الأمن القومي ومستقبل الدولة بقلم: عاطف الغمري في مسار مواز للتواؤم مع العالم الذي يتغير في أمور السياسة والاقتصاد, تتسارع تحركات لأحداث ثورة في نظم التعليم, حتي في اعرق الدول واكثرها تقدما في نظمها التعليمية, من أجل الاستجابة لطبيعة احتياجات القرن الحادي والعشرين, والكل يكاد يتفق علي ان من لا يلحق بركب اصلاح التعليم الذي انطلق في العالم, فهو الخاسر. لفت نظري هذا المسار, أثناء قراءة لمجموعة من الدراسات والبحوث والبرامج, تزيد علي مائة ورقة, جزء مهم منها شاركت فيه24 جامعة أمريكية, تحت مسمي رابطة الكليات والجامعات الأمريكية, وتقرير للمركز الأمريكي للتقدم, موضوعه الارتقاء بالتعليم في المدارس, بالاضافة إلي الكتاب الأبيض البريطاني الذي صدر في لندن في24 نوفمبر2010, ودراسات في دول اخري عديدة, ويمكن إجمالي النقاط المهمة التي احتوتها هذه الأوراق فيمايلي:ـ > العالم يتغير, ودولة تقترب من بعضها, لأن ابتعاد المسافات صارت تضيقه وفورات عصر ثورة المعلومات, وهو أمر يفرض اعداد خريجي الجامعات بتعليم متطور, يزودهم بأوسع معرفة بالعالم وأفكاره وثقافاته المختلفة. > إن مستقبل الولايات المتحدة في عصر يحكمه التنافس, وبروز قوي صاعدة قادرة علي المنافسة, يتطلب تطوير مهارات البشر, فنحن في عصر, يتحقق فيه التميز للفرد في مجتمعه وعمله, وفي المحيط العالمي الأوسع عن طريق المعرفة المتجددة. وبالتالي يحتاج التلاميذ في المدارس, الي نوعية من التعليم عالية المستوي, ترتقي بهم الي الدرجة التي تساعدهم علي التعامل بفهم, مع القوي الصاعدة, والمؤثرة في مختلف انحاء العالم. > جرت حوارات شارك فيها خبراء التعليم, وصناع القرار السياسي, والمدرسون, لايجاد صياغة منطقية ترد علي السؤال: ما هو الهدف من التعليم, وكانت خلاصة الإجابات هي ان الدور الأهم للتعليم العالي, هو تمكين الخريجين من ان يكونوا مأهلين بالمعرفة التي تسمح لهم, بأن يكونوا موظفين مسئولين, قادرين علي الانجاز الخلاق. وان الطريق إلي ذلك يبدأ من استثارة المناقشات في فصول الدراسة, التي تستحث في التلاميذ طرح الآراء المختلفة, وتعلم احترام الرأي المخالف, وهي مناقشات تتناول موضوعات, الاخلاق, والعنصرية, والديانة, والمشاعر الروحية, والسياسة, وغيرها, ويكون ناتج هذه المناقشات تشجيع النظر بالتقدير لآراء الغير, مهما اختلفت مع رأيك, وهو ما يقود الي نضج عقلية المشاركين فيها, ومساعدتهم علي تكوين رؤية خاصة بهم وفي هذه المناقشات, يطلب أحيانا من التلاميذ قراءة كتاب أو مقالة لكاتب, ثم تدور المناقشة حولها, التي يديرها المدرس, مكتفيا بتنظيمها دون فرض رأيه, وانما بتقديم رأيه كنصح أو إرشاد. ضرورة وأهمية برامج التدريب للمدرسين لتوسيع مداركهم ومعارفهم, وبحيث لا يقتصر دورهم علي مساعدة التلاميذ لبلوغ النجاح, بل أيضا مساعدتهم علي اكتساب القدرة علي التميز بعد التخرج, وليكونوا مشاركين في تقدم بلدهم, وهو دور لا سبيل إليه إلا بالفهم والمعرفة والرؤية الذاتية. > ركزت التوصيات التي صدرت عن رابطة الكليات والجامعات الأمريكية, علي تعظيم الاحساس بالمسئولية الاخلاقية, تجاه الذات وتجاه الآخرين, وترسيخ الشعور بالمسئولية الاجتماعية. .. ويبدو هذا ان خاصية المسئولية الاجتماعية موجودة في نمط الحياة في الولايات المتحدة, ومظاهرها متعددة, منها العمل التطوعي, ومنها مشاركة الأثرياء وكبار رجال الأعمال في تمويل الأنشطة الاجتماعية والثقافية, لكن هذا لم يمنع الذين اهتموا بالتعليم من ان يعاد تأكيد هذا السلوك في العملية التعليمية منذ الصغر. جري تطبيق برنامج عملي تحت مسمي المسئولية الشخصية والاجتماعية, اشترك فيه24 ألف طالب, استخلصت من نتائجه, اقرار جماعي بأن الاختلاف في الرأي, وتقبله بترحاب, هو جزء حيوي من مسئولية العملية التعليمية في مختلف مراحلها. والاختلاف في الرأي مطلوب للاستقرار الاجتماعي, وسلامة الفرد والمجتمع وأمنه. وبمحاذاة هذا التوجه المكثف نحو اصلاح التعليم والذي وجهت له ادارة أوباما اهتماما كبيرا, كان صدور الكتاب الأبيض عن التعليم في بريطانيا, ادراكا لما يحتله التعليم من أهمية في بناء قوة الدولة وقدراتها, وعلي تنشئة مواطن عالي المهارات. والكتاب الأبيض تضمن خططا لاصلاح التعليم, مركزا علي جانبين: (1) ما يتعلمه التلاميذ في المدرسة. (2) اعلاء مهارات المدرس الذي يعلمهم. وهو ما أشار اليه وزير التعليم مايكل جوف بقوله ان المدرسين العظام يغيرون وجه الحياة. ولم يكن ما هو معروف عن بريطانيا من أن بهما أفضل المدارس التي تجذب التلاميذ من العالم, قد منعها من اصدار كتابها الأبيض مؤكدا الحاجة لاصلاح التعليم. .. ان الاهتمام باصلاح التعليم, ولو كان بثورة تعليمية تقلب الأنظمة التعليمية رأسا علي عقب, ليس مقصورا علي الدولتين الكبيرتين اللتين استشهدت بها كنموذج, بل ان ظاهرة الانتفاضة التعليمية, أصبحت ملحوظة في دول عديدة في آسيا وامريكا اللاتينية, وهو ما سار يدا بيد مع خطط التنمية الاقتصادية, والكشوف العلمية. وقد لوحظ في الخطط طويلة الأجل الاستراتيجيات الأمن القومي, لدول عديدة, للعشرين أو الثلاثين سنة القادمة, أنها تضع التعليم علي قمة الأولويات, حيث لو اقتضي الأمر هزة عنيفة في نظام تعليمي راكد يجد القدرة علي التقدم, وكثيرا ما يجرها إلي الوراء, في عصر يحتاج تعليما متطورا ومختلفا. فهذا عصر فلسفته وقاعدة عمله هي التغيير, والنجاح فيه ملقي علي عاتق بشر, لابد من الارتقاء بمهاراتهم, وتأهيلهم ليكونوا قادرين علي الابداع, واطلاق الخيال وابتكار رؤي وأساليب تناسب العصر.. والقضية في النهاية ليست قضية تعليم فحسب, لكنها قضية أمن قومي ومستقبل أمة. المزيد من مقالات عاطف الغمري
الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
4,912,254
ساحة النقاش