي أعقب اتفاقية كامب ديفيد عام 1979 للمستثمرين بازالة الالغام المتبقية من ثلاث حروب مع اسرائيل وبناء شبكة من الفنادق ونوادي القمار والمطاعم ومراكز الغطس والحانات على امتداد الشاطيء.
ويرجع العديد من السكان الفضل لمبارك فيما يعيشون فيه من رخاء ويميلون للحديث عن الرئيس السابق باعتباره أب خرف منعزل لا دكتاتور قوي.
وقال محمد الهليفي (30 عاما) مدير مطعم "اخر 15 عاما كانت سيئة لكن أول 15 عاما لم تكن بهذا السوء." وأضاف أن مبارك كان يبتعد عن الناس بدرجة كبيرة كلما كبر.
وأضاف "أحيانا تتحدث مع واحد كبير في السن فيميل عليك مستفسرا ماذا؟ ماذا تقول؟ ... اذا لم تسمع جيدا فلن تفكر جيدا."
وقال علاء وهو مدير مطعم اخر رفض اعطاء اسمه بالكامل انه ينظر لمبارك بفخر في الاغلب ويلقي اللوم علي مستشارين سيئين فيما يتعلق بالفساد الذي أثار غضب المحتجين. وتابع "اذا كنت تريد ان تعرف مبارك وما فعله لمصر اقرأ التاريخ."
لكن كثيرين من نحو 50 مليون مصري عاشوا حياتهم كلها في عهد مبارك -من بين عدد سكان مصر البالغ الان نحو 79 مليون نسمة- لا يعنيهم الماضي السحيق.
ويقول ابراهيم محمد (27 عاما) عامل في أحد الفنادق "اذا رأيت أشخاصا يؤذونني ولم تمنعهم فأنت تؤذيني."
ويقول محمد ان الكثيرين من أصدقائه انضموا للمظاهرات في ميدان التحرير بالقاهرة وانه فخور بما حققوه في أقل من ثلاثة اسابيع.
وأضاف أن الانتشار الكبير للانترنت مكن العديد من الشبان المصريين من متابعة ما يجري في الخارج فقرب لهم العالم وزاد من احباطهم من الافتقار لاصلاح سياسي جاد في الداخل.
وتابع "كنا نراقب العالم في الخارج... أنا بشر أيضا. خلقنا كلنا سواء. لذلك كان علي أن ابحث عن السبب. الحرية والديمقراطية - اذا لم تمنحني ذلك سآخذه فهو حقي."
مبارك رفض عروضاً من 4 رؤساء لاستضافته
الى ذلك كشفت مصادر مقربة من الرئيس المصري السابق "حسني مبارك"، أنه رفض عروضاً باستضافته من ٤ رؤساء عرب، عقب تنحيه، وأكد لمن حوله أنه لن يموت إلا على أرض مصر.
ذكرت صحيفة "المصري اليوم" أن "مبارك" يعيش مع ابنه "علاء" في شرم الشيخ، وتعرض لوعكة صحية، ولاتزال حالته تزداد سوءاً.
ونقلت الصحيفة عن تلك المصادر قولها، أن "مبارك" يعتزم مواصلة كتابة مذكراته، لكنه أرجأ الفكرة حتى لا يتعرض لإرهاق مجدداً.
وأشارت إلى أن هذه المذكرات ستحمل الكثير من المفاجآت خصوصاً بشأن السنوات الخمس الأخيرة من حكمه، وأن "مبارك" كان قد بدأ تسجيل مذكراته صوتياً في الفترة الأخيرة لكنه لم يكملها.
وقال مصدر بالمركز الطبي العالمي، التابع للقوات المسلحة: "إن مبارك كان يعاني من مرض سرطان البنكرياس، وليس الحويصلة المرارية كما كان معلناً".
وأوضح أن الأطباء الألمان الذين أجروا الجراحة كانوا يتابعون مع المركز الطبي العالمي، وكان من المفترض أن يتم إجراء هذه العملية في المركز إلا أن الطبيب الألماني رفض ذلك وطلب أن تكون في ألمانيا وهو ما حدث فعلاً.
كما كشف المصدر عن أن "سوزان مبارك" كانت تعاني من مرض سرطان الدم، وسبق أن أجرت عدداً من العمليات بالخارج وداخل المركز دون إعلان ذلك.
ويشير الكاتب إلى أن تعرض مبارك لضغوط شديدة في تلك الفترة إلى جانب مرضه قد يكون سبب انهياره في غيبوبة لكن توقيت حدوث ذلك بعد عناده وتمنعه في الإعلان عن تنحيه يثير شكوكا حول طبيعة الغيبوبة التي وقع فيها وهل دس له أحدهم شيئا في طعامه أو شرابه لإخراجه من ساحة الأحداث وتمرير عملية التنحي؟
حيث يمكن أن يكون هذا السيناريو أشبه بفصول رواية من عالم التجسس والمكائد السياسية في سياق تنسيق أمني مع الولايات المتحدة، أو لضمان المصالح الأمريكية والإسرائيلية أو حتى بدواعي سلامة الأمن الوطني المصري.
وكانت مصادر مطلعة قد اشارت إلى أن مبارك دخل فى غيبوبة كاملة، فى مقر إقامته بمدينة شرم الشيخ، التى انتقل إليها مع عدد من أفراد أسرته، عقب تسجيله بيان تفويض السلطة لنائبه اللواء عمر سليمان.
وقالت المصادر إن مبارك يعالج تحت رعاية طبية، ولم يتقرر نقله إلى أى مستشفى داخل أو خارج مصر.
مبارك مستسلم ويريد أن يموت
من جانبه قال مسؤول سعودي ان حسني مبارك الرئيس المصري المخلوع استسلم لمرضه ويريد أن يموت في منتجع شرم الشيخ المطل على البحر الاحمر الذي يقيم به منذ أن أطاح الشعب بحكمه.
وعانى مبارك (82 عاما) من مشكلات صحية في السنوات القليلة الماضية وسافر الى ألمانيا حيث أجريت له جراحة لاستئصال حويصلة مرارية في مارس اذار الماضي. وتواترت التقارير عن تدهور حالته الصحية منذ تنحيه يوم الجمعة الماضي بعد أن حكم البلاد لنحو 30 عاما.
وقال مسؤول في السعودية ان المملكة عرضت استضافة مبارك لكنه كان مصرا على أن يموت في مصر. ولم يتسن على الفور الحصول على تأكيدات رسمية من الحكومة السعودية.
وقال المسؤول السعودي الذي طلب عدم نشر اسمه "انه لم يمت لكنه ليس في حالة طيبة على الاطلاق ويرفض المغادرة. لقد استسلم ويريد أن يموت في شرم."
وقال مبارك في خطابه عندما كان مازال متمسكا بالحكم انه يريد أن يموت في مصر. وقال مصدر على صلة بأسرة مبارك ان الرئيس السابق "بخير" وتلقى اتصالات هاتفية.
واصبح مبارك يمضي أوقاتا أطول في مقر اقامته في شرم الشيخ في الفترة الاخيرة من حكمه للاستفادة من هواء البحر في الاستشفاء.
وعلى الجانب المقابل من البحر يمكن لزوار شرم الشيخ رؤية شواطيء السعودية التي فر اليها الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي الشهر الماضي. وألهمت التجربة التونسية حركة الاحتجاج المصرية التي أجبرت مبارك على التنحي.
وكان مبارك يستقبل زعماء العالم في المنتجع الواقع على الطرف الجنوبي من شبه جزيرة سيناء الذي اصبح كذلك مسرحا لاجتماعات القمة الدولية ومحادثات السلام التي دامت سنوات بين الاسرائيليين والفلسطينيي
ساحة النقاش