التواصل الاجتماعي والثقافي بين الهند والبلاد العربية

في العهد الإسلامي


أ- أهل الهند والسند في البلاد العربية بعد الإسلام:

دخل الإسلام بلادَ الهند قبل بَدء الفتوحات الإسلامية في عهد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقد جاء المسلمون إليها مجاهدين، ففتحوا بعضها بالصلح والمعاهدة، وبعضها عَنوة، ورجعوا بالغنائم والسبايا الذين ضموهم إلى أهليهم وجعلوهم موالي، ومن هؤلاء "الحنفية السندية" التي كانت عند علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - فولدتْ له ابنه محمدًا المشهور "بابن الحنفية"، وسلافة أو غزالة السندية، كانت أَمَةً للحسين بن علي - رضي الله عنهما - فولدت له علي بن الحسين بن علي، الإمام زين العابدين.

 

ومن سلالة موالي الهند الذين أقاموا في عهد الخلافة الراشدة في بلاد العرب مع الصحابة والتابعين وعامة المسلمين:

• الإمام الحافظ أبو معشر نجيح بن عبدالرحمن السندي المدني صاحب المغازي، مولى امرأة من بني مخزوم.

 

• وعبدالرحمن السندي؛ تابعي سمع عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال البخاري في التاريخ الكبير: عبدالرحمن السندي سمع أنسًا - رضي الله عنه -: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأكل ولا يتوضَّأ من اللحم"، توفي رحمه الله سنة 170هـ.

 

• والإمام الفقيه مكحول بن عبدالله الشامي، مولى امرأة من بني قيس، سندي من سَبي كابل، على قول، وهو تابعي روى عن الصحابة أنس وأبي أمامة وغيرهما، قال الذهبي في التذكرة: مكحول عالم أهل الشام، قال ابن إسحاق: سمعت مكحولاً يقول: طُفت الأرض في طلب العلم، وقال الزهري: العلماء ثلاثة، وعدَّ منهم مكحولاً، وقال أبو حاتم: ما أعلم بالشام أفقه من مكحول، توفي سنة 113هـ، رحمه الله[1].

 

• والإمام عبدالرحمن بن عمر الأوزاعي السندي، ولِد سنة 88هـ، صاحب المذهب الفقهي الذي تَبِعه أهل الشام وأهل الأندلس مدة من الدهر، وله مدونات في علم الحديث، وآثار التابعين، ومن سمِع منهم، واستخرج الأحكام الشرعية على مذهب انفرد به[2]، قال الذهبي: الأوزاعي أصله من السند، وتوفي - رحمه الله - عام 157هـ.

 

• وكذلك أحمد بن محمد، أبو العباس الديبلي المصري، الفقيه الحافظ الزاهد، توفي سنة 373هـ.

 

• والحسن بن محمد، أبو الفضائل اللاهوري، البغدادي، الفقيه، المحدث، اللغوي، توفي عام 650هـ، عاش في بغداد ودفن في مكة، وله مؤلفات كثيرة في اللغة والفقه والحديث، منها: مجمع البحرين (12 سفرًا)، والشوارد في اللغة، وشرح البخاري.

 

وغير هؤلاء كثير من العلماء والفقهاء، لا مجال لذكرهم في هذا البحث[3].

 

وفي مجال الأدب والشعر، نجد من أهل الهند من هاجر إلى البلاد العربية، وكان لهم تأثير كبير:

منهم: الشاعر الحماسي أبو العطاء أفلح بن يسار السندي، من أهل الكوفة[4] كان مولى بني أسد، وكان أبوه سنديًّا أعجميًّا لا يُفصِح، أما هو، فكان شاعرًا بليغًا من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية، وقد نشأ أبو العطاء بين العرب، ونبغ في الشعر، لكنه لازمته لُكنة، فكان لا يُحسِن التلفظ بالحاء والجيم والشين، فاتخذ غلامًا فصيحًا يُنشِد شعره الذي ذكره أبو تمام الطائي في كتابه الحماسة:[5]

ذكرتُكِ والخطيُّ يخطر بيننا وقد نهلتْ منا المثقفةُ السُّمْرُ[6] فواللهِ ما أدري وإني لصادقٌ أداءٌ عَراني من حُبابِك أم سِحرُ فإن كان سحرًا فاعذريني على الهوى وإن يكُ داءً غيره فلكِ العذرُ

 

وقال يمدح سليمان بن سليم:

أعوزتْني الرواةُ يا بنَ سليم وأبَى أن يقيم شِعري لساني وغلاب الذين أحجم صدري وجفاني لعُجمتي سلطاني وازدرتْني العيونُ إذ كان لَوني حالكًا يحتوي من الألوانِ[7] فضربتُ الأمورَ ظهرًا لبطنٍ كيف أحتال حيلةً لِلساني وتمنَّيت أنني كنت بالشعـ رِ فصيحًا وبان بعضُ بناني[8] ثم أصبحتُ قد أنخت رِكابي عند رحْبِ الفناء والأعطان[9] فاكْفنِي ما يَضيق عنه رُواتي بفصيحٍ من صالحي الغِلمانِ يُفهِم الناسَ ما أقول من الشعـ رِ فإنَّ البيانَ قد أعياني

 

وقد توفِّي أبو العطاء السندي أيام المنصور.

 

وممن نسلوا من أصل سندي - كذلك - ابن الأعرابي الراوية اللغوي، محمد بن زياد السندي الكوفي، وهو من موالي بني هاشم، وله مصنفات كثيرة، منها: النوادر، والأنوار، وتاريخ القبائل، ومعاني الشعر وتفسير الأمثال، وقد توفي سنة 231هـ.

 

ب- تأثُّر أهل الهند والسند بالحضارة الإسلامية:

والدارس لتاريخ العلم والعلماء في الهند، يعرف جيدًا مقدار تأثر أهلها بحضارة الإسلام، يقول العلامة الهندي عبدالحي الحسني (1286-1341هـ) في كتابه القيم "معارف العوارف في أنواع العلوم والمعارف"[10]:

"اعلم أن الإسلام ورد الهند من جِهة خراسان وما وراء النهر، فانعكست أشعة العلم على الهند من قِبَل تلك البلاد، وكانت صناعة أهلها من قديم الزمان فنون الفلسفة وحكمة اليونان، وكان قُصارى نظرهم في عِلم النحو والفقه والأصول والكلام عن طريق التقليد، فلما بلغ الإسلام إلى الهند، وصارت بلدة "ملتان"[11] مدينة العلم، نهضت من تلك البلدة جمع كثير من العلماء، ثم لما صارت "لاهور" قاعدة الملك في أيام الغزنوية[12] صارت مركزًا للعلوم والفنون، ثم لما افتتح الملوك الغورية[13] مدينة "دهلي" وجعلوها عاصمة البلاد المفتوحة من الهند، صارت مرجعًا ومآبًا للعلماء حتى وفَد إليها أرباب الفضل والكمال من كل ناحية وبلدة، فدرسوا وأفادوا عهدًا بعد عهدٍ، ولم تزل كذلك إلى آخر عهد الملوك التيمورية"[14].

 

وقد صارت اللغة العربية، منذ الفتح الإسلامي للهند، لغة العلم والأدب، فما خلت الهند في العصور الإسلاميَّة من علماء يُؤلِّفون بالعربية، وأكثر مؤلفاتهم في العلوم الإسلامية مثل التفسير والحديث والفقه والكلام.

 

وفي علوم العربية: مثل اللغة والنحو والصرف والبلاغة، نذكُر من هؤلاء العلماء على سبيل المثال:

• فيضي، المتوفى سنة 1004هـ، وهو صاحب التفسير المسمى: سواطع الإلهام.

 

• ومن كبار المفسرين والمتكلمين عبدالحكيم السيالكوتي المتوفى سنة 1067هـ، وهو من علماء عصر شاه جهان (1037- 1068هـ).

 

• ومن الفقهاء محب الله البهاري، وله تأليف في الفقه، وآخر في المنطق.

 

• والشيخ نظام، الذي أشرف على جمع الفتاوى الهندية في عهد أورنك زيب[15].

 

• ومن المؤلفين بالعربية في العصر الحاضر "صديق حسن خان"، مؤلف حقوق النسوة، وغيره من الكتب القيمة، والشيخ "شبلي النعماني"[16] الذي نقد تاريخ الأدب العربي "لجرجي زيدان"[17]، و"كرامت حسين" مؤلِّف فقه اللسان واللغة، وعبدالعزيز الميمني؛ له رسائل مهمة في تاريخ الأدب، وقد نشر في مصر "سِمط اللآلي شرح كتاب الأمالي"، وكتبًا أخرى قيمة، وزاهد علي شارح ديوان ابن هانئ"[18].

 

• ومن المؤلفين بالعربية المعاصرين: الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي - رحمه الله - رئيس ندوة العلماء بلكنو بالهند، والذي له مؤلفات قيمة في العلوم الإسلامية والحضارة والأدب، منها: "السيرة النبوية"، و"ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟"، و"روائع إقبال"، وغيرها من الكتب القيمة، وقد أسَّس رابطة الأدب الإسلامي العالمية عام 1406هـ، ولها أعضاء من جميع البلاد العربية والإسلامية.

 

• ولقد جمع عبدالحي الحسني - رحمه الله - أسماء العلوم والعلماء في الهند منذ الفجر الإسلامي في الهند، وذكَر مصنَّفاتهم في العلوم الإسلامية كافة، مبينًا أثر الهند الإسلامية في حفْظ هذه العلوم وإثرائها بالمؤلفات والشروح المطوَّلة والفتاوى، واللغة والأدب والشعر والمنطق وغيرها من العلوم[19].

 

وهكذا؛ فإن التواصل الثقافي بين البلاد العربية والهند والباكستان مستمرٌّ على مر الزمان، حتى جاء العلامة والمفكِّر الإسلامي العظيم محمد إقبال، فزاد هذا التواصل حرارة وإيمانًا وتوثيقًا، بشعره الفياض المعطار، وفكره النير، وجهاده الدائم في سبيل نُصْرة الإسلام في كل مكان، فهل يستطيع قلمي القاصر أن يفيه حقَّه بالتعريف للقارئ العربي، ويُبرِز شخصيَّته الأخَّاذة، الفاعلة والمؤثِّرة، أم يكتفي بإعطاء إشارات وعلامات فقط على طريق هذه الشخصية العظيمة؟



[1] ارجع إلى العقد الثمين ص217.

[2] وكتابه هذا يوجد منه نسخة خطيَّة في مكتبة جامعة القرويين بالمغرب.

[3] ارجع إلى كتاب: "العقد الثمين"، وكتاب "رجال الهند والسند إلى القرن السابع"، ففيهما تفصيل عن رجال أهل الهند والسند الذين ولِدوا وعاشوا في البلاد العربية وخارجها من العلماء والمُحدِّثين، والرواة والفقهاء والمشايخ، والأدباء والشعراء، والمتكلمين والفلاسفة، وأرباب الصنائع وغيرهم الذين يُعَدون بالمئات، وما ذكرته على سبيل المثال لا الحصر.

[4] الكوفة: مدينة في العراق.

[5] انظر كتاب الحماسة؛ لأبي تمام حبيب بن أوس الطائي (1: 66).

[6] الخطي: نسبة إلى الرماح الخطيَّة، وأصلها من الهند تنتقل إلى الخط وهو على ساحل البحرين، المثقفة السمر: أي الرماح المستقيمة.

[7] ازدرتني: احتقرتني، حالكًا: شديد السواد.

[8] بان بعضُ بناني: يتمنَّى الشاعر أن يكون فصيح اللسان، مقابل أن تُقطَع بعض أصابعه.

[9] أنخت رِكابي: كناية عن لجوئه وإيوائه، رحب الفناء والأعطان: كناية عن الكريم.

[10] طُبِع هذا الكتاب بدمشق في سورية عام 1277هـ (1958م) بعنوان: الثقافة الإسلامية في الهند، المجمع العلمي العربي.

[11] مدينة معروفة في باكستان.

[12] الغزنوية، قامت بعد الدولة السامانية، ومن ملوكها محمود الغزنوي، وهم أتراك.

[13] الغورية قامت بعد الدولة الغزنوية 555هـ (1162م).

[14] في القرن العاشر الهجري وحتى سنة 1275هـ (1837م).

[15] عام (1069- 1118هـ).

[16] شبلي النعماني: باحث ومؤلف هندي مشهور بالدقة والتحري.

[17] جرجي زيدان: 1278- 1332هـ (1861-1914م)، كاتب نصراني من أصل لبناني، عاش في مصر، وكتب تاريخ الإسلام بأسلوب قصصي مغرض.

[18] عبدالحي بن فخر الدين الحسني (1286-1341هـ - 1869 - 1923هـ): مؤلف كتاب: نزهة الخواطر في تراجم أعيان الهند - غير المنقسمة - في ثمانية مجلدات كبار، ظهرت سبعة منها من دائرة المعارف بحيدر أباد في الهند، ونشْر المجمع العلمي العربي بدمشق كتابًا له باسم: "الثقافة الإسلامية في الهند"، وهو كتابه: معارف العوارف في أنواع العلوم والمعارف، وهو والد الشيخ أبي الحسن الندوي - رحمه الله - (انظر: روائع إقبال، هامش ص: 7).

[19] التوجيه الأدبي (221).

 



   



رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Culture/0/60090/#ixzz2g42UJQPC

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 105 مشاهدة
نشرت فى 27 سبتمبر 2013 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,792,870