كما تنوعت طرق اختيار الخلفاء في النظام السياسي الإسلامي، فقد كانت طرق اختيار الولاة والأمراء وعمال الدولة متنوِّعة وباهرة، ولقد وضع رسول الله . ﷺ . منهجًا عامًّا لمن يتولَّى الإمارة، فعن عبد الرحمن بن سمرة قال: قال النبي . ﷺ .: "يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ، لاَ تَسْأَلْ الإِمَارَةَ، فَإِنَّكَ إِنْ أُوتِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا، وَإِنْ أُوتِيتَهَا مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا".
ولذلك سار النبي . ﷺ . على هذا النهج الذي وضعه في تقليد الإمارة، فعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قلتُ: يا رسول الله، ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على منكبي، ثم قال: "يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ ضَعِيفٌ، وَإِنَّهَا أَمَانَةٌ، وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إِلاَّ مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا، وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا". فالنبي . ﷺ . وهو قائد المسلمين، يعلم مَنْ يقدر على أعباء هذه المهمة ومن لا يقدر، ولقد أيقن رسول الله . ﷺ . أن أبا ذر لا يصلح لهذا الأمر، فنصحه بالابتعاد عنها، خشية ضياعها، وعدم الاعتناء بها، ولا شكَّ أن هذا منهجٌ نبويٌّ كريمٌ، وقاعدة إسلامية حضارية في تولية الأمراء والولاة أصحاب الكفاءة، والبعد كل البعد عمن لا يصلحون لهذه المهمة، وإن كانوا من ذوي القربى والصحبة.
لذلك فأول ما يلفت الانتباه في تعيين الأمراء أن رسول الله . ﷺ . كان يضع صاحب الكفاءة الإدارية في مكانته التي تليق به، إذ لم يكن الأمير من المقرَّبين من رسول الله . ﷺ . بقدر ما كان من المؤهلين على تولية الإمارات، فقد ولَّى النبي . ﷺ . إمارة اليمن لباذان بن ساسان - من ولد بهرام جور- "أمَّره رسول الله . ﷺ . على أهل اليمن كلِّها بعد موت كسرى، فهو أول أمير في الإسلام على اليمن، وأوَّل من أسلم من ملوك العجم، ثم أمَّر رسول الله . ﷺ . بعد موت باذان ابنه شهر بن باذان على صنعاء وأعمالها، ثم قُتِل شهر، فأمَّر رسول الله . ﷺ . على صنعاء خالد بن سعيد بن العاص، وولَّى رسول الله . ﷺ . المهاجر بن أبي أمية المخزومي – رضي الله عنه – " كندة والصَّدف ".
وهذا النص السابق الذي يسوقه لنا ابن القيم - رحمه الله - يُؤَكِّد على أن الحضارة الإسلامية كانت تأخذ في عين الاعتبار منذ النبي . ﷺ . أن من يشغلون المناصب العُليا في الدولة لا بُدَّ أن يكونوا من أصحاب المهارات والخبرات الفنية اللازمة لذلك، فالمعلوم أن اليمن بالنسبة لمكة والمدينة كانت من أهم المناطق الحيوية التي تُمدُّ الجزيرة بالكثير من الأموال الخراجية والعشور وأموال الصدقات والغلال والحبوب، ومن ثَمَّ فأميرها لا بُدَّ أن يكون على درجة عالية من الخبرة والدراية لمباشرة الأمور السياسية، ومتابعة الحالة الاقتصادية لإمارته.