قلب دائرة فكري عمر الفلسفية الفانتازية
بقلم
محمود سلامة الهايشة
كاتب وباحث مصري
نحن بصدد استعراض القصة القصيرة للروائي فكري عمر "قلب الدائرة" والتي نشرت في عدد يونيو 2017م من مجلة (الجديد)، تقع القصة في 445 كلمة، ولكنها ترصد الواقع بالاستعانة بالماضي، بل من بدأ الصراع البشري بين ابني آدم –هابيل وقابيل- وقتل قابيل لهابيل وقصة الغراب، لذا استخدام الكاتب الخيال الممزوج بالفلسفة باختراق حاجز الزمان والمكان بالفانتازيا، بالاستعانة بالأسلوب الحواري، فهي حوارية، حيث تتسم بوجود نوعي الحوار الداخلي والخارجي في آنا واحد.
هناك تناص قرآني في قوله "قسمة ضيزى"، وفي نفس الجملة أكمل على لسان نفس المتحدث قوله (ثم إن نظريتك نفسها تخالف ما تعلمناه في قرآننا وما تربينا عليه) كأن القاص يريد أن يقول بأن الإنسان ثم الثقافة الدينية يدمج الألفاظ والتراكيب القرائية داخل كلامه وحديثه مع الآخرين. كما تناص مع إحدى أغاني المطرب اللبناني "جورج وسوف" عن الزمن.
تدور أحداث القصة داخل عنبر السجن هذا في ما يخص المكان، أما الزمان فهي الفكرة والمغرى من القصة، فالقصة تناقش قضية الزمن، حيث وردت كلمة (الزمن) بالقصة 8 مرات الأولى جاءت جمع " واخترقت الأزمنة"، أما السبع مرات الأخريات جاءت مفردة ونذكرهم كما وردوا في ترتيب القصة "الزمن يدور حول نفسه"، "الزمن غدار"، "الزمن دوار"، "الزمن سمسار"، "الزمن كرة شراب"، سنعلمك شيئًا للزمن. الزمن كالقطار، ولأن الزمن يتم جمعه في أيام، في ذكرت كلمة الأيام في موضعين بالقصة "... عبور جثث الأيام بعطر حكاية أخرى "، و "... من واقع أيامهم ولو لحظات"؛ ومن خلال السرد السابق يتضح جلياً الهدف الذي يريد الكاتب إيصاله للقارئ من خلال القصة، ويمكن القول بأنه العبرة المستفادة من القصة.
تدور أحداث القصة بين البطل (الوافد الجديد/الراوي) وبين أربعة مساجين قدامي، ودار بينه وبين نفسه، وبينه وبينهم حوار حول الزمن الذي مازال يأتي كالرصاصة من الماضي مرورا بقلب هابيل والتي اطلقها أخيه قابيل مخترقه كل الأزمنة والعصور حتى أوصلته عبر الحوائط السميكة جداً لكي يصبح عضوا بعنبر السجن، فكمان أن الرصاص يخترق حاجز الصوت أيضا يخترق حاجز الزمن، هذا في بداية القصة أو بالتحديد في نصفاها الأول أما في نصفها الثاني فأخذت الرصاصة طريقا معاكساً حيث رجعت بالزمن من الحاضر إلى الماضي على طريقة "عودة لذي بدء"، فما حدث في الماضي يحدث في الحاضر، وما يحدث الآن قد حدث بالفعل في الماضي، فالقصة ما هي إلا رحلة عبر آلة الزمن. هذا السجين الجديد المدهش لباقي المساجين والغريب داخل العنبر ظل يقذفهم برصاصته الفكرية المجنونة وابتساماته الساخرة من خلال استخدامه لمسدس الزمن، كمن يطلق رصاصات الرحمة، وهم يلتفون حوله في صورة دائرة وهو في قلبها، وأخذوا يتساقطون حوله في النهاية واحدًا وراء الآخر وقد أنهكهم الإعياء، وزلزلتهم الدهشة، لذا كان هو قلب الدائرة.
خلال الزمن تكون الحياة والموت، فمقومات الحياة لكافة الكائنات الحية هي العناصر الأربعة "السماء، والأرض، والماء، والهواء"، وهي ما ذكره الكاتب في قصته، فالخوف والقلق منهم يعني حياة الإنسان الحي كالميت، ونتذكر هنا المقولة الشهير للأديب المصري العالمي "نجيب محفوظ": "الخوف لا يمنع من الموت، ولكنه يمنع من الحياة".
وللرجوع إلى ربط الزمان بالمكان، ولأن السجن وعنابره المختلفة يفصله عن العالم الخارجي حواجز، ولأن الزمن أو بالأحرى الإحساس به داخل جدران السجن مختلف تماما عن الشعور به خارجها، لذا فجاء ذكر "الحائط" مرتين ["وواجهوا الحائط المقابل"؛ "وواجهوا الحائط الآخر"]. كما ذكره الكاتب جمعا "... جوار حوائطهم" و "... إرادة إزاء الحوائط".
ومن المحسنات البلاغية، تشبيه الأيام بالجثث، و الضحكات كالفقاقيع المُلونة، ولأن الزمن جزء لا يتجزأ من الطبيعة، ولأن الكاتب يعالج فكرته بصورة فلسفية فقد ذكر القانون الفيزيائي الطبيعي " أن لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار ومضاد له في الاتجاه".
وفي النهاية نستطيع أن نقول بأن القاص "فكري عمر" استطيع تطبيق مبدأ الوحدة على قصته "قلب الدائرة"، فالموضوع واحد، الهدف واحد، الشعور واحد، طريقة المعالجة واحدة، شخصية واحدة رئيسية وحولها عدة أشخاص دورهم محدود، موقف سردي واحد، بالإضافة إلى الصدق في طرحه للمشكلة والحل في إطار الحبكة الدرامية والتي تدور جميعها حول نفس الموضوع.
ساحة النقاش