مهارات التفكير الإستدلالي.

يتفق الباحثون في تحديد مهارات التفكير الإستدلالي، ولكن من الشائع بأن الإستدلال يتكون من الإستقراء وهو (التوصل إلى القاعدة العامة من الجزئيات أو الحالات الخاصة)، والإستنباط هو (الإنتقال من القاعدة وتطبيقها على الجزئيات والحالات الخاصة)، ويري الفلاسفة وعلماء المنطق بان الإستدلال ينقسم من حيث مهاراته إلى الإستقراء والإستنباط (القياس) حيث يسير الإستقراء من الجزئيات وينتهي بالقانون العام الذي يكشف عن العلاقات المختلفة بينها، بينما الإستنباط فيعتمد على تطبيق قواعد الإستدلال على النموذج الشكلي للمشكلة ويسير من المسلمات والفروض بخطوات منطقية حتى يصل إلى الجزئيات. [1]

 

وحين ننتقل إلى الدراسات النفسية العامليه سنجد أن القدرة على التفكير الإستدلالي قد ظهرت في بحوث ثيرستون عامي 1934- 1941 في عنصرين أساسيين هما الإستنباط والإستقراء، ومع ذلك مازال الشك قائم حول عدد قدرات أو مهارات التفكير الإستدلالي الفرعية.[2]

ويرى البعض بأن الإستدلال يعتمد على طرق إستدلالية مختصرة Heuristic كالتمثيل، الإتاحة، الإرساء، التعديل وظيفتها إنتقاء المعلومات المرتبطة بالمهمة أو المشكلة من كمية كبيرة من المعلومات بيد أنها أقل دقة وعرضة لأشكال متعددة من الأخطاء والتحيزات الذاتية، ومن ثم تحليل ما نتلقى من معلومات من هذه الطرق سعيا نحو توليد إستنتاجات جديدة.[3]

 

ويشير سكريفين Scriven إلى أن طبيعة التفكير الإستدلالي تعتمد على تقديم عنصر جديد يختلف عن القضايا التي يبدأ منها الإستدلال أي أننا في الإستدلال نربط بين شيئين لم يكن ظاهر من قبل أن بينهما إرتباط أو علاقة وبذلك يدخل الإستنتاج كل عنصر جديد ،وفيه يأتي الفرد بحكم جديد غير معطى أو نتيجة من المعلومات(المقدمات) المعلومة لديه.[4]

ويتفق صالح مع ذلك بأن التفكير الإستدلالي تفكير علاقي تدرك فيه العلاقات التي تستعمل في إنتاج معلومات جديدة، ويكون الإنتاج العقلي (النتيجة) خاضعه لمدى إتساقها المنطقي.[5]

وبما أن الهدف الأساسي من التفكير الإستدلالي هو الوصول إلى نتائج جديدة لم تكن معلومة للفرد في المقدمات, يمكن أن نتساءل هل يقودنا الإستقراء والإستنباط إلى هذا الجديد؟ للإجابة على هذا التساؤل يجب علينا إعادة ا لنظر في الإعتقاد القائل بأن الكل (التفكير الإستدلالي) يساوي مجموع أجزائه (الإستقراء والإستنباط) وبما أن التفكير الإستدلالي يعني في جوهره بالذهاب وراء المعلومات والبيانات المتاحة (المقدمات) للوصول إلى نتيجة جديدة غير متضمنة في هذه المقدمات نجد أن هناك جزاءا مفقودا، ونلاحظ أن الإستنباط والإستقراء ليس فيهما الوصول إلى نتيجة جديدة، ففي الإستنباط لا يستطيع الفرد أن يتقدم من القاعدة العامة (المقدمات) إلى حالة خاصة (النتيجة) إلا إذا كانت هذه النتيجة تقع في إطار الحالة العامة أو تتضمنه فيها, وبالتالي فإن النتيجة ليست جديدة. وأما الإستقراء يقوم على إستخلاص الخاصية المشتركة بين مجموعة من الحالات الخاصة (المعلومات المتاحة ) ثم يصوغها في شكل قاعدة عامة أو تعميم (نتيجة) تنتضم في إطارها هذه الحالات الخاصة، وهذا يعني أن النتيجة متضمنة في المعلومات المتاحة، وبالتالي فإن النتيجة هنا ليست جديدة.[6]

 

وبالتالي فإن الوصول إلى فكرة أو معني جديد غير موجود في المقدمات لا تتوفر بإستخدام الإستنباط والإستقراء, لذا يلزم وجود مهارة أخرى من شأنها أن تستخلص من المقدمات نتيجة تحمل معني جديدا عما تتضمن المقدمات, هذه المهارة هي الإستنتاج حيث يبدأ الفرد بما لديه من مقدمات ويحاول إيجاد النتائج المرتبطة بها, وذلك عن طريق إستخدام النموذج السببي (إذا كان …فأنة ..) أي يربط كل سبب بما يترتب علية من نتائج ويشتق منها نتائج أخرى بإتباع نفس الأسلوب، ولما كانت النتائج تحمل معني غير الذي تتضمنه المقدمات فإن شرط الجدة يتوفر هنا، وبذلك يعتبر من أهم المهارات الإستدلالية من خلال هذا التصور.[7]

 

ونخلص مما سبق عند إعتماد التفكير الإستدلالي فقط على مهارتي الإستنباط والإستقراء فإننا نجد لدينا قواعد عامة وحقائق غير مترابطة، ويظل الإستدلال غير إنتاجي، أما إذا تم الربط بين هذه القواعد العامة وذلك عن طريق إيجاد علاقات بينها ومحاولة الإستنتاج علاقات أخرى فان ذلك من شأنة أن يظهر نتائج كانت مخفية من قبل ويصبح الإستدلال في هذه الحالة إنتاجياً. [8]

 

بذلك نكون على ثقة بالقول بأن مهارات التفكير الإستدلالي هي: الإستقراء والإستنباط والإستنتاج، ويمكن أن نعرض بشكل مختصر لتعريف كل مهارة من هذه المهارات: [9]

 

١ـ الإستقراء  Inductive

يعرف بأنه كل نشاط عقلي معرفي يتميز بإستنتاج القاعدة العامة من جزئياتها.

 

٢ـ الاستنباط  Deductive

يعرف بأنه القدرة التي تبدو في الأداء العقلي الذي يتميز بإستنباط الأجزاء من القاعدة.

ويعرفه جونسون لاريدا بأنة عملية تفكيرية منظمة تنجم عنها إستنتاجات مبينة على مقدمات أو أفكار أو مسلمات وتكون صحيحة إذا كانت مبنية على فرضيات صحيحة.[10]

أما المهارات النوعية التي يتضمنها الإستنباط هي إستخدام قواعد المنطق، واستكشاف العبارات المتعارضة، والتحليل من خلال العمليات القياس المنطقي، وحل المشكلات المكانية.

 

٣ـ الإستنتاج  Inference

يعرف بأنه العملية التي يتم بواسطتها استخلاص معلومات جديدة من مقدمات لوحظت أو نوقشت وتعرفه "حنان سلطان " بأنه التوصل إلى نتيجة معينة من مقدمات وبيانات متوفرة وكل خطوة من خطوات الإستنتاج المنطقية تقود إلى التي تليها بدليل رياضي مسلم بصحته.

والمهارات النوعية التي يتضمنها الإستنتاج هي: التنبؤ بالنتائج، وإستخلاص نتيجة جديدة من الملاحظات، والربط بين السبب والنتيجة، وتفسير المعلومات.

بعد أن عرضنا إلى مفهوم التفكير الإستدلالي ومهاراته الإستقراء والإستنباط والإستنتاج قد يكون من المناسب الحديث الآن عن علاقة التفكير الإستدلالي ببعض أنماط التفكير الأخرى مثل التفكير الإبداعي، والناقد، والحدسي وبعض المفاهيم المتصلة به كالمنطق، والمحاجة، حتى يتسنى لنا تقديم صورة واضحة عن التفكير الاستدلالي وتميزه عن المفاهيم الأخرى.

 

سادساً: التفكير الإستدلالي وعلاقته ببعض أنماط التفكير وببعض المفاهيم.

١- التفكير الإستدلالي وعلاقته ببعض أنماط التفكير:

أ. التفكير الإستدلالي والتفكير الناقد:

يتفق العديد من الباحثين بان التفكير الناقد Critical Thinking هو إستخدام قواعد الإستدلال المنطقي وتجنب الأخطاء الشائعة عن تعميمات في الحكم على الأشياء، وهو أيضا المحاولة المستمرة لإختبار الحقائق والآراء في ضوء الأدلة التي تستند عليها تقييم الفرد وبالتالي معرفة طرق الإستدلال المنطقي التي تساعد على تحديد مختلف الأدلة والوصول إلى نتائج سليمة وإختبار صحة النتائج وتقدم المناقشات بطريقة موضوعية. [11]

يربط فيشر Fisher بين التفكير الناقد والقدرة على التفكير الإستدلالي بتوضيح أصل الكلمة الإنجليزية Reason التي أشتقت من الكلمة اليونانية Ratio وتعني التوازن فالفرد يمكنه أن يفكر تفكيراً ناقداً بقدر ما يكون عليه من خبرة، وقدرة على قياس المعلومات، والأفكار، وتقديم المناقشات وذلك وصولاً إلى الأحكام الموزونة، فالفرد عندما يستجيب لهذه المهارة العقلية فهو يتجه للتفكير الإستدلالي إلى جانب الرغبة في التحدي ومن ثم وجود الميل العاطفي نحو الوصول إلى الحقيقة. [12]

وفي دراسة بيترو بيتي أشار إلى أن هناك علاقة بين التفكير الإستدلالي والتفكيرالناقد لدي عينات من الطلاب من الصفوف السادس الإبتدائي حتى الصف الثالث الثانوي.[13]

ويرى سوتون وانيس Suttro & Ennis بان التفكير الإستدلالي جزء من التفكير الناقد حيث أن التفكير الإستدلالي في جوهرة يعنى بالعلاقة بين المقدمات والنتيجة التي تنبع منها بالضرورة أو بالعلاقة بين الفرضية والدليل الذي يقدم تأييدا لها في حين أن التفكير الناقد بالإضافة إلى ما سبق يعنى بالحكم على مصداقية المقدمات التي تقوم عليها النتيجة أو الأدلة المؤدية للفرضية بفحص المفاهيم والألفاظ التي تضمنها هذه المقدمات والأدلة.[14]

 

وفي هذا الإطار أشار هالبرن Halrbin إلى أن الاستدلال يعد أحد المهارات الفرعية للتفكير الناقد حيث أن النقد يتضمن مهارات هي الإستدلال، والتحليل، والمقارنة، والتأليف، والتطبيق، والتقويم، والتفسير، والمحاجة, أي أن العلاقة بينهما علاقة الجزء بالكل. [15]

من الأرجح أن التفكير الناقد ينطوي ضمنا على الإستدلال بما أن مهارات التفكير الإستدلالي تعد من المهارات الرئيسة المستخدمة في النقد بوجه خاص في عمليات دعم الأدلة الشخصية والدفاع عنها وقناع الآخر بها من خلال الإستنباط و الإستقراء إلا انه من مؤشرات إستقلاليته التفكير الإستدلالي هو إهتمامه بإستنتاج نتائج جديدة من الملاحظات والمشاهدات متفرقة في حين أن التفكير الناقد تقويمي يتضمن مهارات التقويم التي يستهدف فحص الأفكار والآراء والأحكام، وتحديد الإفتراضات وراء الأقوال والأفعال، وإصدار أحكام تقويمية إذا اكتملت الأدلة والبراهين لديه. [16]

 

ب. التفكير الإستدلالي والإبداع:

يستخدم مفهوم الإبداع Creative ليشير إلى العمليات العقلية، والمزاجية، والدافعية، والإجتماعية التي تؤدي إلى الحلول، والأفكار، والتصورات، والأشكال الفنية، والنظريات، أوالمنتجات التي تكون فريدة وجديدة.[17]

وبمراجعة ممعنة لنظريات الإبداع التي تعد أساسا جيدا أمكن من خلالها تفسير بعض جوانب العملية الإبداعية، فالإبداع من وجهة نظر الجشطلت إنما هو نوع من الإستدلال وأن هذا الإستدلال أما يكون عقليا خاصا يتعامل مع المفاهيم المجردة أو يكون أدرا كيا, أي أن الإبداع نتاج لتفاعل بين خيال الفرد الذي يظهر تأمله للأشياء وصوره، وبين العمليات العقلية كالإستدلال والتجريد والإدراك.[18]

وفي دراسة تحليله للعملية الإبداعية أظهرت دراسة هاتت Hitt عاملين أساسيين هما الأصالة والإستدلال المنطقي قائلاً بأنهما يشكلان جانبا متكاملا في الإبداع، وبعبارة أخرى أن بينهما إعتماد متبادلاً بحيث إذا عملا معا أمكن لهما إنتاج أفكار إبداعيه ويبدو بأن الشخص المبدع ينتج أفكار جديدة ثم يقيمها بتطبيق منطقاً إستدلالاً صارماً في إختبار مدى صلاحية أفكاره.[19]

 

وبذلك يؤكد هاتت على دور الإستدلال عندما يعمل الفرد مهاراته الإستدلالية للتحقق من صحة ما توصل إليه، وفي دراسة تناولت العلاقة بين مراحل النمو العقلي والتفكير الإبداعي الممثل في بعد الأصالة لدى عينة من طلاب الصف الثالث الثانوي، خلصت إلى وجود علاقة طرديه بين القدرة التفكير التجريدي والقدرة على الأصالة، أي أن الأفراد الأكثر تجريدا لأفكارهم يستطيعون إنتاج أفكار أكثر أصالة وجدة.[20]

 بما إن القدرة التجريدية هي جوهر التفكير الإستدلالي فضمنا فإن القادرين على التفكير الإستدلالي يكون أكثر إنتاج لأفكار أصيلة ومبدعة.

والواقع أن الإستدلال والإبداع يتلخص كل منها في إيجاد حلول للمشكلات أدراك العلاقات فالأفراد ذوي القدرة المرتفعة في الإستدلال والإبداع لديهم القدرة على إدراك الحلول الموجودة إلا انه في الإستدلال كشف علاقات كانت خفية رغم أنها موجودة في الأصل بينما الإبداع إنتاج علاقات لم تكن موجودة من قبل وليس الفارق بينهما من الوهلة الأولى مطلق فكل إكتشاف يمكن إعتباره إبداعا وإن جاء بحلول جديده وأصيلة مهما كانت أصالتها فهو لاشك يستعين بمواد موجودة من قبل والجديد هو التأليف بين هذه المواد.[21]

 

وبذلك يختلف التفكير الإبداعي في الدرجة فقط عن التفكير الإستدلالي والحدسي ويعود هذا الفرق إلى تأهب الفرد وإستعداده فيما يتعلق بتوفر شرط الجدة في الإنتاج. [22]

 

وفقا لمبدأ تكاملية التفكير الإنساني فان الإبداع والإستدلال يشتركان في مواجهة مشكلة ما فالإستدلال يبدأ بتحليل عناصر هذه المشكلة بطريقة منطقية أما الإبداع يبدأ بإعادة تركيب عناصر المشكلة والنظر إليها من زاويه جديده وأن الفرق بينهما يكون في درجة أصالة الأفكار من قبل المبدعين تكون مرتفعة أكثر من الأفراد ذوي القدرة الإستدلالية يعود ذلك إلى أن الإبداع يتحرر من قيود الواقع بينما الإستدلال مقيد بقواعد المنطق ولا يتجاوز الجديد فيه حدود المعلومات المتاحة.

ولعلنا نخلص إلى ما ذكره جليفورد Guilford في تقسيمه للنشاط العقلي إلى عمليتين أساسيتين هما التفكير التباعدي Divergent thinking والتفكير التقاربي Conergent thinking نجد أن التفكير الإستدلالي تفكير تقاربي يقوم على توليد معلومات، وأفكار، وإستنتاجات من المعلومات المعطاة قريبة من المألوف محكومة بقواعد المنطق، أما التفكير الإبداعي تفكير تباعدي يقوم على إبتكار أكبر عدد من الحلول المتنوعة للمشكلة واحدة على إعتبار أن الإنتاجية من معايير التفكير الإبداعي.

 

 

ج. التفكير الإستدلالي والتفكير الحدسي:

يري بوتيليت Bouthilet أن الحدس Intuition هو أسلوب عقلي للوصول إلى تخمينات صحيحة دون أن يعرف الفرد كيف وصل إليها[23], ويري برونر Brunre بأنه عملية الوصول إلى نتيجة مباشرة دون المرور بمراحل تحليلية محددة تساعده في التأكد من صحة ما توصل إلية من نتائج.

بمعنى بأن الحدس مباشرة في الوصول إلى نتيجة دون إتباع مهارات واضحة الأمر الذي جعل الصبوة يقارن بين التفكير الإستدلالي والحدسي بقوله بأن الإستدلال يتضمن إقامة الدليل الذي يشير إلى عدة أحكام مترتبة بعضها البعض، وأما الحدس فيتمثل في الحكم، أو المعني، أو الفكرة التي يصل إليها الفرد بالإدراك المباشر المفاجئ الذي يصل إليه الفرد دون معرفة مستمدة بالتفكير الإستدلالي.[24]

 

ويري أبوحطب وعثمان إذا كانت المعلومات المتاحة للفرد إزاء مشكلة معينة يراد حلها قليلة كان نمط التفكير التقاربي هو التفكير الحدسي أي أنه تفكير يصل به الفرد إلى إستنتاج معين على أساس مقدار ضئيل من المعلومات، ويكون الإستنتاج في شكل كليات على حساب التفاصيل الدقيقة. [25]

 

ووفقا لما إشار إليه الباحثون نجد أن التفكير الإستدلالي والحدسي يشتركان في الوجهة التقاربيه للحلول إلا أن التفكير الإستدلالي يتطلب إستخدام مقدار كبير من المعلومات عن الموقف أو المشكلة المراد حلها، ويصل الفرد إلى الحل وهو مدرك للمهارات التي قام بها هي استقراء، أو إستنباط، أو إستنتاج، أما التفكير الحدسي يتطلب مقدار قليل من المعلومات والوصول للحل يكون مفاجئ ومباشرة دون وعي من الفرد بالخطوات التي قام بها وبالتالي يصعب تقوم هذا الحل.[26]

 

٢- التفكير الإستدلالي وعلاقته ببعض المفاهيم:

أ. التفكير الإستدلالي والمنطق:

هو العلم الذي يبحث عن المبادئ العامة للتفكير الصحيح ويقوم على الإستدلال المنطق، فموضوع المنطق هو الإستدلال الذي نبدأ فيه من مقدمات نسلم بصحتها إلى النتائج اللازمة عنها.[27]

ينصب إهتمام المنطق بالدرجة الأولى بمنطق الفكرة بإعتبارها منطقا صحيحا أو فاسدا (كاذبا) أي التمييز بين الإستدلال الجيد والإستدلال المضلل وأن دراستنا للمنطق وفهم قواعد المنطق الصوري ومبادئه والألفة ببعض مصطلحاته من العوامل التي تزودنا بفهم واضح لطبيعة التفكير الإستدلالي ومهاراته, وبالتالي ممارستنا للإستدلال بفاعلية.

والجدير بالذكر أن التفكير الإستدلالي مظهر من مظاهر المنطق بمعناها الواسع، فبالإضافة إلى إستخدامه للقواعد المنطقية وتحري المغالطات المنطقية، يتميز التفكير الإستدلالي عن المنطق بالبحث عن الأسباب الكامنة خلف حدث معين للوصول إلى نتيجة جديدة والتنبؤ بنتائج متوقعة من ملاحظات والكشف عن صحة الأشياء والإدعاءات أو زيفها والتوصل إلى الحقيقة عن طرق توليد الفرضيات وإختبارها والموازنة بين الحلول الممكنة.

 

ب. التفكير الإسـتدلالي والمحاجة: [28]

يقصد بالمحاجة Argumentation قدرة الفرد على تفنيد ودحض حجج الطرف الآخر بالأدلة والبراهين الإستدلالية والواقعية وحثه على التحلي بها والدفاع في الوقت نفسه عن آرائه وتقديم الحجج لإقناع الطرف الآخر بها, وذلك حين يتحاجون حول قضية خلافية معينة. أي تتضمن المحاجة عمليتين أساسيتين هما التفنيد والإقناع وأن المادة الخام فيه هي الحاجة التي تشير إلى الإستدلال على صدق الدعوى أو كذبها.

وحري بالذكر بأن بعض الباحثين ينظرون لمفهوم الإستدلال والمحاجة كمترادفين على أساس أن المحاجة مجموعة من المقدمات التي نستدل منها على نتيجة ثبت صحة ما ندعيه أي إنها عبارة، ويذهب جالوتي  Galottمذهبا مغايراً حيث ينظر إلى المحاجة على إنها تقييم للحجج عن إستدلال كجزء من العملية الإستدلالية.

ومن الأرجح أنهما مفهومان مستقلان بينهما علاقة متبادلة قوية فعلى الرغم من أن المهارات الإستدلالية من العناصر الرئيسية المستخدمة في المحاجة وبوجه خاص في عمليات دعم الأدلة الشخصية والدفاع عنها وإقناع الآخر بها من خلال الحجج الإستنباطية والإستقرائية والإستنتاجية إلا أن مؤشرات إستقلاليتها أن المحاجة تتضمن بجانب المهارات الاستدلالية استخدام الأسئلة بأنواعها الإستفهامية، والإستنكارية، والتعجبية فضلا عن الإستشهادات الدينية، والتاريخية، والعبارات المثيرة إنفعالية لتحقق أهداف الفرد في المحاجة.

 

والتفكير الإستدلالي له دورة الفعال في متابعة منطقية الحجج الإستقرائية والإستنباطية التي تصدر من الطرفين في الموقف (محاجة)، لذا يمكن للتفكير الإستدلالي أن يتطور نتيجة إلى أشكال من المحاجة وخصوصا عندما يتعلق الأمر بالقضايا السياسية، أو الإجتماعية، أو الاقتصادية، أو المناظرات العلمية حيث يسعى الفرد إلى متابعة منطقية الحجج المضادة وإنتاج حجج جديدة لإقناع الطرف الآخر بموقفة. [29]

 


[1]- Hunt, Cognitive Science: Definition, Status and Questions, Annual Reviewed Psychology, 40, 1989 ,PP; 603-629.

[2]- فواد أبو حطب، ومحمود السروجي، علم النفس التعليمي, مكتبة الانجلو المصرية, القاهرة, مصر, 1981م.

[3]- طريف شوقي فرج, مرجع سابق.

[4]- Scriven, Reasoning, McGraw-Hill Book Company, New York, 1974.

[5]- أحمد محمد صالح، مراحل بياجية للنمو العقلي وعلاقتها بالأصالة لدى طلاب الصف الثالث الثانوي "بأبوظبي", مجلة دراسات تربوية, مجلد: ٦،عدد: ٣٢, أبو ظبي, الإمارات, 1991م, ص: ٢٩١-٢٦٣

[6]- على كمال معبد, فاعلية إستخدام نموذج ميرل وتينسون فى إكتساب تلاميذ الصف الثانى الإعدادى لبعض المفاهيم السياسية بمقرر الدراسات الإجتماعية, رسالة ماجستير غير منشورة, كلية التربية, جامعة أسيوط, مصر, 1999م.

[7]- حامد طلافحة، مرجع سابق, ص: 84.

[8]- خالد العتيبي, مرجع سابق, ص: 18.

[9]- خالد العتيبي, مرجع سابق, ص: 18- 22.

[10]- Johnson- Larid, Deductive Reasoning, Journal Annual Reviews Psychology, Vol: 50, No (1), 1999, PP.109-135.

[11]- خالد العتيبي, مرجع سابق, ص: 20.

[12]- عزيزة السيد، التفكير الناقد, دار المعرفة, الإسكندرية, مصر, 1995م.

[13]- Bitner, C & Betty. L, Logical and Critical thinking Abilities of sixth trough twelfth Grade student and formal reasoning Modes ar Oredicators of Critical thinking Abilities and Academic Achievement, Journal of Research in Seines Teaching .25, 4, 1988, PP.143-150.

[14]- مسعف حلفاوي، إشتقاق معايير الأداء على مقياس التفكير الناقد لطلبة البكالوريوس في الجامعات الحكومية الأردنية, رسالة ماجستير غير منشورة, الجامعة الأردنية, عمان, الأردن, 1997م.

[15]- طريف شوقي فرج, مرجع سابق, ص: 44.

[16]- خالد العتيبي, مرجع سابق, ص: 20.

[17]- شاكر عبد الحميد, علم نفس الإبداع, دارغريب, القاهرة, مصر, 1995م.

[18]- شاكر عبد الحميد, مرجع سابق.

[19]- مصطفي سويف, الأسس النفسية للإبداع في الشعر خاصة, دار المعارف, القاهرة, مصر, 1981م.

[20]- أحمد محمد صالح, مرجع سابق, ص: 88.

[21]- حلمي المليجي، علم النفس المعاصر, دار النهضة العربية, بيروت, لبنان, 1972م.

[22]- فؤاد أبو حطب، وسيد عثمان, التفكير: دراسة نفسية, مكتبة الإنجلو المصرية, القاهرة, مصر, 1987م, ص: 27.

[23]- فؤاد أبو حطب، و سيد عثمان, مرجع سابق, ص: 28.

[24]- محمد الصبوة, مرجع سابق.

[25]- فؤاد أبو حطب، و سيد عثمان, مرجع سابق, ص: 28.

[26]- خالد العتيبي, مرجع سابق, ص: 23.

[27]- محمد مهران، المدخل إلى المنطق الصوري, دار قباء للطباعة والنشر, القاهرة, مصر, 1990م.

[28]- طريف شوقي فرج, مرجع سابق.

[29]- Lawson, & Beraler, cultural diversity and difference in formal Reasoning ability, Journal of Research in Science Teaching, 21,7, 1984, PP.735-743.

ahmedkordy

(رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ)

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 7409 مشاهدة
نشرت فى 26 سبتمبر 2014 بواسطة ahmedkordy

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,261,121

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters

هل تعرف أن بإمكانك التوفير بشكل كبير عند التسوق الالكتروني عند إستعمال اكواد الخصم؟ موقع كوبون يقدم لك الكثير من كوبونات الخصم لأهم مواقع التسوق المحلية والعالمية على سبيل المثال: كود خصم نمشي دوت كوم، كود سوق كوم وغيرها الكثير.

..
تابعونا على حساب

أحمد الكردى

 موسوعة الإسلام و التنميه

على الفيس بوك

ومدونة
أحمد السيد كردى
على بلوجر