الغطاء النباتي و دوره في التأثير على الطقس و المناخ و العكس
الدكتور/ عاطف محمد إبراهيم
كلية الزراعة - جامعة الإسكندرية - مصر
يعد الغطاء جزءاً من الأرض و له تأثير هام على الطقس و المناخ. فالغطاء النباتي يؤثر على كلٍ من نسبة الإشعاع الشمسي الذي ينعكس من الأرض و المسمى ألبيدو "albedo" و كذلك على بخار الماء و ثاني أكسيد الكربون في الهواء.
و لماذا هذا الاهتمام, لأن البشر يقومون بتغيير الغطاء النباتي و هذا يؤثر على الطقس و المناخ, و من ثم فإن الزراع و غيرهم من فئات المجتمع قد يرون أنه من المثير للاهتمام التعرف على دور الغطاء النباتي و ما هي تأثيراته على الطقس و المناخ. و لتفهم ذلك لا بد أن نكون على دراية ببعض المصطلحات الهامة مثل البخر و النتح, توازن طاقة الأرض, الإشعاع الشمسي الذي ينعكس من الأرض و دورة الماء.
يشمل الغطاء النباتي جميع النباتات بداية من نباتات الغابات المستديمة الخضرة و حتى المروج العشبية و المحاصيل الحقلية, فجميع أنواع أو طرز النباتات تلعب دورا هاماً في التأثير على دورة الماء و توازن طاقة الأرض, حيث أنها تؤثر على الطقس و المناخ في الغالب من خلال البخر و النتح و نسبة الإشعاع الشمسي.
*التأثيرات على الطقس و المناخ:
حيث أن الغطاء النباتي يغطي ما يقرب من 20 ٪ من كوكب الأرض, فإنه ليس من المستغرب أن النباتات تؤثر على المناخ, و مع ذلك فإنه من المستغرب إلى أي مدى تؤثر هذه النباتات على الطقس. فالنباتات من خلال العمليات الحيوية التي تقوم بانجازها تقوم بتحرير بخار الماء ( الضروري لتكوين السحب) و تمتص الطاقة المنبعثة من الطقس, كما تعمل النباتات على تخليق الطقس الدقيق المحيط بها عن طريق التحكم مباشرة في الرطوبة و الحرارة المحيطة بأوراقها خلال عملية النتح, هذا و تتصف معظم النباتات و أراضي الغابات بنسبة إشعاع شمسي منخفضة ( حوالي 0.03 - 20 ) غير أنها تمتص كمية كبيرة من الطاقة, و مع ذلك فإن النباتات لا تتسبب في ارتفاع الحرارة أو التدفئة ككل, حيث أن التدفئة الزائدة عادة ما تنخفض عن طريق التبريد الناتج عن البخر و النتح.
و نظراً لأن المناخ عبارة عن متوسط ظروف الطقس لفترة زمنية طويلة, فأن الغطاء النباتي يعد من الأهمية بمكان بالنسبة للمناخ. و في حقيقة الأمر, فإن عملية التخليق الضوئي هي المسئولة عن مستوى الأكسجين المتواجد في الجو و التي نستمتع بها في هذه الأثناء (تركيز 21 ٪), كما تساعد النباتات في جعل المناخ ثابت عبر الزمان عن طريق الحد من التذبذب في درجات الحرارة و الرطوبة من خلال عملية النتح. كما تستخدم النباتات أيضاً غاز ثاني أكسيد الكربون خلال عملية التخليق الضوئي, الذي يحد قليلاً من ظاهرة ارتفاع درجات الحرارة (greenhouse gas) الناتجة من عمليات احتراق الوقود الأحفوري, و يمكن القول أن الغطاء النباتي ضروري لوجود طقس و مناخ طبيعيين.
*استخدام الأرض:
يوجد حوالي ما يقارب 2 بليون فدان من الأرض بالولايات المتحدة الأمريكية, و تقسم تلك المساحة على أساس طرز الغطاء النباتي, ففي الثلاثين سنة الماضية, حدثت زيادة مضطردة في مساحة الأراضي المستخدمة في البناء و اتلي تعني زيادة في المساحات المغطاة بالأبنية و الأسمنت و الأسفلت (القار), و تناقص في الأراضي المنزرعة بالمحاصيل.
و من المثير للاهتمام ملاحظة أن التغيرات في استخدام الأراضي عبر التاريخ أثر أيضاًَ على المناخ في جنوب شرقي البلاد. ففي جورجيا, على سبيل المثال, في خلال القرن التاسع عشر, كان هناك مساحات شاسعة من الأراضي العارية (الخالية) و المرتبطة بحقول القطن و المحاصيل الأخرى. بحلول أواخر القرن فإن معظم أراضي جورجيا ( أكثر من 70 ٪) تحولت إلى غابات الصنوبر و الأشجار المتساقطة الأوراق عندما توقفت زراعة القطن نتيجة إصابة براعم و أزهار القطن ببعض الخنافس التي تتغذى عليها و الذي صاحبه تدهور في التربة. و يعتقد بعض علماء المناخ أن التبريد الخفيف الذي حدث في الجنوب الشرقي خلال هذا القرن ربما يرجع جزئياً إلى ارتفاع البخر و ظروف البرودة المرتبطة بالغابات مقارنة بالأراضي الزراعية العارية.
و قد أدت الزيادة الحديثة للأراضي المستصلحة, خاصة حول المناطق العمرانية, إلى ما يسمى بالجزيرة الحرارية "heat island", و المدن الكبيرة التي تعد عارية و خالية من الغطاء النباتي, عادة ما تكون ساخنة جداً خلال النهار. عدم وجود الغطاء النباتي يعني ببساطة عدم وجود نتح يعمل على تبريد الهواء, كما أن الأسفلت (القار) يمتص كميات كبيرة من حرارة الشمس مما يضيف إلى الحرارة الزائدة. و تطلق الخرسانة و الأسفلت حرارتها ببطء خلال الليل, مما يؤدي أيضاً لتخليق ظروف أكثر دفئاً بين عشية و ضحاها و كذلك خلال النهار.
و تظل أراضي المحاصيل (غير المنزرعة) أكثر دفئاً بسبب انعدام النتح, غير أن حرارتها لا ترتفع مثل الأراضي المستصلحة. و تجدر ملاحظة أن الغابات و الغطاء النباتي تفيد في استهلاك كميات كبيرة من غاز ثاني أكسيد الكربون, فضلا عن تخفيض درجات الحرارة من خلال النتح.
* كيف يرتبط كل ذلك بالزراعة؟
يتحمل المزارعون مسئولية الحفاظ على معظم النباتات المنزرعة في المناطق الصالحة للزراعة في العالم. يعتبر الغطاء النباتي (أو عدم وجوده) عاملاً رئيسياً يؤثر على أنماط الطقس و المناخات الدقيقة. هذا و تتأثر العوامل التالية بالغطاء النباتي:
1. تعد النباتات و المحاصيل بطبيعتها هي المسئولة عن تخزين الماء و استخداماته, فعندما يستبعد الري من المعادلة, يقوم الغطاء النباتي باستخدام كلٍ من الأمطار و الثلوج و الندى و البرد (الصقيع) و الضباب و مياه التربة. تقوم الأوراق ذاتها باستقبال و امتصاص بعض هذا الماء, في حين يتغلغل البعض الآخر إلى عمق التربة و تقوم جذور النباتات بامتصاصه. و عندما يتوافر الماء المتاح بكميات زائدة, يمكن للنبات نتح كميات كبيرة من الماء كمنتج ثانوي لعملية التمثيل ( التخليق) الضوئي, هذا بدوره يؤدي إلى تبريد تبخيري ينتقل إلى المناخ المحيط مباشرة بالمحصول.
2. الغطاء النباتي هو المسئول عن مستوى ثاني أكسيد الكربون الموجود بالجو, و تشير التغيرات الفصلية أن أعلى مستويات ثاني أكسيد الكربون CO2 تم تسجيلها مبكراً في الجزء الأوسط من فصل النمو, كما توجد أيضاً تغيرات يومية في مستويات ثاني أكسيد الكربون , حيث يصل أعلى مستوى خلال النهار.
3. تعكس القياسات الإشعاعية داخل منطقة محصولية أو نباتية وجود علاقة معقدة بين الامتصاص و الانعكاس و الانتقال و الانبعاث. و الانعكاس الشمسي للمحصول أقل من مجموع جميع الأوراق الموجودة على المجموع الخضري و ذلك بسبب الاختلافات في بنية المحاصيل و زاوية الإشعاع الشمسي. و معظم الأوراق الفردية ذات نسبة إشعاع شمسي "albedo" تقدر بحوالي 0.25 غير أن هذه النسبة أقل للمحصول و يتوقف ذلك على ارتفاع النباتات. ففي المحاصيل التي يبلغ فيها ارتفاع النبات 1 متر, فإن هذه النسبة تتراوح بين 0.18 - 0.25, و مع ذلك تتوقف هذه النسبة على نوع الغطاء النباتي, فإذا كانت الأوراق ذابلة أو أن سطح التربة أسفل النباتات مكشوف فيمكن أن تتغير هذه القيم. كما تتغير هذه القيم أيضاً بوقت القياس, فالقياس مبكراً في الصباح أوفي نهاية النهار تعطي قيماً عالية جداً, و تتبع هذه القيم موضع الشمس في السماء, كما أن هذه القيم عادة ما تكون أقل في المناطق الاستوائية عن مثيلاتها في الأسطح الخضراء المتواجدة على الارتفاعات العالية
* تغير المناخ و النباتات
كان للتغير المناخي التاريخي أثراً عميقاً على الجغرافيا الحيوية الحالية, و من ثم يمكن التوقع أن تغير المناخ السريع و المستمر ذا أثر كبير. و للتغير المناخي آثار هامة على كل جانب تقريباً من جوانب الحياة على الأرض و قد ظهرت تلك الآثار بالفعل.
• آثار درجات الحرارة: وجد أن متوسط الحد الأدنى أو الحد الأقصى لدرجات الحرارة, يمكن أن يكون عاملاً محدداً هاماً في توزيع النباتات, فعلى سبيل المثال وجد أن نباتات العائلة النخيلية "Palmae" غير مقاومة أو غير محتملة للبرد, كما أن الميرستيم القمي حساس للصقيع, و على العكس من ذلك فإن حدود الغطاء النباتي في المناطق الباردة و القطب الشمالي تحدد عموما بدفء الصيف.
• هطول الأمطار: هو أيضاً محدد هام, فعلى سبيل المثال, يؤثر هطول الأمطار على توازن الأعشاب إلى النباتات الخشبية.
• قد تتأثر عوامل أخرى مثل نوع التربة, الحيوانات, الماشية أيضاً بتغير المناخ.
* تأثير المناخ على التنوع النباتي
تلعب الظروف البيئية دوراً رئيسياً في تحديد وظيفة و توزيع النباتات إلى جانب عوامل أخرى, و من المعروف أن التغيرات في الظروف البيئية على المدى الطويل, يمكن أن تحدث تغيير في المناخ و بشكل جماعي و هذه له آثار هائلة على أنماط التنوع النباتي في المستقبل, كما أنه من المتوقع أن يظل تغير المناخ أحد الدوافع الرئيسية لأنماط التنوع البيولوجي مستقبلاً.
وقد شهدت الأرض مناخا يتغير باستمرار في الوقت الذي تطورت فيه النباتات أولا. وبالمقارنة مع اليوم الحاضر، شهد هذا التاريخ أن الأرض أكثر برودة وأكثر دفئا وجفافا وأكثر رطوبة، وكانت تركيزات ثاني أكسيد الكربون (ثاني أكسيد الكربون) أعلى وأقل. وقد انعكست هذه التغيرات من خلال التحول المستمر للغطاء النباتي، على سبيل المثال المجتمعات النباتية التي تسيطر على معظم المناطق في الفترة الجليدية، والمجتمعات العشبية التي كانت تهيمن خلال فترات. وقد تبين أن التغير المناخي في الماضي كان محركا رئيسيا لعمليات التنوع والانقراض. ومن أشهر الأمثلة على ذلك انهيار الغابات المطيرة الكربونية ذلك الذي وقع قبل 350 مليون سنة, هذا الحدث أهلك عشائر البرمائيات وحفز من تطور الزواحف.
• الأنواع النباتية التي لم تتطور غير قادرة على تغيير التوزيع بسرعة كافية, كما أن الأنواع التي تتصف بدورة حياة طويلة و / أو تلك البطيئة الانتشار عادة ما تكون ضعيفة أو قابلة للإصابة.
• بعض النباتات المنعزلة أو الأنواع المنفصلة عادة ما تكون ضعيفة بصفة خاصة, ربما لعدم وجود مكان تلجأ إليه, هذه تشمل الأنواع القطبية و الجبلية و تلك السائدة بالجزر, و انحصار النباتات الساحلية بين المستوطنات البشرية و ارتفاع مستويات سطح البحر.
• قد يتغير التركيب الوراثي النباتي كاستجابة لضغط اختيار تغير المناخ.
• قد تفقد بعض المجتمعات النباتية نتيجة تحرك هذه الأنواع و تكيفها بمعدلات مختلفة.
• قد يحدث غزو متزايد من قبل أنواع نباتية غريبة, حيث تصبح الظروف في منطقة ما أكثر ملائمة لهذه الأنواع الغريبة, فعلى سبيل المثال يزداد انتشار بعض أنواع الحشائش في منطقة ما في السنوات الرطبة, كما يذكر ( Smith et al, 2000). ينطبق هذا بشكل خاص على التدخلات البشرية التي سهلت عمداً و بشكل عرضي انتشار الأنواع في جميع أنحاء العالم.
• تعمل العديد من المجتمعات النباتية كمتلقي (مخزن للكربون) مما يساعد على تقليل انبعاثات الكربون. و مع ذلك فإنه خلال السنوات السبعين المقبلة فإن آثار تغيير المناخ على النباتات يعني أن الكثير من مخازن الكربون هذه قد تصبح مصدراً لانبعاثه.
*السياق الحديث المتعلق بهذا الموضوع
هناك الآن اهتمام كبير و بحوث عديدة تختص أو ترتكز على التغيرات المناخية البشرية المنشأ (التي يتسبب بها البشر) و علاقة ذلك بما يسمى بظاهرة الإحترار العالمي (ارتفاع حرارة الكون). و ينصب التركيز على تحديد الآثار الحالية لتغير المناخ على التنوع البيولوجي, و التنبؤ بهذه الآثار في المستقبل.
إن تغير عوامل المناخ ذات صلة وثيقة بوظيفة و توزيع النباتات, فزيادة تركيزات ثاني أكسيد الكربون، تؤدي إلى زيادة درجات الحرارة الكون، وتغيير أنماط هطول الأمطار، والتغيرات في نمط الأحداث الجوية "الزائدة" مثل الأعاصير أو الحرائق أو العواصف.
ولأن النباتات الفردية وبالتالي الأنواع يمكن أن تعمل فقط من الناحية الفسيولوجية و تكمل دورة حياتها بنجاح تحت ظروف بيئية معينة أو محددة (مثالية تخص هذه المجموعة النباتية), فإنه من المرجح أن يكون للتغيرات في المناخ آثار كبيرة على النباتات من المستوى الحق الفردي وصولا إلى مستوى النظام الإيكولوجي أو البيولوجي.
- تأثيرات ثاني أكسيد الكربون:
تؤثر زيادة تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو على عملية التخليق (التمثيل) الضوئي التي يقوم بها النبات, و هذه تنعكس نتيجتها زيادة كفاءة استخدام المياه في النبات، وزيادة القدرة على التمثيل الضوئي وزيادة النمو, كما أن زيادة ثاني أكسيد الكربون هي المسئولة عن زيادة (سمك الغطاء النباتي), و الذي يؤثر بدوره على بنية المجتمعات النباتية و وظائفها. وتبعا للبيئة، هناك استجابات متباينة لارتفاع ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بين "الأنواع الوظيفية" الرئيسية للنبات, مثل النباتات الثلاثية C3 و C4 , أو الكثير أو القليل من الأنواع الخشبية, التي يمكن أن تؤدي، في جميع الأمور، إلى تغيير المنافسة بين هذه المجموعات. كما يمكن أن تؤدي زيادة ثاني أكسيد الكربون أيضاً إلى زيادة نسب الكربون: النيتروجين في أوراق النباتات, أو بمعنى آخر تغير في كيمياء الورقة و التي ربما تؤثر بدورها في النمط الغذائي على الأوراق أو ما يسمى بالتغذية العشبية.
- تأثيرات الحرارة:
زيادة درجة الحرارة تؤدي إلى رفع معدل العديد من العمليات الفسيولوجية مثل التمثيل الضوئي في النباتات، إلى الحد الأعلى. كما أن درجات الحرارة القصوى يمكن أن تكون ضارة عندما تتجاوز الحدود الفسيولوجية للنبات.
- تأثيرات الماء:
وبما أن إمدادات المياه ضرورية لنمو النباتات، فإنها تلعب دورا رئيسيا في تحديد توزيع النباتات. ومن المتوقع أن تكون التغيرات في هطول الأمطار أقل اتساقا من درجة الحرارة وأكثر متغير بين المناطق، مع تنبؤات لبعض المناطق لتصبح أكثر رطوبة، وبعضها أكثر جفافا, وهذا يمكن أن يسبب تغيرا كبيرا في بعض النظم الإيكولوجية التي تعتمد على إمدادات المياه.
- تأثيرات عامة:
يجب ملاحظة أن المتغيرات البيئية لا تعمل بمعزل عن بعضها البعض، و لكنها تتضافر مع بعضها البعض، هذا بالإضافة لإجهادات (ضغوط) أخرى مثل تدهور الأماكن الطبيعية أو بيئة تلك المجموعات وفقدانها أو إدخال أنواع غريبة. و من ثم فإن هذه الضغوط تعمل على تغيير التنوع البيولوجي بالتآزر مع تغير المناخ لزيادة الضغط على الأنواع من أجل البقاء.
*الآثار المباشرة لتغير المناخ:
إذا تغيرت العوامل المناخية مثل درجة الحرارة وهطول الأمطار في منطقة و تعدت ما هو مناسب للنبات لنموه و انتشاره و إكمال دورة حياته بصورة طبيعية , فإن ذلك يؤثر على النمط الظاهري, كما يحدث تغيرات في توزيع الأنواع النباتية و من ثم تصبح عرضة للاندثار و الاختفاء. وهناك بالفعل أدلة على أن الأنواع النباتية تغير نطاقاتها البيئية طبقاً للارتفاع خطوط والعرض كاستجابة لتغير المناخ الإقليمي. ومع ذلك، فإنه من الصعب التنبؤ بكيفية تغير نطاقات الأنواع استجابة للمناخ وفصل هذه التغيرات عن جميع التغيرات البيئية الأخرى التي هي من صنع البشر مثل الغمر بالماء والأمطار الحمضية وتدمير البيئة الطبيعية التي يعيش فيها. وبالمقارنة مع معدلات الهجرة السابقة للأنواع النباتية، فإن الوتيرة السريعة للتغير الحالي ليس لديها القدرة على تغيير توزيعات الأنواع فحسب، بل تجعل العديد من الأنواع غير قادرة على تقبل المناخ الذي يتم تكييفه عليه, فاختفاء الظروف البيئية التي تتطلبها بعض الأنواع مثل تلك المتواجدة في مناطق جبال الألب قد تختفي تماماً, و لا شك أن هذه التغيرات تؤدي إلى زيادة و سرعة خطر الانقراض, كما قد يكون التكيف مع الظروف الجديدة أيضا ذا أهمية كبيرة في استجابة النباتات.
و مع ذلك يجب أن نعرف أنه ليس من السهل التنبؤ بخطر الانقراض, فالتوقعات الخاصة بفترة ما عن تأثير التغير السريع في المناخ, فيما مضى, أظهرت انقراض بسيط نسبياً للأنواع ففي بعض المناطق, على سبيل المثال. هذا ولا تزال معرفة كيفية تكيف الأنواع أو استمرارها في مواجهة التغير السريع محدودة نسبيا.
التغيرات في ملائمة البيئية المناسبة للأنواع تعمل على حدوث تغيرات في توزيع الأنواع ليس فقط من خلال تغيير المنطقة التي يمكن أن تتحملها الأنواع من الناحية الفسيولوجية، ولكن أيضاً على مدى إمكانية التنافس مع النباتات الأخرى في هذا النطاق, وبالتالي فإن التغييرات في تكوين المجتمع هي أيضا نتاج متوقع لتغير المناخ.
* التغيرات في دورة الحياة (العلاقة بين المناخ و الظواهر البيولوجية مثل التزهير):
عادة ما يرتبط وقت حدوث الأحداث البيولوجية مثل التزهير بالعوامل البيئية مثل درجات الحرارة, و من ثم فإنه من المتوقع أن التغير في هذه العوامل يؤدي بدوره إلى تغير أحداث دورة الحياة, و لقد سجلت تلك التغيرات في العديد من الأنواع النباتية. هذه التغيرات لها القدرة على أن تؤدي إلى عدم التزامن بين الأنواع، أو لتغيير المنافسة بين النباتات. فوقت التزهير في النباتات الإنجليزية (البريطانية), على سبيل المثال قد تغير مما أدى إلى أن النباتات الحولية تزهر مبكرا أو أبكر من النباتات المعمرة, كما أن النباتات التي تلقح بواسطة الحشرات أزهرت مبكراً عن مثيلاتها التي تلقح أزهارها بواسطة الرياح, مع تغيرات بيئية محتملة.
* الآثار غير المباشرة لتغير المناخ:
ومن المرجح ألا تتأثر جميع الأنواع تأثرا مباشرا بالتغيرات في الظروف البيئية التي تمت مناقشتها أعلاه فحسب، بل أيضا بشكل غير مباشر من خلال تفاعلاتها مع الأنواع الأخرى, وفي حين أن التأثيرات المباشرة قد يكون من الأسهل التنبؤ بها ووضع تصور لها، فمن المحتمل أن تكون للآثار غير المباشرة أهمية مماثلة في تحديد استجابة النباتات لتغير المناخ, و قد يتغلغل النوع الذي تغير توزيعه كنتيجة مباشرة لتغير المناخ في نطاق أنواع أخرى أو "يغزو" على سبيل المثال، وإدخال علاقة تنافسية جديدة أو تغيير عمليات أخرى مثل احتجاز الكربون.
كما قد يتغير نطاق الفطريات التكافلية المرتبطة بجذور النباتات بشكل مباشر نتيجة تغير المناخ، مما يؤدي إلى تغيير في توزيع النبات , وقد ينتقل عشب جديد إلى منطقة ما، ويغير من النظام و من ثم يغير كثيرا من تكوين الأنواع.و قد يغير المسبب المرضي أو الطفيل تفاعلاته مع النبات، مثل الفطريات المسببة للأمراض تصبح أكثر شيوعا في المنطقة التي يزيد فيها هطول الأمطار.
وقد تسمح زيادة درجات الحرارة للحيوانات العاشبة بالتوسع في مناطق جبال الألب، مما يؤثر تأثيرا كبيرا على تكوين بيئة جبال الألب.
من ثم يمكن القول أن هناك أمثلة لا حصر لها على كيفية تأثير تغير المناخ تأثيرا غير مباشر على الأنواع النباتية، و التي سيكون من الصعب التنبؤ بها في معظمها.
* المستوى الأعلى من التغيرات:
تستجيب الأنواع بطرق مختلفة جداً لتغير المناخ. وسوف يؤدي الاختلاف في توزيع الأنواع و في تتابع العمليات الحياتية مثل التزهير و خلافه و كذلك وفرة الأنواع إلى تغيرات لا مفر منها في وفرة أو ندرة الأنواع وتفاعلاتها, و تراكم هذه التغييرات سيؤثر على هيكل ووظيفة النظم البيئية.
المصادر:
1. Gifford RM, Howden M (2001). "Vegetation thickening in an ecological perspective: significance to national greenhouse gas inventories". Environmental Science & Policy. 4: 59-72.
2. Thomas Lovejoy; Lee Hannah (2006). Climate Change and Biodiversity. TERI Press.
3. Thuiller W; et al. (2008). "Predicting global change impacts on plant species' distributions: Future challenges". Perspectives in Plant Ecology, Evolution and Systematics. 9: 137-52.
4. Tim Flannery (2006). The Weather Makers: How Man Is Changing the Climate and What It Means for Life on Earth. Grove/Atlantic Press.