سارة الدمشقي قصة للكاتبة صفاء عبدالمنعم.. قراءة وعرض محمود سلامة الهايشة
تدور أحداث القصة في معرض القاهرة الدولي للكتاب، وبالتحديد داخل مقهى فيه للاستراحة، وتدور أحداثها بين بطلتين، الراوية التي تحكي لنا ماذا حدث معها مع البطلة التي قابلتها صدفة. صدفة قدرية عندما اخطأ وبدل الطلب بينهما من طلبت شاي وضع أمامها القهوة ومن طلبت قهوة وضع أمامها الشاي. وطالما اللقاء جاء على هامش معرض الكتاب بالقاهرة فهذا يعني أن البطلتان من المثقفات. فالراوية مصرية وصاحبة الموقف السردي سورية.
نشرت القصة في موقع بتانة، ضمن منافسات الدوري الثقافي المصري لعام 2017، بقلم الأديبة صفاء عبدالمنعم: http://www.battana.org/Participation_Details.aspx?index=1187
يحاول الكاتب دوماً أن يحتار أحداث قصته من الواقع الذي يعيش فيه، وهذا ما فعلته الكاتبة صفاء عبدالمنعم في قصتها "سارة الدمشقي"، وتمتاز الشخصيات في القصة ببعض الأبعاد، وهي: البعد الجسمي: حيث وصفت الكاتبة الأبعاد الجسمية للشخصية في القصة، حتى تكون الرؤية والتصور أوضح للقارئ. حينما كتبت واصفه "سارة": " بشعرها الأسود الفاحم ، والذى يسترسل ويرقد على كتفيها في هدوء ووداعة"، " هذا الوجه الصارم ، والملامح الحادة ، وجه بلا عاطفة أو حضور ، وجه حاد ومكتئب ، يشبه وجوه الساسة الكبار الذين يحملون هموم الوطن على ملامحهم ."؛ " ثم تركت المكان خارجة برشاقة وجبروت وأنفة ."
طبعا تلك الأبعاد الجسدية تغيرت تماما في النصف الثاني من القصة عكس النصف الأول، ويكأن القصة عبارة عن وجهين لعملة واحدة، فنفس الشخصية وصفتها الكاتبة كالتالي: "نظرت نحوى هذه المرة بكامل وجهها ، وجدت ملامحها تكسوها بعض الطيبة رغم الحزن ، وقد محيت الصرامة التي كانت واضحة على ملامحها فى المقهى ، وكأن الدموع غسلت وجهها ، فصار أكثر حميمية وقرباً من قلبي ."
البعد الاجتماعي: كما وصفت الكاتبة الشخصية من الناحية الاجتماعية، من خلال الحديث عن طريقة تعامله مع الآخرين في المجتمع، والحديث عن ظروفه التي يعيش بها، لأنها تكون مهمة من أجل الحكم على الشخصية. تصف المصرية السورية: " ولا أعتقد أنها من أحد المثقفين السوريين ، أو الكاتبات اللاتى يحضرن معرض الكتاب" وبالمقابل تصف المصرية نفسها على ما قرأته من عيون سارة السورية "التي تدرس الطب بالقاهرة": " خاصة وانا أضع أمامي كومة كبيرة من الكتب ، وأشرب الشاي ولا أدخن ."
البعد النفسي: وفيها وصفت الكاتبة الشخصية من الناحية النفسية، أي من ناحية السلوكيات، ومزاج الشخصية، والهدوء و الانطوائية وغيرها من التصرفات الأخرى. فكتبت صفاء عبدالمنعم في قصتها "سارة الدمشقي":
<!--(عندما أخطأ صبى المقهى ووضع القهوة أمامي، والشاي أمامها ....... فقالت له بعجرفة وصرامة : أنا طلبت قهوة سادة يا حمار)؛
<!--("وأخذت تدخن سيجارة من سيجارة"، ...... "أخذت تدخن بشراهة"، ..... "وأوشكت على أن تنتهى علبة سجائرها المستوردة"،.... "هزت رأسها نفياً ، وهى تسحب نفساً قويا من السيجارة المنتهية ثم تلقى بعقب السيجارة داخل كوب القهوة الفارغ" .
وقد كتبت القاصة صفاء عبدالمنعم على لسان البطلة الراوية للقصة بأنها سافرت لسوريا قبل الحرب والأحداث الدامية وقد زارت مدينتي الرقة وحلب وحضرت عدة صالونات أدبية وثقافية. وقد جاءت تلك القصة في وقتها لتوثيق العلاقات الثقافية والاجتماعية والسياسية التي تجمع مصر وسوريا، في ظل ما تشهده سوريا حاليا من تهجير لملايين السوريين في شتى بلدان العالم، فالقضية والفكرة التي تتبنها القاصة والقصة في غاية الأهمية وترسخ لدور الفنون والآداب في توثيق واقعنا وماضينا والتطلع لمستقبل أفضل.
وقد انتقلت الكاتبة بمكان القصة من معرض الكتاب بالنصف الأول بالقصة إلى الشارع بالنصف الثاني بالقصة "ظللت سائرة بمفردي في شوارع القاهرة الساهرة . سرت من مدينة نصر إلى منطقة العباسية ، واخذت أنحرف يميناً ويسارأ من شارع إلى شارع حتى وصلت إلى منطقة رمسيس . رفضت أن أستقل المترو ، أو أركب ميكروباص". " عندما اقتربت من شارع الجمهورية كى أواصل سيرى إلى داخل منطقة وسط البلد ، والذهاب إلى مقهى البستان أو أتيلية القاهرة .".. وحتى يكون للقدر والنصيب دور، فبعد ان تركت الكاتبة المعرض وخرجت سيرا على الأقدام عدة ساعات – كنت اعتقد انها ما يقرب من ساعتين (كانت الساعة قد تجاوزت الحادية عشر ليلاً .)- قابلت تلك "البنت المتعجرفة تقف على محطة الباص ، وهى تنظر يميناً وشمالاً ، كأنها ضلت الطريق .". زمن القصة هو فصل الشتاء حيث ان المعرض يقام خلال شهري يناير وفبراير من كل عام، فأحداث القصة كان خلال يوم واحد ما بين النهار لا انتهاء إحدى أيام المعرض حتى حلول منتصف الليل، وقد كتبت الكاتبة ذلك "كانت الساعة قد تجاوزت الحادية عشر ليلاً .".
وهناك أسلوب في الكتابة السردية وخاصة الواقعية منها، وهو أن يذكر الكاتب/ة أسماء لشخصيات حقيقية في الوقائع وليس بالترميز بالحروف الأولي وفقط، وقد ذكرت القاصة صفاء عبدالمنعم في قصتها "سارة الدمشقي" عدة أسماء كاسم الأديبة السورية الدكتورة شهلا العجيلى، والكاتبة المصرية ابتهال سالم، واستدعاء ذكريات حدثة معهم وذكرها داخل القصة، وذلك لخدمة النص السردي. كما تعد تلك القصة من قصص السير الذاتية.
وقد طرحت الكاتبة بقصتها هذا السؤال " هل نحن حقاً أحفاد الفراعنة ؟"، وقد حاولت الإجابة عليه من خلال خبراتها وثقافتها. ويمكن اعتبار هذه القصة من القصص التي ترصد آثار والتأثيرات السلبية للحروب، فقد كتبت القاصة على لسان سارة الدمشقي: "لقد تركت أهلي بالشام ، وجاءت منذ يومين حتى أكمل دراستي فى الجامعة بعد عناء طويل ، لقد ضاع منى عامين ولم ألحق بالجامعة ، وأخيراً وافقوا . أستاذة الحرب غيرتنا كتير ." فمن الدروس المستفادة من هذه القصة، أنها هدمت فكرة أن الانطباع الأول يدوم، كذلك لابد من معرفة الخلفية التي جعلت أي شخص يتصرف تصرفات ويصدر عن سلوكيات فظة وغير محببة من قبل الآخرين، وأن نلتمس لبعضنا الاعذار، فعندما تظهر الحقيقة، يصبح الجاني مجني عليه، وتجد نفسك متسامح لين القلب، بعدما كنت قاسي غليظ القلب... ونختتم قراءتنا بمقولة الكاتب الفرنسي مونتين: "أن تقرأ، يعني أن تجـد الصديق الذي لن يخونك أبـدًا."
قراءة وتحليل: محمود سلامة الهايشة – كاتب وباحث مصري، [email protected]
ساحة النقاش