موقع الدكتور عبد الحكيم العبد على كنانة أون لاين

صفحات لنشر المؤلفات ومخاطبة القارئ والتعبير عن مكنون النفس

الطب عند المسلمين[1]

(فى ضوء العلم الحديث وتحدد مصطلحاته)

مقدمة إخراجى التوليفى التحديثى فى طب الأجسام فى الإسلام

بقلم الدكتور عبد الحكيم العبد

(مركز اللغات والترجمة بأكاديمية الفنون)

الإسلام العظيم دين ودنيا :

-  جاء الإسلام على فترة من الرسل لتجديد الحنيفية السمحة التى أمت الناس فى كل دين سماوى إلى هداية الناس وإرشادهم إلى ما ينفعهم المنفعة المتوازنة التى لا تبرر ضرر الغير بغير جريرة . كما لا تبرر تصحيح الجسد بإضرار النفس أو الروح والعكس بالعكس.

 

ذلك أن من صور النفع الاهتمام بالصحة وتحقيق العافية نفسية وجسدية. شفاء لما فى الصدور من قبيل ما أوردناه فى مجلد الطب النفسى الإسلامى من شواهد قرآنية كريمة . لأن  "المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفى كل خير" {لم أجده فى المفهرس}.

 

ومحمد بن أبىّ بن أيوب الدمشقى (571هـ) فى تحقيق عبد الغنى عبد الخالق(1)، وابن القيم فى تحقيق ينسب كتاب "الطب النبوى" إليه : لم يحصر كتابه فى مجال المأثور عن الرسول صلى الله عليه وسلم فى مجال الطب ؛ واستعان بالعديد من الرموز العلمية فى هذا المجال الواسع مثل ابن سينا والرازى وبقراط وجالينوس وغيرهم ؛ بالإضافة رموز أخرى لم يذكر أسماءها وذكر كتبها.

 

هكذا يمكن القول إن هذا الكتاب يظهر حالة الازدهار العلمى التى كانت تسود الواقع الإسلامى فى العصور الوسطى، ويؤكد أيضا أن الإسلام دين العقل والفكر والتدبر ، يتسع لكل صنوف العلم، ولا يقف فى وجه الابتكار والإبداع فيما ينفع الناس وينهض بحياتهم.

 

ولما كانت رعاية الأجسام والحفاظ عليها ووقايتها من صميم الدين وواجباته عنى هذا الكتاب بخدمة جانب الصحة الجسمية بالطب النبوى وغيره؛ محتويا فى فصوله العديدة على صور ونماذج متعددة للهدى النبوى والإسلامى  بعامة فى مجال الصحة والعلاج؛ على وعد بإخراج ما دة الطب النفسى الإسلامية الثرية فى إخراجنا التوليفى آلآخر فى الطب النفسى الإسلامى بإذن الله.

 

والحق أنه فى الجانب المادى للحياة أرشد القرآن ودلت السنة على كثير نافع . على النحل والنخل والألبان والأعناب . على الرمان والزيتون . على المياه والرياح الطيبة وغير الطيبة . على الأرَضين والسماوات السبع. قال تعالى : " ما فرطنا فى الكتاب من شىء" { 38 الأنعام 6} ، شرط أن نوغل فى نعمة الإسلام الشاملة هذه برفق {عن الترمذى وأحمد بالمعجم المفهرس ، ج 2 ص384} ، كما أرشد المبعوث رحمة للعالمين . وشرط أن ننفتح على النافع فى حضارات الآخرين ، حيث الحكمة ضالة المؤمن حيث كان. ومن قبيل هذا الانفتاح الرائد بلا ريب استيعاب المسلمين للطب الأقدم ومنه النموذج الأبوقراطى التالى :

 

  الطبائع الأربع الأبوقراطية :

الطبائع الأربع، فيما عرفه المسلمون منذ بواكير القرن الثانى الهجرى على الأقل وألفوا فيه من أمور الصحتين الجسمية والنفسية تعنى الخواص التى يحصرها العلم ويعرِّف بها بالتجربة والبرهان والاستنباط السليم ؛ ولا علاقة لها بأى خبط فيما لا يقبل البرهان والدليل؛ من هنا كانت أقرب إلى مفهوم الأخلاط Humors  عند الطبيب اليونانى "هيبوقراط" ، الذى يجوز أنه بدوره أسوة بعلماء اليونان آخذ ممن تقدمه وعاصره من علماء وحكماء ، وحتى أنبياء ورسل منهم من قصهم علينا القرآن ومنهم من لم يقصص علينا.

 

من هنا يجوز القول بأن نظرية الطبائع {الخواص} هذه أصل قديم  لتقسيم الناس إلى أنماط مزاجية أو (نفسجسمانية) نظرا إلى العلاقة بين مزاج الإنسان وكيمياء دمه.[2]

 

هذه الطبائع الأربع المشهورة هى: الدم والصفراء والسوداء والبلغم . وإذا غلب على مزاج الإنسان إحدى هذه الطبائع نسب إليها فقيل :

-  دموى ، ويقابله فى النطق الغربى للمصطلح :Sanguin  

- صفراوى ، ويقابله                          : Coloric

        - سوداوى ، ويقابله                          :Melancholic

        - بلغمى ؛ أو لمفاوى ، ويقابله               : Philogmatic  

 

وسنقتتطع من جدول متكامل لنا فيها  يتضمن إضافات المسلمين ما يتعلق بجانبى الطبائع وأعراضها الجسمانية فقط [3]. وقد كانت للمسلمين تطبيقات علمية عدة متقنة أو مقاربة جدا فى عصرها فى علوم عدة، خاصة علوم الطب وتفسير الأحلام والموسيقا.

 

الشخصيـة

صفتهـــــــــــا الجسمانيــــــــــة {الأعراض}

ملاحظات

الدموى

يكون ممتلئ الأعضاء، مكتنز اللحم، صافى اللون ، نيره، صحيح الجمال

 

الصفراوى

يكون نحيفا، يابسا، فى لونه صفرة

 

السوداوى

يكون يابسا، فى لونه كدمة، شديد الشبق

لا أستريح لخص هذا بشدة الشبقية دون الدموى على الأقل.

البلغمى

يكون رخوا، مائيا، فى لونه نوع زرقة

فلنسمه الزرقاوى

               

وقد يكمن الفرق بين تصور المسلمين لهذه الأمور وبين أصلها الأبوقراطى فى كلمتى :                             الطبـائع ؛ والطبـاع.

 

الطباع: تبدو استعمالية عامة ، والطبائع اصطلاحية أقرب إلى مفهوم الأخلاط Humors  عند أبوقراط كما أسلفنا. وهى عنده كما فهمها المسلمون كما قلنا: علاقة بين مزاج الإنسان وكيمياء دمه.  يتحول بعضها عن بعض بفعل عوامل ذكر منها ابن أبى أصيبعة فى كتابه "طبقات الأطباء"، والشهرزورى ، صاحب كتاب "نزهة الأرواح وروضة الأفراح{من أعيان ق7}: الانفعال والتعلق النفسى الشديد أى (العشق)، ولهم استدلالات بالملاحظة والتجربة وغير ذلك.

 

يبدو نظر محدثينا إلى نظرية الأخلاط متناقضا؛ إذ فى حين يعتبرها بعض علماء النفس غير صادقة فى حين يقر هذا البعض نفسه بثبوت العلاقة بين إفرازات الغدد والسلوك.[4]

 

والذى نراه تفسير: كل صفة أو طبع مذكور فى ضوء فهم أوسع يدخل أمور الغذاء والرياضة ونمط الحياة وما إلى ذلك، وفقا للفهم المتقدم الحديث للإنسان فى تكوينه (النفسىالجسمانى) : Psychophysiology، بالتركيز على عنصر صحة الإنسان ككل، فنبين أولا أن صفات الدموى والصفراوى والسوداوى واللمفاوى أو البلغمى تمثل "الأعراض" Symtomps  [5] ، وهى التى تقترن بشكوى المريض، كما تتمثل فيما يسمى Sines  التى يستشفها الطبيب نفسه بنفسه؛ لا من وصف المريض ولا من الكشف؛ إذ هذه المصطلحات يمكن أن تعبر عن الصحة بتدرج من الحيوية إلى الشحوب إلى الدكنه ، ثم إلى ما وصفه فى البلغمى من نوع زرقة . وهذه أقرب إلى ما يشخصه الأطباء من نقص فى الأكسيجين أو كرات الدم الحمراء وما إلى ذلك. والنقصان بلا ريب يجتمعان فى حساسى الصدر أو مرضييه (البلغميين).

 

وغنى عن البيان أن الدموية ترجع إلى جودة التغذية والتنفس وصلاحية البيئة، كما أنه إلى جودة التغذية يرجع امتلاء الأعضاء واكتناز اللحم وصفاء اللون واستنارته بالمعنى الطبى الذى لا يخفى على الطبيب أو المتفرس الصَّناع فى الشخص مهما يكن لون بشرته أو جنسيته: أفريقيا أو صقلبيا أو هنديا أحمر أو أسمر أو قوقازيا؛ أى أن تشخيص الحكماء المذكور هنا هو عين تشخيص الأطباء لحيوية الدم أو فقره ودرجاتهما. أورد ابن عبد ربه { صاحب العقد الفريد ومستقاه من أبوقراط:

 

"كل ما لم يكن معتدلا من الأغذية لم يولد دما صافيا، والأطعمة الرديئة الكيموس ثلاثة أصناف: منها ما يزيد فى البلغم، ومنها ما يزيد فى الصفراء، ومنها ما يزيد فى السوداء. قال وللطعام أوقات تناسبه، وأورد الأطعمة التى تولد "كيموسا" جيدا، والتى تولد "كيموسا" رديئا، والعادة فى الطعام وغير ذلك.[6] 

 

▲ وما لم نتفهم كتاب ابن القيم الذى بين أيدينا وما ينسب إلى النبى الهادى عليه الصلاة والسلام من طب ونحوه فى أضواء كافية من العلم الحديث فى تقدمه وتحدد مصطلحاته؛ فإننا نصبح مهددين "بتلبك المعرفة" على نحو ما وصف به ديكارت بعض العلم الغربى، بسبب المجازفة بإطراد الظاهرة (وذكر النفسية) إلى ما وراء الحس ربطا بماورائيات الدين.

 

فإذا علمنا أن نمط التأليف عند ابن القيم نمط جمعى استطرادى وموسوعى إلى حد ما، جرؤنا على القول حقا بأنه لا يلائم قدراتنا التحصيلية التخصصية التركيزية الحديثة. من هنا عمدت فى هذه النشرة إلى تقديمها فى نمطين تأليفين علميين حديثين فى مجلدين:

الأول: فى الطب النفسى فى الإسلام

والثانى: فى الطب الطبيعى فى الإسلام.

 

أقول فى الإسلام لجمعهما بين طب النبوة وطب الإنسانية؛ هذه التى ورد فيها من خبرات المسلمين عربا وغير عرب، ومن طب اليونان وغير اليونان المحصل عند المسلمين فى عصرهم الزاهر الشىء الكثير، على نحو ما سلف فى هذه المقدمة ويتتابع عرضه فى المجلدين بأسرهما .

 

يتمثل تصرفى فى التأليف إذاً ما يأتى :

أ - تخصيص مجلد خاص للمعارف الطبية النفسية ومجلد خاص للمعارف الطبية الطبيعية

ب – إعطاء ترتيب منطقى للمواد فى كل مجلد

ج – الاستغناء عن بعض الاستطرادات الجدليات الفقهية واللغوية والأدبية، وبعض المواد التى لا تدخل تحت أى من عنوانينا المحددين. ومن ذلك :

-   استطراده من حديث الحمى وما يتداوى به ماديا ونفسيا منه إلى حديث عدم سب الحمى لكونها فيما روى تنقى من الذنوب {ص 24} ، وكاستطراده فى مقاتلة الجانى{ص 37}

-         معارضة ابن القيم الشعرية لأبيات فى نفس المعنى

-         انصراف لفظ (طب) إلى (سياسة) و ( سحر) {ص 99 – 101}

-   كذلك تركنا لمؤلف مختلف ما ورد من هديه صلى الله عليه وسلم فى إطفاء الحريق بالتكبير وما إلى ذلك {ص 105}

▲ أى أننا قصرنا مادة العملين على ما له أوجه من التوافق الواضح بين ما هو دينى وما هو دنيوى بلا تعارض .

وقد بنى هذا المجلد خاصة على أربعة الفصول التالية :

 

الفصل الأول :الطب والتطبيب والطبيب فى الإسلام

الفصل الثانى : فى التداوى والمعالجة

الفصل الثالث : فى الوقاية والحفظ

الفصل الرابع : فى الأغذية والأعشاب/ مفردات ووصايا جامعة

أ. د. عبد الحكيم العبد

مركز اللغات والترجمة بأكاديمية الفنون

 

 

 



[1]  -    طب الأبدان فى الإسلام كتاب ابن القيم تقديم وتوصيف و تصنيف وتحديث ، تقديم الدكتور عبد الحكيم العبد ، 1425هـ -

2004م

- نشر إليكترونيا بموقع islam on line، مجلة البلسم ، 28 / 5 / 2005م   

(1)   http:// www.arabic.islamicweb.com books/taimiya.asp?books=10

[2]  - عبد الحكيم العبد / مبحث "الكنايات فى رموز الأحلام" بكتابه "إحياء البلاغة العربية ، مج2، إيداع 1999م ، ص 30 خاصة

 + فصل الاتجاه النفسى فى النقد برسالتنا تطور النقد والتفكير الأدبى فى مصر فى الربع الثانى من القرن العشرين ، ص205 – 207

 + إعداد لكتاب فى الاتجاه النفسى فى النقد الأدبى ، مخطوطا ص 9 – 12 

[3]  - مطورة بمخطوطنا المذكور ص 11 ، عن جدولها بالدكتوراه ص 205

[4]  - عن سعد جلال بمؤلفنا المخطوط ، ص10

[5]  -  عن معجم المصطلحات الطبية والعلمية الحديث / لبشاى Bishay’s New Illustrated Medical Dictionary 1984  ، مطلبع سجل العرب . وغيره .

[6]  - رسالتنا / تطور .، ص 206 + المخطوط ص 11

المصدر: تقديمنا التحديثى لكتاب طب الأبدان فى الإسلام، من تطويرنا إخرجا وعرضا وتدقيقا لدار البروج
HAKIM

موقع dr,hakimعلى كنانة أون لاين

ساحة النقاش

الدكتور عبد الحكيم عبد السلام العبد

HAKIM
◘ خريج قسم اللغة العربية واللغات الشرقية ، جامعة الإسكندرية 1964م. ◘ أستاذ مشارك متفرغ بمركز اللغات والترجمة، أكاديمية الفنون، الجيزة، مصر. ◘ خبير للغة العربية ، وخلال الإنجليزية. ◘ استشارى ثقافى. ◘ الخبرات: ▪ أستاذ وخبير أبحاث ومحاضر ومعلم فى مستويات التعليم : العالى والمتوسط والعام. ▪ مؤلف للعديد »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

375,789