طرق قياس التفكير الإستدلالي.
تعتبر حركة القياس النفسي تطوراً هاماً في تقدم العلوم الإنسانية ذلك إنها محاولة علمية لها أصولها المنهجية والنظرية التي تساعدنا على تفهم سلوك الأفراد ومظاهر نشاطاتهم المختلفة.[1]
ويجيب مفهوم القياس النفسي عن سؤال مفاده كم هو المقدار أو الكمية الموجودة من هذه الخاصية أو الصفة لدى الفرد؟ بمعنى أن القياس النفسي يعطي تقديرا كميا نسبياً للنشاط المعرفي للفرد في الخاصية المراد قياسها.
والجدير بالذكر بأن القياس النفسي بصفة عامة يقوم على مسلمة -نادي بها العالم ثورندايك " كل ما يوجد، يوجد بمقدار وكل ما يوجد بمقدار يمكن قياسه", وبناء على هذه المسلمة يمكننا القول بأنه مادام التفكير الإستدلالي موجود يمكننا قياسه والتعرف على القدر الذي يملكه الفرد، وبذلك نستطيع تحديد موقعة بمقارنة بأقرانه فإذا كان ما لديه من القدرة الإستدلالية منخفضاً سعينا إلى تنميته وتدريبه، وإذا كان قدرا مرتفعاً سعينا إلى الحفاظ عليه وتوجيه للإستفادة منة. [2]
ومن أبرز طرق قياس التفكير الإستدلالي:
١. الملاحظة السـلوكية:
الملاحظة أسلوب في القياس ينطوي على المراقبة المقصودة لظاهرة معينة ورصد الكيفية التي تحدث بها في الواقع وتسجيلها كما هي بمعزل عن التحيزات الذاتية والأحكام التقديرية للقائم بالملاحظة (الملاحظ)، وقد حاول العالم الروسي بلاتونف في كتابة "منهج دراسة القدرات" أن يضع معايير لجعل الملاحظة أكثر موضوعية ودقة كأن يحدد القائم بالملاحظة هدفه وغايته من الملاحظة منذ البداية, وأن تشمل الملاحظة جوانب متعددة من نشاط الفرد الذي نلاحظه (التعليمي، المهني؛ الإجتماعي..) فكلما إتسع مجال الملاحظة كلما ساعد ذلك على فهم شخصية المبحوث (الملاحظ) وتقدير قدراته. ويستفيد الباحث عند الملاحظة من المعلومات التي تأتى من مصادر متنوعة (مدرسين، زملاءه…) وألا يهمل مصدرا يمكن إستخدامه في الحصول على المعلومات عن الشخص الملاحظ. [3]
ويمكن أن نقوم بالملاحظة المنظمة للنشاط الفعلي للأفراد أثناء ممارستهم لحياتهم العادية كملاحظ السلوك الإستدلالي أثناء المقابلة التي يقوم بها الباحث ويجيب المبحوث عن أسئلة تعبر عن مواقف معينة (قصص بوليسية، الغاز، العاب حسابية…) وتتطلب منه الإستدلال للوصول إلى حلول لتلك المواقف وقد تحتاج هذه الطريقة عندما يتطلب الأمر إختيار أشخاص يتمتعون بمهارات إستدلالية مرتفعة ليعموا في مجالات هامة مثل: (قضاة، محققين، ضابط الشرطة، قادة…).
٢.التقرير الذاتي:
يقصد بالتقرير الذاتي أن يعطي المبحوث فكرة عن نفسه, وهي طريقة لتقييم مستوى مهارات الفرد الاستدلالية من خلال الحصول على معلومات من المبحوث نفسه.[4]
وليس أفضل بطبيعية الحال من الفرد في التعبير عن مهاراته الاستدلالية كأن يقدم للمبحوثين بطاقات ليقيموا بطريقة ذاتية أنفسهم في المهارات الإستدلالية وهذا التقرير يساعد المبحوثين أنفسهم في معرفة لما يجب أن يكونوا علية من مهارة وما ينقصهم في تلك المهارات. [5]
ولكن قبل قيام المبحوث بملاحظة ذاته يجب أن يعرف بوضوح مفهوم التفكير الإستدلالي ومهاراته، ويتوقف أيضا على قدرته على الوعي الإستبصار بذاته، ومراقبتها أثناء التفاعل الإجتماعي مع الآخرين.
وقد إستعان قودمان وقودمان Goodman, & Goodman بهذه الطريقة حيث طلب من بعض الطلاب أن يلاحظوا أنفسهم من حيث قدرتهم على التفكير الإستدلالي، وقام الباحثان بتحليل مضمون ما كتبه الطلاب عن أنفسهم, وجدا أن ذلك قدم لهم مؤشرات أولية عن مستواهم, ومن أوجه النقد لهذه الطريقة في القياس أن المبحوث قد يلجأ إلى كتابة إستجابات غير صادقة عن مستوى مهاراته.
٣. تقديرات المحيطين بالفرد:
نظرا لبعض أوجه النقد التي توجه إلى أسلوب التقرير الذاتي والصعوبات التي تواجه الباحثين أثناء ملاحظتهم لسلوك الفعلي للفرد في المواقف المختلفة، فقد تبنى الباحثون أسلوبا إضافيا يتمثل في الحصول على تقديرات المحيطين بالفرد سواء كانوا أقرانه في الحي الذي يسكنه، أو زملائه في المدرسة، أو العمل، أو معلميه، أو رؤساءه في العمل أو ولديه وإخوانه يمكن أن يزودنا بصورة واضحة نسبيا عن مستواه في المهارات الإستدلالية، وحينما توجه إليهم الأسئلة المفترض توجيهها للفرد ليجيبوا عنها بدلاً منه، بما أنهم يلاحظوا الفرد بصورة متكررة فقد يقدموا وصفا يتسم بالدقة.[6]
وأن تقديرات المحيطين بالفرد تصبح أكثر دقة وخصوبة كلما زاد معدل تفاعلهم مع الفرد وتنوعت المجالات السلوكية التي يتفاعلون معه أو يشاهدونه بها وفقا لطول الفترة الزمنية.
٤. الإختبارات النفسـية:
الإختبار النفسي عبارة عن مجموعة من الظروف المقننة أو المضبوطة تقدم بتصميم معين للحصول على عينة من السلوك في ظروف أو متطلبات بيئية معينة أو في مواجهة تحديات تتطلب أقصى الجهد أو الطاقة، وغالبا ما تأخذ هذه الظروف أو التحديات شكل الأسئلة اللفظية.[7]
5. محددات السلوك الإستدلالي:
تحاول الباحثة أن تقترب بشكل مكثف من المحددات التي تمارس دوراً مؤثراً في تحديد طبيعة السلوك الإستدلالي، وتسهم بقدر معين في تشكيل السلوك الإستدلالي، ذلك أن هذا السلوك يعد محصلة للتفاعل بين هذه العوامل مجتمعة، وليس هو نتاج أحدهما منفردة مما يدعم وجهة النظر التكاملية بأن التفكير الإستدلالي قدرة مشروطة تتأثر بالعديد من العوامل النفسية، والديموجرافية، والإجتماعية بما ترك لنا فرصة كبيرة في تحديد مسارها وتنميتها، وقد تركزت جهود الباحثين لدراسة المحددات على فئتين هما متغيرات متصلة بالفرد، ومتغيرات متصلة بالسياق التفاعلي.[8]
متغيرات متصلة بالفرد:
تتضمن هذه الفئة عدد من المتغيرات سواء معرفية أو مزاجية أو ديمجرافية والتي تسهم في تحديد طبيعة السلوك الإستدلالي ومن أبرز هذه المتغيرات مايلي:
القدرة العقلية العامة General Intellectual ability
القدرة العقلية العامة تعبر عن الذكاء العام أي أن هذه القدرة تتدخل في كافة الأنشطة العقلية والذهنية والفكرية والمعرفية بدرجات مختلفة، وفقا لذلك المنظور فإن القدرة العقلية العامة للفرد تؤثر في قدرته على التفكير بصفة عامة، وضمناً لها دور لاشك مؤثر في قدرة الفرد على التفكير الإستدلالي.
فإذا تعرضنا بصورة موجزة لبعض نتائج الدراسات العاملية للرعيل الأول من علماء النفس التي إجريت في مجال النشاط العقلي المعرفي نجد أن سبرمان في قوانينه الإبتكارية وضعها لتفسير العامل العام الذي يمثل على حد قولة القدرة المشتركة لأي نشاط عقلي معرفي كانت في جوهرها تعبر عن القدرة الإستقرائية والإستنباطية، لذا يعرف سبرمان العامل العام بأنه القدرة على إدراك العلاقات والمتعلقات بمعني آخر بأنة القدرة الإستقرائية والإستنباطية.[9]
[1]- أحمد محمد صالح, مرجع سابق, ص: 267.
[2]- خالد العتيبي, مرجع سابق, ص: 24.
[3]- خالد العتيبي, مرجع سابق, ص: 24.
[4]- فؤاد أبو حطب، وآمال صادق، مرجع سابق.
[5]- حسني عبد الباري عصر, التفكير: مهارته وإستراتيجيات تدريسه, مركز الإسكندرية للكتاب, الإسكندرية, مصر, 2001م.
[6]- حسني عبد الباري عصر, مرجع سابق, ص: 56.
[7]- صفوت فرج، القياس النفسي, دار الفكر العربي, القاهرة, مصر, 1980م.
[8]- خالد العتيبي, مرجع سابق, ص: 26.
[9]- Klauer, Teaching Inductive Reasoning: Some Theory and three Experimental Studies, Journal Learning Instructional, 6, 1, 1996, PP.37- 57.