فراس حج محمد

موقع يختص بمنشورات صاحبه: مقالات، قصائد، أخبار

في اكتمال الضوء

قراءة في ديوان (وشيء من سرد قليل) للشاعر فراس حج محمد

صفاء أبو خضرة| الأردنّ

في اكتمال الضوء، تنتحبُ العتمةُ

وفي اكتمال الماء تنبلج المرايا

وفي اكتمال الحكاية يتفتقُ الكلام ويبزغ الشعرُ قمراً.

في لُجّة بحثنا عن الاكتمال الذي أفضى به العنوان لنقتفي أثراً للضوء، سنتدرج عبرَه في قصائد ديوان (وشيءٌ من سردٍ قليل) للشاعر الفلسطيني فراس حج محمد، لنرى النسيج الذي غزلَ بهِ تلك القصائد، وتلك الخيوط التي تشابكت وشكّلتْ غزْلاً جميلاً يُناورُ فيه الحكايات التي وشى بها العنوان، وفتحَ لنا باب السرد على مصراعيه لنخوضَ فيه خوضةَ حالم.

ماذا لو أطلقنا العنان لبحثنا في الشعر العربي القديم سنجدُ فيهِ حُضوراً جلياً، للسردي، من هُنا ندرك أنّ السرد كانَ منسجماً مع الشعر منذ البدء، وقد ظهر مثل ذلك في قصائد عمرو بن أبي ربيعة، وفي معلقتيْ عنترة العبسي وامرئ القيس، لكنه اتخذ شكلاً آخر وتقنيات جديدة ظهرت فيما بعد في شعر الحداثة الشعرية، وأعتقد أن المزيج المشترك ما بين الشعري والسردي أَضفى على الشعر خاصية خرجتْ من ثوبِها السميك بوفود من أحداث وشخصيات تُتيح للقارئ التوغل في الذهنية وتصوّر الحركة كمشهد درامي شعري في آنْ؛ ليصبح مرآة تعكس الواقع بصورة أكثر قرباً للمتلقي ولمخيلته.

 كما ظهرت أدوات السرد جليةَ في القصائد، ومن بعد اتخاذ التناص القرآني "وشيءٌ من سدر قليل" (سورة سبأ الآية 16) كان العنوان متفقاً، ومُحاوراً للنصوص الشعرية وعليه تم بناؤه، ولم يكن السرد في هذا الديوان مجرَّد تشكلٍ بيانيٍّ، إنما ربط بين النَّص والمحاور الثقافيَّة الأخرى في محاولة لكشف الوجه الآخر في سياقه غير المألوف وغير المُندَرج تحتَ قائمة معروفة،  لذلك وظّف الشاعر التناصّ القرآني وظهر جليّاً في كثير من قصائد الديوان وفي العنوان ابتداءً.

ويتجلى التناص في قصيدة "هذه المرأة لغزٌ" في مقطع يقول فيه:

"عمّ يتساءلون"

عن حقلك الأبيض المصقول

شعّ في وهج المرايا واستدار

ها هو "النبأ العظيم"

إننا أمام نُصوص شعرية يمتزج بها السردي مع الشعري؛ فحسب "باختين" لا يوجد نص أدبي خالص، فهل نعتبر القصيدة التي حدث فيها التزاوج ما بين السردي والشعري شعراً خالصاً؟ أما بعد اتخاذها السرد جسداً من حيث صناعة الحدث والمشاهد الحركية والشخصيات حتى لو كانت هذه الأخيرة بصيغة الأنا والـ هو أو الـ هي، انطلق الكاتب من هُنا ومزج قصائده ما بين الشعر والنثر فخرج من القوالب المعروفة المرتبطة بالشكل لتحقيق الشعرية عبر صناعة اللغة وتحطيم السائد.

ونجد بعضاً مما ذكرتُ أعلاه يتجلّى في مقطع من قصيدة "المسّ الجُنوني للمعنى الدقيق من الكتابة" يقول فيه:

تحمرُّ السُّهى برقصتِها وتخضرّ

أحتاجُ مرآكَ الـ (يمرّ) على مرآتي الحبلى

أراني عند كلّ غوايتين

أنبلَ أطهر

أحتاجُ أغنيتين أعبرُ فيهما عمراً

فيرتدّ الشباب إليّ مزهواً بطعم الحب

في هذا الديوان أيضاً نجد الكثير من ملامح السرد المفضية بالمتلقي إلى المشاهدة الحية ويكون في حالة مواجهة مع البداية والعقدة والنهاية كأننا أمام حكاية تسردُ وقائع لها راوٍ وشخصيات يرتبطون معاً بحدثٍ ما وفق ترتيب زمني معين ومثال على ذلك هذا المقطع من قصيدة "ما بعد حفلة التوقيع":

واحدٌ أو اثنان من الجمهور القليل العدد أصلاً سيلاحظ ما كتبت

لم يفسر الأمر أحدٌ إلا أنه اعتيادي ويحدث كل يوم

في مجتمع المدينة الثقافي لا يعدون الأمر لافتاً أو أنه تهور عاطفي محرج

سيعربون بعفوية عن جمال عبارة الاهداء ما قبل الخاتمة

ينتهي الأمر هناك في لحظته دون حدوث إشاعة أو مشكلة

في الختام أقول إن تداخل السرد مع الشعر لا يُعدُّ أمراً دخيلاً بالقدر الذي يحسب على أنه عملية خلق جديدة للنص الشعري، وبما أن النصوص في الديوان التزمت بقواعد السرد الثلاث: الثبات، والتحول، والتغير، فإننا نقفُ أمامَ عمل إبداعي متعدد الوجوه، وإن الاكتمال الذي بحثنا عنه منذ البدء كان حقيقياً.

المصدر: فراس حج محمد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 179 مشاهدة
نشرت فى 1 مارس 2022 بواسطة ferasomar

فراس عمر حج محمد

ferasomar
الموقع الخاص بــ "فراس حج محمد" »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

722,311

فراس حج محمد

نتيجة بحث الصور عن فراس حج محمد كنانة أون لاين

من مواليد مدينة نابلس في فــلسطين عــام 1973م، حاصل على درجة الماجستير في الأدب الفلسطيني الحديث من جامعة النجاح الوطنية. عمل معلما ومشرفا تربويا ومحاضرا غير متفرغ في جامعة القدس المفتوحة. 

عمل محررا لغويا في مجلتي الزيزفونة للأطفال/ رام الله، وشارك في إعداد مواد تدريبية في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، وكان عضوا في هيئة تحرير مجلة القانون الدولي الإنساني/ الإصدار الثاني الصادرة عن وزارة التربية والتعليم في فلسطين.

نشر العديد من المـقالات والقـصائد في مـجالات النشر المختلفة الإلـكترونية والصحف والمجلات في فلسطين والوطن العربي وبريطانيا وأمريكا وكندا والمكسيك. وشارك في ندوات وأمسيات شعرية ومؤتمرات في فلسطين.

الكتب المطبوعة: 

رسائــل إلى شهرزاد، ومــن طقوس القهوة المرة، صادران عن دار غُراب للنشر والتوزيع في القاهرة/ 2013، ومجموعة أناشيد وقصائد/ 2013، وكتاب ديوان أميرة الوجد/ 2014، الصادران عن جمعية الزيزفونة لتنمية ثقافة الطفل/ رام الله، وكتاب "دوائر العطش" عن دار غراب للنشر والتوزيع. وديوان "مزاج غزة العاصف، 2014، وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في القصة القصيرة جدا- دار موزييك/ الأردن وديوان "وأنت وحدك أغنية" عن دار ليبرتي/ القدس وبالتعاون مع بيت الشعر في فلسطين، وكتاب "يوميات كاتب يدعى X"، وكتاب "كأنها نصف الحقيقية" /الرقمية/ فلسطين، وكتاب "في ذكرى محمود درويش"، الزيزفونة 2016، وكتاب "شهرزاد ما زالت تروي- مقالات في المرأة والإبداع النسائي"، الرقمية، 2017، وديوان "الحب أن"، دار الأمل، الأردن، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في الرواية"، مكتبة كل شي، حيفا، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في متنوع السرد"، مؤسسة أنصار الضاد، أم الفحم، 2018، وديوان "ما يشبه الرثاء"، دار طباق للنشر والتوزيع، رام الله، 2019، وكتاب "بلاغة الصنعة الشعرية"، دار روافد للنشر والتوزيع، القاهرة، 2020. وكتاب "نِسوة في المدينة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2020. وكتاب "الإصحاح الأوّل لحرف الفاء- أسعدتِ صباحاً يا سيدتي"، دار الفاروق للنشر والتوزيع، نابلس، 2021. وكتاب "استعادة غسان كنفاني"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2021، وكتيّب "من قتل مدرّس التاريخ؟"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2021. وديوان "وشيء من سردٍ قليل"، وزارة الثقافة الفلسطينية، رام الله، 2021. وديوان "على حافّة الشعر: ثمّة عشق وثمّة موت"، دار البدوي، ألمانيا، 2022. وكتاب "الكتابة في الوجه والمواجهة"، الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمان، 2023. وكتاب "متلازمة ديسمبر"، دار بدوي، ألمانيا، 2023. وكتاب "في رحاب اللغة العربية"، دار بدوي، ألمانيا، 2023، وكتاب "سرّ الجملة الاسميّة"، دار الرقمية، فلسطين، 2023. وكتاب "تصدّع الجدران- عن دور الأدب في مقاومة العتمة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمّان، 2023، وديوان "في أعالي المعركة"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2023، وكتاب "مساحة شخصية- من يوميات الحروب على فلسطين"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "الثرثرات المحببة- الرسائل"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "فتنة الحاسة السادسة- تأملات حول الصور"، دار الفاروق للثقافة، نابلس، 2025. 

حررت العديد من الكتب، بالإضافة إلى مجموعة من الكتب والدواوين المخطوطة. 

كتب عن هذه التجربة الإبداعية العديد من الكتاب الفلسطينيين والعرب، وأجريت معي عدة حوارات ولقاءات تلفزيونية.