تعد الرقابة الإدارية من الأسس الرئيسية لضمان الشفافية والنزاهة في العمل الإداري، حيث تساهم بشكل كبير في تحسين الأداء الإداري وتعزيز المساءلة والشفافية في المؤسسات والهيئات الحكومية والخاصة. وتهدف الرقابة الإدارية إلى مراقبة الأنشطة والعمليات المختلفة في المؤسسات، وتقييمها ومراجعتها، وذلك بهدف تحسين الكفاءة والفعالية وتجنب الاحتيال والفساد والتجاوزات الإدارية.

وتعتمد الرقابة الإدارية في الإسلام على مجموعة من الأسس الرئيسية والتي تشمل:

<!-- الشعور بالرقابة الربانية [العلوية]

 إن الرقابة في الإسلام تقوم أساسا على الاعتقاد الجازم والإيمان المطلق بأن الله سبحانه وتعالى هو الرقيب الأول على كل تصرفات وسلوكيات الناس، وأنه سبحانه وتعالى سوف يحاسبهم على كل شيء يوم القيامة، وذلك مصداقا لقوله تعالى : ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا حَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ ولا أدنى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾. [المجادلة : ٧].

وشرح الآية أن علم الله محيط بما في السموات والأرض بحيث لا يخفى عليه شئ مما فيهما، كما قيل أن العدد في الآية غير مقصود في ذاته لأن الله سبحانه وتعالى مع كل عدد قل أو كثر بعلمه فهو يعلم السر والجهر ولا تخفى عليـه خافیه كما أن رسله أيضا مع ذلك تكتب ما يتناجى به المنافقون واليهود وغيرهم ضد المؤمنين مع علم الله بذلك وسمعه له فالفرد المسلم باعتباره راع ومسؤول عن رعيته في أي موقع كان يستشعر رقابة الله على كــل تصرفاته وأنه سوف يحاسبه على أعماله.

<!-- القدوة الحسنة من المراقب

 يجب أن يكون الرقيب من البشر قدوة حسنة لبني جنسه من الذين يراقبهم وذلك في أخلاقه وسلوكه حتى تكون توجيهاته ونصائحه مسموعة مقبولة وذلك لقوله تعالى مخبرا عن شعيب عليه السلام: ﴿ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّه عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ﴾. [ هود : ۸۸].

قيل معناه لا أنهاكم عن الشيء وأخالف أنا في السر فأفعله خفية عنكم، أي لم أكن لأنهاكم عن أمر وأرتكبه، ويوضح صاحب فتح القدير المعنى بشكل أدق فيقول أن المقصود بالآية وما أريد بكم عن التطفيف والنجش أن أخالفكم إلى ما نهيتكم عنه فأفعله دونكم.

ولقوله محذرا ممن يخالف قوله عمله: قِيلَ لِأُسَامَةَ: لو أتَيْتَ فُلَانًا فَكَلَّمْتَهُ، قالَ: إنَّكُمْ لَتُرَوْنَ أنِّي لا أُكَلِّمُهُ إلَّا أُسْمِعُكُمْ، إنِّي أُكَلِّمُهُ في السِّرِّ دُونَ أنْ أفْتَحَ بَابًا لا أكُونُ أوَّلَ مَن فَتَحَهُ، ولَا أقُولُ لِرَجُلٍ أنْ كانَ عَلَيَّ أمِيرًا: إنَّه خَيْرُ النَّاسِ، بَعْدَ شَيءٍ سَمِعْتُهُ مِن رَسولِ اللَّهِ . ﷺ .، قالوا: وما سَمِعْتَهُ يقولُ؟ قالَ: سَمِعْتُهُ يقولُ: يُجَاءُ بالرَّجُلِ يَومَ القِيَامَةِ فيُلْقَى في النَّارِ، فَتَنْدَلِقُ أقْتَابُهُ في النَّارِ، فَيَدُورُ كما يَدُورُ الحِمَارُ برَحَاهُ، فَيَجْتَمِعُ أهْلُ النَّارِ عليه فيَقولونَ: أيْ فُلَانُ، ما شَأْنُكَ؟ أليسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بالمَعروفِ وتَنْهَانَا عَنِ المُنْكَرِ؟! قالَ: كُنْتُ آمُرُكُمْ بالمَعروفِ ولَا آتِيهِ، وأَنْهَاكُمْ عَنِ المُنْكَرِ وآتِيهِ. [رواه البخاري من حديث أسامة بن زيد].

<!-- الرقابة الإدارية الإسلامية إيجابية

لأن الرقابة في الإسلام الغاية منها ليس تصيد الأخطاء والتشهير بها وإنما التوجيه والإرشاد ومعاونة الناس على الالتزام بالقواعد والمعايير الإسلامية في حياتهم لأن ذلك يقوى العلاقة بين المراقـب ومـن يراقبـهـم لقول الرسول :[المؤمن مرآة للمؤمن والمؤمن أخو المؤمن يكف عليه ضيعته ويحوطه من ورائه] رواه أبي هريرة] رضي الله عنه . وعلى هذا الأساس فإن الرقيب يجب أن يخاطب من يراقبهم حسب عقولهم وحالاتهم وظروفهم، وأن يستخدم أسلوب الرقابة النافع والمؤثر مع إيضاح ما في هـذا العمـل مـن خـير للمسلمين . وفي حالة مناقشة الانحرافات، ينبغي أن يوضح لهم ذلك بالأدلة الواضحة والحجج القوية مع الالتزام بالرفق واللين وعدم التعسف أو الغلظة.

<!--الرقابة الإدارية الإسلامية حق وواجب على الحاكم والمحكوم معاً

تعتبر الرقابة حق وواجب شرعي على الحاكم والمحكوم فلابد لولي الأمر أن ينشئ الأجهزة الاستشارية التي تساعد في تحقيق الرقابة السابقة المانعة لوقوع الأخطاء، وذلك امتثالا لأمر الله سبحانه وتعالى لرسوله بالمشاورة : ﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْر ﴾. [آل عمران : ١٥٩]

كما يجب على ولاة الأمور إنشاء أجهزة رقابة لاحقة علاجية يفسح فيـهـا المجال للدعاة والأمرين بالمعروف والناهين عن المنكر للقيام بواجباتهم في توجيه وإرشاد الناس إلى المعايير والقواعد الشرعية وبيان الأخطاء والانحرافات حتى لا تتفاقم وتؤدي إلى فساد المجتمع . كما أن على المحكومين مرؤوسين وغيرهم من أفراد المجتمع أن يمارسوا حقهم في الرقابة على أعمال وتصرفات الرؤساء مهما علا شأنهم في الأجهزة التنفيذية لأن عدم القيام بذلك يؤدي إلى الفساد بأشكاله المختلفة إدارية واجتماعية واقتصادية وسياسية.

عاشراً: أساليب الرقابة الإدارية الإسلامية وتطبيقاتها

<!-- الرقابة من قبل الحاكم نفسه

وقد بدأها الرسول ﷺ حيث حاسب ابن اللتبيه عامله على الصدقات حين قال: "مـا بـال الرجل نستعمله على العمل مما ولانا الله فيقول هذا لكم وهذا أهدى إلي، أفلا قعد في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى إليه أم لا ؟" وقال: " والذي نفسي بيده لا نستعمل رجلا على العمل مما ولانا الله فيغل منه شيئا إلا جاء يوم القيامة يحمله على رقبته إن كان بعيرا له رغاء وإن كانت بقرة لها خوار وإن كانت شاة تبعر، بدلا منه عندما اشتكاه وفد عبد القيس، وأوصاه بهم خيرا ثم رفع يديه إلى السماء وقال: اللهم هل بلغت، قالها مرتين أو ثلاثا [كتاب ابن الجوزية الطرق الحكمية في السياسة الشرعية]. كما أن الرسول قد عزل العلاء بن الحضرمي من ولاية البحرين وعين إبان بن سعيد.

ولقد حاسب أبو بكر الصديق معاذ بن جبل عندما قــدم مـن اليمـن بعـد وفاة الرسول وقال له: ارفع حسابك فقال معاذ: أحسابان؟ حساب من الله وحساب منك.

أما عمر فقد أثر عنه أنه قال: أرأيتم إن استعملت عليكـم خـيـر مـن أعـلـم وأمرته بالعدل، أقضيت ما علي ؟ قالوا: نعم قال: لا حتى أنظر في عمله، أعمل ما أمرته أم لا ؟. بل نجده قد سن إحصاء ثروة عماله قبل توليهم الولايات ثم محاسبتهم بعد ذلك عن طريق نظام المقاسمة أو المشاطرة كما حصل مع أبي هريرة وسعد بن أبي وقاص وعمرو بن العاص وخالد بن الوليد.

<!-- إرسال الرسل لتقصي الحقائق والتحقيق العلني

وقد حصل مثل هذا في عهد عمر رضي الله عنة مع سعد بن أبي وقاص واليه على الكوفة حيث بنى دارا سميت قصر سعد لها باب يحجب عنه الأصوات، فأرسل عمر محمد بن مسلمة ليحرق الباب. كما أرسله مرة أخرى عندما اتهم سعد من قبل بعض رعيته بأنه لا يقسم بالسوية ولا يعدل في الرعية ولا يغزو في السرية، وقد أثبت التحقيق براءته.

وعندما شكا أهل حمص عاملهم سعيد بن عامر بأنه لا يخرج للناس حتى يرتفع النهار ولا يجيب أحدا بليل وله في الشهر يوم لا يخرج فيه، فلما أثبت التحقيق إخلاصه ونزاهته كافأه عمـر على ذلك وأقره على عمله.

<!-- الزيارات الميدانية للتفتيش على العمال

حيث قام عمر رضي الله عنه  بعدة زيارات تفقدية للشام خصوصا بعد طاعون "عمواس" فلما وجد نتائجها طيبة خطط لزيارة كافة أرجاء الدولة الإسلامية لكي يعم نفعها في قضاء حوائج الرعية والتأكد من حسن سيرة العمال والولاة فيها.

<!-- المؤتمرات العامة للولاة والرعية

لقد كان من فعل عمر له أن يأمر عماله على الأقاليم بموافاة الموسم [الحج] من كل سنة ليحاسبهم أمام الرعية، وهكذا فعل عثمان . ويضيف أبو سن فائدتين أخريين لمثل هذا المؤتمر الاسلامي الكبير بأنه فرصة لبسط فلسفة الحكم والادارة، كما انة اسلوب تدريبي ناجح للإداريين للاستفادة من خبرات بعضهم وللتفكير الجماعي.

<!-- الرقابة عن طريق المحتسب

 وتقوم ولاية الحسبة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث وضع للمحتسب أسس ومعايير يعتمد عليها في مجال الرقابة بهدف منع الانحرافات قبل الحدوث إن أمكن، وتقديم النصح والإرشاد عن الأخطاء إذا وقعت وإيقاع الجزاء إن تطلب الأمر ذلك.

وقد تولاها رسول الله . ﷺ . بنفسه واتبعه الخلفاء الراشدين، وكان الأئمة في الصدر الأول يباشرونها بأنفسهم لعموم نفعها وجزيل ثوابها، فصارت وظيفة يعين لها أشخاص مع بداية العصر العباسي لاتساع الدولة ونشاط التجارة والصناعة ودخول الإسلام أقوام جدد ليس لديهم الوازع الديني ورقابة الضمير كما كان لدى الصحابة والتابعين، فقد ولى أبو جعفر المنصور الحسبة يحي ابن زكريا، كما ولى الخليفة الهادي الحسبة نافع بن عبد الرحمن كما ولى هارون الرشيد أحد الرجال العاملين بالفقه والعلم والهندسة والحساب مهمة الحسبة في البناء وعلى عمال الخراج يتقاضاه ويحاسبهم

<!-- الرقابة عن طريق ديوان الخاتم والبريد والأزمة

حيث يرجع إنشاء ديوان الخاتم إلى معاوية بن أبي سفيان، وكان الهدف من إنشائه هو وضع نظام للضبط الداخلي يكفل إحكام الرقابة على أعمال الدولة، وكذلك بالنسبة لديوان البريد حيث نظم في عهد معاوية وكان صاحب البريد يقوم برفع التقارير التي ترد للخليفة من سائر أنحاء الدولة. أما ديوان الأزمة فقد ظهر في عهد المهدي في عصر الدولة العباسية حيث ولى عليه عمر بـن بزيع وكان يقوم برقابة مالية فعالة متخصصة على جميع دواوين الدولة.

<!-- الرقابة عن طريق والى المظالم

والهدف من إنشاء هذه الوظيفة هو الحد ووقف التعدي الذي قد يحصل من كبار الموظفين في الدولة على من هم أقل منهم في العمل أو على الأملاك والأشخاص من  عامة الناس  وقد مرت هذه الولاية بمراحل:

الأولى، وكان يباشر الرسول الله بنفسه النظر فيـهـا كمـا بـاشـرهـا مـن بعـده الخلفاء الراشدون دون أن يخصص لها يوما معينا.

الثانية، تتميز عن سابقتها بتحديـد أيـام للنظر في المظالم كما حصل في عهد عبدالملك بن مروان ثم عمر بن عبدالعزيز حيث جلس لها بنفسه، ثم في العصر العباسي أصبح لها هيئة مستقلة واختصاصات وشروط لمن يتولاها.

 

ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 217 مشاهدة

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,879,499

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters