صرخ الأب على الابناء مناديا فلم يسمع احد ، تكرر الامر فلم يجب نداءه وصراخه الا واحد منهم بتكاسل شديد واستغراب لإصرار الأب على فعله ، تعلم الأب حيلة تبدو قديمة فصل الكهرباء عن جهاز توزيع إشارات شبكة الانترنت على الاجهزة التي تستخدم الانترنت ( الراوتر ) وتكرر الامر ، في البداية كانوا يتجمعون ، وتنجح الخطة ، لكن بعد قليل من التجارب لم يحدث ، لقد تفادوا ذلك واستعدوا له و قاموا بتنزيل ما يحتاجونه من مواد على اجهزتهم تحسبأ لهذه الحركة التي اعتادوها ، بعد ذلك تعلموا شحن اجهزتهم برصيد يكفي لمواجهة فصل الراوتر ، وهكذا يستمر الصراع ويطور كل أطرافه أدواتهم للاستمرار ،،
لم يعد من الممكن تجاهل ان التكنولوجيا شريك الحياة الجديدة ، تيارات تجرفنا في اتجاهات الريح ، خاصة اذا لم نضع خططنا الاستباقية للاستخدام ،،
التربية تعني ببناء الانسان بناء سويا ، لا تتوقف عند مرحلة ، تسعى لتكيف الفرد مع مجتمعه ، و تحقق له الرضا الذاتي عن نفسه وعن المحيطين ، وبدءا من تغذية الجسد بالوجبات عابرة القارات ، حتى تغذية العقل والروح بمحتو يصنعه عدد لا محدود من البشر والثقافات وجدنا انفسنا امام شخصيات جديدة تلقت تربيتها عن طريق مزيج واقعي وافتراضي ، بشري وإلكتروني ، لم يوجد من قبل في اي جيل مضى ،
نعم هذه هي العناصر الخمسة التي تشكل الأساس في عملية التربية :
-المربي
-المتربي
-بيئة التربية
-وسائل التربية
-المحتوى او المضمون الذي تقدمه التربية
لكن كل هذه العناصر دخلت عليها تغيرات كبيرة مما اوجب عملية التدريب المستمرة ، وفرض دورا جديدا على المربي ليكون قائماً بالاتصال بمهارات جديدة تتيح له التعامل الجيد مع المتغيرات ، ليظهر الأثر من هذه التربية الجديدة على أطراف العملية ،
احدثت التكنولوجيا العديد من التغيرات على رأسها ان الآباء والمدارس لم يعودوا هم المرجع الاساسي للابناء في التربية بل تنافسهم التكنولوجيا في بنائهم النفسي والعقلي والسلوكي ، واصبح الابناء في كثير من الأحيان مرجعا أساسيا للآباء ومستشارين لهم في عالم التقنية ، والبحث عن معلومات في كل المجالات ،
كم المعلومات المتاحة جعلت الأساليب القديمة في التربية تختفي ،ومفاهيم السلطة تتغير ، فهل تستطيع السيطرة على احد الان ، وهل هناك سلطة لأحد على أحد الان ؟
سمات جديدة طغت على طباعا وأساليبنا؛
-النضج المبكر للابناء يظهر ذلك في نقاشات لم تخطر على بال احد ،
-استخدام كل الحواس لنقل المعلومات التي اصبحت مقروءة ومسموعة ومرئية عبر تقنيات سهلة الاستخدام ، متوفرة غالبا بين أيدي مستخدميها
-القلق المبكر لدى الابناء ، والمتصاعد لدى الآباء تجاه مستقبل غامض يزيده غموضاً عدم القدرة على التنبؤ به وتوقعه ،
-القسوة واللامبالاة في التعامل بين كل الأطراف ، فالحياة الأخاذة تشد كل الأجيال و تدفع الجميع للغضب والاستياء والاعتراض والاحتجاج ، او للفرحة والمشاركات البعيدة و تبادل النكات والتهاني مع الغرباء ، متجاهلين الاحتياج الإنساني للتواصل المباشر الحميم ،
-المضمون العالمي الذي نتعرض له جميعا ويفرض قواعده وشروطه ، ولغته ، و سلوكياته المحلية او المستوردة وفق المقدرة على الجذب والنشر ،
-الغرور المشترك ، لا احد يتقبل كلاما ناصحا من احد ، هل تريد ان تعلمني ، ؟ انا اتعلَّم اكثر مما تتخيل ، ولدي مصادري في جمع البيانات والمعلومات ، وربما انا اعرف اكثر ، هكذا يفعلها جيل وجد بين يديه كل المعلومات دون مشقة ، بغض النظر عن مصداقية هذه المعلومات المتداولة ،
- تعاظم القدرة على التعلم الذاتي من خلال التعرض لبعض المناهج او التجارب والأفكار عبر مواقع التواصل الاجتماعي ، و كذلك تجارب انتاج المضامين الاعلامية التي تجبر منتجيها على جمع المعلومات ، و تنسيقها و اعدادها لانتاج مضمون اعلامي جدير بالمشاهدة وتحقيق اعلى مستوى من النشر والتشارك ،
-المنافسة العالمية في صناعة المحتوى الذي نتعرض له ، وبرامج المسابقات وشراكة الجمهور في صنع القرار ، وعلى رأسهم الصغار ، في التحكيم لصالح متسابق دون اخر ، هذه الأمور جعلت احساسهم بأثرهم اكبر من اي وقت مضى ، فهم اصحاب القرار ،،
ان الحياة من خلال شاشة فرضت أفعالا وردود افعال جديدة على الجميع ، أبناء وآباء ، طلبة ومعلمين ،،
حين وقع المربون تحت رؤية مباشرة للمتربين استطاع هؤلاء المتربون الصغار ان يرصدوا اخطاء الكبار ويراجعونهم بلا رحمة ، فالتلميذ الان يراقب صفحة أستاذه على شبكات التواصل الاجتماعي ، و الابنا يراقبون آباءهم بدقة في كلماتهم وصورهم ومحادثاتهم التي يعتقد الآباء انهم يؤمّنون أسرارهم ، والحقيقة ان مهارة الابناء التي تفوقت على الآباء جعلت التربية العكسية تأخذ أشكالا مزعجة .
فما أحوجنا أكثر من اي وقت مضى للتربية الاعلامية، و نشر الثقافة الإعلامية ، للتعامل مع المحتوى الموجود بكثافة عبر الإنترنت ، و الاهتمام بمهارات التفكير النقدي و الابداعي، بأساليب جديدة مواكبة ، خاصة مع توغل شبكات التواصل الاجتماعي و التي يطلق عليها احيانا الاعلام الاجتماعي، توغلت في كل جوانب حياتنا ، ما أحوجنا لاستخدام التطبيقات و المواقع ، لاستخدامات مؤثرة ، عائلية ، مدرسية ، تعليمية ، بدلا من تركها للاستخدام العشوائي دون خبراء ، صحيح ان هذا الاستخدام العشوائي سينضج بالممارسة ، لكن لنضمن نضوجه في وقت مناسب وفي اتجاهات ايجابية نحتاج لنشر الافكار التي تساعد على زيادة الوعي ، وازالة العداء بين تكنولوجيا المعلومات ومستخدميها ، نحتاج تدريبات مستمرة غير مباشرة لتنمية مهارات اعلامية اساسية لدى المستخدمين الجدد ، بدءا من مهارات التلقي و التعرض لما يأتينا من رسائل ، حتى مهارات الانتاج والإرسال والتعامل مع المحتوى الاعلامي مهما كانت بساطته ، او عمقه وتخصصه ، قبل عقود كان الاعلام اغلبه محليا ، محدود الأثر ، موجٓه في معظم رسائلة وتحت سيطرة رسمية او مجتمعية او أسرية ، الان مصانع الانتاج الاعلامي داخل كل بيت وعند أطراف أصابع كل فرد في الاسرة ، وقد اعترفنا جميعا الان بسلطة الكلمة المكتوبة ، والمسموعة ، والمرئية ، وقدراتها ،
و لا نغفل ان استخدام الأطفال للكمبيوتر مفيدا و يؤهلهم للحياة العصرية، و يفتح مداركهم و مواهبهم، مع توفير قدر من الرقابة و قد وفرت الكثير من شركات الكمبيوتر و الهواتف العديد من التطبيقات على سبيل المثال اتاحت مايكروسوفت اداة الرقابة الأبوية parental controls, في نظام ويندوز ١٠ عن طريق تمكين الوالدين من حماية ابنائهم من خلال تقييد التطبيقات و المواقع التي يمكن للأبناء استخدامها، و تحديد الزمن المسموح استخدام الكمبيوتر فيه، و كذلك الحصول على تقارير توضح انشطة الابناء على الانترنت.
و ما زال التطور يقدم فرصا و حلولا ابداعية للتعامل مع مخاطر الاتصال عن بعد، للحفاظ على التطور و جودة استخدام التكنولوجيا.