الحث على تربية الأولاد


الحمد لله الذي خلق الإنسان وعلمه وفضله على سائر مخلوقاته بالعقل وكرمه، أحمده - سبحانه - وهو المحمود على كل حال، وأشكره على ما خولنا فيه من النعم الجزال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في الربوبية والألوهية، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله إلى كل البرية صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا..

 

أما بعد:

أيها الناس، أوصيكم ونفسي بتقوى الله وأداء الواجبات واعلموا رحمكم الله أن من أهم ما أوجب الله عليكم تربية أولادكم فإنهم أمانة في رقابكم وقد استرعاكم الله عليهم ولابد سائلكم عنهم، وسيحاسبكم على ما عملتموه نحوهم، إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر، قال بعض السلف - رحمهم الله -: الصبي أمانة عند والديه وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة خالية من كل نقش وهو قابل لكل ما ينقش، ومائل إلى كل ما يحال إليه فإن عُوّد الخير وعُلِّمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة وشاركه في ثوابه والداه وكل معلم له ومؤدب، وإن عُوّد الشر وأُهمل إهمال البهائم شقي وهلك وكان الوزر في رقبة القيّم عليه لأن الله - تعالى - يقول: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6] قال ابن كثير - رحمه الله - عند تفسير هذه الآية: عن علي - رضي الله عنه - أدبوهم وعلموهم، وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - اعملوا بطاعة الله، اتقوا معاصي الله، ومروا أهليكم بالذكر ينجكم الله من النار، وقال قتادة: تأمرهم بطاعة الله وتنهاهم عن معصية بمنعهم عنها وزجرهم، يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر)[1].

 

ومعلوم أن ابن سبع سنين لا يحسن الطهارة ولا يحقق الصلاة وأنما أمر بذلك تمهيدًا وتوطينًا لنفسه ليعتاد الصلاة ويألفها ما دام التعليم يؤثر فيه، ثم أمر بضربه وهو ابن عشر سنين إذا لم يمتثل الأمر، وذلك أنه ما دام في سن يقبل التأدب، وقلبه صاف لم يتعلق بشيء من أمور الدنيا ولا يستطيع القيام على نفسه، فعليكم - عباد الله - امتثال ما أمركم الله به ورسوله، وإياكم والمداهنة في دين الله والتعلل بالأعذار التي لا يقبلها الشرع، مثل أن تقره على معصية الله من ترك الصلاة أو التهاون بها، وتفتي لنفسك أن ما هو عليه خير من أن تأمره وتنهاه خشية أن يفارقك ويتمادى فيما هو أعظم من ذلك، واعلم يا عبد الله أن مثل هذه التعليلات إنما يمليها عليك عدوك الشيطان يريد أن ترافقه أنت وابنك في نار جهنم فاحذر - يا أخي- عدوك الشيطان وتسويله وإملاءه وقم بواجبك نحو أبنائك، مرهم بطاعة الله وانههم عن معصية الله، علمهم كتاب الله وحثهم على تلاوته ونشئهم على طاعة الله وحبب إليهم المساجد واحفظهم عن قرناء السوء فإنهم يتأثرون بما يرون ويسمعون، يخرج طفلك من بيتك ولا يعود إلا وهو متلبس بسوء، يأتي يشتم نفسه وإخوته وأمه وما رأت عينه تأسيًا بقرناء السوء، علمه البدء بالسلام ورده، علمه احترام والديه وكبير إخوته ومن هو أكبر منه سنًا من المسلمين، علمه مكارم الأخلاق مثل الأخذ والعطاء والمأكل والمشرب باليمين، علمه تشميت العاطس ورحمة الضعفاء والمساكين والرفق بالحيوان، ولا تتركه هملًا تتولاه الشياطين وإخوان الشياطين فينشأ جاهلًا متمردًا بعيدًا عن الخير قريبًا من كل شر فتبوء بإثمه ويكون وبالًا عليك، فعليك - يا أخي - مراقبة الله - تعالى - في نفسك وفيمن تحت يدك من الأولاد فإنك إذا تقاعست عن أمرهم ونهيهم كنت مساعدًا لهم على المعاصي ومقرًا لهم عليها فتكون شريكًا لهم فيها وربما يكون الإثم عليك أعظم لأنك عصيت الله حيث أمرك أن تقي نفسك وأهلك نارًا وقودها الناس والحجارة، ولا تظن أنك تقيه من نار جهنم بماله أو بجاهك وسلطانك!، لا يا عبد الله، لا وقاية من عذاب الله وناره إلا بطاعته، أقم نفسك على طاعة الله ثم أقم من تحت يدك عليها لعلك تقي نفسك وأهلك من نار جهنم واحذرأن تكون بعكس ذلك فتداهن في طاعة الله ولا تأمر ولدك ولا تنهاه فيكون سببًا لهلاكك، يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ [التغابن: 14، 15].

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي لا يضيع أجر العاملين ويضاعف الحسنات للمحسنين، أحمده - سبحانه - على فضله العميم وأشكره على ما أولانا من كرمه الجسيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يحكم ما يشاء ويفعل ما يريد وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وسلم..

 

وبعد:

أيها الناس، اتقوا الله ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، أيها الناس إنكم سائرون إلى الله سيرًا حثيثًا وقادمون عليه بأعمالكم ومجازيكم على حسنها بالإحسان وعلى سيئها بالعذاب والهوان، فاستعدوا - عباد الله - لما أمامكم من المواقف العصيبة.. موت وقبر وصراط وميزان وموقف عظيم يشيب منه الولدان، فأعدوا زادًا لهذه المواقف ما دام يمكنكم التزود بالأعمال الصالحة.

 

أيها المؤمنون، ناداكم الله باسم الإيمان وأمركم أن تقوا أنفسكم وأهليكم نار جهنم، ولا تحصل الوقاية إلا بفعل الأوامر واجتناب النواهي، فامتثلوا أمر ربكم وأصلحوا أنفسكم وقوموا على من تحت أيديكم وأعينوهم على أنفسهم بأسرهم بطاعة الله وتعليمهم ما ينفعهم من أمور دينهم ونشئوا أولادكم على الخير، أدبوهم صغارًا يحترموكم كبارًا ويعرفوا حقكم الواجب عليهم، فإن التعليم والتأديب في الصغر ينفعهم في الكبر فإن الغصون تعدل ما دامت دقيقة وتقبل التعديل بخلاف الخشب فإنها عند التعديل تتكسر، فكذلك الأولاد فإنهم في الصغر قابلون للتعليم والتأديب والتوجيه، وإذا تجاوزوا سق المراهقة دون توجيه ولا تأديب فإنهم حينئذ غير قابلين للتوجيه، فلا تضيعوا - رحمكم الله - الفرص المواتية للتوجيه، واعلموا رحمكم الله أن وسائل الشر والضلال المفسدة للعقول والأخلاق والأديان قد توفرت في السوق وفي البيت بواسطة الإعلام، فالراديو والتلفاز والفيديو وما في حكمها من وسائل النشر والإذاعة والإشاعة قد استولت على كل أوقاتهم، وإذا لم يجاهدوا ويتفقدوا تابعوا ما يشاع ويذاع ولم يحذروا من متابعة ما يضر ولا ينفع، فإنهم إذا تركوا في متابعة ذلك تسممت أفكارهم وتنكرت أخلاقهم وذهبت أوقاتهم واستقبلوا حياتهم عزلًا مما ينفعهم في دنياهم وآخرتهم وكان لهم الحظ الأوفر من سيء النتائج في الدنيا والآخرة، في الدنيا لا يحترمونكم ولا يبالون بما يسؤوكم، وربما تطاولوا أيام حياتكم ليستريحوا منكم، لا سيما عند كبركم واحتياجكم للخدمة وليرثوا مخلفاتكم ليستعينوا بها على متطلبات شهواتهم، وأما في الآخرة فتبوؤون بإثمهم وتشاركونهم في العذاب جزاءً لما أضعتم من حقوقهم التي أمركم الله، ورسوله بها في مثل قوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6]، وقوله: ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ﴾ [طه: 132]، وقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (كلكم راع ومسئول عن رعيته)[2] وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر)[3] وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (كل مولود يولد على الفطرة فأهله يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)[4].

 

وذلك بتربيتهم، فالولد بتعاهده بالتربية صغيرًا يتربى على ما ربي عليه، فإن ربي على اليهودية أو النصرانية أو المجوسية كان يهوديًا أو نصرانيًا أو مجوسيًا، أما إذا رُبِّي على الإسلام فإنه يكون قرة عين لمربيه في الدنيا والآخرة وكان من الأعمال الصالحة التي تبقى للمربي، يقول الله - تعالى-: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ ﴾ [الطور: 21] ويقول - صلى الله عليه وسلم -: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له)[5].

 

والحمد لله رب العالمين.



[1] أبوداود حديث 494، 495، والترمذي حديث 407.

[2] صحيح البخاري (853) وصحيح مسلم (1829).

[3] سبق تخريجه.

[4] صحيح البخاري ع (1358، 1385)، وصحيح مسلم ح (2658).

[5] صحيح مسلم ح (2494).


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Social/0/54984/#ixzz2UH9BOWwI
azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 79 مشاهدة
نشرت فى 25 مايو 2013 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,824,163