منهج المدرسة العلمية في الإصلاح المعاصر

أ. د. عبدالله بن إبراهيم بن علي الطريقي
مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 1/7/2013 ميلادي - 23/8/1434 هجري
زيارة: 937

   
  Share on favoritesShare on facebook Share on twitter Share on hotmailShare on gmail Share on bloggerShare on myspaceShare on digg

منهج المدرسة العلمية في الإصلاح المعاصر

لمحات من مناهج الإصلاح المعاصرة وأثر العلماء في توجيهها وتقويمها (6)


وهذه المدرسة اتَّجهت إلى العلم دراسة وتحصيلاً، وتدريسًا وتعليمًا، وإنتاجًا وتصنيفًا؛ وذلك لإيمانها بأهمية العلم في إحياء الأمة، وتجديد فِكْرها وحضارتها، وإعادة مجدها.

 

ولأن الاشتغال بالأمور الأخرى السياسيَّة والاجتماعية ونحوها مما يعوق طريق الإصلاح؛ لما فيه من بعثرة الجهود وضعْف الجدوى كما ترى هذه المدرسة[1].

 

ولعل من أبرز الأمثلة على هذه المدرسة:

1- ندوة العلماء بالهند.

2- جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.

3- الأستاذ وحيد الدين خان.

 

1- فأما ندوة العلماء بالهند، فقد تأسَّست عام 1311هـ برئاسة الشيخ لطف الله عليكره.

 

وكان من أبرز أهدافها:

إصلاح التعليم الديني، وإصلاح وضع المسلمين الاجتماعي والخُلُقي، والجمع بين طبقات المسلمين عامَّة، وطبقات العلماء بخاصة[2].

 

وكان مبدؤها:

الجمع بين الدين الخالد الذي لا يتغيَّر، وبين العلم النامي الذي لا يتحجَّر، بين صلابة الحديد في الثبات على العقيدة، وبين نعومة الحرير في اقتباس العلوم النافعة[3].

 

وقامت على الفور بتأسيس مدرسة عربيّة دينية، هي: دار العلوم، وكان من ضمن المشرفين على الشؤون التعليمية: الأستاذ المشهور: شبلي النعماني، ثم تلميذه الأستاذ سليمان الندوي، وتحتوي الندوة على مكتبة ضخمة[4].

 

2- وأما جمعية العلماء المسلمين الجزائريين:

فقد أنشئت عام 1349هـ، وكان من أبرز المؤسسين لها:

الشيخ عبدالحميد بن باديس، والشيخ محمد البشير الإبراهيمي[5]، ويجيء إنشاؤها في الوقت الذي كان فيه الاستعمار الفرنسي يجثم على كاهل الجزائر، ويُذيق أهلها أنواع الهون والبؤس، حتى تفرنست الجزائر بالقوة.

 

ولذلك عُنيت هذه الجمعية ممثَّلة بعلمائها بالتعليم والإرشاد والدعوة إلى الدين الحق، الذي لا تَشوبه شائبةُ الخرافة والفرنجة[6].

 

كما عُنيت بصفة خاصة بتعليم اللغة العربية والتاريخ الإسلامي[7]، وكان شعار الجمعية حكمة الشيخ الإبراهيمي: "الأمة التي لا تبني المدارس تُبنى لها السجون"[8].

 

3- وأما الأستاذ وحيد الدين خان، فهو أحد المفكرين المسلمين الكبار في الهند في العصر الحاضر، وهو صاحب منهج خاص، له مؤلّفات وأبحاث كثيرة، ومن أشهرها: كتاب "الإسلام يتحدى".

 

وله عناية بالجانب العلمي:

• فدعا إلى تدوين جديدٍ للعلوم الإسلاميَّة، على اعتبار أن "الاتجاه الذي سار عليه التدوين في القرون المتأخرة لم يكن صحيحًا، فقد كان المطلوب تدوين العلوم الإسلامية بالأسلوب التذكيري، وليس بالأسلوب الفني الذي راج بالفعل، إن الله تعالى قد جعل دينه ميسرًا لأجل الذكر والنصيحة، ولكنا نحن (والكلام للأستاذ خان) قد عقَّدناه وصعَّبناه"[9].

 

• ودعا إلى إنشاء مركز إسلامي للبحوث، فكتب سنة 1970 يقول: "في حالتنا الراهنة نرى أنه ينبغي بَدء إحياء الإسلام في أحسن صوره العلمية، بأن نقيم مركزًا إسلاميًّا على نطاق عظيم، ويكون هذا المركز الإسلامي مجهزًا بجميع الوسائل العصرية لنشْر الأفكار؛ حتى يصبح هذا المركز مصدر الطاقة المفجِّرة للحركة الإسلامية العالمية، بحيث يكون هذا المركز إسلاميًّا وعالميًّا وعصريًّا في نفس الوقت، بشرط واحد ألا يكون سياسيًّا بأي وجه من الوجوه"[10]، وقد أنشئ فعلاً هذا المركز بدلهي.

 

تقويم المدرسة العلمية وأثر العلماء في توجيهها:

في الحديث عن هذه المدرسة اتضحت لنا معالم منهجها، وما قدَّمتْه من جهود علمية طيبة، ثم ما تركته من آثار إيجابية.

 

سواء في ذلك: ندوة العلماء في الهند، وجمعية العلماء في الجزائر، وكذلك الأستاذ وحيد الدين خان، ولا غرو في ذلك؛ فالقائمون عليها علماء مُبرّزون كما مر معنا؛ ولذلك ظهرت بصماتهم على أعمالهم وآثارهم.

 

فهذا الشيخ عبدالحميد بن باديس، وهو أحد أبرز مؤسسي جمعية العلماء الجزائريين يرسُم خطة للدعوة مُستقاة من الكتاب والسنة في كتابه المسمَّى: الدرر الغالية في آداب الدعوة والداعية، فيقف وقفات عليه مفسِّرًا قوله تعالى: ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ ﴾ [يوسف: 108].

 

1- فيُقرِّر أن الدعوة مطلبٌ عامٌّ على المسلمين أفراد أو جماعات، ولكن على علم وبصيرة وبيِّنة.

 

2- ومن الدعوة إلى الله: دروس العلوم كلها مما يُفقِّه في دين الله ويُعرِّف بعظمة الله وآثار قدرته، فالفقيه الذي يُبيِّن حُكمَ الله وحكمته داعٍ إلى الله، والطبيب المُشرِّح الذي يُبيِّن دقائق العضو ومنفعته داعٍ إلى الله، وهكذا.

 

3- ومن الدعوة: بيان حجج الإسلام، ودفع الشُّبه عنه، ونشْر محاسنه بين الأجانب عنه؛ ليدخلوا فيه، وبين مزعزعي العقيدة من أبنائه ليَثبتوا عليه.

 

4- ومن الدعوة: مجالس الوعظ والتذكير، لتربية المسلمين في عقائدهم وأخلاقهم وأعمالهم، وتحذيرهم مما أُدخِل عليهم من مُحدَثات.

 

5- ومن الدعوة: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو فرض عين على كل مسلم ومسلمة، وإنما يتنوَّع الواجب بحسب رتبة الاستطاعة.

 

6- ومن الدعوة: بعث البعثات إلى الأمم غير المسلمة ونشْر الكتب بألسنتها، وبعث المرشدين إلى عواصم الأمم المسلمة لتفقيههم.

 

7- وفي قوله تعالى: ﴿ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [الأنعام: 79]، إعلان للبراءة من المشركين؛ من عقائدهم وأعمالهم وأقوالهم.

 

وفيها تأكيد لمباينتهم، والبُعد عن شِركهم بجميع صوره ووجوهه[11].

 

8- ثم كانت له وقفات علميَّة ودعوية عند قوله تعالى: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [النحل: 125].

 

9- ومن ذلك بيان أركان الدعوة: وهي الداعي، والمدعو، والمدعو إليه، والبيان عن الدعوة.

 

10- وأن أسلوب الدعوة يكون بالحكمة، وهي ما في القرآن والسنة، وبالموعظة، وهي التذكير بأيام الله في الأمم الخالية، وباليوم الآخر وما يتقدَّمه، ونحو هذا.

 

ثم دعا إلى تحسين خطبة الجمعة بصفتها من المواعظ وبالجدال بالتي هي أحسن؛ أي بكلمة الحق والكلمة الطيبة، وأن يَسلُك في مدافعة أهل الباطل طريق الرِّفق والرجاحة والوقار؛ ولذلك نهى الإسلام عن الجدال العقيم[12].

 

11- كما كانت لابن باديس أيضًا وقفات عند قوله تعالى: ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ﴾ [المائدة: 15].

 

ويَحسُن الرجوع إليها[13].

 

وهكذا تبدو هذه التوجيهات الطيبة من عالم جليل ممارس للدعوة والجهاد، ولو انتقلنا إلى النموذج الآخر، وهو ندوة العلماء، لوجدنا مِثلَ ذلك أو ما يُقارِبه.

 

فالأستاذ العلامة أبو الحسن الندوي، وهو من أشهر علماء الندوة في هذا اليوم[14]، نجد له مؤلّفات كثيرة تَفيض علمًا وأدبًا، بل عاطفة وغَيرة على دين الله وواقع المسلمين، قال في محاضرة له بعنوان: "غاية التعليم والتربية من العالم الإسلامي ومنهاجه" ما خلاصته:

1- العلم وَحدة لا تتجزَّأ، ولا تقبل التوزيع والتصنيف.

 

2- وليس من تزيَّا بزي عِلم من العلوم صار عالمًا فيه.

 

3- ومسؤولية كل جهة علميَّة: تأكيد إيمان الأمة بالعقائد والأفكار التي تؤمن بها، والحضارة التي تحتضنها، والرسالة التي تتبنّاها.

 

4- وهذا الدين لن يُفارِق العلم؛ بل هما صِنوان.

 

5- وينبغي العناية بتربية السلوك والسيرة.

 

6- والغرض الأصيل من العلم التوصل إلى الإيمان واليقين[15].

 

وهكذا تبدو آثار العلماء وتوجيهاتهم في تلك الصروح الدعوية، ومهما يختلف الناقد معهم، فجهودهم طيبة مشكورة.

 

نعم، قد يكون ثمة اختلاف بين النماذج نفسها في داخل هذه المدرسة، لكنه يجمعها المنهج العلمي الرصين.

 

وإذا كان من ملاحظات جوهريَّة على منهج هذه المدرسة، فهو فيما يبدو لي: تكثيف جهودها وتوظيفها في الجانب العلمي، ولو كان ذلك في ظل دولة مسلمة لكان له ما يُبرِّره، بصفة ذلك جزءًا من رسالة الأمة تقوم بعبئه إحدى المؤسسات: رسميَّة كانت أم شعبية.

 

أما وهذه الجمعيات في مجتمع تُظلِّله العلمانية ومناهج الكفر، فإن الأمر في واقع الأمر يحتاج إلى دعوة ذات منهج متكامل يبني الفرد والمجتمع بناء فكريًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا، والله أعلم.



[1] ينظر مثلاً: جمعية العلماء المسلمين الجزائريين؛ مازن مطبقاني (ص: 271)، ومسؤوليات الدعوة؛ وحيد الدين خان ص 5.

[2] ينظر: الموسوعة الحركية؛ إعداد مؤسسة البحوث والمشاريع الإسلامية، لبنان 2: 58.

[3] مجلة البعث الإسلامي، الصادرة عن الندوة، جمادى الأولى 1392هـ، الصفحة الأولى.

[4] ينظر: الموسوعة الحركية 2: 59 - 61 - مرجع سابق، ومجلة البعث الإسلامية، محرم - ربيع 1396.

[5] ينظر: جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ودورها في الحركة الوطنية الجزائرية؛ للأستاذ مازن مطبقاني ص 78 - 79.

[6] ينظر: المرجع السابق (ص: 275 - 277)، ويلاحظ وجود رسالة ماجستير للدكتور إسحاق بن عبدالله السعدي بعنوان: "جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، نشأتها وآثارها"، مطبوعة على الآلة الكاتبة.

[7] المرجع السابق أيضًا (ص: 101).

[8] المرجع السابق.

[9] نحو تدوين جديد للعلوم الإسلامية (ص: 12).

[10] مسؤوليات الدعوة (ضمن سلسلة نحو وعي إسلامي) ص 5.

[11] انظر: الدرر الغالية (ص: 12 - 22).

[12] ينظر المرجع السابق (ص: 25 - 48).

[13] الدرر الغالية (ص: 49) فما بعدها.

[14] وهو المسؤول الأول في الندوة منذ عام 1380هـ، (انظر: مقابلة ضافية معه عن مشكلات العمل الإسلامي في مجلة الأمة القطرية العدد 33)، وقد توفي - رحمه الله عام 1999م - 1420هـ.

[15] ينظر: الطريق إلى السعادة والقيادة؛ للأستاذ الندوي ص 123 فما بعدها.

 



   


 


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Culture/0/56694/#ixzz2zMxeATaj

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 112 مشاهدة
نشرت فى 20 إبريل 2014 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,795,648