ما هي حقيقة الحياة الطيبة؟

 

إن من لوازم تقوى الله أن يستجيب المسلم لأوامر الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، كما أمر الله بذلك في محكم كتابه بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال: 24].

قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-: فتضمنت هذه الآية أمورًا منها: أنَّ الحياة النافعة إنَّما تحصل بالاستجابة لله ورسوله، ومن لم تحصل له هذه الاستجابة؛ فلا حياة له، وإن كانت له حياةٌ بهيميةٌ مشتركةٌ بينه وبين أرذل الحيوانات، فالحياة الحقيقية الطيبة هي حياة من استجاب لله والرسول ظاهرًا وباطنًا، فهؤلاء هم الأحياء وإن ماتوا، وغيرهم أموات وإن كانوا أحياء الأبدان، ولهذا كان أكمل الناس حياة أكملهم استجابةً لدعوة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وإن كل ما دع إليه ففيه الحياة، فمن فاته جزءٌ منه، فاته جزءٌ من الحياة، وفيه من الحياة بحسب ما استجاب للرسول.

الله أكبر! إنه لا حياة حقيقية؛ إِلَّا لمن استجاب لله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، ولا تحصل الاستجابة إِلَّا بطاعة الله ورسوله، والوقوف عند حدود الله، ولزوم سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والاحتكام إليها والرضا بها والتسليم المطلق بها، {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65].

عن أبي سعد بن المعلى -رضي الله عنه-، قال: {كنت أصلي فمر بي النبي -صلى الله عليه وسلم-، فدعاني، فلم آته حتى صليت، ثم أتيته، فقال: (ما منعك أن تأتيني؟ ألم يقل الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ)، فإذا كانت إجابة أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- واجبةً في حياته؛ فإنَّ الاستجابة لسنته بعد وفاته واجبة، وتحرم مخالفتها، وتقديم شيء عليها، وقد رتب الله الوعيد الشديد، والانتقام الأكيد على المخالفين لها بقوله: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63].

والفرق ما بين المؤمنين والمنافقين سرعة الاستجابة لله ورسوله، والمبادرة إلى امتثال أوامر الله ورسوله، والسمع والطاعة، والانقياد للحق إذا ظهر، يقول تعالى مبينًا صفات الفريقين في ذلك: {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ * وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [النور: 47-52].

وما أشد ضرورة المسلمين في هذا الزمن إلى استجابة الله لهم! ولكن لما حصل الخلل في استجابتهم لله ورسوله، مُنعوا من إجابة الله لهم، ووكلوا إلى أنفسهم، ومن وكله الله إلى نفسه؛ وكله إلى ضعف وعجز وعورة، ولن تنكشف الغمة، وتصلح حال الأمة إلا بقيامها لله مثنى وفرادى، جماعات ودول، واستجابتها لسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وحمايتها والغيرة عليها، والثأر لها، ونصرة المستمسكين بها: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69].

إن من علامة توفيق الله لعبده في هذه الحياة، أن يسير على وفق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ في أقواله وأفعاله وتصرفاته، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ * إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ} [الأنفال: 20-22].

فاحذروا -رحمكم الله- التولي عن طاعة الله ورسوله، (وأنتم تسمعون)، أي: بعدما علمتم مادعاكم إليه، فإن هذا الصنف من الناس شر الخليقة عند الله: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ} [الأنفال: 22] أي: عن سماع الحق، (البكم): عن فهمه، (الذين لا يعقلون): عن الله ورسوله أمره ونهيه.

للشيخ: عبد الرحمن السديس -حفظه الله-

المصدر: شبكة مسلمات
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 65 مشاهدة
نشرت فى 13 إبريل 2013 بواسطة MuhammadAshadaw

بحث

تسجيل الدخول

مالك المعرفه

MuhammadAshadaw
مكافحة اضرار المخدرات والتدخين ومقالات اسلامية وادبية وتاريخيه وعلمية »

عدد زيارات الموقع

910,885

المخدرات خطر ومواجهة

مازال تعاطي المخدرات والاتجار فيها من المشكلات الكبرى التي تجتاح العالم بصفة عامة والعالم العربي والإسلامي بصفة خاصة وتعتبر مشكلة المخدرات من أخطر المشاكل لما لها من آثار شنيعة على الفرد والأسرة والمجتمع باعتبارها آفة وخطراً يتحمل الجميع مسؤولية مكافحتها والحد من انتشارها ويجب التعاون على الجميع في مواجهتها والتصدي لها وآثارها المدمرة على الإنسانية والمجتمعات ليس على الوضع الأخلاقي والاقتصادي ولا على الأمن الاجتماعي والصحي فحسب بل لتأثيرها المباشر على عقل الإنسان فهي تفسد المزاج والتفكير في الفرد وتحدث فيه الدياثة والتعدي وغير ذلك من الفساد وتصده عن واجباته الدينية وعن ذكر الله والصلاة، وتسلب إرادته وقدراته البدنية والنفسية كعضو صالح في المجتمع فهي داخلة فيما حرم الله ورسوله بل أشد حرمة من الخمر وأخبث شراً من جهة انها تفقد العقل وتفسد الأخلاق والدين وتتلف الأموال وتخل بالأمن وتشيع الفساد وتسحق الكرامة وتقضي على القيم وتزهق جوهر الشرف، ومن الظواهر السلبية لهذا الخطر المحدق أن المتعاطي للمخدرات ينتهي غالباً بالإدمان عليها واذا سلم المدمن من الموت لقاء جرعة زائدة أو تأثير للسموم ونحوها فإن المدمن يعيش ذليلاً بائساً مصاباً بالوهن وشحوب الوجه وضمور الجسم وضعف الاعصاب وفي هذا الصدد تؤكد الفحوص الطبية لملفات المدمنين العلاجية أو المرفقة في قضايا المقبوض عليهم التلازم بين داء فيروس الوباء الكبدي الخطر وغيره من الأمراض والأوبئة الفتاكة بتعاطي المخدرات والادمان عليها.