آكلي البطاطا بين الواقعية والخيال الفني
بقلم
محمود سلامه الهايشه
كاتب وباحث مصري
استعرض الكاتب المصري "رضا إبراهيم محمود" في مقاله "فان جوخ.. استقراء واقعية آكلي البطاطا"، والمنشورة بالعدد 481 –صفر 1438هـ/نوفمبر 2016م من المجلة العربية، تناول فيها لوحة آكلي البطاطا التي رسمها الفنان الهولندي قصر العمر (فينست فان جوخ)، وهي لوحة زيتية على قماش مقاس (82 × 114 سم). وقد تناول فيها تحليلا نقديا فنيا للوحة ، فهي تعد من الدراسات النقدية التشكيلية، وقد استعرض كواليس اللوحة قبل وبعد رسمها من قبل "جوخ"، فبرغم أنه كان من أبناء المدينة إلا أنه جسد حياة الفقراء من فلاحي هولندا وكفاحهم في الحياة وسعيهم وراء الرزق الحلال في تلك اللوحة الفنية ؛ فاللوحة واقعية نظريا وعمليا ، فهي تجسيد لواقع المحلية التي كان يعيشها هذا الفنان، فقد رسم عائلة مكونة من خمسة أفراد تعمل في زراعة البطاطا تعيش بكوخ خشبي فيه روح ودفئ وهي تأكل مما تزرع وزراعتها هي الطعام الرئيس في هولندا ، وتلك المنطقة من شمال أوروبا ، فهم يأكلون البطاطا ويشربون الشاي. وبالطبع "خوج" الذي ولد ومات في النصف الثاني من القرن التاسع عشر لم تكن الكهرباء قد وجدت ، فكانت الإضاءة داخل الكوخ الخشبي لهؤلاء البؤساء هي مصباح مشتعل تقريبا بشحوم الحيوانات ، وبالتالي مع دخول ظلام الليل وداخل هذا الكوخ فلابد أن تظهر قدرات الفنان المصور جلية في مسألة الضوء والظلام (الظل والنور كما يقال فنيا)، الظل والنور من أكثر العناصر استعمالا في بناء التصميم فبناء الأعمال الفنية وغالباً ما يرتبط الظل والنور ارتباطاً وثيقاً بلون الشكل وقيمته السطحية ولذلك يستحسن الفنانون النظر إلى أعمالهم عند تقويمها أثناء الإنتاج بعيون مسترخية لمراجعة تنسيق الظل والنور في العمل الفني لأن النظر بعين مسترخية (نصف مقفلة) يقلل من الإحساس بكنه اللون وتفاصيل السطح الملون ولكنه في نفس الوقت يسمح بوضوح الأشكال المعتمة والمضيئة فيرى الفنان الموضوع على هيئة مساحات من الغامق والفاتح.
فالفنان "فان جوخ" سار في مسارين ألا وهما المحلية التي أدت به مع براعته في نقلها للعالم إلى المسار العالمي ، وهذا هي سمت كافة المبدعين الكبار ، فيمكننا ضرب مثل وهو تشبيه مع الفارق الثلاثية الروائية " قصر الشوق ، وبين القصرين والسكرية " للأديب المصري العالمي نجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل في الآداب ، فهو غاص في رصد حياة مجتمعه المحلية حتى وصل منها وبها إلى العالمية ، ففان جوخ رسم بريشته شخوص من الريف ومدن هولندا أما محفوظ فرسم بقلمه شخوص من داخل أزقت وحارات و مقاهي القاهرة.
ويعلم المصريين الفنان العالمي "فان جوخ" منذ أغسطس 2010 حينما سرقت لوحته "زهرة الخشخاش" من متحف محمود خليل وحرمه التابع لقطاع الفنون التشكيلية وسط حالة من الغياب الأمني ساعدت السارق في الهرب بـ"زهرة الخشاش" المقدر ثمنها بـ"55" مليون دولار، أما المسئولون جميعا آنذاك بداية من فاروق حسني - وزير الثقافة - والدكتور محسن شعلان - رئيس قطاع الفنون التشكيلية - ألقوا المسئولية كاملة على أفراد الأمن والكاميرات والإنذارات المعطلة، رغم أن وزارة الثقافة كانت تتلقى وقتها تقارير دورية تثبت تردي الوضع الأمني داخل المتحف ، وأن جميع أجهزة المراقبة شبه معطلة. أجمع رجال الدولة والوزارة أن اللوحة سرقت وتم تهريبها خارج البلاد ، وقضت المحكمة علي الدكتور محسن شعلان - رئيس قطاع الفنون التشكيلية - وقتها بحبسه عاما على إثر إدانته بالإهمال والإخلال في أداء واجباته الوظيفية ، الأمر الذي تسبب في سرقة لوحة "زهرة الخشخاش"، علما بأن المتحف لم يشهد أعمال صيانة منذ عام 1995 وفقا لتصريحات "شعلان" حينها ، كما قضت المحكمة بحبس صبحي محمد - مدير عام الأمن بمتحف محمود خليل - 6 أشهر مع الشغل والنفاذ.
وهنا في الدراسة النقدية المنشورة بالمجلة العربية عن لوحة "آكلو البطاطا" يتعرف أكثر القراء خاصة المصريون على لوحة جديد من الواقعية الأوروبية لهذا الفنان العالمي "فان جوخ"، فهو قد رسم الكثير من اللوحات غير اللوحة المسروقة من متحف محمود خليل بالقاهرة "زهرة الخشخاش".
By/ Mahmoud Salama El-Haysha (M.S. El-Haysha)
Egyptian writer and researcher
ساحة النقاش