آليات خلق الثقافة والمحافظة عليها.
يمكن تشبيه عملية خلق الثقافة التنظيمية بالتنشئة الإجتماعية للطفل، فهي قيم يتم تعليمها وتلقينها للأفراد منذ البدايات, وكلما كانت القيم مغروسة مبكرًا كلما كانت أمتن وأقوى. وكذلك الأمر في المنظمات، فإن المؤسسين يلعبون دورًا مهمًا في خلق العادات والتقاليد وطرق العمل، وخاصة في فترات التشكيل الأولى للمنظمة، حيث تلعب الرؤية والفلسفة التي يؤمنون بها دورًا كبيرًا في تنمية القيم الثقافية بإعتبارهم المؤسسين.
كما أن الحجم المتواضع والصغير للتنظيمات في المراحل الأولى لنشوئها يسهل عملية التأثير ووضع البصمات، وفرض الرؤية وغرس القيم في الجماعة، إذ أن الثقافة تنشأ بفعل التفاعلات والممارسات والخبرات التي يمر بها العاملون، والتي يرون أنها سلوكيات يتم مكافأتها، فتتعزز بإعتبارها طريقة لإكتساب مزيد من المزايا والمنافع.
تتكون الثقافة التنظيمية من عدة مصادر, ويذكر Jones أن تكوين الثقافة يأتي من أربعة مصادر:
1- خصائص العاملين:
إن لخصائص العاملين أثراً في تكوين الثقافة التنظيمية, إذ أن المنظمة تختار وتعين وتحتفظ بالذين يتشاركون معها في القيم التي تؤمن بها. وبمرور الزمن فإن الذين يعارضون قيم المنظمة يتركون العمل، وبذلك فإن الذين يستمرون في العمل هم الذين يتفقون مع الثقافة التنظيمية السائدة ليصبحوا أكثر تقارباً من بعضهم في معتقداتهم, وأكثر بعداً عن المنظمات الأخرى في هذا المجال.
2- أخلاقيات المنظمة:
معظم القيم الثقافية للمنظمة تستمد من شخصية المؤسسين ومعتقداتهم والإدارة العليا. وتقوم المنظمات بتطوير قيم أخلاقية معينة وتحديد ما السلوك الأخلاقي وغير الأخلاقي, للتحكم في سلوك أعضائها من خلال تعاملهم مع بعضهم ومع الأطراف المعنية بالمنظمة.
3- نظام حقوق الملكية:
تقوم المنظمة بتحديد حقوق كل موظف ومسؤولياته, إذ ينتج عن ذلك وجود الأعراف والقيم والإتجاهات، إذ تمنح الإدارة العليا حقوق ملكية كبيرة, لأنه قد تم إعطاؤهم مقداراً كبيراً من موارد الشركة كالرواتب والإمتيازات الأخرى، والعاملون الآخرون لديهم حقوق ملكية تتعلق بأجورهم وحق التوظيف مدى الحياة والإشتراك في الأرباح، ومقابل ذلك هم مسؤولون عن مهامهم. وبذلك فإن توزيع حقوق الملكية يؤثر في القيم التي تحدد سلوك الفرد. حيث أن محاولة تخفيض هذه الحقوق قد يؤدي إلى عدم الرضا ومن ثم إلى ترك العمل، وبالمقابل فإن زيادة حقوق الملكية يشجع العاملين على الإهتمام بالعملاء وعلى الإبداع والولاء التنظيمي.
4- الهيكل التنظيمي:
يمكن للهيكل التنظيمي أن يعزز القيم الثقافية, التي تشجع التكامل والتنسيق الجيد. وهناك كثير من الأعراف والقواعد التي تساعد على تخفيض مشكلات الإتصال وتمنع تشويش المعلومات وتسرع من تدفقها.
ويمكن القول بأن الآليات الرئيسة لتشكيل الثقافة التنظيمية هي:[2]
1- إختيار الموظفين:
تعتبر عملية إختيار الموظفين خطوة رئيسة في تشكيل الثقافة التنظيمية, ذلك أنه ومن خلال عملية الإختيار يتم التعرف على الأفراد الذين ترى المنظمات أن لديهم مجموعة من الصفات والأنماط السلوكية، والخلفيات الثقافية، والإستعدادات والتوجهات المناسبة لها. فعملية التعيين تعني في نهاية الأمر إختيار الأشخاص الذين يتفقون مع قيم المنظمة.
2- الممارسات الإدارية:
رغم أهمية القيم المعلنة، إلا إن الممارسات تبقي الإختيار الحقيقي لطبيعة الثقافة التنظيمية السائدة, إذ يتضح ومن خلال الممارسات أنواع السلوك التي يتم قبولها والسلوكيات التي يتم إستنكارها ومعاقبتها, ويشكل ذلك مؤشرات واضحة للعاملين, فقد ترفع المنظمة شعارات تفيد أنها تتبنى ثقافة تنظيمية تكافئ الأمانة والإنجاز، وتتبنى قيم المساءلة والشفافية.
ولكن ومن خبرة وواقع الممارسة اليومية يكتشف العاملون, أن الإدارة لا تطبق إلا عكس ما تدفعه من شعارات, حيث تتم الترقيات والحوافز، لمن لهم وساطات وعلاقات خاصة مع الرؤساء، وأن كثيراً من الممارسات الخاطئة والمخالفة للقانون لا يتم محاسبة الذين يقومون بها، بل يحصل العكس، إذ إن الذين يلتزمون بالقوانين والتعليمات ولا يتجاوزونها يصنفون بأنهم تقليديون ومعوقون, وبالتالي يحسب ذلك نقاط قصور عليهم، ولو لم يكن ذلك بشكل واضح, ويجرى التكتم على الممارسات الخاطئة، ويتم تزيين المعلومات غير الصحيحة لوسائل الإعلام بهدف رسم صورة جيدة، ولكن مغايرة لما هو موجود فعلاً. إن مثل هذه الممارسات هي التي تشكل الثقافة التنظيم ية ، وليس الشعارات والسياسات التي لا تطبق.[3]
3- التنشئة والتطبيع:
يلزم لتثبيت الثقافة التنظيمية المطلوبة لدى العاملين, أن تهتم المنظمات, وبعد إختيارها للمرشحين المناسبين للتعيين بعملية التدريب, فالتدريب هو نوع من التطبيع الإجتماعي, يتعلم من خلاله الموظفون الكثير عن المنظمة وأهدافها وقيمها, وما يميزها عن المنظمات الأخرى.
وغالبا ما يتم ذلك من خلال دورات تدريبية توجيهية، حيث تستمر مثل هذه الدورات ساعات أو أياما حسب نوعية وحجم المنظمة. ومن الضروري في هذه الدورات التي يجب أن تبدأ حال تعيين الموظفين، أن يتعرف الموظفون من خلالها على حقوقهم وواجباتهم ومزايا عملهم, حتى يكونوا أقدر على التمشي مع القيم الثقافية السائدة.
كما ويوجد ثلاثة عوامل رئيسة تلعب دورا كبيرًا في المحافظة والبقاء على ثقافة المنظمة:[4]
1- الإدارة العليا:
إن ردود فعل الإدارة العليا تعتبر عاملا مؤثرًا على ثقافة المنظمة من خلال القرارات التي تتخذها، فإلى أي مدى تلتزم الإدارة العليا بالسلوك المنتظم من خلال إستخدام لغة واحدة, ومصطلحات وعبارات و طقوس مشتركة، وكذلك المعايير السلوكية والتي تتضمن التوجهات حول العمل وفلسفة الإدارة العليا في كيفية معاملة العاملين وسياسة الإدارة تجاه الجودة والغياب، وكذلك سياستها حول تنفيذ القواعد والأنظمة والتعليمات. فإذا ما حافظت الإدارة العليا على سياساتها وفلسفتها في جميع النواحي التي تخص المنظمة ككل, فإن هذا سيؤثر على ثقافة المنظمة.
2- إختيار الموارد البشرية:
تلعب عملية جذب العاملين وتعيينهم دورًا كبيرًا في المحافظة على ثقافة المنظمة، والهدف من عملية الإختيار هو تحديد وإستخدام الأفراد الذين لديهم المعرفة و الخبرات والقدرات لتأدية مهام العمل في المنظمة بنجاح، وفي عملية الإختيار يجب أن يكون هناك مواءمة بين المهارات والقدرات والمعرفة المتوفرة لدى الفرد مع فلسفة المنظمة وأفرادها.
بمعنى آخر؛ أن لا يكون هناك تناقض بين الأفراد في المنظمة, من أجل المحافظة على ثقافة المنظمة لأنه قد يتأثر الأداء و الفاعلية في المنظمة, بسبب تأثير الأفراد الجدد والذين يحملون ثقافة لا تتناسب مع ثقافة أفراد المنظمة الحاليين.
3- المخالطة الإجتماعية:
عند إختيار عناصر جديدة في المنظمة, فإن هذه العناصر لا تعرف ثقافة المنظمة, وبالتالي؛ يقع على عاتق الإدارة أن تعرف الموظفين الجدد على الأفراد العاملين وعلى ثقافة المنظمة, وهذا أمر ضروري حتى لا يتغير أداء المنظمة.
أما كون المنظمة تصبح فاعلة إجتماعياً، فإن ذلك يعتمد على تصرف وسلوك أعضائها ونظامها داخل المجتمع, وذلك عبر قيمها ومعتقداتها ومبادئها. ويتطلب الأمر في بعض الأحيان من الأعضاء التخلي عن بعض مبادئهم كثمن لإنضمامهم للمنظمة.
الإنخراط إجتماعياً ليس قاصراً على الأفراد فقط, بل أيضاً المنظمات بأكملها تتعرض لمثل ذلك الصراع, إذا أدخلت نظماً جديدة أو تخطت حدود عملها ومجالها لمجالات جديدة أو مناطق أخرى, فيكون هناك قلق وعدم إستيعاب لما هو جديد.
لذلك فإن ضرورة الإنخراط إجتماعياً تكون في حالة دخول عضو جديد، أو ترقية، أو تخطي لحدود ونظام المنظمة. مثلاً: الإلتزام بالزى الموحد للمنظمة نوع من أنواع التطبع الإجتماعي، وعلى سبيل المثال؛ الشرطة والجيش والدورات التدريبية التي تعقد للموظفين نوع من التطبيع الإجتماعي.
هناك بعض المنظمات تترك الانخراط في مجتمعها للصدفة, أي: يتعلم الموظف الجديد من زملائه ورؤسائه. وهذا النوع من المنظمات يكون بعيداً عن أمر الإنسجام بين أعضائها، لكن سرعان ما تظهر الخلافات عندما يقرر أمر التطوير أو الترقية والتطلع إلى الأفضل. ذلك لأن الذين لم ينخرطوا إجتماعياً في المنظمة لن يقبلوا ما هو جديد ويحدث الإستقالات. فقط في المنظمات التي إهتمت بتطوير أعضائها إجتماعياً هي التي تنجح في إحداث التغير دون فاقد وظيفي أو خسارة.[5]
[1] - Jones, Gareth R, Organizational Theory, Design, and Change, 5th Ed., New Jersey, Pearson Prentice-Hall Inc. 2007., Figure 7-2
[2] - محمد القريوتي، دراسة السلوك الإنساني الفردي والجماعي في المنظمات المختلفة، مرجع سابق, ص: 163.
[3] - ماجده العطية، سلوك المنظمة: سلوك الفرد والجماعة, مرجع سابق, ص: 388.
[4] - محمود سليمان العميان، السلوك التنظيمي في منظمات الأعمال، مرجع سابق, ص: 319.
[5] - منصور بن ماجد آل سعود، الثقافة التنظيمية وعلاقتها بالسلوك القيادي في الإدارة المحلية بالمملكة العربية السعودية، مرجع سابق, ص: 23.