الميشابي

الإهتمام بالإدارة والقيادة ، والفكر الإستراتيجي

 

نشأة وتطور علم الإدارة

  

       منذ أن عاش الناس في جماعات منذ قديم الزمان ، كانت الإدارة تشكل أهمية في حياة الإنسان ، وكانت العملية الإدارية هي المعيار الذي يفرق بين ما هو معروف من المجتمعات المنظمة والأخرى التي تعيش حياة الغابة . سيتم هنا استعراض نشأة الإدارة وتطورها منذ القدم وحتى التاريخ الحديث وذلك من خلال ثلاثة مراحل الأولى الفترة ما قبل الميلاد ، الثانية الفترة ما بعد الميلاد ، والأخيرة فترة التاريخ المعاصر .

الفترة ما قبل الميلاد

     سنتناول باختصار كل من الحضارة السومرية ، الحضارة المصرية ، الحضارة البابلية ، الحضارة الصينية ، والحضارة الهندية .

1. الحضارة السومرية : الحضارة السومرية هي حضارة لمجموعات بشرية في جنوب شرق الهلال الخصيب (بلاد سومر) في العراق اليوم ، خلال الألف الرابع قبل الميلاد . إن من أقدم الوثائق المكتوبة في العالم ما عثر علية الباحثين في تراث الحضارة السومرية ، والتي تضمنت على أن أهل سومر قد مارسوا لوناً من الرقابة الإدارية من خلال نظام المعابد والكهنة 

 2. الحضارة المصرية :  اعتبر المصريون القدماء منذ أواخر العصر الحجري القديم 10 آلاف عام قبل الميلاد بأنهم أمه قائمه بذاتها وأطلقوا على أنفسهم أهل مصر أو ناس الأرض . اهتم الملوك بتأمين حدود البلاد ونشطت حركه التجارة بين مصر والسودان واستقبلت مصر عصرا مجيدا فى تاريخها عرف باسم عصر بناة الأهرام ، وشهدت هذه الدولة بناء أول هرم ، هرم (سقارة) ، ومع تطور الزراعة والصناعة والتجارة استخدم المصريون أول أسطول نهرى . 

نجد أن المصريين القدماء أقاموا شكل من أشكال الحكم المركزي ما بين عام (1788 – 2160 ) قبل الميلاد حيث قسمت الدولة الفرعونية إلى مقاطعات لكل منها حاكم مسئول أمام الفرعون ، ومفوض منه بسلطات لإدارة وتسيير شئون الجماعة ، وقد كان لفرعون نواب يخصهم ببعض المهام الإدارية فى مركز الحكم .

 3. الحضارة البابلية :  بابل Babylonia تعني (بوابة الإله) كان الفرس يطلقون عليها (بابروش) Babirush دولة بلاد مابين النهرين القديمة ، كانت تعرف قديما ببلاد سومر وبلاد سومر كانت تقع بين نهري دجلة والفرات جنوب بغداد بالعراق ، أسسها (حمورابي) عام 1763 ق.م. وهزم (آشور) عام 1760 ق.م , وأصدر قانونه (شريعة حمورابي) وفي عام 1600ق.م.  كان الملك البابلي (نبوخذ نصّر الثاني) من الملوك القلائل الذين جمعوا بين الكفاءة الإدارية والبراعة في قيادة الجيش .   

        كذلك نجد أن البابليين في عهد (بنوخذ نصر) عام 604 ق. م. استعملوا الرقابة الإدارية على الإنتاج ، فقد استخدمت الألوان كوسيلة للرقابة على خيوط الغزل التي يتداولها المصنع كل أسبوع .

 4. الحضارة الصينية : قامت الحضارة الصينية القديمة في وديان الأنهار الثلاثة وهي النهر الأصفر ويسمى بالصيني (هوانج) وتعني النهر الأصفر والنهر الأزرق (يانغ تشي كانغ) والنهر الجنوبي المسمي (سي كيانغ) . 

         أسس الإمبراطور (تشين شي هوانغ) أول دولة إقطاعية مركزية موحدة متعددة القوميات في تاريخ الصين (أسرة تشين) .  تدل الوثائق التاريخية على أن الصينيين كانوا على علم ببعض المبادئ الإدارية فى مجال التنظيم والتوجيه والرقابة ، ولذلك فإن دستور (تشاو) الذي كتب عام 1100 ق. م. يدل على أن هذا الدستور استخدم كدليل إداري للجميع من أصغر موظفي الدولة إلى الإمبراطور ، وكان هناك ثمانية قواعد يحكم بها رئيس الوزراء مختلف الأجهزة الحكومية ، إن عملية الكفاءة فى شغل الوظيفة لهو أمر هام للغاية بغية تحقيق أهداف المنظمة ، وهذا الأمر قديم قدم الزمان ، فقد أكد (فيريل هيرى) أن الحضارة الصينية ابتدعت ((أقدم نظام في التاريخ لشغل الوظائف العامة على أساس عقد اختبارات للمتقدمين لدخول الخدمة واختيار الأصلح من بينهم ، وكان معيار الصلاحية هو كفاءة الموظف وقدرته على القيام بالعمل ، وكذلك أوجدوا جهاز من المفتشين المتنقلين الذين يقومون برقابة أداء وولاء الموظفين )) .  وهكذا نرى بأنه منذ أكثر من ثلاثة ألف سنة عرف الصينيين القدماء بعض المبادئ والمفاهيم الإدارية في مجال التخطيط والتنظيم والتوجيه والرقابة التي عرفتها الإدارة الحديثة .

5. الحضارة الإغريقية :   قد أدت طبيعة البلاد الجبلية إلى اتجاه أهلها إلى البحر كوسيلة للاتصال  لذا كانت حضارة الإغريق حضارة بحرية تجارية  . يسمي سكان الإغريق أنفسهم الآخيين أو الهيلينيين، وقد ظهرت حضارتهم قبل الميلاد بخمسمائة وخمسين عاما ومرت بمراحل ثلاث : العصر الأرخي ، العصر الكلاسيكي ، والعصر الهيلينيسي . 

    لقد عرف الإغريق الوثائق المتعلقة بمبادئ الإدارة فيما كتبه (أكسينفون) عن فكرة (الكلية في الإدارة والتخصص) ، وقد دل (أكسينفون) بوضوح على أن الإدارة فن مستقل يتميز عن غيره من الفنون ، وقد ترك الإغريق تراثاً مهماً أيضاً في مجال الإدارة فيما يتعلق باختيار الموظفين وتفويض السلطة وكذلك دراسة العمل والرقابة عليه ، ونجد أن الإغريق ذهبوا إلى تمحيص كل ألوان المعرفة والأفكار حتى اهتدوا إلى فكرة البحث العلمي ، وأدخلوا العلم والأستاذية في كثير من مجالات الفكر الإنساني . 

 6. الحضارة الهندية : قامت حضارة الهند القديمة على ضفاف أنهارها ودلتاتها ، مثل وادي السِّند وروافده ، ونهر الغانج وروافده ، وعلى ضفاف نهر كرشنا في الَّدكن  . وأهم أسس الحياة الاجتماعية في الهند نظام الطبقات. وهي  الكهنة أو البراهمة ،المحاربون ، المزارعون والتجار وأصحاب الحرف ، ثم المنبوذون  . وقد عرف الهنود في ذلك العصر عنصر التحديد والتخصيص فى توزيع العمل ، كما عرفوا أهمية وضوح التعليمات وأدركوا قيمة كفاءة الأفراد والعلاقات الإنسانية ودراسة الحركة وترتيب موقع العمل وتداول الأدوات وكلية الإدارة والتنظيم العسكري والرقابة على الأعمال وتفويض السلطة والتخطيط ونظام فكرة الحوافز .

 فترة ما بعد الميلاد

      تمثل الفكر الإداري الذي ساد في تلك الفترة وحتى أواخر القرن التاسع عش فى معطيات الحضارة الرومانية والحضارة الإسلامية .

1. الحضارة الرومانية :  تعد الحضارة الرومانية أو روما القديمة ، من أعظم حضارات أوروبا بعد الحضارة الإغريقية .   عمل الرومانيين على تنظيم وتطوير مؤسساتهم السياسية والعسكرية والاجتماعية وبدأوا بالتوسع التدريجي وأسسوا دولة سيطرت في بادئ الأمر على شبه الجزيرة الإيطالية ثم اتسعت هذه الدولة وسيطرت على معظم العالم القديم وأصبحت حدودها شاسعة امتدت من الجزر البريطانية وشواطئ أوروبا الأطلسية غرباً إلى بلاد ما بين النهرين وساحل بحر قزوين شرقاً ومن وسط أوروبا حتى شمال جبال الألب والى الصحراء الإفريقية الكبرى والبحر الأحمر جنوباً ، وبذلك كانت مثالاً على مفهوم الدولة الجامعة (Universal State) ذات الطابع الاستعماري واستمرت حتى القرن الخامس الميلادي الذي فيه تمكنت القبائل الجرمانية من السيطرة على مقاطعات الدولة الرومانية عام 476 م . اشتهر الرومان آنذاك بالفكر التنظيمي الجيد وخاصةً في مجال التنظيم الإداري وذلك بالقدر الذي مكنهم من حكم إمبراطوريتهم المترامية الأطراف ، فقد أعتمد الرومان في عهد الإمبراطور (ديوكلتيان) عام 284 م. على اللامركزية في الحكم وتفويض السلطة لحكام المقاطعات التي قسمت إلى مائة مقاطعة التي قسمت بدورها إلى وحدات أصغر ، الأمر الذي ساعد على تقوية قبضته على الإمبراطورية الواسعة ، متوسعاً بذلك في مبدأ التنظيم التدريجي الهرمي .

2. الحضارة الإسلامية : الحضارة الإسلامية هي ما قدمه الإسلام للمجتمع البشرى من قيم ومبادئ، وقواعد ترفع من شأنه، وتمكنه من التقدم في الجانب المادي وتيسِّر الحياة للإنسان . 

       إذا نظرنا إلى تطور الفكر الإداري الإسلامي ، لقد جاء القرآن الكريم منزلاً ومنزهاً وشاملاً بحيث نظم الدين والدنيا ونظم حياة الفرد والعلاقات بينه وبين الجماعة والخالق عز وجل . وفى قوله نعالي ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ )) الحجرات الآية 13 . وقال تعالى ((الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُور )) الحج الآيةِ 41 . وقال تعالى (( وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ )) الشورى الآية 38 . وأتت السنة المحمدية متممة أحدث الأساليب والنظم الإدارية ، ومثال ذلك الأحاديث النبوية الشريفة ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ) ، ( أعطوا الأجير حقه قبل أن يجف عرقه ) ، ( إن لنفسك عليك حقاً وأن لبدنك عليك حقاً ) .

   في مجال التنظيم في الدولة الإسلامية ، كان التنظيم الإداري يقوم على أساس التدرج الرئاسي وتقسيم العمل والتخصص في مجال الإدارة الحكومية ، حيث أبرز الإسلام جوانب عديدة وهامة من أسس التنظيم الإداري ، وهذا ما بينه قوله تعالى ((وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ )) الأنعام الآية 165 .   

       بعد أتساع رقعة الدولة الإسلامية مارس الخلفاء مبدءاً تنظيمياً معروفاً وهو اللامركزية الإدارية ، وتفويض السلطة ، حيث فوض أمراء الولايات جزءاً من سلطاتهم للبت في أمور الولاية مثل تعيين الموظفين ومراقبة العمال ، ونهى عن الإسراف ، وتبسيط الإجراءات ، وتحفيز العاملين وتحقيق حاجاتهم العادلة . عملاً بقوله تعالى ((قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ )) القصص الآية 26 .

 وعلية اشتهرت الدولة الإسلامية بممارسة الشورى ( الديمقراطية ) في الإدارة والحكم ، فالخلفاء الراشدون كان يتم اختيارهم بالانتخاب ، وأنتقل هذا الفكر الإداري تطبيقاُ وممارسةً على أنشطة التجارة والإنتاج البسيط في ذلك العهد ، وأستمر تطور هذا الفكر الحضاري العظيم حتى بلغ مرحلة متطورة في عهد الدولة الإسلامية في الأندلس  .

 فترة التاريخ المعاصر  

      يقصد بفترة التاريخ المعاصر الفترة من أواخر القرن التاسع عشر وحتى الآن ، من خلال تلك الفترة نستعرض الفكر الإداري بدءاً بتوثيق الإدارة كعلم ، ومن خلال المدارس والأفكار والنظريات المختلفة . 

      قبل تلك الفترة لم تكن الإدارة كعلم يدرس في المدارس أو المعاهد أو الجامعات ، وإنما كان عبارة عن أفكار وآراء وممارسات هنا وهناك ، إضافة لإجتهادات بعض الأفراد في تسير نشاطاتهم المختلفة ، إضافة إلى تنظيم العمل في دواوين الحكومة المختلفة . وهنا سوف نستعرض الفكر الإداري من حيث الفترة الزمنية ، وذلك على النحو التالي :

1.     نظرية البيرو قراطية ، ويبر ، 1864 – 1920.

2.     نظرية الإدارة العلمية ، تايلور ، 1890 – 1925م  .

3.     نظرية الإدارة فايول ، 1914 – 1950م  .

4.     نظرية العلاقات الإنسانية ، ماجو 1920 – 1950 م

5.     فترة ترابط الإدارة العلمية والبيروقراطية .

6.     نظرية العملية الإدارة ، 1950 – 1970م  .

7.     المدخل السلوكي ، هومانز 1950 – 1960 م  .

8.     نظرية بحوث العمليات 1950 – إلى الآن .

9.     نظرية إتخاذ القرارات ، سايمون ، 1950 – إلى الآن .

10.                        نظرية الإدارة والمقارنة فارمر ، 1960 – 1980م  .

11.                        نظرية المنظمة 1950 – إلى الآن .

12.                        نظرية سلوك تنظيمي 1960 ـ إلى الآن .

13.                        نظرية مدخل النظم 1965 – إلى الآن .

14.                        نظرية التنظيم التكنولوجيا ، ورورد 1965 – إلى الآن .

15.                        نظرية الإدارة الموقفية 1970 – إلى الآن .

المصدر: 1. على الشرقاوى ، إدارة الأعمال – الوظائف والممارسات الإدارية ، ب ط ، دار النهضة العربية ، بيروت . 2. الموقع : http://ar.wikipedia.org . 3. كلودس ، جورج الإبن ، تاريخ الفكر الإدارى ، ترجمة أحمد حمودة ، ب ط ، مكتبة الوعى العربى ، القاهرة – 1972 م . 4. الموقع : www.9ll9.com . الحضارة الصينية القديمة . 5. فيريل هيرى ، الإدارة العامة منظور مقارن ، ترجمة محمد قاسم القريوتى ، الطبعة الثانية ، دار الفكر ، عمان – 1979 م . 6. الموقع : http://ar.wikipedia.org ، الحضارة الإغريقية . 7. الموقع : www.atida.org ، نبذة عن الحضارة الهندية . 8. الموقع : http://ar.wikipedia.org ، الحضارة الرومانية . 9. الموقع : http://islam.aljayyash.net ، الحضارة الإسلامية . 10. أحمد إبراهيم أبو سن ، الإدارة فى الإسلام ، المطبعة العصرية ، ب ط ، دبى – 1981 م . 11. علي محمد إبراهيم كردي ، الإدارة والقيادة ، ط 1 ، وادي النيل للتنمية البشرية ، القاهرة - 2011 م .
alikordi

د . علي كردي

ساحة النقاش

د . علي محمد إبراهيم كردي

alikordi
الاهتمام بموضوعات الإدارة بمختلف أقسامهاوالقيادة ، علم الإستراتيجية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

760,111