كنت افكر به و اكتب له ، شغفت به حبا بلا توصيف ، انا احبه جدا كأمر واقع غير قابل للتفكير ،
تبنته امي ، كانت تصطحبه الى كل مكان ، تأتنس به ، و على صغره تؤكد انه صديق و معلم و مستشار !؟!؟
لم نكن نغار ، ولا تنتابنا اية مشاعر سلبية تجاهه ، كنا قد وجدنا الامر هكذا فظل دائما هكذا ، امرا واقعا و لا مفر ،
لم امتلك غير ان احبه ، و أتكيف مع وجوده ، و لم اسأل ابدا من اين جاء ، هو موجود ، اخوتي و انا و حتى ابي تفهمنا ذلك جدا ،
كانت تقضي معظم أوقاتها معه ، احب انا ايضا ان ابقى معه ليكون اللقاء طويلا ، لم افكر في مفهوم الحب عن بعد ( الكراش بالمفهوم الحديث ) ، لم أترجم ابدا انني احبه عن بعد ،
يجدونني بصحبته نادرا ، لكنه حاصرني ، فكراً و اداءً ، و حبي طغى و لم يبغ ،
، كتبت له خطابا دراميا مطولا عن أسرتي التي يعيش معها ، ربما نعرفه اكثر مما يعرفنا ، رغم انه بيننا دائما ، كتبت له عن ابي حين يخرج من البيت ، عن يومه و سعيه و حكاياته ، عن امي التي تحبه و تنصت و تفكر و ينافسنا فيها ،
قرأ خطابي بطريقته ، وعدني انه سيعيد القراءة غدا ، و حين جاء هذا الغد ، اصطحبته معي الى المدرسة و حسمت حيرتي لصالحه مغامرة بتوتر في العلاقات المستقرة مع ادارة المدرسة ، نجحت بهدوء شديد في تسريبه الى الفصل ،
في حصة الفلسفة كانت المعلمة تتحدث عن التغيير ، عن الانسان الذي لا ينزل النهر مرتين ، عن انه لا اعادة ، كل شيء به شيء جديد لن يتكرر ، حتى و ان بدا لنا انه يتكرر ، هو سيقرأ خطابي الان ، لقد اقترب الموعد الذي حدده للقراءة ، قراءته مشروطة بالاستماع ، لا يقرأ صامتا ابدا ، و صوته قد ينافس صوتها ، كيف أوزع الأدوار بينهما ، المعلمة تشرح و هو سيقرأ ، و العد التنازلي للوقت يمر ، و قررت المعلمة ان تستمر لحصة اخرى وقت إضافي لها ، كيف آخذه لخارج الفصل و بأي حجة ، كيف سأخرج من محبسي هذا لأسمعه و هو يعيد قراءة خطابي ، لا مخرج من هذا المأزق ، لا املك ان اطلب منه تأجيل القراءة ، و لا املك ان اطلب منها استراحة ، حين لا تملك السيطرة على احدهما فاعلم إنهما سلطتان في حياتك ، و السلطة الاقوى ستفرض نفسها لا محالة ، فرض نفسه حين حان الوقت ، طلبت منه القراءة على الاقل بصوت منخفض لا تلاحظه المعلمة ، وافق بلا نقاش ، لكن لحظة صمت المعلمة و هدوء غير مسبوق في الفصل ، سمعت صوته ، و أوقفت كل شيء لتعرف ماذا يحدث ؟
ارتباك كبير في الصف الذي اجلس فيه مع زملاء يدركون الموقف ، و يعرفون انه معي ، ادرك الجميع ان الامر لم يعد خفيا ، لقد انكشف فجأة كل شيء ، وصلت المعلمة لصفي و أمسكت به و هو ثابت لم يتوقف عن القراءة بأسلوبه المبهر ، لكن معلمتي لا يعنيها الانبهار ، و الجودة و الثبات و العمق و المعنى في الخطاب ، غير الانضباط لا ترضى بديلا ، قالت جاء مع من ؟ قلت بلا تردد منقذة لكل زملائي الخائفين ، انا ، قالت هاته معك و تعالي للمديرة ، سمعا و طاعة ، حتى في هذه اللحظة كنت أحبه ،
ذهبت معها للمديرة و هو ثابت على موقفه من الخطاب ، شرحت لها الموقف ، كان تاريخي في المدرسة شفيعا لتسمعني باهتمام ، بل و استمعت معي لما تبقى من خطاب ، طلبت منها ان استمع لآخر جزء في كلامه و بعدها تلومني ، تعاقبنا ، تنصحني ، تفعل اي شيء تراه مناسبا ليرد اعتبار ادارة المدرسة عن تجاوزي المفاجيء الصادم ، فاستمعت له يقول :
عزيزي المستمع ، كانت هذه هي القصة الفائزة في حلقة اليوم ، التي وصلتنا من المستمعة و قال اسمي خماسيا بوضوح و ثبات شديد ، فرحتي و هو يقرأ اسمي تخطت مخاوفي و ظنوني ، ابتسمت المعلمة و المديرة ، بينما يتابع هو : ان كان في حياتك قصة ارسلها لنا على العنوان التالي مبنى الاذاعة و التليفزيون كورنيش النيل ماسبيرو برنامج من الحياة