فأين المروءة ؟!

يحتار المسلم في وصف ما يجب أن يقوم به المسلمون تجاه المنكوبين والمضطهدين هذه الأيام , هل هو نداء الواجب الديني الإسلامي الذي يوجب على المسلم نصرة أخيه وعدم خذلانه , أم هو واجب الإنسانية التي يجمع الناس جميعا على سطح هذه المعمورة , أم هو واجب المروءة العربية التي عرفت عن المشركين في الجاهلية مع المسلمين , أم هو مجموع هذه الثلاث معا .

إن الحقيقة الغائبة عن كثير من المسلمين اليوم , أن امتحان الله تعالى لإخواننا المضطهدين المنكوبين في سوريا وبورما وفلسطين والعراق وغيرها , الذين يسامون ألوان العذاب والموت , هو في واقع الأمر ابتلاء وامتحان آخر لأولئك المعافين المنعمين في بيوتهم وأهليهم , وكشفا لحقيقة إيمانهم وإسلامهم , أو على أقل تقدير كشف لمدى بقاء نوازع المروءة والرجولة في نفوسهم وقلوبهم , قال تعالى : { مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ } آل عمران / 73

نعم إنه امتحان المروءة في هذه الأيام , ذلك الخلق الكريم الذي يمكن اختزاله واختصاره بكلمة واحدة : (الرجولة) , جاء تعريف المروءة في المعجم الوسيط بأنها : آداب نفسانية تحمل مراعاتها الإنسان على الوقوف عند محاسن الأخلاق وجميل العادات , ( 2/860) أو هي كمال الرجولة كما في لسان العرب ( 1/154)

و جاء في تعريفها كما ورد عند بعض السلف وقد سُئل عن المروءة فأجاب : أن لا تعمل في السرِّ شيئاً تستحي منه في العلانية , كما ورد في تعريفٍ آخرٍ أن المروءة تعني : اجتناب الرجل ما يشينه ، واكتسابه ما يزينه .

وعلى كل حال فإن كثرة تعاريف المروءة واختلافها وعدم الاتفاق على تعريفٍ محددٍ لها دليلٌ واضحٌ على سمو منزلتها ، وعظيم شأنها ؛ لاسيما وأنها خُلقٌ كريم ، وسلوكٌ قويم ، وفضيلةٌ من الفضائل التي لا تكتمل إنسانية الإنسان إلا بتوافرها في سلوكه القولي والفعلي ، نظراً لما تدل عليه من كمال الصفات ومحاسن الآداب ؛ حتى قيل في شأنها : المروءةُ اسمٌ جامعٌ للمحاسن كلِّها .

لقد كان العرب قبل الإسلام يتسمون بالمروءة , ولذلك عرف السلف الصالح من المسلمين المروءة من جانبين , فقد عرفوها في الجاهلية قبل اعتناق الإسلام , ثم جاء الإسلام ليعزز تمسكهم بها وترسيخ التخلق والتحلي بها , وذلك تأكيدا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (فَعَنْ مَعَادِنِ الْعَرَبِ تَسْأَلُونِ خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقُهُوا ) البخاري 4/140

لقد حفظت لنا كتب السيرة النبوية الشريفة قصصا شتى في مروءة بعض العرب مع المسلمين قبل الإسلام , ففي سنوات حصار النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وبني هاشم في الشعب الذي دام ثلاث سنوات , قد منع عنهم الطعام والشراب والبيع والشراء , بما يشبه الحصار الاقتصادي أو العسكري اليوم , قام ثلة من أصحاب المروءة بنقض هذه الصحيفة , فلم تنم لهم جفون ولم تهدأ لهم نفس حتى نقضوا تلك الصحيفة الظالمة , رغم أنهم جميعا لم يكونوا مسلمين بعد , ولكنها المروءة والرجولة في نفوسهم , أبت عليهم رؤسة إخوانهم في الإنسانية يموتون جوعا دون أن يحركوا ساكنا .

جاء في الرحيق المختوم : وكان القائم بذلك هشام بن عمرو من بني عامر بن لؤى ـ وكان يصل بني هاشم في الشعب مستخفيًا بالليل بالطعام ـ فإنه ذهب إلى زهير بن أبي أمية المخزومى ـ وكانت أمه عاتكة بنت عبد المطلب ـ وقال : يا زهير، أرضيت أن تأكل الطعام، وتشرب الشراب، وأخوالك بحيث تعلم ؟ فقال : ويحك، فما أصنع وأنا رجل واحد ؟ أما والله لو كان معى رجل آخر لقمت في نقضها، قال : قد وجدت رجلًا . قال : فمن هو ؟ قال : أنا . قال له زهير : ابغنا رجلًا ثالثًا , فانضم إليهم المطعم بن عدي وأبو البختري بن هشام وزمعة بن الأسود , وتعاقدوا على نقض الصحيفة لإغذا هي قد أكلتها الأرضة كما نزل الوحي بذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم . الرحيق المختوم 1/190

والمطعم بن عدي الذي شارك في نقض الصحيفة , كانت له مواقف أخرى تنم عن مروءته وشهامته , لعل أبرزها ما فعله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم , حين عاد من الطائف ومنعته قريش من دخول مكة .

قال ابن هشام : لما انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم عن أهل الطائف، ولم يجيبوه إلى ما دعاهم إليه من تصديقه ونصرته صار إلى حراء ، ثم بعث إلى الأخنس بن شريق ليجيره , فقال : أنا حليف والحليف لا يجير، فبعث إلى سهيل بن عمرو، فقال : إن بني عامر لا تجير على بني كعب , فبعث إلى المطعم بن عدي، فأجابه إلى ذلك , ثم تسلح ودعا بنيه وقومه ، فقال : البسوا السلاح وكونوا عند أركان البيت فإني قد أجرت محمدًا ، ثم بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن ادخل ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه زيد بن حارثة حتى انتهي إلى المسجد الحرام ، فقام المطعم بن عدى على راحلته فنادى : يا معشر قريش إني قد أجرت محمدًا فلا يهجه أحد منكم ، وانتهي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الركن فاستلمه ، وطاف بالبيت وصلى ركعتين وانصرف إلى بيته ، ومطعم بن عدى وولده محدقون به بالسلاح حتى دخل بيته .

وقد حفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم للمطعم هذا الصنيع، فقال في أسارى بدر : ( لو كان المطعم بن عدى حيًا ثم كلمنى في هؤلاء النتنى لتركتهم له ) . الروض الأنف للسهيلي 2/225 والرحيق المختوم 1/101

فإذا كان أهل الجاهلية رغم عدم إيمانهم وإسلامهم يرفضون الظلم و يجيرون , فنحن – المسلمين – أولى بالمروءة والمعونة والإجارة , والذي يجمعنا الإسلام والإيمان , فإذا لم يكن الإيمان والإسلام الذي يجمعنا دافعا ومحركا كافيا لنصرتهم ومعونتهم , فأين المروءة والرجولة ؟؟!!

المصدر: موقع المسلم
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 105 مشاهدة
نشرت فى 7 أكتوبر 2014 بواسطة MuhammadAshadaw

بحث

تسجيل الدخول

مالك المعرفه

MuhammadAshadaw
مكافحة اضرار المخدرات والتدخين ومقالات اسلامية وادبية وتاريخيه وعلمية »

عدد زيارات الموقع

939,481

المخدرات خطر ومواجهة

مازال تعاطي المخدرات والاتجار فيها من المشكلات الكبرى التي تجتاح العالم بصفة عامة والعالم العربي والإسلامي بصفة خاصة وتعتبر مشكلة المخدرات من أخطر المشاكل لما لها من آثار شنيعة على الفرد والأسرة والمجتمع باعتبارها آفة وخطراً يتحمل الجميع مسؤولية مكافحتها والحد من انتشارها ويجب التعاون على الجميع في مواجهتها والتصدي لها وآثارها المدمرة على الإنسانية والمجتمعات ليس على الوضع الأخلاقي والاقتصادي ولا على الأمن الاجتماعي والصحي فحسب بل لتأثيرها المباشر على عقل الإنسان فهي تفسد المزاج والتفكير في الفرد وتحدث فيه الدياثة والتعدي وغير ذلك من الفساد وتصده عن واجباته الدينية وعن ذكر الله والصلاة، وتسلب إرادته وقدراته البدنية والنفسية كعضو صالح في المجتمع فهي داخلة فيما حرم الله ورسوله بل أشد حرمة من الخمر وأخبث شراً من جهة انها تفقد العقل وتفسد الأخلاق والدين وتتلف الأموال وتخل بالأمن وتشيع الفساد وتسحق الكرامة وتقضي على القيم وتزهق جوهر الشرف، ومن الظواهر السلبية لهذا الخطر المحدق أن المتعاطي للمخدرات ينتهي غالباً بالإدمان عليها واذا سلم المدمن من الموت لقاء جرعة زائدة أو تأثير للسموم ونحوها فإن المدمن يعيش ذليلاً بائساً مصاباً بالوهن وشحوب الوجه وضمور الجسم وضعف الاعصاب وفي هذا الصدد تؤكد الفحوص الطبية لملفات المدمنين العلاجية أو المرفقة في قضايا المقبوض عليهم التلازم بين داء فيروس الوباء الكبدي الخطر وغيره من الأمراض والأوبئة الفتاكة بتعاطي المخدرات والادمان عليها.