لماذا تنبت البذور في بعض الأحيان داخل الثمار؟
ا.د. عاطف محمد إبراهيم
كلية الزراعة, جامعة الإسكندرية, مصر

تحكم حالة السكون في العديد من بذور الأنواع النباتية بنسبة تواجد الهرمونين النباتيين وهما حمض الأبسيسيك (abscisic acid "ABA") و حمض الجبريليك (GA) الموجودة بجنين البذرة, فالنسبة العالية من حمض الجبريليك : حمض الأبسيسيك (GA : ABA) تؤدي إلى تحرير الجنين و منحه القوة و القدرة اللازمة للنمو و كسر غطاء البذرة الخارجي الصلب. و في حقيقة الأمر, وجد أن النسبة المتوازنة بين الهرمونين (GA : ABA) تحكم الإنبات الذي لن يتحقق إلا بعد التخلص من حمض الأبسيسيك بعد نثر أو زراعة البذور. غير أنه في بعض الأحيان, كما في ثمار الطماطم الزائدة النضج, يحدث تحلل أو إزالة لحمض الأبسيسيك خلال مراحل النضج, هذا يؤدي لارتفاع نسبة حمض الجبريليك إلى حمض الأبسيسيك بدرجة كافية مما يؤدي لإنبات البذور وهي لا زالت داخل الثمرة, هذه الظاهرة يطلق عليها "vivipary". و يعني مصطلح "vivipary" إنبات البذور داخل الثمرة قبل فصلها عن النيات الأم أو قبل تساقطها.

بالنسبة لمعظم الأنواع النباتية, لا تنبت البذور خلال تطورها, و لكنها تكتسب هذه المقدرة عند فصلها عن نسيج الأم أو عند فصل الأجنة المتطورة عن أنسجة البذرة الأخرى كما هي الحال في بذرة الخروع, أيضاً يمكن إنبات البذور بعد إجراء معاملات التجفيف على أجنتها التي تم فصلها قبل اكتمال نموها كما هي الحال في بذور اللفت و الأرز, هذه الأجنة يمكن إنباتها عقب فصلها من البذور و وضعها على بيئات مناسبة, كما أن بعض المعاملات التي تؤدي لخفض محتوى البذرة من حمض الأبسيسيك تنشط من إنبات الأجنة غير مكتملة كما في الذرة و فول الصويا.

و في بذور (أجنة) العديد من الأنواع, يرتبط فشل الإنبات خلال التطور بظروف بيئة البذرة و / أو تحكم نسيج الأم, و مع ذلك هناك نسبة من البذور التي تنبت وهي لازالت متصلة بالنبات الأم أو داخل الثمرة كما في الذرة, و أحد طفرات الطماطم الزائدة النضج, الفلفل و الكرنب الصيني و الأرز. و ميكانيكية حدوث الإنبات المبكر هذه تختلف من نوع لآخر, ففي حالة إنبات البذور داخل الثمار الزائدة النضج كما في حالة طفرة الطماطم (التي تتصف بنقص في حمض الأبسيسيك), كان أقل قيمة أسموزية للثمرة و التي تسمح بإنبات بذور هذه الطفرة أقل من 0.5 (MPa) "وحدة قياس الضغط و الإجهاد" و هي القيمة اللازمة لإنبات بذور الطرز البرية, على العكس من ذلك وجد أن نقص محتوى حمض الأبسيسيك الداخلي يؤدي لإنبات البذرة كما في الخردل. في بعض طفرات الذرة التي تتصف بذورها بالإنبات المبكر "vivipary", يوجد ارتباط واضح بين المحتوى المنخفض لحمض الأبسيسيك أو حساسية الأجنة لهذا الحمض و الإنبات المبكر. و بالنسبة لبعض طفرات الأرز, فحساسية البذرة لحمض الأبسيسيك أو قصر فترة الحساسية تتسبب في الإنبات المبكر تحت الظروف الرطبة.
هذا الإنبات المبكر لبعض الأجنة غير الناضجة (كما في الكرنب, الفاصوليا, القمح, فول الصويا و الذرة و البرسيم) يمكن تثبيطه بإضافة حمض الأبسيسيك أو السكروز أو كليهما معاً في بيئة الإنبات, و في حالة النباتات التي تنتج ثماراً لحمية مثل الشمام و الطماطم , نجد أن البذور مطمورة في بيئة عالية الرطوبة, و أن عدم قدرتها على الإنبات خلال تطورها ترتبط مع جهد الماء المنخفض أو بفعل تثبيطي ناتج عن أنسجة الثمرة التي تحيط بها, غير أن هناك نموذج واحد من الطماطم (طفرة) تظهر بعض الإنبات المبكر, و بالبحث في هذه الحالة يمكن القول أن الإنبات المبكر خلال تطور البذرة ربما يرجع لبعض العوامل التي تشمل دور جهد حمض الأبسيسيك في البذرة و العصير و أسموزية أنسجة الثمرة.
و هناك نباتات تتصف بهذه الظاهرة مثل نباتات بعض أنواع المنجروف, على سبيل المثال, تنبت البذور و تنمو معتمدة على ذاتها و هي ما زالت متصلة بالنبات الأم, و شتلات بعض الأنواع تنتشر بتيار الماء الجاري إذا ما تساقطت هذه الشتلات على الماء, غير أن شتلات أخرى تطور جذر وتدي قوي يضرب في عمق التربة أو الطين عند سقوط الشتلات, و من ثم يؤثر في زراعة الشتلات و تأصلها.

و يذكر ماديسون Madison (1977) أن هذه الظاهرة ربما تكون أكثر شيوعاً في الثمار اللبية في العائلة Araceae, العائلة الصبارية Cactaceae و العائلة Gesneriaceae التي يتبعها البنفسج الأفريقي, و مع ذلك تظهر البيانات الحالية - على حد قوله - أن هذه الإستراتيجية نادرة الحدوث لحد ما في الصباريات. و حتى الآن, تشير التقارير الحالية أن هذه الظاهرة تشمل أقل من 20 نوعاً من الصباريات و ذلك استنادا على رأي بوكسبايوم Buxbaum (1968).

و في بعض محاصيل الفاكهة مثل الجاك فروت, بعض الموالح و الأفوكادو, يمكن ملاحظة بذور منبتة داخل الثمار أثناء مرورها بمرحلة النضج الزائد, غير أنه بالمعنى الدقيق للكلمة, فإنه لا يمكن وصف هذه الحالة بظاهرة "vivipary", حيث أن ظروف الرطوبة العالية التي توفرها الثمرة تحاكي أو تشابه التربة الرطبة التي تشجع الإنبات. هذه الظاهرة تم توثيقها في جبال الألب, القطب الشمالي و المناطق الاستوائية و في البيئات الجافة و الرطبة و التي غمرتها المياه

هناك طرازين أساسيين لهذه الظاهرة معروفين في النباتات الزهرية وهما: الطراز الحقيقي (true vivipary) و الطراز غير الحقيقي (pseudovivipary), و يحدثان في الطبيعة بنسب متساوية, يشمل الطراز الحقيقي إنتاج نسل جنسي ينتشر عن طريق تمزق جدار المبيض كنتيجة لنمو الجنين كما هي الحال في العديد من أنواع المنجروف, كما يذكر توملنيسون (Tomlinson, 1986), أما الطراز غير الحقيقي فهو عبارة عن جزء من النبات أو الفطر مثل البذرة و الجرثومة التي يتطور عنها الفرد الجديد و هي شائعة الوجود في النباتات الأحادية الفلقة.

* أهمية تلك الظاهرة: يذكر سانشيز (Cota-Sanchz, 2004) أن هذه الظاهرة تتصف بعدم وجود السكون, و هي ظاهرة هامة حيث أنه بالإضافة لكونها حدث غير طبيعي نسبياً يحدث في الطبيعة, فقد تم تفسيرها أيضاً على أنها سمة متخصصة من الأهمية بمكان من الناحية البيولوجية و التطورية و توفير سبل جديدة للبقاء و كآلية لحماية الأجنة من التركيزات العالية من الملوحة, كما يشير رابينوويتز (Rabinowitz, 1978). تتواجد هذه الصفة في 78 عائلة للنباتات الوعائية تشتمل على 143 جنس و 195 نوع. هذه الظاهرة مهمة من وجهة النظر الزراعية, فعلى سبيل المثال, في بعض المحاصيل الحولية مثل الأرز, غياب سكون البذرة أمر غير مستحب لأن إنبات الحبات قبل أوانه يخلق تحدياً كبيراً في الإبقاء على المدد الغذائي نتيجة انخفاض المحصول, كما يوضح تسيانتيس (Tsiantis, 2006), بالإضافة لذلك هناك بعض الجوانب الأخرى تتعلق بصعوبة حفظ النباتات بسبب فقد البذور حيويتها أثناء التجفيف, كما يمكن أن تسبب آثار سيئة على بنوك البذور الخاصة بالأنواع النباتية المختلفة و مدى الاختلافات بينها. و إنبات البذور قبل الأوان و الحساسية للجفاف تخلق مشكلة خطيرة, بشكل خاص للعديد من أنواع النباتات الاستوائية النادرة حيث أن الطرق الشائعة في تخزين البذور غير فعالة, و بالتالي تغيب بذور تلك الأنواع عن بنوك البذرة, كما أن غياب سكون البذرة في النباتات الصبارية يؤثر أيضاً و بشدة على حفظ البذور في بنوك البذرة و من ثم يصعب حفظ الأصول الوراثية لتلك الأنواع.
الخلاصة:
1. الإنبات المبكر للبذور داخل الثمار تسمى "Vivipary", التي تعني الإنبات قبل فصلها من النبات الأم.
2. هذه الظاهرة لا تحدث فقط في الثمار التي تم جمعها بعد اكتمال مرحلة النمو.
3. الأسباب الرئيسية التي يمكن أن تؤدي لحدوث هذه الظاهرة تشمل أ - عدم توافر التخزين المبرد, ب-ترك الثمار على النبات الأم (نضج زائد).
4. الرطوبة العالية.
5. وجود الإظلام.
6. بعض الهرمونات المستخدمة في رش نباتات الطماطم, على سبيل المثال.
7. نقص الهرمون الطبيعي (حمض الأبسيسيك) في ثمار الطماطم المكتملة النمو, و بالتالي يمكن كسر السكون داخل الثمار عند نموها في بيئة رطبة دون تجفيف البذور.
8. حدوث خلل في المواد الكيميائية التي تعمل على منع إنبات البذور داخل الثمرة (مثل الكيومارين), حيث أنه من المعروف أن تأثير هذه المواد يختفي عند إزالة البذور من الثمرة و غسلها.
9. زيادة إفراز الأنزيمات الضرورية للإنبات (مثل ألفا أميليز و بيتا أميليز, التي تقوم بتحليل المركبات المعقدة للكربوهيدرات و تحولها إلى سكريات بسيطة يمكن أن يستفيد منها الجنين.
10. عادة لا ينصح بحفظ البذور هذه لزراعتها, حيث أن أجنة بذور ثمار الهجن التجارية في هذه الحالة لا تحمل مواصفات النبات الأم.
توضح الصور التالية هذه الظاهرة في ثمار بعض النباتات:

في الطماطم

في الفراولة


في الموالح

في الباباظ

في الفلفل

في الذرة

المصدر:

1. Buxbaum F.. 1968. Endogene Viviparie bei Neoporteria-Arten. Kakteen und andere Sukkulenten 19: 2-3.
2. Cota-Sánchez J. H.. 2004. Vivipary in the Cactaceae: its taxonomic occurrence and biological significance. Flora 199: 481-490
3. Madison M.. 1977. Vascular epiphytes: their systematic occurrence and salient features. Selbyana 2: 1-13
4. Rabinowitz D.. 1978. Dispersal properties of mangrove propagules. Biotropica 10: 47-57..
5. Tsiantis M.. 2006. Plant development: multiple strategies for breaking seed dormancy. Current Biology 16: R25-R27.
6. Tomlinson P. B.. 1986. The botany of mangroves. Cambridge University Press, Cambridge, UK.

 

 

 

  • Currently 1/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
1 تصويتات / 2790 مشاهدة

PROF.DR.Atef Mohamed Ibrahim

FruitGrowing
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

779,669