يعد التنظيم الإداري في الإسلام من الموضوعات المهمة والمثيرة للاهتمام، حيث يتميز هذا التنظيم بالعدل والمساواة والاستشارة والشورى، ويهدف إلى تحقيق الرفاهية والسعادة للأفراد والمجتمعات المسلمة. كما يشجع هذا التنظيم على العمل الجماعي والتعاون بين الأفراد والمؤسسات، ويحث على الإبداع والابتكار وتحقيق الاستدامة في العمل الإداري والاقتصادي.
وتعتبر الإدارة الإسلامية من النظم الإدارية التي تستند إلى الشريعة الإسلامية، وتحترم مبادئ العدل والمساواة والحرية والاستشارة والشورى. وتقوم الإدارة الإسلامية على قواعد وأسس ومبادئ تحكم تنظيم العمل الإداري في المجتمع الإسلامي، وتسعى إلى تحقيق التوازن والتنمية المستدامة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية.
إن رسول الله . ﷺ . هو واحدٌ من أولئك الأنبياء والرسل الذين قاموا على بناء مجتمعاتهم وأقوامهم بما هداهم الله [سبحانه وتعالى] إليه في جميع مراحل البناء الإنساني والحضاري. والسنة النبوية الشريفة فيها من كنوز العلم والمعرفةِ ما تقوم به الأمم، وما يصلحها إلى قيام الساعة.
والروايات والأحاديث النبوية الشريفة لتشهد لهذا النبي . ﷺ . سبْقهُ إلى وضع الخطط الناجحة، والتنظيم الناجح، والرقابة الكاملة، وحله للأزمات، وتشجيعه للعاملين معه، والمجاهدين في سبيل الله [جل وعلا]. وقد دأب . ﷺ . على تعزيز القيم وتنمية المهارات لدى أصحابه [رضي الله عنهم] ليكونوا غاية في الإبداع والرقي والسمو.
إنّ من أهم القيم والمهارات التي كان يحرص على فعلها النبي . ﷺ . أشد الحرص هي التنظيم. فالتنظيم يساعد في تحقيق الأهداف الرئيسية للمجتمع بأحسن كفاءة ممكنة عن طريق التنسيق، وحسن الاستغلال للموارد المادية المتاحة، وهو يساعد في خلق روح التعاون والتضامن بين الأفراد لبلوغ الأهداف المحددة. ويساعد على الاستفادة من الأساليب المتطورة في أداء العمل. وكذلك فهو يحدد أوجه النشاط اللازمة لتحقيق هدف معين، أو خطة مرسومة.
يمثل التنظيم أهمية كبيرة في وقتنا الحاضر، لما له من أثر في حياة المنظمات الإدارية وديمومتها، فهو دليل واضح على مفهوم العمليات الإدارية وأبعادها. وهو كذلك الإطار الذي تتحدد بموجبه أوجه النشاطات الإدارية اللازمة لتحقيق الأهداف، حيث يتم فيه تحديد المسارات الوظيفية تحديداً دقيقاً إضافة إلى اكتمال العمليات التنظيمية المتعددة، فتتم فيه عمليات تجميع المهام والنشاطات المرغوب القيام بها في وظائف. ولعل من أهم أسباب الفشل التي تعانيه بعض مجتمعاتنا الإسلامية في أغلب المجالات الحياتية هو عدم وجود التخطيط والتنظيم في أعمالنا، بسبب ابتعادنا عن شرعنا وديننا الإسلامي الحنيف، وعدم التزامنا بالقيم التي وضعها نبينا وحبيبنا محمد رسول الله . ﷺ ..
تمثل عملية تعريف أي حقل من حقول العلم والمعرفة أو أي ظاهرة من الظواهر أصعب خطوة في البحث العلمي، لأن تعريف أي موضوع في الحقيقة هو اكتشاف له وتحديد لكافة أبعاده وأهدافه وغاياته التي لولاها لم يكن لهذا الموضوع وجود ولا أهمية ولذلك يفترض للإلمام بمفهوم كلمة تنظيم يجدر بنا تعريفه تعريفا لغويا واصطلاحيا أو فقهيا.
التنظيم لغة: الأصل اللغوي لكلمة - تنظيم - أنها مصدر الفعل «نظم» بمعنى رتب أو نسق وفي لسان العرب لابن منظور ورد في هذا المعنى نظم النظم، التأليف، نظمه، ينظمه، نظما، ونظاما ونظمه فانتظم، ونظمت اللؤلؤ أي جمعته في سلك والتنظيم مثله. وورد في مختار الصحاح نظم اللؤلؤ جمعه في خيط، ونظم تنظيما مثله.
فالتنظيم بهذا المعنى هو مصدر فعل متعد يصلح إن يكون مرتبطا بأشياء مادية كالآلات والعمال، أو أشياء معنوية كالوقت والعمل والتنظيم في حد ذاته له معنى مطلق يمكن تقييده بإضافة كلمة أخرى إليه فتعبر عن مجال نشاطه فيقال مثلا: تنظيم اقتصادي، تنظيم مالي، تنظيم إداري.. الخ. وفي هذه الحالة يكتسب التنظيم معنى اصطلاحي أوسع يتضمن المعنى اللغوي وزيادة عليه فيعطيه معنى خاصا مستمدا من الإضافة.
التنظيم اصطلاحا: فيما يتعلق بتعريف التنظيم اصطلاحا لا يمكن تناول هذا المصطلح من جميع وجهات نظر ففقهاء الإدارة لانتماء هؤلاء الفقهاء إلى مدارس إدارية وتنظيمية مختلفة مما يجعلنا نحصر التعريف في أراء المختصين ولكن نذكر منها:
كما يعرف التنظيم بأنه «الوسيلة التي ترتبط بها أعداد كبيرة من البشر ينهضون بأعمال معقدة ويرتبطون معا في محاولة واعية منظمة لتحقيق أغراض متفق عليها».
وعرفة البعض الأخر بأنه عملية توزيع للوظائف بين مختلف الأقسام والوحدات والعاملين فيها، مُقررًا فيها بما سيتبعه من تقسيم للسلطة اللازمة لأدائها، والمسؤولية المقترنة بها للنتائج المستهدف تحقيقها.
من خلال هذه التعاريف للتنظيم يمكن القول إنه لكي يوجد تنظيم لابد من توفر مجموعة من العناصر هي:
<!--تحديد هدف مشترك متفق عليه.
<!--وجود مجموعة من الأفراد تربط بينهم علاقة محسوسة.
<!--اشتراك الأفراد في تحقيق الهدف المتفق عليه.
هذا ما يتعلق بمفهوم التنظيم بصفة عامة
أما مفهوم التنظيم الإداري في الفكر الإسلامي:
بعد اللمحة الموجزة لمفهوم التنظيم الإداري كما هو عليه الآن وبالصورة الحالية وهو نتاج الفكر الغربي المعاصر، فإن هذه الحقيقة لا تمنع من كون أن هذه الصورة قد كانت ممارسة من قبل التنظيمات الإسلامية سابقا لكن مع اختلاف في المفاهيم مراعاة لاختلاف الزمان ومتطلباته والمكان وظروفه والبيئة التي نشأة فيها هذه التنظيمات الإدارية،
فيعرف التنظيم الإداري في الإسلام بأنه البناء التنظيمي المطبق في الدولة الإسلامية، والقائم على كتاب الله وسنة رسوله . ﷺ . والذي يهدف إلى تَحقيق هدف شرعي في ظل ظروف إنسانية.
ويعرِّفه البعض الأخر بأنه "وظيفة إدارية تَهدف إلى تحقيق أغراضٍ شرعية، وتعمل على تنسيق النشاطات والجهود، وتَحديد العلاقة بين أعضاء المنظمة في إطارِ ما ورد في القرآن الكريم، وما جاءت به السنة النبوية المطهرة.
ومما سبق يمكن القول بأن التنظيم الإداري في الإسلام وظيفة إدارية رئيسية تسعى إلى تَحديد كل النشاطات المباحة في المؤسسة، وتَحديد أوجهها، ثم تقسيمها إلى مجموعات من الأعمال، بحيث يمكن إسناد كل منها إلى الشخص الذي تتوفر فيه مواصفات وشروط مُعيَّنة، مع توضيح كل الحقوق والالتزامات، وكذلك العلاقات الداخلية بين الموظفين - رؤساء ومَرؤوسين - في المؤسسة، والمتعاملين معها من الخارج أفرادًا ومؤسسات، في ضوء أحكام وتعليمات مَصدرها الشريعة الإسلامية، وذلك من أجل تَحقيق أهداف مشروعة".
وما يدل على ذلك من القرآن قولة تعالى في سورة الصف: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ ﴾. [الصف : 4]. ويمكن القول إن هذه الآية تشجع على العمل الجماعي والتعاون بين المقاتلين في سبيل الدفاع عن الإسلام والمسلمين، وبالتالي فهي تشير إلى الأهمية الكبيرة للتنظيم والتنسيق في المعارك والحروب. ومن المعروف أن التنظيم الجيد والتنسيق الفعال يلعبان دوراً حاسماً في نجاح أي قتال.
والبنيان المرصوص هو مصطلح يستخدم لوصف بناء متين ومحكم البناء، حيث يتم ترتيب الحجارة والطوب والإسمنت والركام بشكل محكم ومرتب لضمان استقرار وتحمل الهيكل البنائي للمبنى. ويتم استخدام هذا المصطلح في الآية كتعبير عن تحصين وتنظيم الصفوف والمواجهة بشكل محكم ومنظم، مما يجعلها مستقرة ومتينة وقوية في وجه العدو، وبالتالي فهي تعبر عن الأهمية الكبيرة للتنظيم والتنسيق.