يقول د. أحمد ماهر: (يتوقف سلوكنا على كيفية إدراكنا وانتباهنا لما يحيط بنا من أشياء وأشخاص ونظم اجتماعية، ونحن نتعامل مع المثيرات الموجودة في البيئة كما نفهمها وندركها وليس كما هي عليه في الواقع، وعلى هذا فإن أسلوب إدراكنا للأشياء من حولنا يحدد سلوكنا تجاه هذه الأشياء وتجاه هؤلاء الناس، وحواسنا هي وسيلة للانتباه إلى المثيرات من حولنا، ثم تأتي مجموعة من العمليات الذهنية التي تمثل التمثيل الذهني أو العقلي لتلك المثيرات، فنقوم باختيار بعضها، ثم نقوم بتنظيمها، ثم نفسرها، لكي يؤدي ذلك في النهاية إلى التصرف بشكل معين).
مفهوم الإدراك:
يقول د. محمد إسماعيل بلال: (لعلنا نتفق جميعًا أننا نعيش في عالم معقد ومركب حيث نتعرض ما بين لحظة وأخرى للعديد من المثيرات، وقد يظن البعض أن هذا يفرض التعامل التلقائي والعشوائي مع هذه المثيرات إلا أن الواقع يشير إلى أننا لا نستجيب أو نتعامل مع هذه المثيرات أو نختار من بينها بشكل عشوائي وإنما من خلال عمليات محددة ومنتظمة يطلق عليها العلماء الإدراك.
ويعرف البعض الإدراك بأنه العملية المعرفية الأساسية الخاصة بتنظيم المعلومات التي ترد إلى العقل من البيئة الخارجية في وقت معين.
ويمكن تعريف الإدراك الاجتماعي بأنه العملية المنوطة بفهم الآخرين، وأيضًا الممارسات التي تؤدي إلى توليد استجابة Making sense لمثير معين، كما يمكن التعامل مع الإدراك باعتباره عملية استقبال وتنظيم وتفسير وترجمة المدخلات التي ترد إلى الفرد من البيئة المحيطة حيث يتم عمل مقارنات وتفاعل بين ما يرد من معلومات أو بيانات وبين مثيلاتها المخزون في الذاكرة على نحو يؤدي إلى سلوك محدد).
ويقول أ.د. أحمد صقر عاشور: (يقصد بالإدراك الطريقة التي يرى بها الفرد العالم المحيط به، ويتم ذلك عن طريق استقبال المعلومات وتنظيمها وتفسيرها، وتكوين مفاهيم ومعاني خاصة)
ويقول د. أحمد سيد مصطفى: ( الإدراك هو عملية استقبال وانتقاء وتفسير لمثير أو أكثر في بيئتنا المحيطة، فنحن نرى من نخالطهم أقاربنا وزملاءنا وأصدقائنا ورؤسائنا، ونستمع لما يقولون ونتلقى معلومات ومثيرات من مصادر شتى محيطة بنا فنستقبلها وفقًا لقدرات حواسنا، ثم نفسرها وفقًا لدرجة وضوح واكتمال وجاذبية هذه المعلومات أو المثيرات، وكذا وفقًا لحاجاتنا ودوافعنا وتوقعاتنا وخبراتنا السابقة.
ففي هذه البيئة المليئة بالمثيرات يساعدنا الإدراك على تصنيف وتنظيم ما نتلقاه، فنتصرف وفقًا لتفسيراتنا للحقيقة التي نراها وندركها، وكثيرًا ما تكون نفس الحقيقة التي نراها غير الحقيقة التي يراها أو يدركها الآخرون، أي إننا نفسر ما نراه، ونسميه الحقيقة، وقد يكون ما أدركناه هو الحقيقة أو لا يكون، وهكذا فنحن ـ غالبًا ـ نرى ما نحب أن نراه، ونسمع ما نحب أن نسمع، فقد ينظر الناس لنفس الشيء لكنهم يختلفون في إدراكه، فمثلًا يدرك رئيس لمجلس إدارة شركة، أحد مديريه (مدير التسويق مثلًا) الذي يستغرق أيامًا عديدة لصنع قرارات هامة على أنه بطئ التصرف وغير منظم ويخاف صنع القرارات، بينما يدركه شخص آخر (مدير زميل له) على أنه مفكر متأن ومنظم، وهكذا فإن نفس الشخص (مدير التسويق) قد قيمه رئيسه سلبًا بينما قيمه زميله إيجابًًا).
أما عن د. راوية حسن تقول عن الإدراك: ( هو العملية التي يقوم من خلالها الفرد بتنظيم وتفسير انطباعاته الحسية لكي يضيف معني للبيئة التي يوجد فيها، فالأفراد المختلفين قد ينظرون إلى نفس الشيء، وبالرغم من هذا يدركونه بطريقة مختلفة، والحقيقة لا يوجد أحد منا يرى الواقع كما هو، ولكن ما نفعله هو تفسير لما نراه والذي نطلق عليه الواقع).
خطوات الإدراك:
ويقول أ.د. أحمد صقر عاشور: (ويتضح من هذا التعريف أن عملية الإدراك تتم من خلال الخطوات التالية:
1- تبدأ عملية الإدراك بشعور أو أحساس الفرد بالمثيرات الخارجية الموجودة في البيئة المحيطة (مثال ذلك الضوء، الحرارة، الصوت ....)، وتقوم الحواس بعملية الاستقبال من خلال السمع والبصر، واللمس، والتذوق والشم، ويتم تحويل هذه المثيرات إلى المراكز العصبية بمخ الإنسان.
2- يتم تحويل المشاعر والأحاسيس إلى مفاهيم ومعاني معينة، وذلك عن طريق اختيار وتنظيم المعلومات وتفسيرها بناء على المخزون من خبرات وتجارب سابقة في ذاكرة الفرد، وهذا يعني الخبرات والتجارب السابقة للفرد والمعلومات المخزونة في ذاكراته، قد تغير وتعيد تشكيل يستقبله، ومن ثم يراه شيئًا مختلفًا).
عناصر عملية الإدراك:
تتكون عملية الإدراك من ثلاثة عناصر رئيسية هي:
1- الإحساس.
2- الانتباه.
3- التفسير والإدراك.
ولهذه العناصر الثلاثة أهمية كبيرة في إدراك كل من الأشياء أو المثيرات المادية مثل جرس الهاتف أو صوت بوق السيارة أو إشارة المرور، وكذا الأحداث أو المثيرات الاجتماعية، حيث نمارس الإدراك الاجتماعي فندرك الآخرين وسلوكياتهم.
1-الإحساس.
نحن محاطون بالكثير من المثيرات البيئية، لكننا لا نعي معظمها أو ندركه، إما لأننا تعلمنا أن نتجاهلها، أو لأن حواسنا أي أعضاءنا الحسية غير قادرة على استقبالها والإحساس بها، وحواسنا التي تستقبل المثيرات هي 1- النظر، و2- السمع، و3- الشم، و4- التذوق، و5- اللمس، إلا أن لهذه الحواس طاقة محددة.
ومع ذلك تختلف قوة الحاسة من شخص لآخر أحيانًا، ولدى نفس الشخص من فترة لأخرى.
فحاسة السمع مثلًا تلتقط مدى محدودًا من الترددات، أما ما يفوق ذلك فقد لا يمكن للبشر سماعه، لكن قد تسمعه حيوانات مثل الكلاب، لكن بعض الناس كفاقدي البصر ـ مثلًا ـ يطورون حاسة سمع أو لمس بمستوى أعلى أو أقوى من غيرهم.
وطالما توافرت حواس قادرة على استقبال المثيرات في بيئتنا المحيطة فإن هذه المثيرات تؤدي لأحاسيس أو مشاعر، فالحواس بعد استقبالها للمثيرات الخارجية تنقلها عبر الأعصاب إلى المخ، وهكذا نشعر أو نحس بالصوت والضوء والملمس والمذاق والرائحة، وهناك أيضًا مثيرات داخلية في الجسم الإنساني تنقلها الأعصاب للمخ، مثل الإحساس بالتعب أو الألم.
2-الانتباه:
برغم قدرتنا على الإحساس بكثير من المثيرات البيئية، إلا أننا لا نلتفت إليها كلها، بل ننتبه لبعضها ونتجاهل البعض الآخر، إما لأنه غير مهم في نظرنا أو لأننا لا نريد رؤيته أو سماعه، وهكذا نمارس انتباها انتقائيا لبعض المثيرات، وحتى ماننتبه له فقد لا ندركه على حقيقته وبشكل كامل بل قد ندركه على خلاف حقيقته أو بشكل جزئي.
3-التفسير والإدراك:
تتضمن عملية الإدراك تنظيم وتفسير المثيرات التي نحس بها، فالأصوات والصور والروائح العطرية وتصرفات الناس وغيرها لا تدخل لوعينا خالصة تمامًا، وعندما ننتبه إليها فإننا نحاول أن ننظم ونصنف المعلومات التي نتلقاها لتفسيرها وندركها بمعنى معين.
وبرغم حرصنا على سلامة ونقاء مدركاتنا من التحيز، فإن خصائص الموقف الذي نعايشه قد يجعل ذلك صعبًا، فنحن قد لا نحسن التفسير أو الإدراك عندما تكون معلوماتنا عن الشيء محدودة أو متناثرة وغير مرتبة، يمكن أن نتخيل هنا محام وقد جاءه من يطلب مشورته ومساعدته في قضية معينة، للوهلة الأولى سيدرك المحامي موقف هذا العميل بشكل غير دقيق، إذ أن المعلومات الأولية محدودة، لذلك فإن مشورته ستتأثر بعدم أو قصور إدراكه لموقف هذا العميل أو الموكل، وفي عملية الإدراك نحاول تفسير ما انتقيناه من المثيرات وهذا يتطلب تنظيم ما استقبلناه.
وأخيرًَا نختم بما قاله د. أحمد صقر عاشور: ( إن فهم سلوك الأفراد وطريقة تصرفاتهم في المواقف المختلفة له أثر كبير في نجاح المنظمات وحتى نتفهم سلوك الأفراد في المنظمات يجب أن تقف على طريقة إدراكهم للواقع أو العالم الذي يعيشون فيه، ذلك لأن إدراك الفرد لهذا الواقع يؤثر لدرجة كبيرة على درجة استجابته للمواقف).
أهم المراجع:
1- السلوك التنظيمي، د. أحمد صقر عاشور.
2- السلوك التنظيمي، د. محمد إسماعيل بلال.
3- السلوك في المنظمات، د. راوية حسن.
4- السلوك التنظيمي، د. أحمد ماهر.
5- إدارة السلوك التنظيمي، د. أحمد سيد مصطفى.
6- السلوك التنظيمي، د. صلاح الدين عبد الباقي، د. على عبد الهادي مسلم، د. محمد سعيد سلطان، د. روايه حسن.
المصدر: مصطفى كريم
نشرت فى 16 ديسمبر 2010
بواسطة ahmedkordy
أحمد السيد كردي
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
30,761,433