يغنون معي قصيدة صعبة ، اخترتها بعناية لتقل علامات الإعجاب و المحبة و المشاركة ، مؤكد احدهم يقوم بالتصوير الفوتوغرافي و الفيديو ، ليرفع ما فعل في يومه على قناته على اليوتيوب ، و صفحاته على الفيسبوك و انستجرام و باقي سلسلة التطبيقات الاجتماعية ،
يفخرون بالأماكن و الحفلات و الزيارات (بكل التشيك ان ) و انا اختنق ، كلما ضاقت دائرة المعجبين و انغلقت انطلقت و ابدعت ، تعطلني جدا الكثرة ، و العدد ،
كنت اغني على مسرح كبير ، مفتوح ( اراك عصي الدمع ، شيمتك الصبر )
اعتقد الجمهور انها تمثلني ، و الحقيقة انني لا عصية الدمع و لا الصبر شيمتي ، لكنني أديتها ببراعة ، و استمروا معي في الغناء 🎶🎵🎶🎵🎶
،،
لما وصلت الى المقطع الشهير( هما أمران أحلاهما مُرّ ) فكرت ، كيف عاش ابو فراس الحمداني هذا المأزق الرهيب في الاختبار بضيق الاختيار ،، بين الفرار أو الردى ؟؟!! ،بقوله هما امران احلاهما مُرّ !!!!
واذا كان ابو فراس يختار بين المُرّين ، الهروب والموت ، و يراهما احلاهما مر ، ، و انا لا أذوق الحلاوة فيهما ، غنيتها و كلاهما مر ، و مر المقطع بسلام ،
تأخذني افكاري ، فأخشى على جودة الاداء و قدرات العصر المتعاظمة على فضح الافكار ، و أعود للحظة الغناء ، اذهب بعيدا ، مرة اخرى ، هل يفكر الجمهور في هذا الكلام ، هل يتألمون بين الاختيارات الضيقة الصعبة، ؟؟!!
انهيت حفلتي ، تطاردني افكاري ، سلمت على الزملاء و انطلقت وحدي ، استوقفتني فتاة ، كانت تتحدث بحماس عجيب ، تؤكد انها لا انتماء لها سوى انها تبحث عن حياة اجمل و فرصة عمل مناسبة ، تعبر لي عن مشاعرها ، تحب الغناء ، و الكتابة ، و التمثيل ، تعمل في التجارة على الانترنت ، و انا احاول إنهاء الكلام ، ادفع اللحظة دفعا لتمر ، اريد الرحيل ، حجرتي الان هي كل ما اتمنى ، اريد الاختفاء، و قبل ان أعلن لها بأدب و ابحث عن اسلوب افضل لاقول لها (و انا مالي ) ، عبرت عن انبهارها بأدائي و انها لاحظت اني قلت ( كلاهما مر ) و ان هذا أعجبها جدا،
احب فقط هذه اللحظات التي تحمل رسائل خاصة ، لكنها اذا طالت خانقة ، فطالت ، تراودني الشكوك ، لا احب التحدث ، انا فقط اغني ، اغني ، لا احب الحوارات ، كيف أتأكد من صدق الحوارات ، و كلامها ، مثلا هل اطفيء في وجهها سيجارة شاب يتابعنا في صمت ، هل اكهربها ، هل أعلقها من رموش عينيها في مروحة سقف تدور ،
ينبغي ان اختصر كل الحوارات ، هي لا تكتمل في رأسي بنفس المسار ، عقلي مبرمج بطريقة مزعجة ، و كلما ذهبت لمراكز صيانة العقول لتغيير السوفت ، يقولون لا ضرورة ملحة للتغيير الان ، و الافضل بقاء الوضع على ما هو عليه ،
اكتم ضحكات بلهاء تراودني كل حين ، و اختتم افكاري اني لا اعرف شيئا ، و انها لا تعنيني و انه حوار اجباري سيمر ، و ان مشكلتي اني اغني مسرح ، لايف ، هل يمكن ان تكون التسجيلات حلا ؟ ، لا ادري ،
دائما احاول ان اتجاوز افكاري سريعا خشية لوحات النيون فوق رأسي ، واختيار البلوتوث المفتوح دائماً رغم انفي ، ليس في إعدادات الهاتف لكن في إعدادات رأسي ، و اغلق تطبيقات المواقع و الخرائط على جوجل ، أتأكد اني أوفلاين ، و أواصل الحوار ،
كلما قررت الفرار ابقى ، يحاصرني الناس بطموح كبير ، و يمطرونني بالأسئلة ، حين اخبرهم انه لا اجابة عندي ، لا يصدقون ، وحين أشاركهم الفتوى ينتشون ، و لا استطيع مواصلة ذلك بسهولة ، فألقى ما لا احب منهم و اكتفي بذلك ،
تمر من امامي شخصيات أرى ملامحهم و أسمعهم ، كنت اعتقدت اني حذفتهم و تأكدت من ذلك ، حتى ان الايموشن حدثني : هل انت متأكد انك لا تريد هؤلاء في حياتك ، سوف لا يمكنك مشاهدتهم او الاطلاع على افكارهم ، قلت له نعم ، فاجاب : حسنا نأسف لانك مررت بهذه التجربة ، ضحكت جدا ، تأسف لهذه التجربة ، يبدو انك لا تعرف شيئا عن باقي التجارب ، لا يهم ، هذا جيد ، على الاقل هذا معناه انه لا يعرف كل شيء ، و اطمئننت تماما ،
، عادت لي الفتاة ، وكدت اسألها ، (من انتِ ،؟؟ لكن تذكرت انها تعتقد اني عليمة) !!! ،،،
كيف يتبادل الناس كل هذه الافكار الجماعية ، و الأفعال الجماعية في آن واحد ؟؟
ثم قررت قرارا مفاجئا سأنهي التعاقد مع المستأجر الذي احتل فوق رأسي مساحات الهواء ووضع شاشات مقروءة كلوحات اعلانات النيون على الطرقات✳️ ،،
نعم سأفعل ذلك ، لكن حين يتركونني اصل الى حجرتي بهدوء ،
ثم انطلقت اغني ،
وقلبت أمري لا أرى لي راحة إذا البين أنساني ألح بي الهجرُ
،، نعم ألح بي الهجر ♻️