حظى موضوع ريادة الأعمال في الآونة الأخيرة بأهمية بالغة في مختلف القطاعات والأنشطة, نظرا لأثاره على مستوى تطور الشركات ورفاهيتها, فالتوجه الريادي يضع الأفراد والمؤسسات أمام التحدي مما يعزز فيهم الاستمرارية والتنافسية من أجل السبق إلى البدء قبل الآخرين وتحقيق المزايا التنافسية على المنظمات الأخرى.  ومع تزايد الأبحاث والدراسات على مدى العقود العديدة الماضية في التوجه الريادي، وقد وجد الباحثون أن هذه الممارسات ذات فعالية بالنسبة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة. وبسبب هذا، قدم الباحثون مدخل التوجه الريادي كحل لهذه المشروعات في ظل التحديات التي تواجه الأعمال

إن مفهوم حاضنات الأعمال يرجع إلى الخمسينيات من القرن الماضي ولقد ارتبط بالمشروعات الرائدة والمبتكرة كأساس لقبول احتضان المشروعات لها، وكون التجربة انتشرت لتشمل العديد من دول العالم حيث بدأت في الولايات المتحدة الأمريكية وحققت نتائج ملموسة لتقوم الولايات المتحدة بمساعدة بعض دول الاتحاد الأوروبي الدول العربية بالأخذ بالتجربة، فأصبحت هناك نماذج عالمية مختلفة تتناسب مع احتياجات المشروعات الصغيرة والمتوسطة في كل دولة، وتطورت التجربة وتعددت نماذجها البرازيلية التي رغم حداثتها النسبية إلا أنها كانت من أهم الآليات التي انتهجتها الحكومة البرازيلية للنهوض الاقتصادي بالبلاد.

وهذا ما جعل حاضنات المشروعات الصغيرة ينظر لها على أساس أنها مشروع تنموي متكامل للتأهيل وتبنى ومساعدة المشروعات الصغيرة ودعم فرص نجاحها واستمرارها، إلا أنها تواجهها الكثير من الصعوبات في كثير من الدول وخاصة الدول النامية، ولم يعد الاهتمام بموضوع حاضنات المشروعات الصغيرة ومدى دعمها للمشروعات أمر يقتصر على الأكاديميين وذوى الاختصاص، بل تعدى ذلك ليصبح موضوع اهتمام صانعي القرارات والسياسات العالمية بغض النظر عن مواقعهم الوظيفية والاجتماعية والدولية والتي انعقدت من أجلها العديد من المؤتمرات والملتقيات المحلية والإقليمية والدولية.

وتسعى مختلف الدول متقدمة كانت أو نامية إلى تأهيل مؤسساتها، من أجل تذليل كل العقبات التي من شأنها أن تقف أمام استمرار ونمو هذه المؤسسات، وإعانتها على تجاوز أعباء مرحلة الانطلاق، وانجاز مشاريعها، وكفاءة الإنتاج، وإشباع حاجيات السوق المحلي، وتكوينها بهدف القدرة على المنافسة في أي سوق.

المقصود بالحاضنات الجهات الداعمة التي تعتبر كل مشروع صغير وكأنه وليد يحتاج إلى الرعاية الفائقة والاهتمام الشامل، ولذلك يحتاج إلى حضانة تضمه منذ مولده لتحميه من المخاطر التي تحيط به وتمده بطاقة الاستمرارية، وتدفع به تدريجيا بعد ذلك قويا قادرا على النماء ومؤهلا للمستقبل ومزودا بفعاليات وآليات النجاح.

والحاضنة هي منظومة عمل متكاملة توفر الإمكانات المطلوبة لبدء المشروع، تنطوي على شبكة من الارتباطات والاتصالات بمجتمع الأعمال والصناعة، تدار عن طريق إدارة متخصصة توفر جميع أنواع الدعم لزيادة نسب نجاح المشروعات الملتحقة بها، والتغلب على المشاكل التي تؤدي غالبا إلى فشلها وعجزها عن الوفاء بالتزاماتها.

مما سبق يمكن تعريف الحاضنة بأنها هي الجهة أو الهيئة التي تتبني أفكار المبدعين والمبادرين وتوجهها لإنتاج وتقديم منتجات جديدة أو تطوير صناعات أو خدمات قائمة من خلال توفير بيئة عمل مناسبة لهذه المشروعات الوليدة وذلك بتقديم الخدمات الإدارية والاستشارات الفنية والاقتصادية إلي جانب توفير بعض المعدات والمستلزمات كما تتولي ربط الجهات المساعدة في إنجاح المشروعات المحتضنة مثل مصادر التمويل وغيرها لفترة زمنية محددة تصبح فيها هذه المشروعات الوليدة قادرة علي الخروج من الحاضنة ومواجهة صعوبات السوق.

تشبه فكرة حاضنات الأعمال بشكل عام نفس فكرة حاضنات الأطفال حديثي الولادة، حيث يحتاج الطفل منذ ولادته إلى دعم ورعاية من نوع خاص، وبالتالي يتمنكن الطفل الذي يدخل الحضانة من القيام بوظائفه الحيوية كبقية الأطفال وبشكل سليم، ويتم احتضان الطفل في الحضانة لفترة زمنية حتى يصبح قادرا على قيامه بوظائفه الحيوية دون الاستعانة بالحضانة، وبالتالي هي نفس فكرة حاضنات الأعمال، حيث تلتحق بها المشروعات المبتدئة والناشئة حتى تتلقى الخدمات والدعم اللازم، وذلك خلال فترة برنامج الحاضنة حتى يصبح المشروع قادرا على ممارسة نشاطه في السوق بسهولة دون الاستعانة بحاضنات الأعمال.

وفكرة حاضنات الأعمال نشأت نتيجة للسعي الدؤوب لبعض الدول من أجل تطوير نشاط مراكز تطوير الأعمال، والاهتمام المتزايد من قبل هذه الدول بتشجيع الإبداع والابتكار وعملية نقل التكنولوجيا، والاقتناع بأهمية ودور المنشآت المبدعة الجديدة. وتعد الولايات المتحدة الأمريكية مهد نشوء حاضنات الأعمال. وتعود فكرة الحاضنات إلي نهاية الخمسينات بعد خروج الولايات المتحدة الأمريكية من الحرب العالمية الثانية وازدياد الكساد والبطالة وتعطل المصانع الكبيرة التقليدية.

ولقد ظهرت أول حاضنة في نيويورك سنة 1959 هي، Mancuso`s Batavia Industrial center كأول حاضنة يعرفها العالم إلي اليوم، عندما قامت عائلة بتحويل مقر شركتها بعد أن توقفت عن العمل إلي مركز للأعمال يتم تأجير وحداته المجهزة بالأثاث والمعدات المكتبية للأفراد الراغبين في إقامة مشروعاتهم مع توفير النصائح والاستشارات لهم، ولاقت هذه الفكرة نجاحا كبيرا. ولقد استمر Joseph Mancuso أشهر الأسماء في قائمة مبتكري آلية الحاضنات إلي أن توفي في إبريل 2008 عن عمر يناهز ال 88 عاما.

ولم تنتشر الفكرة سريعا، ولكن مع تزايد الاهتمام بالمشروعات الصغيرة في مختلف دول العالم منذ نهايات السبعينات من القرن الماضي، يرتبط مفهوم الحاضنات بالمشروعات الصغيرة كعملية مستحدثه يمكن أن تنمي هذا القطاع الاقتصادي وتؤدي دورها في تحقيق التنمية. وحتى عام 1980 لم يتعدى عدد حاضنات الأعمال في الولايات المتحدة الأمريكية سوي 12 حاضنة.

ثم ارتفع عدد الحاضنات في الولايات المتحدة الأمريكية إلي 15 حاضنة في أوائل الثمانينات، وإلي 20 حاضنة في عام 1984 وإلي 70 حاضنة في عام 1987، ونهاية عام 2010 أصبح هناك 1400 حاضنة في الولايات المتحدة الأمريكية. وتلتها الصين في عدد الحاضنات والتي وصلت إلى 800 حاضنة.

وبعد ظهور حاضنات الأعمال في الولايات المتحدة الأمريكية بدأت تظهر في أوروبا لاحقا حيث تبرز ألمانيا وفرنسا وبريطانيا كدول رائدة في مجال تبني آلية الحاضنات، فكانت أول تجربة حاضنات من نصيب فرنسا وأسمه TACOMAK والتي أنشأت علي مساحة 500م2 وقامت بعد اختيار 300 مشروع باحتضان 15 مشروع، كما كان أول قطب تقني في فرنسا هو "مترو وليس" والذي أنشأ منذ 1964. ومنذ بداية العمل بها وحتى 2002 وصلت عدد الحاضنات القائمة في فرنسا إلي 112 حاضنة و 48 قطب تقني.

وبدأت في بريطاني أول الحاضنات الإنجليزية، ففي عام 1971 تم إنشاء حديقتي التقنية بجامعتي هريوت وكمبريدج، وحتى نهاية 1989 وصل عدد الحاضنات في بريطانيا إلي 36 حديقة تقنية، ووفقا للتقرير السنوي لـ (United Kingdom Business Incubation (UKBI فإن عدد الحاضنات في بريطاني وصل قرابة عام 2000 إلى 270 حاضنة.

أما بالنسبة لألمانيا فقد بدأت أول تجاربها في إقامة الحاضنات عام 1983 بمبادرة من الجامعة التقنية ببرلين، وتعدي عدد الحاضنات نهاية عام 2010 إلى 330 حاضنة و67 حديقة تقنية. ووفقا للتقرير السنوي الصادر عام 2004 لـNational Business Incubation Association NBIA وهي الجمعية القومية الأمريكية لحاضنات الأعمال، أن عدد الحاضنات في الاتحاد الأوروبي يزيد علي 900 حاضنة. ولقد تربعت الصين نهاية عام 2010 علي المركز الثاني. ويعود تاريخ أول حاضنة في الصين إلي عام 1987 Wuhan Donbhu Business Incubation Center ولقد تم قامة نماذج منفردة من الحاضنات في الصين, ولقد تم إقامة 54 حديقة تكنولوجية خلال التسعينيات، وصلت إلي 465 حاضنة حتى أكتوبر 2002، جميعها تقريبا حاضنات تكنولوجية.

بجانب المرحلتين الزمنيتين أعلاه (الثمانينات والتسعينات) يشير البعض إلى أن ما شهدته حاضنات الأعمال بدءا من العام 1998 يعد نقطة تحول جوهرية تعبر عن التحول نحو العمل في عصر العولمة، ويطلق البعض على حاضنات هذه المرحلة بحاضنات الجيل الثالث، إذ تم التحول إلى إنشاء حاضنات تهدف إلى الربح مستفيدة من التطورات الحاصلة في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتقديم الدعم الذي أسهم في خلق نوع جديد من الحاضنات يعرف بالمشاريع المستندة إلى المعرفة Knowledge-Based Ventures وقد أسهمت بعض تلك الحاضنات في تحقيق النمو الاقتصادي، وأدت هذه التطورات إلى ظهور ما يعرف بالحاضنات الافتراضية Virtual Incubators أو ما يعرف بالحاضنات عديمة الجدران أو الحدود.

وبالنسبة لدول الشرق الأوسط وأفريقيا، فقد ظهرت فكرة الحاضنات لدي الدول العربية في التسعينات بمساعدة لتحاد الأوروبي والبنك الدولي حيث لعبت منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية دورا هما خاصة في دول العالم الثالث ودول أوروبا الشرقية بعد سقوط الاتحاد السوفيتي. ولقد أنشأت أولي الحاضنات في أوائل التسعينات من القرن الماضي ثم كانت أول حاضنة في جمهورية مصر العربية في 1995 كما كانت أول منظمة غير حكومية قامت لرعاية المشروعات الصغيرة هي الجمعية المصرية لحاضنات الأعمال بتمويل من الصندوق الاجتماعي للتنمية، ولقد كانت الخطط الموضوعة هي إنشاء حوالي 20 حاضنة قبل 2003 وإلي الآن لم تصل عدد الحاضنات القائمة في مصر إلي هذا العدد.

ولقد حققت كل من مصر والأردن وتونس قدرا من التقدم في تطبيق مفهوم حاضنات الأعمال فتعددت التجارب وحققت نتائج ملموسة كم نتشر مفهوم الحاضنات في باقي منطقة الشرق الأوسط والدول العربية. وتوجد لن الحاضنات وحدائق العلوم والتكنولوجيا في سلطنة عمان وقطر والبحرين ولبنان والسودان، كذلك بدأت تجربة الحاضنات في الجزائر والمغرب وليبيا وسوريا ولبنان والإمارات العربية.

 

ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,754,460

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters