الدين والأخلاق...وسلوك الإنسان

 

يمثل الوازع الديني والأخلاقي في الكثير من المجتمعات الأساس الرئيسي من مقوماتها المعنوية، إذ لكل مجتمع - بغض النظر عن بناء تركيبته- معتقد ديني معين، وشعائر وطقوس دينية وأطر أخلاقية معينة، تتعدد مسمياتها وطرائق ممارستها.

وكثير من الباحثين الاجتماعيين كعلماء النفس والاجتماع والعلاقات الإنسانية يجمعون على أهمية الدين والأخلاق في حياة الإنسان، فرداً كان أم جماعة وعلى مستوى الشعوب بأكملها. وكان هذا المعتقد قد بدأ بسيطاً وأخذ يتطور حتى وصل إلى درجة من الكمال في الديانات الكبرى لخدمة أهدافه السامية.

والدين لا يقتصر على إقامة الشعائر الدينية والعبادات، ولكنه يشمل أعمال الشخص وأقواله وتصرفاته في حياته اليومية، سواء كان ذلك في بيته أو عمله، وهو يعد عنصراً أساسياً من عناصر تنشئة المجتمع تنشئة مستقيمة. فالدين والأخلاق يؤثران على سلوك الفرد وطبيعته ويحققان له السعادة الأبدية. وإذا تمكن الإيمان في قلب الفرد فإنه يجعل منه خلقاً جديداً يهذب سلوكه وينقيه من الشوائب ويجعله سمحاً متسامياً محباً للخير لنفسه ولمجتمعه نابذاً أعمال الفسق والرذيلة.

والإيمان الحقيقي والقيم الأخلاقية بما لهما من تأثير وارتباط وثيق ببعضهما يشكلان حجر الأساس في توجيه وتشكيل سلوك الإنسان ويردعانه من مجرد التفكير في ارتكاب الجريمة، وكيف يقدم المؤمن الصادق على ارتكاب الجريمة، وكيف يعصى الإنسان من أحب وهو يعلم أنه مطلع علية في سره وجهره ؟!.

وهذا الأمر لم تكتشفه الأنظمة الغربية بالرغم مما وصلت إلية من علم وقوانين جنائية ونظم اجتماعية، ففي القانون الوضعي إذا انعدم أحد أركان الجريمة سقط الحق في الدعوى الجنائية ولا يعاقب المجرم ،ولو افترضنا أن رجلاً هم بارتكاب جريمة ثم عدل عنها لأحد الموانع والأسباب الخارجية عن إرادته كعدم وجود الشخص المراد قتله مثلاً، فالقانون الوضعي لا يصل إليه بطبيعة الحال ولا يعالج الواقعة .. بينما الشريعة الإسلامية تعالج الجريمة علاجاً ربانياً فريداً من نوعه، إذ بدأت بمجاهدة الآثام والمعاصي وهي داخل القلب قبل خروجها للقضاء عليها وهي في مهدها.

 لهذا فأثر الدين والأخلاق في مقاومة الانحراف والجريمة قبل حدوثها بالغ الأهمية، فهما يوقضان الضمير ويجعلاه دائماً مراقباً للسلوك محذراً الفرد بما سيلقاه من عقاب فينهيانه عن ارتكاب الجريمة ، وهما بذلك يحاولان القضاء على النية الخفية التي تحاك داخل الصدر قبل الظهور ، بل ويحرمانها ويعتبرانها أمراً مكروهاً ..وبتتبع الكثير من القضايا نجد أن مرتكبيها يقومون بعملية الاعتراف وبتقديم أنفسهم طواعية إلى أجهزة الشرطة والقضاء وذلك بوحي من ضميرهم الذي لم يهدأ ولم يسكن بل يطالب بعقاب الذات .. ولعل قصة الغامدية وقصة ماعز المعروفتين اللتين تبينان أثر الضمير الديني والأخلاقي بوضوح تام ، جادتا بنفسيهما لله سبحانه وتعالى فتابتا وندمتا واهتزت الأرض تحت أقدامهما فلم تستطيعا الصبر على ارتكاب المعصية على الرغم من وجود الفرصة السانحة للرجوع وعدم الإبلاغ.

إن مجرد معرفة الإنسان بأن الله يعلم ما توسوس به نفسه وهو أقرب  إلية من حبل الوريد إنما هو رادع قوي لعدم ارتكاب الجريمة ،  ولكن بطبيعة الحال فالإيمان والأخلاق درجاتهما متفاوتة من إنسان إلى آخر يزيدان بالطاعات وينقصان بالمعاصي .

وفي هذا يقول "محمد الغزالي " بأن الإيمان قوة عاصمة من الدنايا وطاقة يحرك بها الإنسان فيطارد بها الجريمة من نفسه ومجتمعه وليس للإيمان مفهوماً معيناً ساكناً في ضمير راقد أو في قلب حاقد ولكن هو طاقة يتحرك بها الإنسان ويؤثر في مجتمعه..فالإنسان حين يرتكب أي جريمة فإنة يكون في حال من ضعف الإيمان بحيث يتناقص إلى درجة شديدة فيرتكب الجريمة حتى إذا رجع وتاب فإن إيمانه يعود ويزيد.

ومن هنا يتبين أثر الوازع الديني والأخلاقي في مكافحة الجريمة فيقضيان عليها في مهدها ويهذبان سلوك الإنسان بالترغيب والترهيب ويتضح أن قوة الوازع الديني والأخلاقي تقفان حاجزاً للإنسان عن ارتكاب الجريمة ، فإن كان إيمانه ضعيفاً تصبح إمكانية ارتكاب الجريمة أكبر بعد تفاعلها بالعوامل الاجتماعية والاقتصادية الأخرى،وإن كان إيمانه قويا قام بردعه وزجره عن ارتكاب الجريمة.

ولقد أكد الكثير من علماء النفس من خلال الأبحاث التجريبية علاقة الدين بعلاج الأمراض  النفسية فقد نادى (كارل يونغ- caril young )عالم النفس السويسري بوجوب علاج العديد من الأمراض النفسية عن طريق الدخول في حظيرة الدين والإيمان بالله .

ويذكر (برتراند روسل – Bertrand Rasil) أحد الفلاسفة المعاصرين أن الإنسان في صراعه مع الطبيعة قد انتصر بواسطة العلم، أما في صراعه مع نفسه فلم يحرز نصرا وان الإيمان هو السبيل الوحيد لتحقيق السعادة والنصر 0

كما يذكر (هنري لنك – Hinry link ) طبيب النفس الأمريكي صاحب العديد من النظريات الحديثة في مجال علم النفس ، إن العلم وحده لا يستطيع إن يحقق السعادة الحقيقية،وهو يعارض بشدة الذين ينكرون الإيمان بالغيب ودوره في تحقيق الرضا والسلامة النفسية ، ويذكر أيضا بأنه من خلال تجاربه وملاحظاته المتكررة ، تأكد له أن الإيمان هو علاج العديد من الأمراض النفسية.

ويشير (دايل كارينجي –Dial Karenge) إن أطباء النفس يدركون أن الإيمان القوي والاستمساك بالدين كفيل بأن يقهر نصف الأمراض.

كما يشير (كارل يونغ – (Caril young  أيضاً أنه عُرض عليه أشخاص من مختلف شعوب العالم المتحضرة ، وعالج مئات من المرضى فلم يجد مشكلة واحدة من مشكلات أولئك الذين بلغو منتصف العمر أي الخامسة والثلاثين ، ونحوها،ترجع في أساسها إلى افتقارهم للإيمان وخروجهم عن تعاليم الدين لأنهم حرموا سكينة النفس التي يجلبها الدين ولم يبرأ واحد من هؤلاء المرضى إلا حين استعاد إيمانه واستعان بأوامر الدين ونواهيه على مواجهة الحياة.

إن الثقافة الدينية في حد ذاتها لا تعتبر مانعة من ارتكاب الجريمة ولكن لابد أن يكون العلم بالدين مصحوباً بالإيمان والأخلاق الفاضلة والمثل السامية قولاً وعملاً حتى نتمكن من الحكم على دور الدين  والأخلاق في منع الإنسان من ارتكاب الجريمة.

وباستعراضنا للإحصاءات والدراسات التي تناولت هذا الجانب نجد أنها أغفلت هذا العامل المهم وهو عامل "العمل" بتعاليم الدين ، فقد اخذ الباحثون في دراسة تباين الأديان لدى نزلاء السجون لإظهار تفاوت معدلات الجريمة والجنوح في أكثر من مجتمع.

ففي أوروبا على سبيل المثال وجد كل من العالمين (اسشافنبرج –Aschaffenburg) و (بونجير-Bonger) أن طائفة الكاثوليك بالذات هي أكثر إجراماً من البروتستانت ، وأن الطائفة اليهودية هي أقل الطائفتين تورطاً في الجـريمـة 0 ويؤخذ على هذا النوع من البحوث ضعفها في تقييمها النظري الإحصائي، حيث لم تستند إلى أي أساس علمي مقبول ، ولا إلى سبب موضوعي معقول. وقام (ستاينر – Steinr) بدراسة تناولت (85000) سجين ، فوجد أن (68000)منهم يمثلون (80%) عبروا عن قوة تمسكهم بالدين ، ووجد (150)سجينا فقط وصفهم بأنهم لا يدينون ،وتوصل أيضاً إلى أن الوعي الديني موجود لدى نسبة كبيرة من المجرمين.

وتعددت الدراسات التي تطرقت لإظهار علاقة الدين بارتكاب الجريمة ،وكذا الدراسات التي تناولت موضوع ممارسة الشعائر الدينية ومدى علاقته بارتكاب الجريمة.

ولم تظهر أي دراسة من هذه الدراسات حقيقة العلاقة الوظيفية بين آراء الشخص حول بعض المراسم والشعائر الدينية ،وبين مدى تدينه الحقيقي أو التزامه بالقيم الدينية والأخلاقية الصحيحتين . وبلا شك فإن مثل هذه العلاقة تفتقر إلى عوامل وظروف أخرى مساعدة.

كما أن تلك الدراسات لا تعطي دليلاً قاطعاً  على أن الفرد ملتزم دينياً أو أخلاقياً ، ومطبق لتعاليم دينه قولاً وعملاً ، بل إن مثل هذه الأشياء الدقيقة من الأمور الذاتية الشخصية نادراً        ما يصيب الباحث كبد الحقيقة في تقديرها ،  ومن الصعب أن يدرك صدق الشخص . وهناك سبب ربما يدعو السجناء إلى الظهور بمظهر التمسك بالدين والأخلاق للباحث وذلك لكسب عواطفه ، إذ يمكنه بدوره أن ينقل انطباعات حسنة أو سيئة عن السجناء ،لأن السمعه الطيبه والسلوك الحسن في السجون يفيد السجين في التجاوز عن ربع المدة المقرر بقاؤه خلالها في السجن.

وهكذا .. يتضح جلياً دور وأهمية الدين والأخـــلاق في تشكيـــل وتــوجيــه سلـوك الإنسان .. والتي من خلالها يمكن الحكم على مستوى الشعوب في شتى مناحي الحياة وفق الالتزام بما تقرره الشريعة الإسلامية الغراء والقوانين اللتان  بينتا بجلاء معايير وأسس المعاملات الدينية والدنيوية 0

والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.

ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 35/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
11 تصويتات / 6577 مشاهدة
نشرت فى 22 يوليو 2011 بواسطة ahmedkordy

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

29,876,984

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters