تعد الرقابة الإدارية عملية حيوية في إدارة المؤسسات والشركات، حيث تساعد على ضمان التزام المؤسسة بالقوانين واللوائح، وتحافظ على شفافية ونزاهة العمليات الإدارية. ولضمان نجاح العملية الرقابية، يتعين على المراقب أن يتحلى بمجموعة من الصفات اللازمة التي تساعده على القيام بمهمته بكفاءة وفعالية.

ومن أهم الصفات الواجب توافرها في من يقوم بالعملية الرقابية ما يلي:

<!-- كثرة المراقبين وانتشارهم واستعمال عنصر المفاجأة في العملية الرقابية

حتى تكون الجولات التفتيشية فعالة ومؤتية ثمارها، لا بد من أن تكون على أسس مدروسة. ونجد في وصايا وكتب الخلفاء الراشدين بعض الإشارات إلى مهارات الجولات التفتيشية. فقد كتب أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى يزيد بن أبي سفيان - رضي الله عنه - في مسيره بالجيش لقتال الروم قال:" وأكثر حرسك وبددهم في عسكرك، وأكثر مفاجأتهم في محارسهم بغير علم منهم بك، فمن وجدته غفل عن محرسه فأدبه وعاقبه في غير إفراط، وأعقب بينهم بالليل واجعل النوبة الأولى أطول من الأخيرة فإنها أيسرهما لقربها من النهار".

<!-- الشجاعة في اتخاذ القرارات

كما تعتبر الشجاعة عند اتخاذ القرارات من أهم ما يميز المراقب الناجح من غيره، وقد أشار عمر رضي الله عنه إلى هذا فقد أرسل محمد بن مسلمة في مهمة إلى العراق ثم رجع ففني زاده قبل أن يصل إلى المدينة لأنه لم يقبل من أحد زادا، فأخذ يأكل من لحاء الأشجار حتى تغير وجهه وجسمه فلما علم عمر بذلك قال له: " هلا قبلت من سعد- أي ابن أبي وقاص؟ قال: لو أردتَّ ذلك كتبت له به أو أذنت له فيه، فقال عمر:" إن أكمل الرجال رأياً من إذا لم يكن عنده عهد من صاحبه، عمل بالحزم أو قال به ولم ينكل"، يشير إلى خطأ أن ينتظر القائم بالأعمال الرقابية التوجيه ممن فوقه في كل الأمور.

<!--عدم الاهتمام بالمخالفات اليسيرة

 وليس من المستحسن ممن يقوم بالعملية الرقابية أن يدقق في الأشياء اليسيرة التي لا يخلو منها بشر، بل عليه أن يتغافل عن بعض الأشياء التي يحسن التغافل عنها، قال بعضهم: أكره المكاره في السيد الغباوة وأحب أن يكون عاقلا متغافلا كما قال أبو تمام:

ليس الغبي بسيد في قومه ... لكن سيد قومه المتغابي

وإن كان الكمال في الموظف أن يحافظ على ممتلكات الدولة، ولا يستخدمها لمصلحته الخاصة ولو في الشيء اليسير، وفي قصة حماد بن زيد مثال يبين ضرورة الاهتمام بالأشياء اليسيرة فقد مر حماد بن زيد عندما كان صغيرا هو وأبوه على جدار فيه تبن فأخذ حماد عود تبن، فنهره أبوه وقال: لماذا؟ فقال حماد: يا أبتاه إنه عود تبن، فقال الأب: لو أخذ كل مارٍّ عود تبن هل يبقى في الجدار شيء؟.

وقد كان عمر بن عبدالعزيز يمارس رقابة مالية دقيقة، وهذا هو سر الرفاهية الذي حصل للمسلين في عهده القصير، فقد قال لميمون – وهو معاون له -: ما هذه الطوامير التي تكتب فيها بالقلم الجليل، وتمد فيها وهي من بيت مال المسلمين؟ [يقصد الصحائف التي يكتب فيها الأوامر والتوجيهات]، فكانت كتبه شبرا أو نحوا من ذلك.

وعندما كتب له أبو بكر بن محمد بن حزم والي المدينة يطلب شمعا للإضاءة، رد عليه فقال:" لعمري لقد عهدتك يا ابن حزم وأنت تخرج من بيتك في الليلة الشاتية المظلمة بغير مصباح، ولعمري لأنت يومئذ خير منك اليوم، ولقد كان في فتائل أهلك ما يغنيك، والسلام". وكتب إلى ابن حزم مرة:" إذا جاءك كتابي هذا فأرق القلم، واجمع الخط، واجمع الحوائج الكثيرة في الصحيفة الواحدة، فإنه لا حاجة للمسلمين في فضل قول أضر ببيت مالهم، والسلام عليك"

ومما سبق يمكن القول أنه يجب على من يقوم بالعملية الرقابية أن يقدر الأشياء التي يتغاضى عنها، والمخالفات التي ينبه عليها، والمخالفات التي يعاقب عليها أو يرفع فيها تقريرا بالمخالفة.

<!-- السرية طريق النجاح

 كما ينبغي أن تكون بعض العمليات الرقابية سرية، وأن يكون المراقب غاية في الثقة والأمانة والعقل، فقد ورد في الحديث:" استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان". قال أشهب وهو من كبار أصحاب مالك بن أنس رحم الله الجميع، ينبغي للحاكم أن يتخذ من يستكشف له أحوال الناس في السر، وليكن ثقة مأمونا عاقلا.

<!-- الحكمة في العملية الرقابية

وأيضا لا بد ألا يكون القائم بالعملية الرقابية والمهام التفتيشية حكيما في تصرفاته، بأن يعالج المشاكل بالأيسر فالأيسر ويستعمل معهم سياسة " شعرة معاوية "، قال معاوية - رضي الله عنه -: لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي ولا سوطي حيث يكفيني لساني ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، قالوا: وكيف ذلك يا أمير المؤمنين؟ قال: كنت إذا أرخوها مددتها وإذا مدُّوها جررتها.

<!-- الرقابة على الحسنات قبل المخالفات

وليس من العدل أن تكون الرقابة والجولات التفتيشية منصبة على البحث عن أوجه الخلل، بل هي عملية للنظر في سير العمل، فإن وجد المراقب موظفا أو عاملا يستحق التقدير فلا يغفل ذلك، وإلا فسيكون قدوم المراقب أمرا ثقيلا على جميع العاملين.

وعليه أن يعجل مكافأة المحسن، فقد ذكرت بعض كتب التراث قول بعض الحكماء: لا تغفل مكافأة من يعتقد لك الوفاء ويناضل عنك الأعداء فمن حرمته مكافأة مثله زهد في معاودة فعله. وذكروا عن أحد ملوك الفرس الحكماء وهو أردشير أنه قال: على الملك أن يأخذ نفسه بثلاث:

<!--تعجيل مكافأة المحسن على إحسانه فإن في ذلك شحذ الضمائر على الطاعة،

<!-- وتأجيل عقوبة العاصي على عصيانه، فإن في ذلك إمكان العفو والإقالة ومراجعة التوبة والندامة،

<!-- والأناة عند طوارق الدهر وحدثانه ، فإن في ذلك انفساح مذاهب الرأي والسياسة وإيضاح غوامض السداد والإصابة.

وتأجيل عقوبة العاصي بأن لا يعاقب إلا بعد التوجيه الشفهي ثم الإنذار الكتابي، ثم العقوبة. وبعض الأخطاء الكبيرة أو الحساسة تستلزم أن يعاقب المتسبب فيها دون إنذار، والمسألة تقديرية.

 

ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 178 مشاهدة

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,754,536

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters