أن تحسين القدرة التنافسية التصديرية أمر هام، ينطوي على تحديات، ولكنه ليس هدف في حد ذاته، بل أداة لبلوغ هدف تعزيز التنمية، ويثير ذلك قضية الفوائد المستمدة من التجارة المرتبطة بالشركات المتعددة الجنسيات، بدءا بتحسين الميزان التجاري، ثم تحسين عمليات التصدير وإدامتها على مر الزمن وحتى وإن كانت الاستثمارات الأجنبية المباشرة الموجهة صوب التصدير تساعد على زيادة الصادرات فإن الشركات الأجنبية تستورد أيضا، وقد تكون حصيلة النقد الأجنبي الصافية في بعض الحالات، وقد تسجل أيضا قيم تصدير عالية مع تدني معدلات القيمة المضافة، والمسألة في كافة الحالات هي معرفة كيف يمكن للدول النامية المضيفة أن تستفيد إلى أقصى حد ممكن من الأصول التي تتحكم بها الشركات متعددة الجنسية، وتعتمد المسألة إلى حد كبير على الاستراتيجيات التي تتبعها الشركات متعددة الجنسيات، من ناحية، وعلى ما يقابلها من قدرات وسياسات في البلد المضيف، من ناحية أخرى.

والاعتماد المفرط على الشركات المتعددة الجنسيات لبناء القدرة التنافسية التصديرية له عيوبه، فقد تركز الشركات متعددة الجنسيات على المزايا النسبية الثابتة للبلد المضيف فقط، وعلى وجه الخصوص قد لا يكون بالمقدور تنمية المزايا النسبية الدينامية ولا انخراط الشركات المنتسبة في الاقتصاد المحلي بإقامة روابط بمشاريع الأعمال المحلية عن طريق مواصلة تنمية مهارات العاملين أو بإدخال تقنيات أكثر تطورا.

ويمكن للشركات متعددة الجنسيات أن تسهم في تحسين القدرة التنافسية لبلد ما، إما من خلال الاستثمار في أنشطة ذات قيمة مضافة أكبر في الصناعات التي تستثمر فيها من قبل، أو بالتحول في صناعة معينة من الأنشطة ذات الإنتاجية المنخفضة والمعتمدة على تكنولوجيا بسيطة وعمالة كثيفة Labor Intensive إلى انشطة ذات إنتاجية عالية تعتمد على تكنولوجيا رفيعة المستوى وعلى المعارف.

ثمة أولوية مشتركة بين الدول سواء كانت دول غنية أو فقيرة، الا وهي تحسين الصادرات وإدامتها حتى تسهم في التنمية مساهمة فعالة، ومثلما تجد الشركات نفسها مضطرة لجعل نظمها الإنتاجية أكثر قدرة على المنافسة، ويجب على الدول أن تنظر في كيفية التحول، في أي صناعة من الصناعات إلى أنشطة ذات قيمة مضافة أعلى.

ويمكن للشركات متعددة الجنسيات أن تساعد بطرق شتى على تعزيز القدرة التنافسية التصديرية للدول المضيفة لهذه الشركات، ويكمن التحدي هنا في إمكانية الاستفادة من إمكانات الشركات متعددة الجنسيات لتحقيق هذا الهدف، وبقصد اجتذاب الاستثمار الاجنبي المباشر الموجه للتصدير، والتأكد من أن هذا الاستثمار يرجع بفوائد إنمائية، يجب على الدول أن تجد أكثر الاساليب فعالية لجعل مواقعها مواتية للاضطلاع بنوع من الأنشطة التصديرية التي تهدف إلى تشجيعها، ولابد حتى للجهات التقليدية الرئيسية المستفيدة من الاستثمار الأجنبي الموجه للتصدير من الارتقاء بمستوى صادراتها للتمكن من تحمل عبء الاجور المرتفعة والحفاظ على قدرتها التنافسية كقاعدة للتصدير.

وتعد إمكانية الوصول إلى الأسواق الرئيسية شرطا ضروريا من الشروط الكفيلة بزيادة القدرة التنافسية لدولة ما، لكنه غير كاف لاجتذاب الأنشطة الموجهة للتصدير، ويمكن لحكومات الدول المضيفة أن تنظر في اتخاذ عدد من التدابير التي قد تحسن قدرة الدولة على اجتذاب الاستثمار في الامد الطويل كقاعدة للإنتاج الموجه نحو التصدير، ويعد إنشاء مناطق لتجهيز الصادرات بقصد توفير هياكل اساسية فعالة والقضاء على البيروقراطية ضمن نطاق محدود أداة شائعة الاستعمال أيضا لتعزيز الاستثمار الأجنبي المباشر الموجه نحو التصدير، ويعتمد أداء مناطق تجهيز الصادرات إلى حد كبير على سياسات أخرى، ولاسيما السياسات الموضوعة لتنمية الموارد البشرية وإنشاء الهياكل الأساسية المطلوبة لاجتذاب الاستثمار الأجنبي المباشر الموجه للتصدير وزيادته.

ويتعين أن ينسجم اختيار أدوات السياسة العامة المرتبطة بالاستثمار الأجنبي المباشر الموجه نحو التصدير مع الاستراتيجية التنموية الشاملة للدولة المعنية، كما يجب وجود وكالات لتشجيع الاستثمار ذات وجهة تجارية وعلاقات متطورة جدا مع القطاع الخاص، إضافة إلى الدوائر الحكومية الأخرى لخلق مزايا نسبية يمكن أن تكون مستدامة وليست عابرة.

وغني عن البيان أن مقدار النجاح الذي تحققه الدولة المضيفة في اجتذاب الاستثمار الأجنبي المباشر الموجه نحو التصدير ورفع مستواه، اضافة إلى جني ثمار التنمية التي يحققها هذا الاستثمار يعتمد اعتمادا حاسما على قدرة الدولة على تطوير القدرات المحلية، والواقع أن بعض الدول التي كانت أكثر نجاحا من غيرها في تعزيز القدرة التنافسية في مجال التصدير والتحكم بالاستثمار الاجنبي المباشر الموجه صوب التصدير قد لجأت إلى اتباع نهج ثنائي يرتكز على تنمية القدرات المحلية مع استهداف الموارد والأصول الأجنبية في الوقت ذاته، ويمكن أن تشمل العناصر الهامة لهذا النهج على ما يلي:

<!--لتأكد من أن ما هو مستهدف في تشجيع الاستثمار يتلاءم مع الاستراتيجيات التنموية والصناعية الأوسع نطاقا للدولة المعنية.

<!-- توفير رزمة من الحوافز بطريقة مركزة لتشجيع الشركات المتعددة الجنسيات على الاستثمار في الانشطة الاستراتيجية (مع مراعاة قواعد منظمة التجارة العالمية بشأن التصدير).

<!-- إشراك الشركات الأجنبية المنتسبة في تطوير ورفع مستوى التنمية البشرية.

<!-- إيجاد بنية أساسية رفيعة المستوى من قبيل تجهيز الصادرات والمجمعات العلمية.

<!-- توفير الدعم الهادف لمنظمي المشاريع المحليين والنهوض بالموردين ومجمعات المشاريع.

وحتى تقطف الدول المضيفة كامل ثمار الاستثمار الأجنبي المباشر الموجه نحو التصدير، وبهدف تسهيل الأنشطة الموجهة نحو التصدير ورفع مستواها وجعلها مستديمة، فإن على هذه الدول أن تشجع إقامة الروابط Linkages بين الشركات الأجنبية المنتسبة والجهات الموردة المحلية، وتعد هذه الروابط أداة رئيسة لتعميم المهارات والمعارف والتكنولوجيا على الشركات المحلية، وأهم أدوات السياسة العامة تشمل الآتي:

<!--توفير معلومات ومضاهاتها.

<!--تشجيع الشركات الأجنبية المنتسبة على المشاركة في البرامج الهادفة إلى رفع مستوى القدرات التكنولوجية للموردين المحليين.

<!--تشجيع إنشاء اتحادات أو نوادي الموردين.

<!--توفير التدريب المشترك، ومختلف المخططات الرامية إلى تعزيز سبل حصول الموردين المحليين على التمويل.

وقد قامت بعض الدول التي شهدت تحسنا في قدرتها التنافسية التصديرية على مدى عقدي الثمانينات والتسعينات من القرن العشرين باستضافة تجمعات من المشاريع الإنتاجية التي تملكها جهات أجنبية بصورة رئيسة، لكن رغم أن تشكيل التجمعات قد يحدث تلقائيا، فإن تدخل الحكومة الاستراتيجي يمكن أن يسهل قيام هذه التجمعات بصورة متزايدة، وقد تم تحديد ثلاثة أنواع من الجهود باعتبارها جهودا أساسية لتطوير المجمعات التي تنطوي على الاستثمار الأجنبي المباشر الوارد، وتتمثل هذه الأنواع بالآتي:

<!--تشجيع الاستثمار والأعمال التجارية بطريقة محددة الهدف، حيث يتعين ان يفهم المسئولين عن رسم السياسات العامة الاحتياجات التنافسية للصناعات المختلفة حتى يتفادوا إساءة توجيه الاستثمارات نحو النوع غير الصحيح من التجمعات الصناعية.

<!--بناء المؤسسات، إذ أنه يمكن تشجيع ميول التكتل عن طريق إنشاء مناطق لتجهيز الصادرات، ومجمعات صناعية وغيرها من المرافق المتخصصة، التي غالبا ما تكون متخصصة في صناعة واحدة أو أكثر. تدريب الموارد البشرية ورفع مستوى تأهيلها.

إن استمرار حاجة الدول النامية لارتقاء سلم القيمة المضافة وتحسين جاذبية مزاياها كموقع للاستثمار يمثل مهمة صعبة للمسئولين عن رسم السياسات العامة في هذه الدول، إذ إنه يستدعي اتباع نهج أكثر تعقيدا وشمولية في مجال السياسة العامة يراعي التغيرات الحاصلة في استراتيجيات الشركات المتعددة الجنسيات، وعلى صعيد وضع القواعد على النطاق الدولي، وبالإضافة إلى ذلك يتعين أن يحتل تطوير

القدرات المحلية مكان الصدارة على جدول الأعمال، لأن ذلك لا يساعد على اجتذاب الاستثمار الأجنبي المباشر ذي النوعية الرفيعة المستوى فقط، وإنما يعد ضروريا لتسهيل الارتقاء بمستوى الأنشطة القائمة.

وبالنظر إلى إمكانات تحسين القدرة التنافسية التصديرية من اجل النهوض بالتنمية، يتعين التسليم أيضا بحاجة الدول النامية إلى الحفاظ على حيز كاف في مجال السياسة العامة يتيح لها السعي لتحقيق أهدافها التنموية، واخيرا، فإن مقدار استفادة الدول النامية من الفرص الجديدة الناشئة عن ظهور نظم الإنتاج الدولي يعتمد على حد كبير على ما تتخذه هي عن نفسها من إجراءات، ويمكن للدول المتقدمة صناعيا أن تساعد أيضا بعدد من الطرق تتمثل بالآتي:

<!--توفير المساعدة لتطوير القدرات المؤسسية.

<!--نشر المعلومات عن فرص الاستثمار الموجه صوب التصدير.

<!--إزالة الحواجز أمام صادرات الدول النامية.

المصدر: د. أحمد السيد كردي
ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 45 مشاهدة

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,746,880

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters