خصائص الثقافة التنظيمية.
تتصف الثقافة التنظيمية بمجموعة من الخصائص التي تستمدها من خصائص الثقافة العامة من ناحية، ومن خصائص المنظمات الإدارية من ناحية أخرى. ويمكن تحديد خصائص الثقافة التنظيمية بالآتي:
1- الإنسانية:
على الرغم من أن الدوافع الفطرية للمجتمع تجعل الإنسان لا ينفرد بتكوين المجتمعات، إلا أن الإنسان بقدرته العقلية على الإبتكار، والتعامل مع الرموز وإختراع الأفكار التي من شأنها إشباع حاجاته وتحقيق تكيفه مع بيئته، وإنتقاء القيم والمعايير التي تحدد سلوكه, أصبح الكائن الوحيد الذي يصنع الثقافة ويبدع عناصرها, ويرسم محتواها عبر العصور، والثقافة بدورها تصنع الإنسان وتشكل شخصيته. ويعتبر العنصر الإنساني هو المصدر الرئيس للثقافة، وبدونه لا تكون هناك ثقافة.[1]
والثقافة التنظيمية لها سمة الإنسانية, فهي تتشكل من المعارف والحقائق والمدارك والمعاني والقيم, التي يأتي بها الأفراد إلى التنظيم، أو التي تتكون لديهم خلال تفاعلهم مع التنظيم.[2]
2- الإكتساب والتعلم:
الثقافة ليست غريزة فطرية, ولكنها مكتسبة من المجتمع المحيط بالفرد، فلكل مجتمع إنساني ثقافة معينة محددة ببعد زماني وآخر مكاني، والفرد يكتسب ثقافته من المجتمع الذي يعيش فيه، والأوساط الإجتماعية التي ينتقل بينها سواء في الأسرة أم المدرسة أم منظمة العمل. ويتم إكتساب الثقافة عن طريق التعلم المقصود أو غير المقصود، ومن خلال الخبرة والتجربة، ومن خلال صلاته وعلاقاته وتفاعله مع الآخرين.[3]
وتكتسب الثقافة, من خلال التفاعل والإحتكاك بين الأفراد في بيئة معينة، وقد تكتسب الثقافة في المدرسة والعمل، وعندما يكتسبها الفرد في المنظمة تصبح جزءًا من سلوكه، ومن خلالها نستطيع التنبؤ بسلوك الأفراد معتمدين على ثقافتهم.[4]
والثقافة التنظيمية مكتسبة من خلال تفاعل الفرد في المنظمة بعامة أو في أي قسم أو إدارة منها بصفة خاصة، فيتعلم من رؤسائه ومن قادته أسلوب العمل، والمهارات اللازمة للعمل، والطريقة التي يتعاون بها مع زملائه، ومن خلال هذا التفاعل يكتسب الأفكار والقيم وأنماط السلوك المختلفة, التي يشبع من خلالها طموحاته, ويحقق من خلالها أهدافه وأهداف المنظمة.[5]
3- الإسـتمرارية:
تتسم الثقافة بخاصية الإستمرار, فالسمات الثقافية تحتفظ بكيانها لعدة أجيال, رغم ما تتعرض له المجتمعات أو المنظمات الإدارية من تغيرات مفاجئة أو تدريجية.[6]
وعلى الرغم من فناء الأجيال المتعاقبة، إلا أن الثقافة تبقى من بعدهم لتتوارثها الأجيال، ويتناقلها الأبناء عن الآباء والأجداد، وتصبح جزءًا من ميراث الجماعة. ويساعد على إستمرار الثقافة قدرتها على الإشباع، وإراحتها للنفس، وإرضاؤها للضمير، وإشعار الفرد بأنه مقبول في الجماعة.[7]
بجانب تزويد الأفراد بالحد الأدنى من التوازن, وهذا الإشباع هو الذي يدعم إستمرار العادات والتقاليد وطرق التفكير والأنماط السلوكية، ويؤدي الإشباع إلى تدعيم القيم والخبرات والمهارات. وعلى الرغم من تواجد الثقافة التنظيمية لدى الأفراد, إلا أنها تستمر في تأثيراتها على إدارة المنظمات الإدارية, حتى بعد زوال جيل من العاملين، وذلك لإنتقالها من جيل إلى آخر, متى كانت قادرة على إشباع حاجات العاملين، وتحقيق أهداف المنظمة التي يعملون فيها. ويترتب على إستمرار الثقافة تراكم السمات الثقافية وتشابكها وتعقدها.[8]
4- التراكمية:
يترتب على إستمرار الثقافة تراكم السمات الثقافية خلال عصور طويلة من الزمن، وتعقد وتشابك العناصر الثقافية المكونة لها، وإنتقال الأنماط الثقافية بين الأوساط الإجتماعية المختلفة. وتختلف الطريقة التي تتراكم بها خاصية ثقافية معينة على الطريقة التي تتراكم بها خاصية ثقافية أخرى, فاللغة تتراكم بطريقة مختلفة عن تراكم التقنية، والقيم التنظيمية تتراكم بطريقة مختلفة عن تراكم أدوات الإنتاج، بمعنى أن الطبيعة التراكمية للثقافة تلاحظ بوضوح العناصر المادية للثقافة, أكثر منها في العناصر المعنوية للثقافة.[9]
5- الإنتقائية:
أدى تراكم الخبرات الإنسانية, إلى تزايد السمات الثقافية والعناصر المكونة لها بصورة كثيرة ومتنوعة تعجز معها الأجيال البشرية عن الإحتفاظ بالثقافة في ذاكراتها كاملة. وهذا فرض على كل جيل أن يقوم بعمليات إنتقائية واسعة من العناصر الثقافية التي تجمعت لديه بقدر ما يحقق إشباع حاجاته وتكيفه مع البيئة الإجتماعية والطبيعية المحيطة بها. حيث أن المجتمع الإنساني, يتميز بقدرته على إنتقاء الخبرة من رصيدها المتراكم عبر الأجيال, مكونًا بها رأس المال الذي يتعامل به الإنسان في إنتقاله من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الرجولة الإجتماعية.[10]
ومما لا شك فيه, أن الخبرات التي مرت بها المنظمات الإدارية, تشكل تراكماً ثقافياً يخضع لعمليات إنتقاء للعناصر الثقافية التي يتأثر بها القادة، والعاملون في تلك المنظمات. فكل قائد ينتقي من العناصر الثقافية, ما يزيد من قدرته على التكيف والتوافق مع الظروف المتغيرة, التي تواجه المنظمة التي يعمل فيها.[11]
6- القابلية للإنتشار:
يتم إنتقال العناصر الثقافية بطريقة واعية داخل الثقافة نفسها, من جزء إلى أجزاء أخرى، ومن ثقافة مجتمع إلى ثقافة مجتمع آخر، ويتم الإنتشار مباشرة عن طريق إحتكاك الأفراد والجماعات بعضها ببعض داخل المجتمع الواحد، أو عن طريق إحتكاك المجتمعات بعضها ببعض. وهذا الإنتشار يكون سريعًا وفعالا عندما تحقق العناصر الثقافية فائدة للمجتمع, وحينما تلقى قبولا واسعًا من أفراد المجتمع, لقدرتها على حل بعض مشكلاتهم أو إشباع بعض حاجاتهم. وبصفة عامة تنتشر العناصر المادية للثقافة بسرعة أكبر من إنتشار العناصر المعنوية لها.[12]
وتنتشر الثقافة التنظيمية بين المنظمات الإدارية, وداخل الوحدات الإدارية بالمنظمة الواحدة، كما أن إنتقال الهياكل التنظيمية والإجراءات والأنماط القيادية, يتم بصورة أسرع من إنتقال المفاهيم والإتجاهات والعادات السلوكية وغيرها, مما يتصل بأنماط السلوك التنظيمي.
7- التغـير:
تتميز الثقافة بخاصية التغير, إستجابة للأحداث التي تتعرض لها المجتمعات, وتجعل من الأشكال الثقافية السائدة غير مناسبة لإشباع الإحتياجات التي تفرضها التغيرات الجديدة، فيحدث التغير الثقافي بفضل ما تضيفه الأجيال إلى الثقافة من خبرات وأنماط سلوكية، وبفضل ما تحذفه من أساليب وأفكار وعناصر ثقافية غير قادرة على تحقيق التكيف للمجتمع.[13]
وتتأثر بالتغييرات البيئية والتكنولوجية، ولكن عملية تغييرها تواجه صعوبة في كثير من الأحيان, لأن الفرد تعود على سلوك معين وعلى قوانين وأنظمة معينة.[14]
ويحدث التغير في كافة العناصر الثقافية مادية ومعنوية، غير أن إقبال الأفراد والجماعات, وتقبلهم للتغير في الأدوات والأجهزة والتقنيات, ومقاومتهم للتغير في العادات والتقاليد والقيم, يجعل التغير الثقافي يحدث بسرعة في العناصر المادية للثقافة، وببطء شديد في العناصر المعنوية للثقافة, مما يتسبب في حدوث ظاهرة التخلف الثقافي.[15]
9- نظام مركب:
يتكون من مجموعة من العناصر تتفاعل مع بعضها البعض, وتشمل الثقافة كنظام مركب العناصر الثلاثة التالية: الجانب المعنوي ( النسق المتكامل من القيم والأخلاق والمعتقدات والأفكار)، الجانب السلوكي (عادات وتقاليد أفراد المجتمع، والآداب والفنون)، والجانب المادي ( كل ما ينتجه أعضاء المجتمع من أشياء ملموسة, كالمباني والأدوات).[16]
8- التكامل:
تميل المكونات الثقافية إلى الإتحاد والإلتحام, لتشكل نسقًا متوازنًا ومتكاملا مع السمات الثقافية, ليحقق بنجاح عملية التكيف مع التغيرات المختلفة التي تشهدها المجتمعات.[17]
بحيث إن أي تغير يطرأعلى أحد جوانب نمط الحياة, ينعكس أثره على باقي مكونات النمط الثقافي.[18]
ويستغرق التكامل الثقافي زمنًا طويلا، ويظهر بشكل واضح في المجتمعات البسيطة والمجتمعات المنعزلة، حيث يندر تعرض ثقافاتها إلى عناصر خارجية دخيلة, تؤثر فيها أو تتأثر بها، في حين يقل ظهور التكامل في ثقافة المجتمعات الحركية المنفتحة على الثقافات الأخرى، حيث تساعد وسائل الإتصال، ووسائل الإعلام في إنتشار العناصر الثقافية من جماعة لأخرى، ويؤدي ذلك إلى إحداث التغير الثقافي, وفقدان التوازن والإنسجام بين عناصر الثقافة، وبصفة عامة فإن التكامل الثقافي لا يتحقق بشكل تام, لأن المجتمعات معرضة لإحداث ذلك التكامل.[19]
هذه مجموعة الخصائص الأساسية, التي تشترك فيها الثقافة الإنسانية رغم تنوعها. وعلى الرغم من أن الثقافة التنظيمية تتفق مع تلك الخصائص, إلا أنها لها بعض السمات التي تميزها بإعتبارها ثقافة فرعية للمنظمات الإدارية, تشكل مدارك العاملين والمديرين، وتزودهم بالطاقة الفاعلة وتحدد أنماط سلوكهم. وتنفرد الثقافة التنظيمية بالخصائص التالية:[20]
- أنها توجد في المنظمات الإدارية بشكل يماثل الثقافة المجتمعية.
- أنها تتمثل في القيم، والمعتقدات، والإدراكات، والمعايير السلوكية، وإبداعات الأفراد، وأنماط السلوك.
- أنها الطاقة التي تدفع أفراد المنظمة للعمل، والإنتاجية.
- أنها الهدف الموجه، والمؤثر في فاعلية المنظمة.
[1] - محمود سليمان العميان، السلوك التنظيمي في منظمات الأعمال، مرجع سابق, ص: 310.
[2] - ott، S. J., The Organizations Culture Perspective، Chicago: Dorsey Pres, 1989, P: 46.
[3] - سامية حسن الساعاتي, الثقافة الشخصية: بحث في علم الاجتماع الثقافي، دار الفكر العربي, القاهرة, مصر, 1998م, ص: 74.
[4] - محمود سليمان العميان، السلوك التنظيمي في منظمات الأعمال، مرجع سابق, ص: 310.
[5] - محمد بن غالب العوفي, الثقافة التنظيمية وعلاقتها بالإلتزام التنظيمي: (دراسة ميدانية على هيئة الرقابة والتحقيق بمنطقة الرياض), مرجع سابق, ص: 15.
[6] - عبد الله جلبي، المجتمع والثقافة والشخصية، دار المعرفة الجامعية, الإسكندرية, مصر, 1996م, ص: 73.
[7] - محمود سليمان العميان، السلوك التنظيمي في منظمات الأعمال، مرجع سابق, ص: 310.
[8] - زكي محمد إسماعيل، الإنثروبولوجيا الثقافية، دار الثقافة, الدوحة, 1982م, ص: 145.
[9] - سامية حسن الساعاتي, الثقافة الشخصية: بحث في علم الاجتماع الثقافي، دار الفكر العربي, القاهرة, مصر, 1998م, ص: 93.
[10] - محمود قمبر، وآخرون, دراسات في أصول الثقافة، دار الثقافة, الدوحة, 1989م, ص: 133.
[11] - آدم غازي العتيبي, أثر الولاء التنظيمي والعوامل الشخصية على الأداء الوظيفي لدى العمالة الكويتية والعمالة العربية الوافدة في القطاع الحكومي في دولة الكويت, المجلة العربية للعلوم الإدارية، جامعة الكويت، المجلد الأول, العدد الأول، 1999م, ص: 24.
[12] - زكي محمد إسماعيل، الإنثروبولوجيا الثقافية، مرجع سابق, ص: 95.
[13] - سامية حسن الساعاتي, الثقافة الشخصية: بحث في علم الاجتماع الثقافي، مرجع سابق, ص: 93.
[14] - محمود سليمان العميان، السلوك التنظيمي في منظمات الأعمال، مرجع سابق, ص: 310.
[15] - عبد الله جلبي، المجتمع والثقافة والشخصية, مرجع سابق, ص: 57.
[16] - مصطفى محمود أبو بكر, الموارد البشرية مدخل تحقيق الميزة التنافسية, الدار الجامعية للطبع والنشر والتوزيع، الإسكندرية, مصر, 2008م, ص: 83.
[17] - زكي محمد إسماعيل، الإنثروبولوجيا الثقافية، مرجع سابق, ص: 38.
[18] - هدى جواد محمد بدر, واقع الثقافة التنظيمية وإنعكاساتها في فاعلية بلديات محافظتي الخليل وبيت لحم, مرجع سابق, ص: 42.
[19] - عبد الله جلبي، المجتمع والثقافة والشخصية، دار المعرفة الجامعية, الإسكندرية, مصر, 1996م, مرجع سابق, ص: 76.
[20] - ott، S. J., The Organizations Culture Perspective، Chicago: Dorsey Pres, 1989, P: 50.