يقول الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو: نحن في حاجة إلى المزيد من فئة صانعي الأحداث لأنهم وحدهم دون غيرهم الذين يستطيعون أن يغيروا وجه الحياة.
لفت انتباهي أحد الشباب في الكلية حيث إنه يغفو ويسرح في فترات متفرقة في إحدى المحاضرات برغم من تميزه ومشاركته، وبحديثي معه أخبرني عن برنامجه اليومي الذي كان يتضمن الحضور للكلية صباحًا ثم الارتباط بعمل مسائي يبدأ من الرابعة عصرًا إلى الثامنة مساء، كما أن لديه ارتباطًا بعمل تطوعي مع إحدى الجمعيات في الأجزاء المتبقية من يومه، إلى جانب المشاركة بأعمال في خدمة أسرته، ومن الأمور التي أخبرني بها أيضًا أنه قد أخذ على نفسه عهدًا بألا يمر شهر إلا وقد حضر برنامجًا تدريبيًا أو علميًا واحدًا على الأقل، إلى جانب مشاركاته في عدد من الأنشطة اللامنهجية في الكلية.
أذكر أني طلبت من المتدربين في تلك الشعبة التعريف بأنفسهم وقدراتهم، فلم يقدم أحد عرضًا مفيدًا مفصلاً شافيًا عن نفسه سوى هذا الشاب! وقد اعتبرت هذا كواقعة تطبيقية للدراسة التي أجريت على عدد من طلاب الجامعات حول المقدرة على التعبير عن الذات وقد خلصت الدراسة إلى أن ما يزيد عن الـ80% ممن شملتهم الدراسة يتوقف عن التعريف عن ذاته بعد مرور دقيقة ونصف من الحديث، وفي المقابل يمكن أن يصف أحداثًا كروية أو الحديث عن أحد المشاهير أو حتى عن مادته العلمية لعشرات وعشرات الدقائق!! وهذه مفارقة كبيرة، فمعنى هذا كما فهمت أننا لا نعرف ذواتنا بما تحويه من مواهب وقدرات ولم نعمل على تطويرها وتكريمها واحترامها لينعكس ذلك كوصف فياض لها «ولقد كرمنا بني آدم»، وقد أرجعت الدراسة ذلك إلى الانغلاق على الذات في هذه الفترة والاكتفاء بمجرد تأدية الأعمال الدراسية، مبينة أهمية الانفتاح على المجتمع والقيام بأعمال وأنشطة أخرى لما لذلك من أهمية كبرى في صقل الذات وتنويع القدرات مما يؤدي إلى زيادة في العلاقات وتحقيق النجاح المنشود.
إن التسويق لذواتنا مرحلة ثانية تأتي قبلها مرحلة صناعة الذات واكتشاف المكنون من المواهب والقدرات بداخلها وهذا لا يتم إلا بالمشاركة الفاعلة في الأنشطة المختلفة إلى جانب الانخراط في الأعمال في مرحلة مبكرة، هذه هي الأدوات الفاعلة التي تساعد في اكتشاف الكامن من المواهب والقدرات التي لربما قد تغير وجه الحياة.. إ
ن كثيرًا من الفرص وبالذات في سوق العمل أو العمل الحر قد تضيع من أصحابها بسبب ضعف التسويق للقدرات والمواهب، ففي النهاية المطلوب هو كسب المزيد من المال ومن الروابط الاجتماعية التي بها نكسب المزيد من النجاح والتميز والسعادة، يجب على الشاب أن يقتنع بأنه هو من يجب عليه أن يسوق قدراته ومواهبه مهما كانت وبلا تصنيف أو تحقير، ليقنع الآخرين بقدرته على العمل والنجاح، بل في أحيان كثيرة يكون لدى الشاب الكثير من القدرات والمهارات الموجودة لديه ويعرفها جيدًا لكنه يشعر في أحيان أنها غير جديرة بالذكر ولذا لا يذكرها، أو أنه يرى أن ذلك من باب مدح النفس أو الغرور، وبعضهم قد يردد «مادح نفسه كذاب» أو يفهم معنى التواضع بغير معناه فيفسره بأنه «إنكار للذات»، وهذا خطأ كبير في حق الذات التي كرمها الله جل في علاه، من الخطوات الرئيسة منح أنفسنا وشبابنا القدرة على رؤية الذات بصورتها الصحيحة مستغلين كل الفرص التي تعرض لنا في ذلك. أعتقد أنكم تشاركوني الرأي في أهمية أن يسوق الجميع لقدراتهم ومواهبهم وبقوة في حال توفر ولو القدر اليسير من المهارات والقدرات. إن من الأهمية بمكان أن يبدأ الجميع في بناء ذواتهم وتنميتها، والتعرف على العلوم الجديدة، وتنمية الثقافة بالاطلاع والمتابعة، ولابد في المقابل أن نساعد وندرب ونفتح أبواب العمل التطوعي والمشاركة في الأعمال الحرة والأنشطة المختلفة كونها الأدوات المساعدة في اكتشاف الذوات.
إنها قدراتنا ومواهبنا التي نستطيع بها أن نعيش الحياة السعيدة الهانئة التي نستحق أن نحياها، فالإنسان الإيجابي في هذه الحياة هو ذلك الذي يملك موهبة أو مهارة أو حتى سمعة حسنة يشتهر بها، هو من يفعل مواهبه وقدراته في الوسط الذي يعيش فيه، وبهذا الإجراء يكون له دور في الحياة وفي المشاركة في صنع الأحداث من حوله، هو من لا يكتفي بالوقوف متفرجًا على الأحداث وهي تمر أمامه. إن من الأهمية بمكان أن يعمل كل منا ويسعى ويجد بل يثابر بكل ما أتاه الله من قوة في تطوير مواهبه وقدراته وإتقانها إلى الحد الذي يلج بها ليعمل مع العاملين الشرفاء على تغيير مجريات الأحداث والوقائع من حوله إلى الأفضل.