أهميـــة أن نتعلـــم يا نــــاس‏!‏
كتبت - سناء صليحة: 8 

منذ ما يقرب من عشرين عاما كتب د‏.‏ يوسف إدريس مقالا في صحيفة الأهرام بعنوان أهمية أن نتثقف يا ناس‏.‏ و اليوم‏,‏ ومع توالي تكرار الأزمات في مصر وظهور دعوات و تصريحات غريبة لا تنتمي لهذه الأرض و لا لثقافة أهلها‏,‏ يبدو أن علينا أن نعيد النظر في دعوة كاتبنا الكبير و أن نقلل من سقف طموحاته لدرجة أو أكثر‏!!.‏

 

فمنذ بداية هذا العام شهدت مصر سيلا من التصريحات و الرؤي الصادمة و التي تراوحت مابين تكفير لمبدعين ولمؤسسات ثقافية و تعليمية أو دعوات لمنع تدريس اللغات وأخري للانتقاص من حقوق المرأة و تهميش دورها في المجتمع, وصولا لاختزال مشاكل مصر في أسماء وأشخاص و تجاهل فكرة المنظومة التي تصنع المشكلة, و بالتالي العجز عن الوصول لحلول لمواجهتها, في ظل هذه الأجواء و التركيز علي عرض المرض أو المشكلة مع تجاهل أسبابها وتداعياتها علي المدي القريب و البعيد, يبدو أن دعوة كاتبنا الكبير لابد أن تأخذ خطوة للوراء لتحول مقولة أهمية أن نتثقف يا ناس إلي أهمية أن نتعلم يا ناس!!
و أتصور أن الوضعية الثقافية المصرية التي وصفها قبل سنوات الكاتب الصحفي الكبير صلاح الدين حافظ-رحمه الله-بأنها متخشبة ومتجمدة ومتخلفة,هي التي أفرزت تلك الإشكاليات ومهدت الأرض لظهور هذه الدعوات. فبينما يشهد العالم تطورا في تقنيات المعرفة و التعلم و تفاعلا بين التيارات الفكرية المتعددة ونقاشا مجتمعيا مبنيا علي أسس العلم و المنطق ووضوح و تحديد المفاهيم و الكلمات, لا نزال نقف في مربع المتفرجين أو في أحسن الأحوال في مدرجات الألتراس حيث يتحول التشجيع والرفض لمجرد صيحات انفعالية!!
فوراء واجهة البناء الثقافي المصري البراق سراديب معتمة تعشش فيها مصالح شخصية متضاربة وأفكار مسطحة وأخري مكبلة و قشور من المعرفة وهيمنة إعلامية ترسخ ثقافة التيك أواي وهوية ملتبسة وآلية غائبة لتحديد استراتيجية عمل المنظمات الثقافية,إضافة لمنظومة تعليمية مهترئة تقوم علي النقل لا العقل, و حفظ المعلومة دون محاولة لتوظيفها أو تطويرها أو الخروج بها من سطور الكتب للاستفادة بها علي أرض الواقع. و هنا لابد أن أشير أن العناصر السابق ذكرها هي خلاصة رؤي و أفكار طرحها عدد من كبار كتابنا و مفكرينا في هذه الصفحة في أكثر من تحقيق وحوار حول تقييم أحوال الثقافة المصرية, وأنها وإن كانت المساحة المتاحة لا تتيح نقلها بنص العبارات التي وردت علي لسان أصحابها من صفوة مفكري و مبدعي مصر, أو تقديم ولو جزءا من القائمة الطويلة التي تضم أسماء لقامات مشهود لها, هي ما دفعني لإعادة صياغة عنوان كاتبنا الكبير يوسف إدريس بحثا عن السبب لا العرض.
ففي تسعينيات القرن الماضي و مع وصول مصطلح, علم المستقبليات, لمصر واستقرار مفهوم عصر المعلوماتية في العالم المتقدم, ظهرت مجموعة من الدراسات التي ربطت بين تطور المجتمعات و ثقافتها و كيفية تعاطيها للمعلومة و الاستفادة منها. ولقد أوضحت تلك الدراسات أن تحول المجتمع البشري من مجتمعات زراعية لصناعية افرز بنية ثقافية و تعليمية, أهم أسسها عنصر الوقت و مجرد تحصيل المعلومة. و تجلت مظاهر هذه البنية الثقافية في أساليب تقييم أداء الطالب( أسلوب التلقين و الاختبار) وفي الأطر الحاكمة لنظم العمل(ساعات الحضور و الانصراف و فكرة مقطوعية الإنتاج)_ وتوجيه الرأي العام و التعامل مع المواطنين من خلال وسائل الإعلام الجماهيرية, باعتبارهم كتلة واحدة أو مجرد متلق سلبي. ثم أوضحت دراسات علم المستقبليات أن التطور التكنولوجي الذي يشهده العالم انتقل به لعصر جديد يقوم بالدرجة الأولي علي إنتاج المعلومة و سبل توظيفها في بناء معرفي مما أسفر عن تغيير كثير من المفاهيم التي أقرها المجتمع الصناعي. في هذا السياق تراجع مفهوم التلقين و حفظ المعلومة لصالح إقامة بني معرفية جديدة تقوم علي الربط بين المعلوم, واستنتاج معلومة مضافة, وتلاشت فكرة الإعلام الجماهيري والتلقي السلبي لصالح التلقي الانتقائي التفاعلي علي شبكة الإنترنت الذي تحدده الخلفية المجتمعية ودرجة الثقافة.
وفي ظني أن المعضلة التي باتت تواجهنا اليوم تتلخص في تفاعلنا اليومي و تأثرنا بمنتج وفكر مجتمع المعرفة, ولو علي سبيل الاستهلاك و التقليد, بينما لانزال, حتي اللحظة, ندور في فلك ثقافة المجتمعات الزراعية أو في أحسن التقديرات بدايات المجتمع الصناعي.
واليوم ومع صدور أكثر من تصريح حول إجراء تعديلات في المناهج الدراسية, وهي بالفعل تحتاج لتعديل سريع, يصبح السؤال الأكثر إلحاحا هو: هل التغيير المطلوب الآن للخروج من عنق الزجاجة والانطلاق لمستقبل افضل, نصبح فيه فاعلين وليس مجرد رد فعل, مرهون بإضافة أو حذف صفحات من الكتب أو مجرد رفع اسم الرئيس السابق منها أو منع تدريس اللغات الأجنبية أو إضافة مادة الدين للمجموع الكلي للطالب, أم أن التغيير المطلوب يجب أن يستهدف تنمية المهارات والقدرة علي التفكير والتأمل و النقد و الابتكار ومواكبة إمكانيات وأفكار الأجيال الجديدة؟
وأخيرا,فإن الصورة التي نراها علي أرض الواقع الآن وخلاصة التحليل الذي قدمه صفوة مفكرينا في بداية هذه السطور, لتوصيف حال الثقافة المصرية و مردوده علي المجتمع تؤكدان آن تحرير العقل و تحديد المفاهيم و تطوير العمل الثقافي للخروج من أسر المنتج الثقافي التقليدي, وتأكيد البعد المعرفي, أمور لابد أن يسبقها بناء تعليمي لاستعادة العقل المصري وحمايته من محاولات تغييبه, الأمر الذي أظن أنه لابد أن يدفعنا جميعا لإعادة صياغة دعوة كاتبنا المبدع يوسف إدريس لتصبح أهمية أن نتعلم يا ناس!!.
ge.gro.marha@ahieless

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 66 مشاهدة
نشرت فى 8 إبريل 2012 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,685,669