|
إن العالم الذي نحيا فيه هو العالم الذي نختار بأنفسنا الحياة فيه، سواء كان هذا الاختيار شعورياً أو لا شعورياً. فإذا اخترنا السعادة فسنحصل عليها، وإذا ما اخترنا البؤس فسنحصل عليه أيضاً. فالاعتقاد هو أساس التفوق، وتعد معتقداتنا مداخل تنظيمية متسقة نحو الإدراك، وهي تمثل اختياراتنا الأساسية بالنسبة لكيفية إدراكنا لحياتنا، ومن ثم، كيف نحيا هذه الحياة؟ وهل تمثل كيفية تشغيل وإغلاق المرء فمه؟ لذا، فإن الخطوة الأولى على فريق التفوق هي إيجاد المعتقدات التي ترشدنا إلى تحقيق النتائج التي نرجوها. والطريق إلى النجاح يتكون من معرفتك نتائج أعمالك، وأن تقوم بعمل، وأن تعرف النتائج التي تحصل عليها من هذا العمل، وأن تتمتّع بالمرونة والقابلية للتغيير حتى تحقّق النجاح. ويصدق هذا على المعتقدات، فلا بد أن تجد المعتقدات التي تؤيد النتائج التي ترجوها، وهي المعتقدات التي تصل بك إلى ما تريد. وإذا لم تقم معتقداتك بهذا الدور، فعليك حينئذ أن تتخلى عنها وتجرّب شيئاً جديداً. وفي بعض الأحيان، يشعر الناس بالإحباط عندما نتكلم عن "أكاذيب" النجاح. ومن يريد أن يحيا على الأكاذيب؟ ولكن، كل ما أعنيه هو أننا لا ندرك حقيقة العالم، فنحن لا نعلم إذا كان الخط مقعراً أو محدباً. ولا ندري إذا كانت معتقداتنا صحيحة أم خاطئة. ولكن الذي نريد معرفته ما إذا كانت هذه المعتقدات ذات فاعلية، بمعنى: إذا كانت تؤيّدنا، وتجعل حياتنا أكثر قيمة، أو تجعلنا أناساً أفضل، أو تساعدنا وتساعد الآخرين. وتستخدم كلمة "أكاذيب" لتذكرنا دائماً بأننا لا نعرف على وجه التعيين والدقة حقيقة الأشياء. فطالما نعرف - على سبيل المثال - أن الخط مقعراً، فإننا حينئذ لن نكون قادرين على رؤيته كخط محدب. وكلمة أكذوبة لا تعني "أن تكون مخادعاً أو غير أمين" بل على العكس، فهي طريقة مفيدة لتذكرنا إنه ينبغي علينا أن نتقبّل الاحتمالات الأخرى ونتقبّل التعلم المستمر، دون النظر إلى مدى إيماننا بفكرة ما. وأنا أقترح عليك أن تلقي نظرة على هذه المعتقدات السبعة، وتقرّر ما إذا كانت مفيدة لك. وليس معنى هذا إنه لا توجد معتقدات غيرها فعّالة للنجاح، إنما هي مجرد بداية، وأودّ لو أنك حاولت الانتفاع بها.
المعتقد الأول:
كل شيء يحدث له علّة وغرض، وهذا الشيء مفيد لنا. فالناجحون لديهم مقدرة عجيبة على التركيز على كل ما هو ممكن في أحد المواقف، والتركيز على النتائج الإيجابية التي يمكن أن يسفر عنها هذا الموقف. فهؤلاء الرجال يفكرون بالنظر إلى الإمكانيات دون النظر إلى مقدار ما ترسب في نفوسهم من سلبيات بيئتهم. وهم يظنّون أن كل شيء يحدث لعلّة، وهذا الشيء مفيد لهم. وهم يعتقدون أن كل محنة تحمل في طياتها بذرة منفعة تضاهي هذه المحنة أو تفوقها، فالأشخاص الذين يحققون نتائج متميزة إنما يفكرون بهذه الطريقة. تدبّر الأمر في حياتك الخاصة، وستجد أن هناك عدداً غير محدود من طرق الاستجابة لأي موقف. لنقل إن شركتك أخفقت في الحصول على تعاقد كنت تعتمد عليه، وهو عقد كنت على يقين أنك جدير به. حتماً سيتأذى بعضنا ويصيبهم الإحباط، وربما نجلس في البيت والهم يملؤنا، وربما سيصيب بعضنا الجنون. وربما نلوم الشركة التي منحت العقد متصورين أنها عصبة من الأفراد الجاهلين، أو ربما نلوم رجالنا أنفسهم لأنهم أضاعوا شيئاً مضموناً. قد يؤدي ذلك كله إلى التخفيف من حدّة غضبنا، ولكنه لا يساعدنا، ولا يقربنا من تحقيق نتيجتنا المرجوّة. ويتطلب الأمر الكثير من التدريب لكي تكون قادراً على اقتفاء أثر خطاك، وتعلم الدروس المؤلمة، وإصلاح ما أفسده الدهر، وتأمل الإمكانيات الجديدة تأملاً جيداً. ولكن، هذه هي الطريقة الوحيدة للحصول على نتيجة إيجابية من الشيء الذي نتيجته سلبية. خذ من وقتك دقيقة لتفكّر في معتقداتك مرة ثانية. هل تتوقع - بشكل عام - أن تحقق الأمور نجاحاً كبيراً أم نجاحاً ضئيلاً؟ هل تتوقع أن تنجح أقصى جهودك، أم أنك تتوقع أنها ستواجه العقبات؟ وهل ترى احتمالات النجاح في أحد المواقف، أم ترى العقبات؟ وعادة ما يركزّ الكثير من الناس على الجانب السلبي أكثر من تركيزهم على الجانب الإيجابي، والخطوة الأولى نحو تغيير ذلك تتمثل في الاعتراف بواقع الأمر. فالإيمان بالحدود يخلق رجالاً ذوي قدرات محدودة، ويمكن الحل في التحرر من هذه القيود، والعمل استناداً إلى مجموعة من الوسائل الأكثر رفعة، فالزعماء في عرفُنا هم الرجال الذين يرون الإمكانيات، وهم الرجال الذين يرون روضة غنية في جوف الصحراء المقفرة. أهذا مستحيل؟، إنك أن كنت تمتلك إيماناً قوياً بالإمكانية، فمن المرجح أنك سوف تتمكن من تحقيقها.
المعتقد الثاني:
لا يوجد شيء اسمه الفشل، إنما هناك نتائج فقط، يكاد يكون هذا المعتقد نتيجة طبيعية للمعتقد الأول، ولكنه يضاهيه في أهميته. لقد تعودت عقول معظم الناس في ثقافتنا على الخوف من شيء اسمه الفشل، ومع ذلك، فبإمكاننا جميعاً أن نذكر أوقاتاً كنا نبغي فيها شيئاً ونحصل على شيء آخر، فكلنا رسبنا في أحد الامتحانات، وعانينا من قصة حب فاشلة، أو أعددنا خطة خاصة بالعمل ولم نحقق شيئاً غير الفشل الذريع. ودائماً ما ينجح الناس في تحقيق بعض النتائج. وأعظم الناس نجاحاً في ثقافتنا ليسوا رجالاً لم يصبهم الفشل، إنما هم رجال يعرفون أنهم إذا جربوا شيئاً ولم يحقق النتائج المرجوة، فإنهم بذلك يكونون قد مروا بتجربة يتعلمون منها، فيستخدمون ما تعلموا ويجربون شيئاً آخر، ويقومون بأفعال جديدة، ويحققون بعض النتائج الجيدة. فكّر في الأمر مليّاً: هي الثمرة أو المنفعة التي حققتها اليوم ولم تحققها في الأمس؟ ستكون الإجابة بالطبع هي: الخبرة. فأولئك الذين يخشون الفشل يخلقون في داخلهم- مقدماً - تصوّرات للأشياء التي لن تؤتي ثمارها. وهذا بالضبط ما يمنعهم من اتخاذ التصرف الذي يمكنهم من تحقيق رغباتهم. فهل تخشى أنت من الفشل؟ حسناً، ما هو رأيك في التعلم.؟ في مقدورك أن تتعلم من كل التجارب الإنسانية، وبذلك يمكنك أن تنجح دائماً في كل ما تفعله. يقول مارك توين: "ليس هناك مشهد أكثر حزناً من شاب متشائم" وهو محق كل الحق فيما قال، فأولئك الذين يؤمنون بالفشل يحكمون على أنفسهم بحياة دون المستوى. فالفشل شيء لا يعرفه العظماء، فهم لا يمعنون النظر فيه، ولا يصنعون عواطف سلبية على الأشياء غير المفيدة. هناك قصة شهيرة عن "توماس إديسون" فنجد 9999 محاولة فاشلة لتحسين المصباح الكهربائي، سأله أحد الأشخاص قائلاً: "هل تعتزم أن تفشل للمرة رقم عشرة آلاف؟ فأجاب إديسون قائلاً: "إنني لم أخفق، إنما اكتشفت طريقة أخرى لاختراع المصباح الكهربائي" لقد اكتشف أديسون كيف أن مجموعة أخرى من الأفعال حققت نتيجة مختلفة. "إن شكوكنا خوانة لنا، فهي تفقدنا الخير الذي يمكننا أن نحظى به من خلال خوفنا من المحاولة".(ويليام شكسبير). كل الظافرين والزعماء والأساتذة - وهم أناس يتمتعون بقوة شخصية - يدركون أنك إذا جرّبت شيئاً ولم تحصل على النتيجة التي ترجوها، فيجب عليك أن تستخدم تلك المعلومات من أجل إيجاد الخصائص الأكثر تحديداً لما ينبغي عليك فعله من أجل تحقيق النتائج المرجوة. "كل ما تعلمته البشرية إنما كان نتيجة للتجربة والخطأ، لقد تعلّم البشر من خلال الخطأ وحده". ونحن نتعلم أحياناً من أخطائنا، وفي أحيان أخرى، نتعلم من أخطاء الآخرين. خذ من وقتك دقيقة لتتأمل ما تسميه. "حالات الفشل" الخمس الكبرى التي مرت بك في حياتك. ما الذي تعلمته من تلك التجارب؟ من المرجح أن تلك التجارب كانت أنفع الدروس التي تعلمتها في حياتك. فكّر في التعبير المجازي لدفّة السفينة: فعندما يتم تحريك دفّة السفينة إلى أحد الجوانب، فإن السفينة عادة، تأخذ في الدوران على غير مراد قائد الدفّة، فيتعين عليه تصحيح هذا الدوران بتحريك الدفّة إلى اتجاهها الأول في عملية لا تنتهي من الفعل ورد الفعل، ولا تنتهي من التعديل والتصحيح، تصوّر هذا الوضع في مخيلتك: قائد دفّة يوجه سفينة نحو وجهتها في بحر هادئ الأمواج من خلال التغلب على آلاف المرّات من انحرافها عن مسارها، وهذا الانحراف أمر حتمي. يا لها من صورة جميلة! إنها نموذج رائع لعملية العيش بنجاح، ولكن معظمنا لا يفكّر بهذه الطريقة، فكل خطأ يلقي بظلاله على وجداننا، وإدراكنا ويعد فشلاً له انعكاساته السيئة علينا. كثير من الناس يلومون أنفسهم لأنهم مفرطو البدانة، وموقفهم هذا تجاه البدانة المفرطة لا يغيّر من الواقع شيئاً، إنما بإمكانهم أن يؤمنوا- بدلاً من ذلك- بحقيقة أنهم نجحوا في تحقيق نتيجة اسمها السمنة الزائدة، وهم الآن في طريقهم نحو تحقيق نتيجة جديدة اسمها النحافة. وسيمكنهم تحقيق هذه النتيجة الجديدة من خلال القيام بأفعال جديدة. وإذا لم تكن على يقين بما عليك فعله من أجل تحقيق هذه النتيجة، فعليك أن تحاكي شخصاً استطاع أن يحقق نتيجة التخلص من البدانة. حاول أن تجد الفعل المعين الذي يقوم به هذا الشخص ذهنياً وبدنيّاً كي يحافظ دائماً على نحافته. قم بنفس الأفعال وستحقق نفس النتائج. وطالما أنك تعتبر وزنك الزائد فشلاً فستعجز عن تحقيق أي نتيجة. ولكن، عندما تعتبر هذا الوزن الزائد نتيجة حققتها فيمكنك - إذاً- أن تتغير الآن، حينئذ سيكون نجاحك مضموناً. ويعدّ الإيمان بالفشل ضرباً من تسميم العقل، فعندما تختزن انفعالات سلبية، فإننا نؤثّر بذلك على وظائفنا وعملية تفكيرنا وحالتنا. ويعدّ الخوف من الفشل واحداً من أصعب العقبات بالنسبة لمعظم الناس. ويطرح الدكتور روبرت فولر - الذي يقوم بتدريس مفهوم تفكير الإمكانية - تساؤلاً وجيهاً: "ما الذي ستحاول فعله إذا ما علمت أنك لن تفشل؟ فكّر في الأمر ملياً. كيف ستجيب على ذلك؟ إنك أن اعتقدت حقاً أنك لن تفشل، فربما تقوم بمجموعة جديدة من الأفعال، وتحقق نتائج مرجوة جديدة وقوية، ألن تكون أحسن حالاً إذا ما جربت ذلك.؟ أوليس ذلك هو الطريق الوحيد للتقدم.؟ لذا، فإنني أقترح عليك أن تدرك من فورك إنه لا يوجد شيء اسمه الفشل، إنما هناك نتائج فقط، وأنت دائماً تحقق نتيجة. وإذا لم تكن هذه النتيجة هي ما ترجوه، فبإمكانك أن تغيّر من أفعالك فقط وستحقق نتائج جديدة. فلتمح كلمة "فشل، ولتصنع دائرة حول كلمة "حصيلة"، والزم نفسك بالتعلم من كل تجربة.
المعتقد الثالث:
تحمّل المسؤولية في كل الظروف. هناك سمة أخرى، يتصف بها الزعماء العظام وأصحاب الإنجازات، وهذه السمة هي عملهم استناداً إلى اعتقادهم بأنهم يصنعون عالمهم. وستكون العبارة التي تتردد على مسامعك مراراً وتكراراً هي "إنني مسؤول، سأتدبر الأمر". وليس من قبيل المصادفة أن تسمع نفس الرأي مرات ومرات، وعادة ما يعتقد صانعو الإنجازات إنه مهما حدث من نتائج - سواء كانت خيراً أم شراً فإنه من صنعهم. وإذا لم تكن أفعالهم سبباً لذلك، فربما كان مستوى واتجاه تفكيرهم هو السبب. ولا يمكن لعالم من العلماء أن يثبت أن أفكارنا تصنع واقعنا، ولكنها أكذوبة مفيدة لنا، وهي اعتقاد يمنحنا القوة. فأنا أؤمن بأننا نصنع تجاربنا الحياتية - سواء من خلال سلوكنا أو أفكارنا- وأنه يمكننا أن نتعلم منها جميعها. وإذا لم تؤمن أنك تصنع عالمك - بنجاحاته وإخفاقاته - فأنت حينئذ واقع تحت رحمة الظروف. فالأمر لا يعد مجرد أشياء تحدث لك، وأنت مجرد مفعول به لا فاعلاً. لذا فإن تحمّل المسؤولية يعد واحداً من أفضل مقاييس قوة الشخص ونضجه ومثالاً للمعتقدات التي تدعم المعتقدات الأخرى، ومثالاً على القدرات التعاونية لنظام متماسك من المعتقدات وإذا لم تكن مؤمناً بالفشل، وإذا كنت تعلم أنك ستحقق النتيجة التي ترجوها، فإنك لن تخسر شيئاً بتحملك المسؤولية، بل ستربح كل شيء، فأنت ستنجح إذا ما كنت في موقع السلطة. ومبدأ المسؤولية هذا ينطبق على المستوى الشخصي، فقد مرّ معظمنا بتجربة محاولة التعبير عن عاطفة إيجابية لشخص آخر، فنحن نحاول أن نخبر شخصاً أننا نحبه أو أننا نفهم المشكلة التي تواجهه، وبدلاً من تلقّي تلك الرسالة الإيجابية، فإنه يتلقى أخرى سلبية، فيشعر بالانزعاج أو العداء، وعادة ما تكون استجابتنا أن تنزعج لانزعاجه، أو تحمّله مسؤولية ما يتولد عن ذلك من ضغائن. وهذا هو المخرج السهل ولكنه ليس دائماً الأكثر حكمة. والحقيقة هي أن تخاطبك ربما يكون هو المحفّز لذلك، ومع ذلك، فبإمكانك تحقيق النتيجة التخاطبية التي ترجوها إذا ما تذكرت النتيجة التي تريد الحصول عليها، ألا وهي السلوك الذي تريد إيجاده، والأمر متروك لك أن تغيّر سلوكك، ونبرة صوتك، وتعبيرات وجهك.. الخ.. إن مغزى التخاطب هو الاستجابة التي تتلقاها. ومن خلال تغييرك لأفعالك يمكنك أن تغيّر تخاطبك. ومن خلال تحمّل المسؤولية، فإنك تحتفظ بالقوّة التي تمكّنك من تغيير النتيجة التي تحققها.
المعتقد الرابع:
ليس من الضروري أن تفهم كل شيء كي تكون قادراً على استخدام كل شيء. هناك الكثير من الناجحين ممن يحيون مقتنعين معتقداً آخر مفيداً، وهم لا يؤمنون بضرورة معرفة كل شيء عن شيء معين كي يستخدمونه. فهم يعرفون كيفية استخدام ما هو جوهري دون أن يشعروا بحاجة إلى معرفة كل كبيرة وصغيرة فيه. وإذا ما درست الأشخاص في موقع السلطة فستجد أن لديهم دراية كافية بأشياء كثيرة، ولكن قليلاً ما يكونون على دراية تامة بكل تفاصيل مشروعاتهم. كما يجب ألاّ ننسى بأن الاقتداء بالآخرين يوفّر للناس شيئاً ثميناً للغاية، ألا وهو الوقت. فمن خلال ملاحظتنا لمن حققوا النجاح كي نكتشف الأفعال المعينة التي يقومون بها من أجل تحقيق النتائج، سنتمكّن من تقليد أفعالهم، وبالتالي الحصول على نتائج مشابهة في وقت أقل بكثير، فالوقت يعدّ شيئاً من الأشياء التي لا يمكن لأحد أن يصنعها لك. ولكن صانعي الإنجازات دائماً ما يتمكنون من الاقتصاد في الوقت. فهم يستخلصون من الموقف جوهره، ويأخذون ما هم في حاجة إليه دون أن يعيروا اهتماماً لما تبقى. ومن الطبيعي إنه إذا أثار فضولهم شيء ما، مثل رغبتهم في فهم كيفية عمل المحرك أو كيفية تصنيع أحد المنتجات، فإنهم يمضون وقتاً إضافياً لأجل التعلم. ولكنهم دائماً على وعي بمقدار ما يحتاجونه، وعلى وعي بما هو جوهري وما هو ليس كذلك. يتميز الرجال الناجحون بقدرتهم الجيدة على التمييز بين ما يلزمهم فهمه وما لا يلزمهم، فهم اكتشفوا بأن هناك توازناً بين الاستخدام والمعرفة.
المعتقد الخامس:
الناس هم أعظم مواردك. كل الأفراد المتفوقين الذين يحققون نتائج باهرة يتمتعون باحترام البشرية وتقديرها، وكانوا يعملون بروح الفريق، ولديهم إحساس بالوحدة والهدف المشترك. فباعتقادهم إنه لا يوجد نجاح دائم دون أن يكون هناك وئام بين فريق العمل، وأن الطريق لنجاحك هو تشكيل فريق ناجح يتعاون فيما بينه. ففي المصانع اليابانية يأكل كل من العمال ورجال الإدارة معاً في نفس المطعم، وكل منهم له دور في تقييم الأداء، ويبيّن نجاحهم المعجزات التي يمكننا تحقيقها عندما نحترم الناس ولا نحاول السيطرة عليهم. فليس هناك موضوع أكثر عموماً وشمولاً في الشركات المتفوقة من احترام الفرد. فالشركات التي حققت نجاحاً هي الشركات التي عاملت الناس باحترام وتقدير لكرامتهم، والشركات التي اعتبرت عامليها كشركاء وليسوا كأدوات. وعند قراءتك لهذا المقال، احتفظ في ذهنك بصورة لقائد الدّفة وهو يعيد تعديل مسار سفينته وهي تسير نحو وجهتها، وهذا هو الحال مع الحياة، فينبغي علينا أن نبقى دائماً متحفزين، وأن نعيد تعديل سلوكنا، ونعيد تقييم أفعالنا كي نتأكد أننا نسير في الاتجاه الذي نبغيه. فأولئك الذين يحققون نجاحاً هم الذين يجيدون قولهم للآخرين: "كيف يمكننا أن نفعل ذلك بشكل أفضل؟ وكيف يمكننا إصلاح هذا، وكيف يمكننا تحقيق نتائج أعظم؟، وهم يعرفون أن رجلاً بمفرده - مهما كانت درجة ذكائه- قد يجد صعوبة بالغة في مواكبة مواهب فريق العمل.
المعتقد السادس:
العمل لعب. هل تعرف أي شخص حقّق نجاحاً كبيراً من خلال قيامه بعمل شيء يكرهه.؟ أنا لا أعرف مثل هذا الشخص. وأرى أن أحد مفاتيح النجاح يكمن في حب ما تعمل. ويوماً ما قال بابلو بيكاسو: "إنني أسترخي عندما أعمل، فالجلوس بلا عمل أو استقبال الضيوف أمر يصيبني بالتعب". وربما ليست لدنيا القدرة على الرسم مثل بيكاسو، ولكن، بمقدورنا جميعاً أن نبذل قصارى جهدنا لإيجاد عمل يبعث فينا النشاط والمتعة. ويمكننا أن نضفي على أي عمل نقوم به كثيراً من الأمور التي نغفلها. ونحن نلعب. وذات يوم، قال مارك توين: "إن سر النجاح يكمن في جعل عطلتك عطلة لك حقاً". يبدو أن هذا هو ما يفعله الناجحون. ونحن نسمع كثيراً عن مدمني العمل في أيامنا هذه. وهناك بعض من الناس أصبح العمل بالنسبة لهم هاجساً مرضياً، فلا يبدو عليهم أي استمتاع بما يعملون، ولكنهم يصلون إلى الدرجة التي لا يمكنهم فيها فعل أي شيء آخر. ويكتشف الباحثون أشياء مدهشة عن مدمني العمل. فهناك بعض من الناس يبدو أنّهم يركزّون على العمل بهوس لأنهم يحبونه، فهو يبعث فيهم روح التحدي، ويملؤهم بالإثارة، ويجعل حياتهم أكثر قيمة، وعادة ما ينظر هؤلاء إلى العمل بنفس الطريقة التي ننظر بها إلى اللعب. فهم يرون العمل وسيلة لتنشيط أنفسهم، ولتعلّم أشياء جديدة، ولاستكشاف آفاق جديدة. هل تعد بعض الأعمال أو الوظائف موصلة إلى هذا أكثر من البعض الآخر؟ هذا صحيح بالطبع، والسبيل هو أن تجد تلك الوظائف. ويعتبر هذا نموذجاً للتقدم المطرد، فإذا ما كان بوسعك أن تجد طرقاً خلاّقة لأداء عملك، فإن هذا سيساعدك على السير نحو العمل الأفضل حالاً. ولكنك إذا ما اعتبرت أن العمل مجرّد كدّ وتعب، وليس إلا وسيلة لكسب العيش، فمن المرجح إنه لن يمثّل شيئاً أكثر من ذلك. لكن في اعتقادي ليس هناك وظيفة ذات طريق مسدود، إنما هناك أناس فقدوا الإحساس بالمسؤولية، هناك أناس مصممون على الإيمان بالفشل وأنا لا أقترح عليك أن تصبح منهم، ولست أعني إنه ينبغي عليك أن تقرّر تكييف عالمك مع عملك. ولكن ما أقترحه هو أنّك ستجعل دنياك أكثر بهجة وعملك أكثر متعة إذا ما جلبت إليه نفس الإثارة والحيوية التي تجلبها إلى اللعب.
المعتقد السابع:
لا يوجد نجاح دائم دون الالتزام. فالأفراد الذين يحققون نجاحاً لديهم إيمان بقوة الالتزام. فلو أن هناك معتقداً واحداً ملازماً للنجاح: فحينئذ: لا يوجد نجاح عظيم بدون التزام شديد. فإذا ما نظرت إلى العظماء في كل مجال فستجد أنهم ليسوا بالضرورة هم الأفضل والأكثر ذكاء، والأسرع والأقوى، ولكنك ستجد أنهم الأكثر التزاماً. وهذا يطبّق على كل المجالات. خذ مثالاً على ذلك مجال الرياضة: ما الذي يجعل من لاري بيرد واحداً من أحسن لاعبي كرة السلة؟ وما زال الكثير من الناس مندهشين لذلك، فهو بطيء الحركة، ولا يستطيع القفز. وفي عالم يضم غزلاناً رشيقة يبدو لاري أحياناً كما لو أنه يلعب بالحركة البطيئة. ولكنك عندما تبحث الأمر تجد أن لاري بيرد ينجح لأن لديه التزاماً كبيراً بالنجاح. فهو يمارس اللعبة بجدّ أكثر من غيره، ويتمتع بعناد عقلي أكثر، ويلعب بنشاط أكبر، وهو يحب عمله هذا أكثر، ويستفيد من مهاراته أكثر من أي شخص آخر. ولم يكن لاعب الجولف الكبير توم واطسون متميّزاً في جامعة ستانفورد، إنما كان مجرد فرد في فريق، ومع ذلك، نجد مدربه يعجب به ويقول: "لم يسبق أن رأيت من يمارس اللعبة أكثر منه". والاختلافات في المهارات البدنية المحضة بين الرياضيين نادراً ما تشكل عاملاً في نجاحهم، ولكن درجة الالتزام هي التي تميّز الجيّد من العظيم. ويعدّ الالتزام مكوّناً مهماً من مكونات النجاح في أي مجال. وكثيراً ما سمعنا عن "مايكل جاكسون" والذي حقّق معجزة بين عشية وضحاها. فهل يمتلك مايكل جاكسون موهبة عظيمة؟ بكل تأكيد لديه هذه الموهبة، وهو يصقل موهبته هذه منذ أن كان في الخامسة من عمره، وهو يقدم فقراته الممتعة منذ ذلك الوقت، ممارساً للغناء ومؤدياً للرقص، وكاتباً لكلمات أغانيه. لقد كان بالتأكيد يمتلك الموهبة الطبيعية، وإلى جانب ذلك، فقد قدمت له يد العون، وأصبح لديه نظم اعتقاد يعزّزه، وكان أمامه العديد من النماذج الناجحة التي يقتدى بها، فقد كان يعيش في أسرة تتولى توجيهه. خلاصة الأمر إنه كان على استعداد لدفع الثمن. وأنا أحب استخدام تعبير: "مهما كلّف الأمر". والناس الناجحون على أتم استعداد لتنفيذ كل ما يتطلبه تحقيق النجاح، وهذا ما يميزهم عن الآخرين. هل هناك معتقدات أخرى تدعم التفوق؟ بالتأكيد هناك، وكلما فكرت فيها أكثر كان أفضل، كما ينبغي أن تكون مدركاً للفروق الإضافية أو الرؤية التي يمكنك إضافتها. ولتتذكر دوماً بأن النجاح يترك وراءه خيوطاً. لذا، عليك أن تدرس أولئك الذين ينجحون، وأن تبحث عن معتقداتهم الأساسية التي تعزّز قدرتهم على القيام بأفعال مؤثرة دائماً وعلى تحقيق نتائج متميزة. لقد صنعت هذه المعتقدات العجائب للآخرين من أمثالك، وأنا أعتقد أنها يمكنها أن تصنع لك العجائب إذا ما التزمت بها على الدوام.
المصدر : الباحثون العدد 48 حزيران 2011 |